فاز الروائي الجزائري كامل داود، الإثنين، بجائزة "غونكور" الأدبية، إحدى أرقى الجوائز الأدبية في فرنسا، عن روايته "الحوريات". 

وصار داود أول كاتب جزائري يحصل على جائزة العريقة التي  تمنح لأفضل رواية مكتوبة باللغة الفرنسية منذ عام 1903 على يد الأكاديمية الفرنسية.

وتتناول رواية "الحوريات" فترة "العشرية السوداء" في الجزائر، وهي الفترة التي شهدت صراعا عنيفا بين الجماعات الإسلامية المتشددة والجيش الجزائري بين عامي 1992 و2002، أسفر عن مقتل الآلاف.

وعلى الرغم من نجاح الرواية في فرنسا، إلا أنها كانت قد مُنعت في الجزائر بسبب اعتبار موضوعاتها مُخالفة للقوانين والتوجهات الرسمية المحددة لقضية "المصالحة الوطنية" التي تبنتها الجزائر لطي صفحة "العشرية السوداء".

وكانت دار "غاليمار"، التي نشرت الرواية، قد أعلنت "منعها" من المشاركة في معرض الكتاب في الجزائر العاصمة المرتقب تنظيمه ما بين 6 و16 نونبر المقبل. ونقلت وكالة فرانس برس عن ناطق باسم الدار قوله "منعنا من الحضور من دون إعلامنا بالأسباب".

تحكي الرواية قصة شابة تبلغ 26 عاما، تحمل جرحا على شكل ابتسامة حول عنقها، وتوجه حديثها إلى الجنين الذي تحمله في رحمها، مشيرة إلى أنها "لن تلد في بلد أخذ كل شيء منها". ويتمحور السرد حول رحلة إلى القرية التي شهدت مآسي "العشرية السوداء".

C’est votre rêve, payé par vos années de vie. À mon père décédé. À ma mère encore vivante, mais qui ne se souvient plus de rien. Aucun mot n'existe pour dire le vrai merci. pic.twitter.com/y1mYhcnsLZ

— kamel DAOUD (@daoud_kamel) November 4, 2024

في تعليقه على فوزه، قال داود إنه "ممتن لعائلته" وكتب عبر موقع حسابه في "إكس" موجها كلامه لوالديه مرفقا بصورة لهما "إنه حلمك، مدفوعا بسنوات حياتك. لا توجد كلمات تعبر عن الشكر الحقيقي".

كاتب مثير للجدل

وكمال داود خريج معهد الآداب الفرنسية من جامعة وهران، سبق له الاشتغال لسنوات طويلة بمجالة الصحافة قبل انتقاله إلى عالم التأليف والرواية باللغة الفرنسية.

وتثير مواقفه الكثير من الجدل بينها ما عبره عنه في لقاء مع "فرنس أنتر" قبل عام بشأن العلاقات الجزائرية الفرنسية على خلفية الحراك السياسي الدائر في باريس حينها حول اتفاقية الهجرة الموقعة بين الطرفين في سنة 1968.

وقال داود في معرض حديثه إن "فرنسا دولة ذات سيادة يحق لها اتخاذ أي قرار يسمح لها بالتحكم في تدفق المهاجرين"، قبل أن يوجه انتقادات إلى سلطات الجزائر ويتهمها بـ"التقصير في التعاون مع باريس بخصوص الملف المذكور".

وتحدث الكاتب الجزائري أيضا عن طبيعة بعض الأنظمة، مثل الجزائر وإيران ووصفها بأنها "ديكتاتورية"، في حين دافع عن النظام السائد في فرنسا، ما أثار جملة من التساؤلات لدى مدونين ومغردين في الجزائر.

#PRIXLITTÉRAIRE ????

Nous avons le plaisir de vous annoncer que le roman « Houris » de Kamel Daoud vient de remporter le Prix Goncourt 2024 ???? 

Un immense bravo à l’auteur et à toutes les équipes ayant contribué à l'existence et au succès d'un grand livre. pic.twitter.com/xPEXSc5Xaq

— Gallimard (@Gallimard) November 4, 2024

تصريحات داود المثيرة للجدل بخصوص قضايا دينية أثارت سجالا وصل بأحد النشطاء السلفيين المتشددين في الجزائر، سنة 2014، إلى المطالبة بـ "تطبيق الحد" عليه، بعدما اتهمه بـ"العدوان على الله تعالى وكتابه العظيم ومقدسات المسلمين".

ولقي دواد وقتها مساندة من شخصيات دولية ومحلية، من بينها وزير الداخلية الفرنسي الأسبق، مانويل فالس، الذي أطلق حملة على صفحته بفيسبوك من أجل مساندته، غداة إعلان كمال داود انسحابه من النقاش العام عبر الصحافة المكتوبة ووسائل الإعلام الدولية بسبب حملة الانتقادات التي واجهها.

ويلقى داود دعما من فريق كبير من المثقفين، مقابل انتقادات حادة توجه له من أوساط داخل وخارج الجزائر، سيما بعدما اتهمته زوجته الأولى بـ "ضربها"، ورفعت ضده دعوى قضائية، فتحول وقتها إلى مادة دسمة للإعلام في الجزائر وفرنسا.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: فی الجزائر فی فرنسا

إقرأ أيضاً:

الجزائر وفرنسا: أسئلة ما بعد العاصفة

طيلة الشهور الماضية خاض الإعلام الجزائري، وتحديدا التلفزيون الحكومي ووكالة الأنباء الجزائرية، حملة تشهير كبرى على فرنسا استثمر فيها وقتا طويلا وجهدا كبيرا وموارد ثمينة. لم يمر يوم تقريبا لم يبث فيه التلفزيون في نشرات الأخبار، مواد إخبارية تهاجم فرنسا بحدّة وتتحدث عن عيوبها. ولم يمر يوم تقريبا لم يخصص التلفزيون برامج نقاشية مع ضيوف تخصصوا في انتقاد فرنسا وحكومتها وتاريخها الاستعماري. وذهبت وكالة الأنباء الجزائرية بعيدا هي الأخرى في مهاجمة فرنسا بتقارير اتُخذت عناوين رئيسية في أغلب وسائل الإعلام الجزائرية.

ولم يُقصّر الإعلام الخاص، مرئي ومكتوب، هو الآخر في مهاجمة فرنسا في تقليد واضح للإعلام الحكومي، ثقةً منه بأن الإعلام الحكومي يتصرف بتوجيهات عليا ولا يأتي بشيء من بنات أفكاره عندما يتعلق الأمر بفرنسا (وقضايا أخرى).

كان التركيز الأكبر في تلك الحملة على الماضي الاستعماري الفرنسي في الجزائر وفظاعاته مصنّفا إياها ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. لا بأس، فجرائم فرنسا فعلا كذلك وتستحق المحاسبة والقصاص لو كنا في عالم مثالي. تسليط الضوء على الماضي الاستعماري لفرنسا ضرورة وليس ترفا سياسيا أو ثقافيا. وليس سلعة موسمية يُلوَّح بها عند الحاجة وتُسحب عندما تنتفي الحاجة. إنه حق الشعب الجزائري على قادته أن يطالبوا به مهما طال الزمن. في المقابل يحتاج هذا الماضي إلى النظر إليه بشجاعة ومسؤولية في البلدين لأنه أحد أركان العلاقات الثنائية ويُبقيها مسمومة إذا ما تُرك عالقا بلا رغبة في تسويته.

لكن هناك عيوبا تخللت حملة الإعلام الجزائري على الماضي الاستعماري الفرنسي. لقد طغى عليها الكم وغاب الكيف، ورغم كثافتها كانت فقيرة. أول هذه العيوب أنها كانت حملة موسمية تقررت كرد فعل على فعل. ثانيها غياب الدقة المهنية، وثالثها ترك الخوض في الموضوع لأناس ليسوا أهلا له فكان أن سيَّسوه أكثر من اللازم.

لذلك لا خشية من القول إن تلك الحملة أخضعت التاريخ الجزائري، بكل ما فيه من حمولة إنسانية وثقافية وأخلاقية، للحسابات السياسية والمواقف الظرفية. يذكّرني هذا بتوظيف الدين في الماضي القريب لأغراض سياسية فكانت النتائج كارثية على الجزائر دولة ومجتمعا. تسييس التاريخ لا يقل خطورة عن تسييس الدين، يضر بالتاريخ ويقود إلى النتائج الخطأ. وكذلك تركُ التاريخ لغير أهله.

في الأزمات السابقة استعملت السلطات الجزائرية وأذرعها الإعلامية الماضي الاستعماري في مهاجمة فرنسا وتهديد مصالحها. ثم سرعان ما اختفت المعايرة والتهديد حالما نجح قادة البلدين في كنس غبار الخلافات تحت السجّاد.

مثلما أملت الحسابات السياسية أن تبدأ تلك الحملة الحالية وبذلك الإيقاع، هناك احتمال أن تُملي الحسابات ذاتها نهاية الحملة أو تخفيف وتيرتها قريبا عندما ينطلق قطار المصالحة بين البلدين.

الآن وقد لاحت بوادر تهدئة إثر المكالمة الهاتفية بين الرئيسين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون يوم العيد، وزيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى الجزائر بدعوة رسمية من نظيره الجزائري، هناك أسئلة تفرض نفسها، منها على سبيل المثال: هل سيواصل الإعلام الجزائري (الجزائر بتعبير أدق) مهاجمة فرنسا وماضيها الاستعماري؟ هل يتوقف عن المطالبة بالعدالة والإنصاف للجزائريين ضحايا الاستعمار الفرنسي؟ هل يتوقف عن المطالبة بتعويضات مادية ومعنوية واعتذارات من فرنسا؟ ما مصير الكلام عن قانون يُجرّم الاستعمار الفرنسي؟ هل سنواصل مطالبة الدبلوماسية الفرنسية بإعادة العقارات الفخمة في أعالي الجزائر العاصمة التي امتلكتها أو تستأجرها بالدينار الرمزي؟ ماذا عن الجزائريين الذي تضعهم فرنسا على لائحة الطرد ورفضت الجزائر في الماضي القريب استلامهم؟ ما محل وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو في المعادلة المقبلة؟ وهو الذي يعتبره المسؤولون الجزائريون المسؤول الأول عن التأزم الحالي ويريدون رأسه (حتى وإن لم يعلنوها صراحة).

لقد ذهبت الجزائر، عبر إعلامها، بعيدا في العداء لفرنسا دون حسبان ما يخفيه المستقبل. والحال اليوم أن الاستمرار في تلك الحملة مكلف والتوقف عنها غير مريح. الاستمرار لن يعجب المؤسسة الفرنسية، التي رغم تقبلها كل أنواع الانتقادات، إلا أنها لا زالت تستحي من ماضيها الاستعماري في الجزائر وعملت على تشكيل إجماع على رفض التشكيك فيه أو تصنيفه ظلما وجرائم ضد الإنسانية. أما التوقف عن الحملة فغير مريح أمام الرأي العام الجزائري الذي جرى شحنه ضد فرنسا بلا توقف طيلة الأيام والشهور الماضية.

فرنسا هي الأخرى أمام أسئلة جدية أبرزها: في أيّ ماكرون على الجزائر أن تثق الآن.. الذي زارها مرشحا للرئاسة في 2017 وصرّح في عاصمتها بأن الاستعمار الفرنسي جريمة ضد الإنسانية؟ أم الذي زارها مبتهجا في صيف 2022 ومرفوقا بوفد أمني ضخم؟ أم الذي تشعر بأنه طعنها في الظهر باعترافه بسيادة المغرب على الصحراء الغربية؟ أم الذي اتهمها بالتخلي عن شرفها لأنها سجنت بوعلام صنصال؟ أم الذي بعد ذلك دعا إلى التهدئة وتجاوز ما يعكر صفو علاقات البلدين؟

رغم كل شيء، هناك جانب مضيء في التطورات الأخيرة هو أن تستغل الجزائر وفرنسا الانفتاح الذي يحدث لطرح كل الملفات العالقة على الطاولة وتسوية ما أمكن منها. لكن المشكلة أن أغلب الملفات ثقيلة وملغومة بشكل يشجع العاصمتين على وضعها على الرف لأن طرقها يعني، ببساطة، فتح الباب لأزمة جديدة.

(القدس العربي)

مقالات مشابهة

  • صحف فرنسية تكشف عن محاولة اغتيال معارض جزائري بارز في قلب باريس
  • سوسيتي جنرال الجزائر تُجدد التزامها إلى جانب الاتحاد الجزائري للركبي للسنة التاسعة على التوالي
  • النظام الجزائري يعلق بخوف على تأكيد واشنطن دعمها سيادة المغرب ويبدي إستعداده التجاوب مع أوامر ترامب
  • الفيلم المصري "أمانة البحر" يفوز بجائزة الجمهور في مهرجان فيلم أو كلوك
  • الجزائري خالد ونوف يفوز بعضوية في الاتحاد العربي لـ “الجيدو”
  • مهمة سهلة للزمالك وبركان.. وديربي جزائري بإياب دور الثمانية للكونفدرالية
  • “حق الكدّ والسعاية يفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب
  • الجزائر وفرنسا: أسئلة ما بعد العاصفة
  • توتر في الأجواء .. مالي تُغلق مجالها أمام الطيران الجزائري وسط تصعيد غير مسبوق
  • تطور كبير فى العلاقات المصرية الفرنسية في عهد الرئيس السيسي