في ذاكرة القلب: رحلة في حنايا المشاعر المختبئة
تاريخ النشر: 4th, November 2024 GMT
لطالما كان الحب أحد أسرار الحياة الأكثر تعقيدًا وجمالاً، سرٌّ نحاول الإمساك به، والاحتفاظ به وكأننا نخشى أن يسلبه منا الزمن، فكيف نحميه؟ وكيف نستمر في حمايته من قسوة الأيام وأطماع الغرباء؟ هذا السؤال القديم الجديد يعيد تشكيل نفسه في كل قصة حب، وكأنه تَحدٍّ دائم بين الإنسان والزمن. ربما يكون الحل في إهمال مقصود، إهمال لا يطفئ نيران الحب بل يواريها عن الأنظار، يخبئها في زاوية مهملة من ذاكرة القلب، هناك، حيث لا تطالها أعين اللصوص، ولا تصل إليها يد الزمن العابثة.
في حياتنا اليومية، نلتقي بالكثيرين ممن يمرّون أمام أعيننا ويتركون أثرًا مختلفًا فينا، بعضهم يختفي دون أن يترك خلفه شيئاً يُذكر، والبعض الآخر يرسخ في ذاكرتنا كعلامة فارقة، وكأنهم لمسات فنية صغيرة تستقر في أعماق الذاكرة. هؤلاء لا يسهل نسيانهم، بل نخفيهم بعناية في زوايا القلب كي لا يفقدوا بريقهم. كما لو أننا نخبئ صورة قديمة عزيزة، نخشى أن يبهتها الزمن إن أخرجناها للعيان كثيرًا، لذلك نتركها بعناية وسط زحام الذكريات الأخرى، تظل كما هي دون أن تتعرض لندوب الحاضر أو عوالق الأيام.
الأمر يشبه معادلة صعبة، معادلة تحمي ما هو ثمين دون أن تُظهره. هذا الإخفاء، وإن بدا للبعض خيانة لجوهر الحب، هو في الحقيقة أكبر تعبير عن الوفاء، كأنك تزرع من تحب في عمق الذاكرة حيث لا تصل إليه عواصف الأيام. فالقلوب قد تتغير، وقد تُنسى بعض الأسماء، لكن هناك من يُحفرون بعمق، من يستوطنون الزوايا الأكثر هدوءاً وخفاءً، حيث لا تنال منهم الأيام ولا تفلح رياح النسيان في محوهم.
ولعلنا نستذكر بعض القصص الواقعية التي تشهد على هذا النوع من الإهمال العاطفي المقصود، تلك القصص التي نجدها في التاريخ والأدب، حيث نجد أشخاصًا اختاروا أن يبقوا في الظل، أن يحتفظوا بمن يحبون بعيدًا عن ضوء الشهرة والأعين الفضولية، وليبقوا في مأمن من متاهات الزمن وغبار الحياة اليومية. هذا الإهمال العاطفي كان الطريقة المثلى للاحتفاظ بما وبمن هو ثمين، بعيدًا عن أعين الحاسدين أو شتات الأيام.
لكن أحياناً نشعر برغبة ملحة في أن نبوح بحبنا للعالم، نريد أن نشاركهم مشاعرنا لعلها تمنحنا شعورًا بالأمان، وفي الوقت نفسه ندرك أن هذا التباهي قد يكون سيفًا ذا حدين. فحين يُعرض الحب على الملأ، يُصبح هدفًا للتفسيرات وسوء الفهم، وقد يتعرض للعوامل الخارجية التي تفسده وتحوله من حب خالص إلى صورة مشوهة. لهذا يفضل كثيرون أن يحتفظوا بذكرياتهم عميقة في ثنايا أرواحهم، في في مكان لا يصل إليه سوى هم، حيث تبقى الذكرى طازجة ونقية، وكأن الزمن قد توقف عندها.
ولعلَّ هذا النهج في التعامل مع الحب يعكس نوعًا من الحكمة العاطفية. يقولون إن القلب يشبه الصندوق السري، حيث لا يُدخل فيه إلا ما هو جدير بالبقاء. هذه الذاكرة الخاصة تتيح لنا الاحتفاظ بتلك اللحظات الجميلة بعيدًا عن عثرات الحياة، عن تقلبات المشاعر وحتى عن أنفسنا عندما نقرر أحيانًا أن ننساها.
إن البثاء في “ثغرات الذاكرة” يصبح، عند بعض الناس، الوسيلة المثلى للعيش بسلام مع الأحبة الغائبين، مع الذين رحلوا، أو مع الذين يفضلون البقاء بعيدًا عن ساحة الحياة اليومية.
وليس الهدف من هذا الإهمال قتل الذكرى أو إخماد شعلتها، بل على العكس، هو طريقة للحفاظ عليها. ففي زوايا القلب، حيث لا يصل ضوء الشمس ولا يعبرها سوى القليل، تظل الذكرى حيّة ونقية. هناك حيث لا يجرؤ لصوص الزمن على الاقتراب، ولا يصل أي تفسد خارجي، بل يبقى الحب كما هو، كالوردة التي تحتفظ برائحتها العذبة دون أن تتعرض لظروف الهواء والرياح.
نعم.. ربما نحتاج جميعًا إلى مثل هذا الإهمال المقصود في حياتنا، أن نتعلم كيف نخفي أحبائنا في زوايا قلوبنا، أن نبقيهم بعيدين عن ضوضاء العالم وصخبه، فنحميهم من خطر النسيان، ونعطيهم فرصة للبقاء أبديين، خالدين. فكما أن هناك حُبًا يظهر ويُعلن على الملأ، هناك أيضًا حُب يُحجب ويُخبأ، لكنه مع ذلك لا يقل جمالًا أو صدقًا، بل ربما يفوقهما قوة ونقاءً.
المقال نقلا من موقع ميدار.نت
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: كتابات بعید ا عن حیث لا دون أن
إقرأ أيضاً:
مشروع «ذاكرة الصحافة المصرية» يكشف عن رواية لعلي مبارك تعيد التأريخ للرواية العربية
كشفت الدكتور خالد عزب، المشرف على مشروع «ذاكرة الصحافة المصرية» عن وجود نسخة فريدة لرواية «علم الروم»، تأليف علي مبارك باشا، التي تعد الرواية العربية الأقدم وفق ما ذكر عزب حيث يعود تاريخ تأليفها إلى عام 1882، وهي مكونة من أربعة أجزاء وهذا الكشف يعد بمثابة إعادة تأريخ للرواية العربية.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقدته اليوم الأحد، نقابة الصحفيين للإعلان عن تفاصيل مشروع «ذاكرة الصحافة المصرية» والذي يستهدف تطوير مكتبة النقابة، وتعزيز مقتنياتها، والحفاظ عليها للأجيال القادمة في إطار التزام النقابة بمواصلة جهودها في حفظ تراث مصر الصحفي والثقافي.
وأضاف عزب أن النقابة تمتلك نسخا نادرة لصحف ومجلات تعود إلى القرن الـ 19 حتى منتصف القرن العشرين، لافتا إلى أن مشروع ذاكرة الصحافة المصرية يبدأ التأريخ منذ عام 1828 مع صدور الوق الوقائع المصرية ومرورا بالعديد من الصحف التي تم إصدارها من عهد محمد علي ثم في عهد الخديوي إسماعيل والخديوي سعيد علي سبيل المثال تمتلك النقابة أرشيف لصحافة عبد الله النديم وأرشيف العديد من رواد الصحافة المصرية.
وأشار الدكتور خالد عزب، خبير التوثيق ومشروعات الرقمنة، بوصفه مستشارًا لنقابة الصحفيين للتوثيق وتطوير المكتبة، وبناء أرشيف رقمي للصحافة المصرية إلى أنه تم العثور أيضا على إحدى المخطوطات المصرية التي تعود إلى عهد محمد علي، ويمثل المخطوط نموذجا فريدا لما كان يقوم به طلاب البعثات التعليمية، التي أُرسلت إلى أوروبا في عهد أسرة محمد علي، فقد كان محمد علي باشا يُلزم كل طالب عائد من بعثته بترجمة كتاب في تخصصه، أو في أحد فروع المعرفة، وكان هؤلاء الطلاب يُحتجزون في منطقة الأزاريطة بالإسكندرية حتى ينتهوا من ترجمة أعمالهم، وإلى وقت قريب، لم يُعثر على أصل لهذه الكتب، مما يجعل هذا المخطوط ذا قيمة تاريخية وعلمية كبيرة.
وأضاف أن المخطوط مترجم من الفرنسية إلى العربية، وهو في مجال الطبيعيات «الفيزياء»، ويقع في 92 صفحة، وقد كُتب بالحبر الأسود، بينما جاءت عناوينه بالحبر الأحمر بخط جيد.
ومن المقرر عرض المخطوط قريبًا لزوار النقابة، إلى جانب مجموعة نادرة من أوائل الكتب المطبوعة، التي تم العثور عليها في مكتبة النقابة.
وأكد عزب أن مشروع ذاكرة الصحافة المصرية بدأ وسوف يتطور ومن المقرر الانتهاء من مراحله الأولى خلال عامين ولكن الأمر سوف يستمر لسنوات طويلة لتقديم محتوي رقمي لكل الصحفيين في مصر والعالم العربي.
من جانبه قال نقيب الصحفيين خالد البلشي «إننا اليوم أمام حدث مهم جدا وهو تدشين ذاكرة رقمية للصحافة المصرية، وهذه الفكرة تأخر خروجها للنور سنوات طويلة رغم أن هناك جهودا كبيرة بذلت في هذا الصدد تولاها زملاء أعزاء سواء من الرواد أو الزملاء الأعزاء من النقباء ورؤساء اللجنة الثقافية على مر مجالس النقابة لأن كلا منهم وضع لابنة في هذا المشروع الذي بدأ بشكل جاد في عام 2015 مع توقيع بروتوكول تعاون من مكتبة الإسكندرية لتطوير مكتبة النقابة».
وأضاف «نحن وصلنا إلى المرحلة الأهم بأن نقوم بعمل ذاكرة لأرشيف نقابة الصحفيين وهو مشروع كبير يؤرخ لما يزيد من 200 عام من الحياة الصحفية، وهو مشروع يضم تصنيفات كثيرة بعضها متعلق بالإصدارات الصحفية وبعضها بالوثائق والبعض الاخر بالتشريعات القانونية في الصحافة واهم الأحكام القضائية».
وقال إن هناك تعاونا مع الكثير من أسر الصحفيين للتبرع بمكتبات كبار الصحفيين لصالح مكتبة النقابة، لافتا إلى مكتبات الرواد من الصحفيين تحتوي علي الكثير من الكتب النادرة والوثائق الشخصية والعامة والكنوز الصحفية التي تزيد من ثراء مكتبة النقابة من التراث الصحفي النادر.
وكانت نقابة الصحفيين أعلنت - الأسبوع الماضي - عن اكتشاف مخطوط نادر يعود للقرن الـ 19، وذلك خلال أعمال الجرد والتطوير، التي تجريها النقابة لمكتبتها بإشراف الدكتور خالد عزب، خبير التوثيق ومشروعات الرقمنة، بوصفه مستشارًا لنقابة الصحفيين للتوثيق وتطوير المكتبة، وبناء أرشيف رقمي للصحافة المصرية.
وأعلنت النقابة عن تدشين مشروع الأرشيف الرقمي للصحافة المصرية - في 15 أغسطس - بهدف جمع أرشيف الصحافة المصرية على مر تاريخها وإحياء "الكنوز التاريخية» للصحافة المصرية ووثائقها، مع تطوير مكتبة النقابة ورقمنتها، وإتاحة كتبها النادرة للباحثين والصحفيين والمواطنين المصريين.
اقرأ أيضاً«مستقبل الصحافة الإقليمية و مصيرها في ظل التحول الرقمي» محور نقاش في الخيمة الرمضانية بقناة الدلتا
«مصطفى بكري» يروي تقاليد زواجه بالصعيد ورحلة كفاحه من قنا إلى الصحافة على قناة الشمس.. فيديو
رئيس الأعلى للإعلام: توحيد دور الصحافة والإعلام يعكس صورة الدولة في مواجهة التحديات