عودة ظاهرة النقل السري بشكل مهول والذي يربط بين جماعتين السويهلة والاوداية
تاريخ النشر: 5th, November 2024 GMT
النقل السري، أو ما يعرف في الأوساط الشعبية بـ”الخطافة”، ظاهرة أضحت منتشرة بشكل لافت في عدد من مناطق السويهلة والاوداية ، خاصة تلك التي اتخذت لها مواقف مشروعة داخل تراب جماعة السويهلة ولوداية والذى لم يسلم من تبعاتها مهنيو النقل وقد سبقو ان نبهو على هذا الامر للسلطات المعنية.
ومما لا شك فيه أن ما أفرز هذه الظاهرة هو أزمة المواصلات؛ إذ تكاد تنعدم في القرى والمداشر ، ليبقى النقل السري مرآة للخصاص في النقل العمومي.
وبالرغم من هذا فلا يمكن الاستهانة بأرواح المواطنين خصوصا أن الوضعية القانونية لم تتم تسويتها لحد الآن، كما عبر الساكنة عن رغبتهم فى تسوية هذه الوضعية وإيجاد حلول جدية مستعجلة.
المصدر: مملكة بريس
إقرأ أيضاً:
التوتر في الظاهرة كيف نحمي التماسك الاجتماعي؟
تعيش المجتمعات المتنوعة ثقافـيا تحديها الخاص، وهي إذ تتماسك فـي بنائها الجمعي تفعل ذلك عبر بناء علاقات ذات طابع وظيفـي تحقق بها وعبر منطقها صورة من تآلف الحضور الاجتماعي المتجسد فـي مظاهر شتى من العقائد الفكرية، والمذاهب الروحية، والأشكال الثقافـية متعددة التنسيج، ومع ذلك فإن التحدي يظل قائما، وهو كيف يمكن الحفاظ على هذه العلاقات مُمْتَنة وذات قيمة معنوية تشد بها أطراف ظاهرتها، والسؤال الأهم فـي ذلك هو: هل تلحق بهذه العلاقات أعراض من فتور مردها توتر فـي الإطار الكلي الناظم لسياق الاجتماعي؟ وليكن هذا السؤال هو محل نقاش هذه المقالة القصيرة.
إن كل رابطة اجتماعية فـي جوهرها تعبير عن تواصل مستمر فـي البنى الأصغر فـي كل تكوين، وما يصنع هذا التواصل هو العلاقات ما فوق البنيوية، فالمجتمعات الحيَّة هي تلك القادرة على الاستثمار المنتج لمختلف بُناها وأُطرها، لأن مصدر قوة كل مجتمع يعود إلى ترسيخ وتمديد فاعلية المكون الأقوى فـيها (=المعايير والقيم الأخلاقية)، فهي ماهيته الثقافـية المُشَكِلة للحضاري فـيه، والمعبرة عن ذاتيته وخصوصيته، وليس تفلح أي طاقة معرفـية ما لم تكن قادرة على التحقق المستمر من عمليات التواصل هذه، والطريقة المثلى لإجراء هذا الاختبار على مدى صلابة الاتصال الفعَّال بين المكونات الاجتماعية المختلفة، هو دراسة بل لنقُل مراقبة التحولات الناشئة جرَّاء التطورات التي تعيشها المجتمعات اليوم، إذ بهذا يمكن للمعنيين الحفاظ على التماسك الاجتماعي، لأنه من الملاحظ أننا فـي منطقتنا العربية لا نولي اهتماما كبيرا للمتغيرات الكامنة فـي جوف كل تحول تمليه قوانين طبيعية مثل: «الأجيال الجديدة، تراجع صور الانتماء، تحدي الآخر، الحريات والفردانية، مساءلة المُسَلمات...إلخ» ونعتقد بأن الكتلة الاجتماعية الصلبة لا تتأثر بما يحدث فـي السياقات الأخرى من الظاهرة، وقد لاحظ كثير من فلاسفة علم الاجتماع الحديث أن أكبر التحديات التي تواجه المجتمعات المعاصرة تتلخص فـي قدرة الفاعلين لمواجهة تحدياتها على التنبؤ وليس الرصد، فالثانية تعبير عن حالة إقرار واستسلام للمتغيرات، أما الأولى فوظيفتها أمضى، كونها تتبع حُر لفهم التبدلات الصامتة فـي البنية الاجتماعية الشاملة، ولذا نقع كثيرا على تخليط بين المشكلة الاجتماعية، وحقائق الواقع الاجتماعي (=الظواهر) فالأولى تنطبق على بعض مظاهر سلوكية تخترق سياج المعايير العامة مثل: «المخدرات والجريمة، الطلاق، الفقر، التفكك الأسري، الهجرة، العنف، التسول والتشرد...إلخ» وهذه محكومة أكثر بنطاق ضيق فـي البنية الشاملة، إذ هي لحظة من لحظاتها، وتحتاج فـي المقام الأول قبل التشريعات، والتي هي بطبيعة الحال موجودة فـي أي بلد، تحتاج إلى تدريب يتلقاه الباحث الاجتماعي لمحاصرة هذا النوع من المشكلات عبر دراسة الفئات الأكثر ارتباطا بها، وهذا يفـيد أن المشكلة الاجتماعية لا يتوفر فـيها ما يتوفر فـي الظاهرة، أي الشمول والانتشار واللازمانية، ورغم تعدد التعريفات لماهية المشكلة الاجتماعية، فإن المدرسة الوظيفـية فـي علم الاجتماع الحديث وهي التي تضع على عاتقها تنظيم المجتمع وضمان تثبيت حالات التوازن فـيه لتحقيق هدفها الرئيسي وهو تجذير الاستقرار الاجتماعي، فإن هذه المدرسة تمدنا بأهم جانب فـي فهم المشكلة الاجتماعية، وهي أن المشكلة الاجتماعية يتعاظم حضورها عندما تكون الظروف الراهنة فـي فضاء المجتمعات (المتعددة منها بالذات) غير قادرة على تلبية المعايير الاجتماعية (الكلية والمُجمع عليها، بل هي هوية سلم قيم المجتمع) بشكل كاف يحفظ لهذه القيم الاستمرار والديمومة التفاعلية فـي الأوساط الاجتماعية كافة، كما أن من مظاهر التحقق من وجود المشكلة الاجتماعية أن يكون هناك إجماع حتى من الفئات الناشطة فـيها أو على الأقل المتورطة فـي ترويجها، أن يكون هناك إجماع على رفضها والتبرؤ منها، فليس هناك مجرم أو مدمن أو أي خارج على القانون بإمكانه الدفاع عن أفعاله فـي الفضاء العام، وإن فعل ذلك فإنه ليس فقط يحكم على نفسه بالإدانة بل إنه يجعل من جريمته أيًا كان نوعها حربًا على المجتمع كله، لأن الجريمة الاجتماعية هي إخلال متعمد بالوثيقة الأخلاقية التي يتواضع عليها الجميع، بل إن حتى المجتمعات المتعددة ثقافـيًا وإثنيًا حيث تتنوع مناظيم القيم فـيها وتكون محكومة فـي كثير من اتجاهاتها بالنسبية الأخلاقية لا تستطيع أن تحافظ على تعايشها السلمي دون أن تتفق على منظومة عليا من القيم والمفاهيم المؤسسة لوجودها الاجتماعي.
إنه ولمواجهة أي مشكلة اجتماعية، وكم هي كثيرة فـي واقعنا العربي فإن المسؤولية كبيرة على عاتق مؤسسات الدولة، المؤسسات التي يدخل فـي حيز فاعليتها الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي وحماية تماسك الأفراد، وهنا فإن أولى مهام المؤسسات الاجتماعية فـي الدولة أن تهتم بتأسيس مراكز متخصصة يكرس جهد باحثيها لدراسة المشاكل الاجتماعية عبر إحاطة علمية دقيقة تسهم فـي فهم دوافع الجماعات أو التكوينات التي يتفشى فـيها الخروج عن السياق الجمعي، وأن تكون هناك دوريات متخصصة فـي توعية المجتمع بالخسائر الفادحة نتيجة هذا التشظي بين الفئوي والجمعي، وإن كنا نرى جهودًا مقدرة فـي هذا الاتجاه لكنها لا تزال تحتاج إلى خيال بحثي أكثر سعة مما عليه، كما أنه ينبغي للباحث الاجتماعي أو ما نطلق عليه فـي مجالنا العربي «الأخصائي الاجتماعي» رغم عدم دقة الوصف، ينبغي عليه وهو المعني بدراسة أوضاع الجريمة بأشكالها كافة أن يعي كيف أن المشكلات الاجتماعية تحتاج إلى تعريفها باستمرار كونها خاضعة لأشراط الزمان والمكان والسياق الذي تحدث فـيه، وأن يعمل على إخضاعها لمعايير الموضوعية العلمية. إنه الفحص المستمر لأشكال التوتر فـي الظاهرة الاجتماعية حماية لبقية عناصرها، كما أنه ومن الضروري أن يُنظر فـي سبيل تقييم المشكلة الاجتماعية إلى الفجوة بين المعايير العامة والظروف الفعلية لحدوث هذا النوع من الاختراق لسياج التماسك فـي الحياة الاجتماعية، ولذا فإن المشكلات تشكل بطبيعتها مواقف اجتماعية؛ فهي تنشأ من توتر فـي السياق الجمعي، وانتشارها يمثل تهديدًا للسلام الاجتماعي، ومن واجب العمل الاستباقي لمحاصرة أي إخلال لكن ليس عبر القانون فقط، فالقانون لا يحد من الجريمة إلا بمقدار تحييد الجُرم بقوة العقاب، بل يبدأ الحل بجعل القانون سُدة مراحل المواجهة بين القيم والانحراف.
إن المهمة الأم تتلخص فـي تجهيز الباحثين الاجتماعيين بقدرات ذكية وفعّالة وناجعة لفهم التحولات وهدم أساسها المادي عبر الدراسة والسبر والكشف المبكر، وهنا فقط ستصبح بقية أدوات الضبط الاجتماعي ذات فاعلية كبرى، وسيصبح المجتمع هو المدافع الأول والأقوى عن قيمه الكلية التي تحفظ تماسكه وتوازنه وتحقق رفاهه المادي.
غسان علي عثمان كاتب سوداني