أحمد الأشعل يكتب: المصريون في صندوق النقد الدولي.. أدوار قيادية تبرز كفاءة الخبرات المصرية
تاريخ النشر: 4th, November 2024 GMT
تعد العقول المصرية في الخارج أحد أكبر الثروات الوطنية التي تستفيد منها مصر، حيث أثبت العديد من الكفاءات المصرية أنها قادرة على المنافسة العالمية وتحقيق إنجازات بارزة في شتى المجالات. تأتي هذه العقول من خلفيات متنوعة تجمع بين العلوم والاقتصاد والهندسة والسياسة، وقد شقت طريقها إلى المناصب القيادية في المؤسسات الدولية، مظهرة مدى القدرة المصرية على التأثير في القرارات العالمية.
من بين المؤسسات التي شهدت حضورًا مميزًا للمصريين على مدار الأعوام، صندوق النقد الدولي، والذي يُعتبر واحدًا من أهم المؤسسات المالية العالمية التي تضع السياسات الاقتصادية وتقدم الدعم المالي للعديد من دول العالم. وكان للكوادر المصرية مكانة مرموقة داخل هذا الصندوق، مما يعكس مستوى الثقة والكفاءة الذي تتمتع به هذه العقول. ولعل من أبرز الأسماء التي ارتبطت بالصندوق في السنوات الأخيرة، يأتي الدكتور محمود محيي الدين والدكتور محمد معيط، وهما مثالان ساطعات على قدرة مصر على تقديم خبرات عالمية تتولى مسؤوليات كبرى على الصعيد الدولي.
الدكتور محمود محيي الدين يعد من الشخصيات المصرية التي لمعت على الساحة العالمية، حيث شغل منصب المدير التنفيذي لمجموعة الدول العربية في صندوق النقد الدولي، وأيضاً كان النائب الأول لرئيس البنك الدولي، ما يعد تكريمًا وتقديرًا لخبراته الواسعة في مجال الاقتصاد الدولي والتنمية المستدامة. استطاع محيي الدين خلال مسيرته المهنية أن يسهم بشكل فعّال في صياغة سياسات اقتصادية تهدف إلى دعم التنمية الاقتصادية في الدول النامية، خصوصاً في المنطقة العربية والقارة الإفريقية. كانت رؤيته قائمة على تعزيز الشراكات الاقتصادية وتطوير الأدوات المالية التي تساهم في تحقيق النمو المستدام وتحسين مستوى المعيشة في تلك الدول. كما عمل محيي الدين على دعم برامج الإصلاح الاقتصادي في عدة دول، ما أكسبه سمعة عالمية كشخصية اقتصادية بارزة تسعى لتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة.
بعد مسيرة محمود محيي الدين المتميزة، جاء الدكتور محمد معيط ليضيف فصلًا جديدًا في تاريخ التميز المصري في المؤسسات المالية العالمية. معيط الذي يمتلك خلفية علمية عميقة وتجربة عملية واسعة في مجال الاقتصاد والمالية العامة، شغل مناصب قيادية في الحكومة المصرية كان من أبرزها وزير المالية، حيث قاد العديد من الإصلاحات المالية التي ساعدت في تحسين الوضع المالي لمصر. انتقال معيط إلى صندوق النقد الدولي يعكس الثقة التي يوليها المجتمع الدولي للكفاءات المصرية، كما يمثل استمرارية للتأثير المصري على الساحة الاقتصادية العالمية.
تولى الدكتور معيط في صندوق النقد الدولي مسؤوليات هامة تمكنه من تقديم رؤى حول السياسات المالية والإصلاحات الضرورية للدول التي تحتاج إلى مساعدة الصندوق، بما في ذلك تحسين الإدارة المالية وتقوية الاقتصاديات الوطنية. خبراته وتجربته العملية السابقة كانت عوامل رئيسية في تعزيز دوره في تقديم النصائح المالية للدول التي تواجه تحديات اقتصادية، وقد نجح بفضل إسهاماته في دعم عمليات الإصلاح المالي في مصر، حيث قاد جهوداً لتحسين كفاءة الإنفاق العام، وتطوير نظام التحصيل الضريبي، وتقليل عجز الموازنة العامة.
تواجد هذه الشخصيات المصرية في مناصب رفيعة بصندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات العالمية لا يعود بالفائدة على مصر من حيث الارتقاء بمكانتها الدولية فحسب، بل له تأثير إيجابي على نقل الخبرات والمعرفة التي يتم اكتسابها في تلك المؤسسات إلى الداخل المصري. تتيح هذه التجارب لقيادات مصرية، مثل محيي الدين ومعيط، الاطلاع على أحدث الممارسات الاقتصادية العالمية ومواجهة تحديات مختلفة تمكنهم من جلب حلول مبتكرة وشاملة للمشاكل الاقتصادية التي قد تواجه مصر.
إضافة إلى ذلك، يلعب هؤلاء الخبراء دوراً غير مباشر في تعزيز صورة مصر كدولة قادرة على تقديم كوادر ذات كفاءة عالمية، وتعد هذه التجارب أيضًا حافزاً للشباب المصري، حيث يرون نماذج مصرية ناجحة تساهم في صنع قرارات عالمية تؤثر على الاقتصاد العالمي. كذلك، فإن هؤلاء القادة يرسخون صورة إيجابية لمصر كمصدر للكوادر المؤهلة على أعلى مستوى، القادرة على تقديم أفكار وإسهامات تؤثر في القرارات الاقتصادية العالمية.
في الختام، إن تواجد العقول المصرية على الساحة الدولية، وخاصة في مناصب قيادية داخل مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي، هو دليل قوي على أن مصر لديها إمكانيات بشرية هائلة قادرة على تحقيق إنجازات عظيمة. إن مساهمات شخصيات مثل الدكتور محمود محيي الدين والدكتور محمد معيط لا تعكس فقط قدراتهم الفردية، بل هي شهادة على قدرة مصر على تطوير كوادر يمكنها تقديم إضافة ملموسة على الصعيد العالمي، وتؤكد أن العقول المصرية، عند تمكينها، تستطيع أن تنافس وتتفوق على المستوى الدولي.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: صندوق النقد الدولی محمود محیی الدین
إقرأ أيضاً:
أوروبا في مواجهة التحولات الاقتصادية العالمية .. تحديات جديدة وأفق من التعاون
لندن "د.ب.أ": في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، تواجه أوروبا تحديات جديدة تتطلب إعادة صياغة دورها على الساحة الدولية، ومن خلال تعزيز تعاونها الاقتصادي، وتطوير سياساتها المالية والتجارية، تسعى القارة الاوروبية إلى ترسيخ مكانتها كفاعل رئيسي في النظام الاقتصادي العالمي.
وقال المحلل البريطاني كريون بتلر، مدير برنامج الاقتصاد والتمويل العالمي في المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني "تشاتام هاوس": إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قام بإعادة تشكيل دور الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي بشكل جذري، وأظهر استعداده لفرض رسوم جمركية كبيرة على معظم التجارة الأمريكية دون التقيد بأي قواعد دولية، وبالاعتماد على أسس قانونية محلية مشكوك فيها، كما وضع التحالفات الأمنية الأساسية للولايات المتحدة موضع شك، وهدد السلامة الإقليمية لحلفاء مقربين، بينما سحب الولايات المتحدة من الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي والأمراض والفقر.
وأضاف بتلر: "بدلًا من أن تكون الولايات المتحدة قوة لتحقيق الاستقرار الدولي وحل المشكلات، أصبحت الآن مصدرًا رئيسيًا لعدم اليقين الاقتصادي العالمي، إذ يبدو أن السياسة الأمريكية مدفوعة بمصالح وطنية ضيقة ونهج قائم على المعاملات، دون اعتبار للقيم والمبادئ والقواعد والتحالفات طويلة الأمد".
وحتى الآن، لا يبدو أن ترامب سيتوقف عن نهجه في ظل التأثير السلبي لهذه السياسات على التوقعات الاقتصادية للولايات المتحدة، حيث قام مجلس الاحتياط الاتحادي الأمريكي بمراجعة توقعات النمو لعام 2025 وخفضها بمقدار 0.4 نقطة مئوية إلى 1.7%، في حين انخفض مؤشر "ستاندارد آند بورز 500" بنسبة 7% عن ذروته في فبراير الماضي.
وفي 26 مارس الجاري، أعلن ترامب عن مجموعة جديدة من الرسوم الجمركية بنسبة 25% على جميع السيارات المستوردة ومكوناتها، لتدخل حيز التنفيذ في 2 أبريل القادم، إلى جانب مجموعة من الرسوم "المتبادلة" الأخرى، وقد يتبع ذلك قيود رسمية على كيفية استخدام الحكومات الأجنبية للدولار الأمريكي واستثماره في السندات الحكومية الأمريكية، كما قد تنسحب الولايات المتحدة من مجالات أخرى ضمن الهيكل الاقتصادي الدولي، وقد تسعى لإجبار الدول الأخرى على تغيير سياساتها الضريبية ولوائحها الخاصة بالتكنولوجيا.
وقال بتلر: إن الولايات المتحدة قامت في بعض الأوقات بتغيير القواعد الاقتصادية الدولية أو تجاهلها عندما كان ذلك ملائمًا لها في فترات سابقة، لكن طبيعة ومدى التغيير الحالي يتجاوزان أي شيء شهدناه منذ إنشاء نظام بريتون وودز قبل 80 عامًا.
ويرى بتلر أنه يجب على الدول الأخرى أن تخطط على أساس أن التحول في النهج الأمريكي سيكون دائمًا، وألا تقتصر استراتيجياتها على إدارة علاقاتها الفردية مع إدارة ترامب في الوقت الحالي.
وأضاف بتلر: إنه يمكن لهذه الدول ببساطة قبول النموذج القائم على "المصلحة الوطنية الضيقة" الذي ينتهجه ترامب، وتقليد السلوك الأمريكي، أو يمكنها السعي للحفاظ على نظام قائم على القواعد، من خلال إيجاد حلول بديلة للتعامل مع تصرفات الولايات المتحدة، غير المترابطة أو المعرقلة بشكل علني.
وهذا الاختيار بالغ الأهمية بالنسبة لأوروبا، وخاصة الاتحاد الأوروبي، ويرجع ذلك جزئيًا إلى العداء الواضح الذي يكنه الرئيس ترامب لفكرة الاتحاد الأوروبي نفسها، لكن أيضًا بسبب أن الاتحاد الأوروبي يقوم على المبادئ الأساسية ذاتها التي تأسس عليها النظام الاقتصادي العالمي بعد الحرب، رغم أنه ذهب أبعد من ذلك بكثير في تطوير سياسات ومؤسسات وأطر قانونية مشتركة.
ويرى بتلر أن انهيار هذا النظام الاقتصادي يشكل تهديدًا وجوديًا للاتحاد الأوروبي، ولهذا، فإن التكتل لديه مصلحة قوية في الرد على سياسات ترامب من خلال قيادة جهد عالمي للحفاظ على نظام اقتصادي دولي قائم على القيم والمبادئ والقواعد، وعلاوة على ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي هو الوحيد الذي يتمتع بالحجم الاقتصادي (18% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من حيث القيمة السوقية مقابل 26% للولايات المتحدة)، والعملات القابلة للتحويل بالكامل والقدرات الاقتصادية والعلمية والكفاءة التنظيمية ونظام الحوكمة القائم على القانون، ومجموعة التحالفات الاقتصادية الدولية اللازمة للقيام بمثل هذا الدور.
وقال بتلر إنه حتى الآن، اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات حاسمة في ثلاثة مجالات، أولًا، أعلنت المفوضية الأوروبية عن رد ضد الرسوم الجمركية الأمريكية على الصلب والألومنيوم، مع الإبقاء على عرض التفاوض، ثانيًا، تحركت المفوضية بسرعة لطرح مقترحات للتمويل الجماعي للاتحاد الأوروبي اللازم لدعم نظام دفاع أوروبي مستقل عن الولايات المتحدة، ثالثًا، تقوم ألمانيا، صاحبة الاقتصاد الرائد في الاتحاد الأوروبي، برفع قيود الاقتراض الدستورية التي تسمح لها بتمويل 500 مليار يورو من الإنفاق المحلي على البنية الأساسية وإنفاق إضافي غير محدد بعد، ولكنه كبير، على الدفاع، وتشير بعض التوقعات إلى أن هذا قد يرفع معدلات النمو الألماني الضعيفة الحالية بما يصل إلى 0.5 نقطة مئوية في عام 2026، وكل هذه الخطوات الثلاث تتسق مع مبادرة الحفاظ على النظام الاقتصادي الدولي، لكنها مجرد بداية.
ويرى بتلر أنه ينبغي على الاتحاد الأوروبي الآن اتخاذ ثلاث خطوات أخرى، أولًا، يجب أن يبدأ في صياغة رؤية لما يجب أن يكون عليه النظام الاقتصادي الدولي الجديد والدور الذي سيلعبه الاتحاد الأوروبي فيه، ثانيًا، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يعطي الأولوية لتنفيذ التوصيات بشأن تعميق وتوسيع الأسواق المالية الأوروبية ومطابقة ذلك بتنشيط الجهود الرامية إلى تعزيز وضع عملة الاحتياطي العالمي لليورو، ثالثًا، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى بناء الثقة والتعاون مع الدول الأخرى لدعم نظام عالمي جديد.
ولكن الأهم بالنسبة للاتحاد الأوروبي هو علاقته مع المملكة المتحدة، سواء على أسس اقتصادية أو لأن المملكة المتحدة تشترك، أكثر من أي اقتصاد رئيسي آخر، في المصلحة الأساسية نفسها في الحفاظ على نظام اقتصادي دولي قائم على القواعد ودور قيادي معزز لأوروبا محددة على نطاق واسع داخله.
وتم بالفعل تحديد العديد من الأولويات الرئيسية، بما في ذلك الاتفاق على اتفاقية أمنية (التي من شأنها أن تسمح للمملكة المتحدة بأن تكون شريكًا في الجهود الرامية إلى تعزيز صناعة الدفاع الأوروبية)، والتعاون للحفاظ على قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها، والاتفاقيات الاقتصادية بشأن معايير سلامة الأغذية وتجارة الانبعاثات والمواءمة التنظيمية الديناميكية للمملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي في قطاعات اقتصادية محددة.
ولكن هناك تهديدان رئيسيان لنجاح المفاوضات، الأول هو احتمال أن تحاول المملكة المتحدة التملص من الخيارات الصعبة التي لا مفر منها بين التعاون مع الرئيس ترامب وتقديم الدعم الكامل لجهود عموم أوروبا لمعالجة فجوة الحوكمة العالمية، والثاني هو احتمال ألا يكون الاتحاد الأوروبي مرنًا بما فيه الكفاية بشأن عدم قابلية السوق الموحدة للتجزئة، على سبيل المثال، الأمر الذي من شأنه أن يحبط التعاون المتبادل المنفعة في مجالات حاسمة مثل تعميق وتوسيع الأسواق المالية الأوروبية.
ويخلص بتلر إلى أنه من المأمول أن يرى الجانبان مصلحتهما المشتركة القوية في التغلب على هذه العقبات وغيرها.