بقلم : سمير السعد ..

حينما كنت طفلاً، كانت الحياة تبدو لي بسيطة، واضحة، ومليئة بالقيم الأصيلة. تعلّمتُ في سنواتي الأولى ثلاث قيم راسخة: الوفاء، الصدق، والحب. كانت هذه القيم نبراساً يهدي طريقنا، ويساعدنا على فهم الحياة بمنظور نقي، مليء بالثقة، والتفاؤل.
“الوفاء ” كان يرمز إلى الحفاظ على العهود والوقوف إلى جانب من نحب مهما كانت الظروف.

” الصدق “الذي يبعث الطمأنينة في قلوب الآخرين ويزرع الثقة في نفوسهم، كان يُعد فضيلةً لا غنى عنها. وأخيراً، “الحب ” الذي كنا نعيشه ببساطة الأطفال، بعيداً عن تعقيدات الحياة ومتاهاتها، كان يجمعنا ويزيد من ترابطنا مع من حولنا.
لكن مع مرور الوقت، ومع انخراطنا في العالم الأكبر وتعرضنا لتجارب الحياة، اكتشفنا أن هذا العالم ليس بالبساطة التي تخيلناها. فالحياة في الكبر تأتي بتحديات جديدة لم نكن ندركها ونحن صغار. نرى “النفاق ” وقد أصبح شائعاً، حيث يختبئ الكثيرون وراء أقنعة مزيفة ويتحدثون بلغات متعددة تختلف باختلاف مصالحهم. كما نرى “الغدر ” الذي ينقض على العلاقات ويقوض الثقة بين الأصدقاء وحتى العائلة. وأخيراً ” الكذب ” الذي يُعد سلاحاً يستخدمه البعض للتلاعب وتحقيق مصالحهم الشخصية.
مع هذه التحديات، نجد أنفسنا منهكين، مرهقين من محاولات التعامل مع هذه الوجوه المتغيرة والقلوب المتذبذبة. ولعل هذه التناقضات بين قيم الطفولة وواقع الكبار تدفعنا أحياناً للتساؤل: هل نعود لطفولتنا، حيث كانت الحياة أبسط وأكثر نقاءً؟
وفي نهاية المطاف، يبقى في قلوبنا حنينٌ دفينٌ إلى تلك الأيام التي كنا نعيش فيها ببساطة، دون تلاعب أو أقنعة. نتوقُ إلى زمنٍ كنا فيه نصدق بسهولة ونحب ببساطة ونعاهد بوفاءٍ لا يعرف التردد. لكنَّ الحياة علّمتنا أن النمو لا يعني فقط العمر، بل يعني أيضاً تقبل تناقضاتها ومواصلة التمسك بتلك القيم مهما عصف بنا الزمان. سنظل نحمل الوفاء، والصدق، والحب في قلوبنا، نقيّم من يستحق، ونمضي بشجاعة، آملين أن نبقى أوفياء لأطفالنا الصغار الذين كناهم يوماً، كي لا تنطفئ شمعة النقاء في دواخلنا.

سمير السعد

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات

إقرأ أيضاً:

حكم الالتزام والوفاء بالعهود والمواثيق في الإسلام

قالت دار الإفتاء المصرية إن القرآن الكريم بين أنَّ من صفات المؤمنين الوفاء بالعهد، وأنهم لا ينقضون الميثاق، وأن نقض الميثاق من صفات الملعونين؛ فقال تعالى: ﴿أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ۝ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ ۝ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ۝ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ۝ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ۝ سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ۝ وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [الرعد: 19-25].

وأوضحت الإفتاء أن الإسلام جاء شاملًا لكل أمور الحياة، فلم يجعل الوفاء بالعهد بين أتباعه فقط، بل نظَّم أمر الأمان بين المسلمين وغيرهم؛ قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، وهذا عام يشمل الوفاء فيما بينهم، وفيما بينهم وبين غيرهم، وأَمَرَهم بعدم الانقياد للعواطف، والعمل بالعدل ولو مع العدو البغيض.

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ  وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: 8]، فأمر بعدم حمل بغضهم قومًا على عدم العدل معهم، ولا ريب أن من أهم أسس العدل الوفاء بالعهد مع الآخرين، كما أنه نزل رحمة للعالمين، وهذا يقتضي معرفة الناس له بسماع القرآن الكريم، والتعرف على أحكام الإسلام.
وقال الله تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: 6]. فإن دخل أحدٌ من غير المسلمين لديار الإسلام بأمان لسماع القرآن أو لغرض آخر جائز؛ كتجارة ونحوها، وجب على المسلمين جميعًا تأمينه على نفسه وماله وعرضه حتى يبلغ مأمنه؛ وهذا من قبيل الالتزام بالعهود والمواثيق.

وقد أمرت الشريعة بالوفاء بالعهد والالتزام به حتى وإن كان هذا مع دولة غير مسلمة؛ فإنه لا ينبغي قتالها إلا بعد إعلامها بترك المسلمين للعهد إن خافوا منهم غدرًا؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾ [الأنفال: 58].

وورد عن سليم بن عامرٍ قال: كان بين معاوية رضي الله عنه وبين أهل الروم عهد، وكان يسير في بلادهم حتى إذا انقضى العهد أغار عليهم فإذا رجل على دابةٍ أو على فرسٍ وهو يقول: الله أكبر وفاءً لا غدر. وإذا هو عمرو بن عبسة رضي الله عنه، فسأله معاوية رضي الله عنه عن ذلك، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلاَ يَحُلَّنَّ عَهْدًا، وَلاَ يَشُدَّنَّهُ حَتَّى يَمْضِيَ أَمَدُهُ أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ». قال: فرجع معاوية رضي الله عنه بالناس. أخرجه أبو داود والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.
 

مقالات مشابهة

  • “أنسنة رفحاء”.. برنامج يعزز جودة الحياة
  • طريقة استرداد الكفالة بعد البراءة والتصالح مع المحكمة
  • حكم الالتزام والوفاء بالعهود والمواثيق في الإسلام
  • واشنطن بوست: ذئاب داعش المنفردة تثير قلق ترامب بتهديد لا يتلاشى ببساطة
  • ما قصة انتشار “بق الفراش” على متن الطائرات التركية!
  • مفتي الجمهورية: رحلة العائلة المقدسة إلى مصر كانت تشريفا لأرضها| فيديو
  • رحلة نزوح شاقة.. نازحو “قوز الحاج” يواجهون البرد والجوع
  • برج الأسد.. حظك اليوم الجمعة 3 يناير 2025: خذ الأمور ببساطة
  • طبيبة توضح العلامات التي تدل على الإرهاق الشديد
  • بعد 14 عاما.. النابلسي يعود لمسجده الذي طالبه “الأسد” بنسيانه