في مشهد اصطف فيه الإمام وخلفه المصلون وأدوا صلاة الجنازة على عدد من الشهداء المضرجين بدمائهم جسَّد الشاب الفلسطيني نضال أسمر عبر حبات الزيتون عمله الفني التشكيلي الأخير، وأكمل لوحته (الحرب على غزة) التي روت -وبأدق التفاصيل- المعاناة والقهر ولا سيما الموت.

آخر أعمال الشاب نضال أسمر صلاة الجنازة على الشهداء (الجزيرة)

على طريقته، وبمثل هذا الشهر من كل عام وتزامنا مع موسم الزيتون، اعتاد الشاب أسمر ومنذ أكثر من عقدين النقش على حبات الزيتون، وبإبداعه يخرج لوحة فنية تتكامل فيها أركان العمل المميز الذي ينقل عبره رسائل مختلفة والتي غالبا ما تتزامن وحدث عام يعيشه الفلسطينيون، مما يجعلها كأعمال فنية فيها عنصر الغرابة والجمال تحظى بقبول واسع.

عمل فني يحتاج إلى بعض التركيز والإبداع (الجزيرة)

كان لمشهد الجنازة الذي أعده أسمر أمامنا بمنزله في بلدة روجيب قرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية ومكث فيه زمنا، آخر المواضيع التي استكمل بها لوحته حول الحرب على غزة، وهو العنوان الأوسع الذي جسَّد تحته أعماله، فاستعرض دور الطبيب والمسعف ورجل الإنقاذ والصحفي وحال الناس مع التهجير والفقد والمعاناة بأشكالها المختلفة.

أدوات بسيطة وعمل إبداعي

لا يحتاج أسمر، كما يقول للجزيرة نت، سوى لفكرة تدور يقلبها في رأسه ثم يسقطها عملا فنيا متقنا وبضع حبات من الزيتون وأعواده، ومن ثم كاميرا يوثق عبرها عمله، ويقوم بعرضه لجمهوره، فبغير التصوير لن يتمكن من حفظ أعماله، خاصة أن الزيتون يعرف بتأكسده السريع وتعفنه.

يحدثنا نضال أسمر (33 عاما) بينما كان يواصل نقشه على حبات الزيتون لإنتاج لوحته الجديدة، ويقول إنه ألِفَ هذا العمل منذ 21 عاما عندما كان طفلا صغيرا، حيث يقوم مع نهاية كل موسم زيتون بأخذ تلك الحبات، وينقش عليها عملا معينا مجسدا بها أحد مشاهد نهاية الموسم وفرحة المزارعين بذلك وغيرها من الأفكار.

منذ أكثر من عقدين يمارس نضال أسمر عمله الفني (الجزيرة)

ويضيف "لاقت الأعمال قبولا بين الناس ونالت إعجابهم، وصاروا يسألونني عن عنوان العمل وما إذا كان بالإمكان توسعته لتناول عدة أفكار، وذات مرة وفي العام 2020 عكفت على إعداد عمل وتجهيزه وبقي النشر، لأتفاجأ بهدم الاحتلال منزلا في قريتنا، فاستعرضت الهدم عبر خيمة وهدم وحالة حزن وغضب وأوصلت رسالتي".

حين يحكي الزيتون

ومن ثم أعددت عملا عن عملية "نفق الحرية" وهروب 6 أسرى من سجون الاحتلال، ومن ثم حالة المقاومة بشمال الضفة الغربية لا سيما كتائبها المقاومة ومجموعات عرين الأسود والشهداء والجنائز وكل ما يدور في فلك ذلك.

وهذا العام برزت أعمال أسمر بشكل أكبر لطرحها موضوع الحرب على غزة، واستمد أفكاره من أبرز ما تداوله الناس من القهر والجوع والحرمان والمعاناة، وأبرزها عبارة "روح الروح" لمن فقد حفيدته، و"يا رب ابني" و"يوسف أشقر وشعره كيرلي" وعلها كلمة الزميل وائل الدحدوح "معلش، بدهم ينتقموا منا في أولادنا" كانت أبرز تلك الأعمال.

أعمال الفنان نضال أسمر تجسد معاناة الفلسطينيين وآلامهم (الجزيرة)

ويقول أسمر بلهجته الفلسطينية "خليت (جعلت) حبات الزيتون تحكي"، أي أنه استطاع أن يوصل بعمله رسالته بكل فحواها ومحتواها الكامل، ويضيف "حبة الزيتون أفضل ما يعكس رسالة الفلسطيني، وترمز لتمسكه بأرضه وثباته فيها ورفضه للتهجير".

ويعاني أسمر وعائلته كباقي أهالي قريته روجيب وقرى فلسطينية كثيرة من مصادرة الاحتلال لأرضهم المقدرة بنحو 100 دونم (الدونم=ألف متر مربع)، ويحرمهم الوصول إليها وقطف زيتونهم، وبفعل الاستيطان يمنعهم منذ نحو ربع قرن من رعايتها والعمل بها.

وأي كان لون حبة الزيتون، خضراء أم سمراء، ليس مهما بالنسبة لأسمر، فهو يختار عمله بما يتناسب معها، والأهم برأيه تناسق العمل، فيختار أعواد الزيتون الملائمة للشكل الذي يريد، "وبهذا صعوبة كبيرة، فليس شرطا أن تجد دوما عودا مناسبا، كإشارة النصر مثلا أو أخرى تبين حالة الجلوس أو يدين مرفوعتين وهكذا".

ويحتاج إنتاج العمل الواحد كما يقول أسمر لنحو 5 أيام لإصداره بشكل كامل، ويقول إن النقش على حبات الزيتون وجعل اللوحة مكتملة الأركان بكل تفاصيلها يستغرق وقتا، إضافة لعملية التصوير والمعالجة للصور، وأكثر أهمية هو اختياره الفكرة والإعداد لها.

بضع حبات من الزيتون وأعواده هو ما يحتاجه أسمر إضافة للتصوير وقبل ذلك كله الفكرة (الجزيرة) قبول وسعة انتشار

ووجد الشاب أسمر نفسه بأعمال تعبر عن هموم الناس ومعاناتهم بفعل الاحتلال أكثر من التطرق لمواضيع اجتماعية عادية، خاصة وأن الناس يتداولون صور تلك الأعمال على صفحاتهم، وهو يحتفظ أيضا على هاتفه الشخصي بمئات المقاطع المصورة التي تظهر آلام ومعاناة الشعب الفلسطيني والتي يترجمها لاحقا إلى أعمال فنية جميلة.

بتجربته الجديدة والموسمية ينقل الشاب نضال أسمر عبر لوحاته الفنية عملا يحكي "بالصوت والصورة" حسب وصفه واقع الفلسطينيين من منظور آخر أحبه الناس وصار مقبولا ومنتشرا بينهم بشكل كبير، كما يقول.

وزيادة في التعريف بعمله واتساع رقعته عبر مواقع التواصل عمد إلى شرح كل عمل فني وكتابة إلى ماذا يرمز، ومن ثم ترجمته إلى اللغة الإنجليزية، وأمام كل محاولاته للإبداع وتطوير ذاته، يبقى حفظ عمله من حبات الزيتون ولفترة زمنية أطول أكثر معضلة تواجهه.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الجامعات الحرب على غزة ومن ثم

إقرأ أيضاً:

رسوم ترامب الجمركية تمنح تركيا أفضلية في زيت الزيتون وتترك إسبانيا في مأزق!

أنقرة (زمان التركية) – اكتسب زيت الزيتون التركي ميزة تنافسية بنسبة 10% على زيت الزيتون الأندلسي بعد أن غيرت الولايات المتحدة تعريفاتها الجمركية.

على مدى السنوات الست الماضية، كانت الدول الرئيسية التي تورد زيت الزيتون إلى الولايات المتحدة تشمل إسبانيا وإيطاليا وتونس وتركيا. وبعد إعلان دونالد ترامب أنه سيفرض تعريفات جمركية بمعدلات مختلفة، غيرت الولايات المتحدة التوازن الدولي في هذا القطاع. وبينما منح فرض التعريفات الجمركية بعض الدول ميزة تنافسية، إلا أنه وضع دولًا أخرى في وضع صعب.

على سبيل المثال، سيخضع زيت الزيتون القادم من الاتحاد الأوروبي لضريبة بنسبة 20 في المائة، بينما سيخضع زيت الزيتون القادم من تونس لضريبة بنسبة 28 في المائة. من ناحية أخرى، اكتسبت تركيا ميزة تنافسية من خلال دفع أقل ضريبة بنسبة ضريبة 10 في المائة.

وانتقد كريستوبال جاليجو، رئيس قطاع زيت الزيتون في شركتي Cooperativas Agro-alimentarias de Andalucía وJaencoop، هذا الوضع قائلاً: ”نحن جميعًا نلعب بالقواعد نفسها، باستثناء تركيا“. وعلاوة على ذلك، أشار جاليجو إلى أن واحدة من كل ثلاث زجاجات من زيت الزيتون التي تباع في الولايات المتحدة هي من أصل إسباني.

وسجلت منطقة الأندلس رقمًا قياسيًا جديدًا لصادرات زيت الزيتون في عام 2024، حيث تمكنت من تجاوز 4.5 مليار يورو. ومن هذا المبلغ، جاء 18.8 في المائة من الصادرات إلى الولايات المتحدة، حيث تبرز الولايات المتحدة وإيطاليا من بين الأسواق الرئيسية لزيت الزيتون الأندلسي.

Tags: أسبانياترامبتركيادونالد ترامبزيت الزيتون

مقالات مشابهة

  • الجزيرة ترصد انتشال جثامين من مقابر جماعية بالخرطوم
  • 6 فوائد صحية لتناول 3 تمرات و5 حبات لوز كل صباح
  • مشروع الجزيرة وآفاق ما بعد الحرب
  • كسرت زجاج سيارات.. تساقط حبات برد (حالوب) كبيرة في أربيل
  • آخرها واقعة «معلم أسيوط».. النيابة الإدارية تواجه ظاهرة التحرش في المدارس
  • رسوم ترامب الجمركية تمنح تركيا أفضلية في زيت الزيتون وتترك إسبانيا في مأزق!
  • منذ بداية الحرب..أونروا: تشريد 1.9 مليون فلسطيني في غزة
  • فلسطين.. غارات إسرائيلية تستهدف حيي الزيتون والشجاعية شرقي مدينة غزة
  • آخرها «ولاد الشمس».. كيف عالجت السينما والدراما قضية الأيتام؟
  • لازاريني: مقتل وإصابة ما لا يقل عن 100 طفل فلسطيني يوميا في غزة