مع دنوِّ الانتخابات وتقييم الناس لإيجابيات وسلبيات المرشَّحين الرئيسيين يجب علي الإقرار بأن ثمة شيئا يبرز بوضوح ولا يمكنني نسيانه. إنه 6 يناير2021. لا يشغل بالي كثيرا العنف الذي اندلع في ذلك اليوم رغم خطورته. فأحداث 6 يناير سرعان ما أدينت بواسطة الناس من كل ألوان الطيف السياسي. بالطبع أدانها الديمقراطيون ولكن أيضا الجمهوريون من أمثال ميتشل مكونيل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ (عن ولاية كينتاكي) وتيد كروز عضو مجلس الشيوخ (عن ولاية تكساس) ونيكي هالي حاكمة ولاية كارولينا السابقة وليندسي جراهام عضو مجلس الشيوخ (عن ولاية كارولينا الجنوبية).

بالنسبة لي أكثر جانب مخيف لما حدث في 6 يناير لم يكن ما وقع خارج مبنى الكابيتول (الكونجرس) ولكن ما جرى داخله بعد انتهاء العنف واستعادة النظام.

اجتمع مجلس النواب مرة أخرى في مساء ذلك اليوم للمصادقة على نتائج الانتخابات التي أرسلت من الولايات. للتذكير كان ذلك بعد مراجعة ورفض عشرات الاعتراضات على هذه النتائج في عدد من الولايات وبعد إعلان بطلان عشرات القضايا التي رفعت للمحاكم.

بعد اتباع كل تلك الإجراءات القانونية وبعد الاعتداء العنيف على مبنى الكونجرس استمر دونالد ترامب وحلفاؤه في حث مؤيديه على رفض النتائج وتصويت الناخبين وعمليا إبطال الانتخابات. (المقصود بالناخبين هنا أعضاء المجمع الانتخابي الذين يمثلون الولايات بالمجمع ويصوتون لصالح المرشح الفائز بالأصوات الشعبية في ولاياتهم. ثم حسب نظام الانتخابات الأمريكي يصادق الكونجرس في جلسة مشتركة لمجلسيه على الأصوات الانتخابية لهؤلاء الناخبين (538 ناخبا) والمرشح الذي يحصل على أغلبية الأصوات (270 صوتا) يُعلَن رئيسا مُنتخَبا للولايات المتحدة - المترجم.)

استجاب أغلب الجمهوريين في مجلس النواب (139 عضوا) لدعوة ترامب ومؤيديه وصوتوا ضد المصادقة على نتيجة الانتخابات. وإذا حصلوا وقتها على أصوات كافية لا نعرف ما الذي كان يمكن أن يحدث. من المحتمل أن يكون ترامب قد تمكن (في تلك الحال) من البقاء رئيسا للولايات المتحدة.

دعونا لا ننسى أن ترامب ضغط أيضا على نائبه مايك بنس لكي يسيء استخدام دوره باعتباره الشخص الذي سيرأس فرز أصوات المجمع الانتخابي (في اجتماع الكونجرس). تلك المهمة حدَّد الدستور بوضوح أنها مراسمية فقط. وكان ترامب يريد من بنس الادعاء لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة بأنه يملك سلطة رفض الأصوات الانتخابية. وخصّه بالنقد دون الآخرين إلى حد أن الغوغاء خارج مبنى الكونجرس طالبوا بشنقه.

هاجم ترامب نائبَ الرئيس مرارا وتكرارا على وسائل التواصل الاجتماعي. ولو كان بنس قد فعل ما طلبه منه ترامب لواجهت الولايات المتحدة أزمة دستورية. وليس واضحا ما إذا كان سيتم تنصيب جو بايدن رئيسا بعد أسبوعين لاحقا. وكما قال جورج دبليو بوش عن ذلك اليوم «تلك هي طريقة النزاع حول نتائج الانتخابات في جمهورية الموز».

من المفيد إعادة سرد هذه الحادثة. فأحيانا اختيار موقف واحد في الحياة وفي لحظة حاسمة يكشف عن طبيعة الشخصية. قادة البلدان كثيرا ما يواجهون مثل هذه الاختبارات سواء في مواقف عظيمة أو بسيطة. لقد قرر مايكل جورباتشوف عدم استخدام القوة للحفاظ على وحدة الإمبراطورية السوفييتية. والرئيس الأمريكي ليندون جونسون أيَّد تشريعات حقوق الانسان على الرغم من علمه أن ذلك التأييد سيفتِّت قاعدة الديمقراطيين في الجنوب الأمريكي. وقَبِل المرشح الديمقراطي آل جور بكل طيب خاطر قرار المحكمة العليا الإشكالي والمثير للجدل بمنح الفوز في انتخابات عام 2000 لجورج دبليو بوش.

واجه ترامب مثل هذا الاختبار وفشل. وما يستحق الذكر أن بنس اجتازه بامتياز. ترامب لم يفشل فقط بل لم يُظهِر في أية لحظة ندما على مطالبته الكونجرس ونائب الرئيس بقلب نتيجة الانتخابات. وفي الحقيقة ظل يأمل في أن يجدوا طريقة تجعله يبقي في سدّة الحكم.

مع عودة قاعدة ترامب بسرعة إليه وتنامي تأييده تراجع عديدون من أولئك الذين سبق لهم أن أدانوا العنف وقفزوا إلى مركبته مجددا. ومؤسسات الأعمال التي ذكرت أنها لن تؤيد إطلاقا مرشحين يرفضون نتيجة الانتخابات نسيت تعهداتها. والبليونيرات الذين عبروا عما أملته عليهم ضمائرهم صمتوا لوهلة ثم وجدوا سبيل العودة الى منتجع مارا لاجو (مقر إقامة ترامب) بأمل كسب رضى رجل صار باطراد صاحب الحظ الأوفر في الترشح عن الحزب الجمهوري لرئاسة البلاد.

ما زال البعض يدينون العنف بل يتمنون لو أن ترامب كان قد فعل المزيد لوقفه. لكنهم لا يقولون أي شيء على الإطلاق عن الحدث المركزي الذي أعقب أعمال العنف يوم 6 يناير. إنه محاولة الانقلاب على انتخابات حرة ونزيهة.

أبو الدستور الأمريكي جيمس ماديسون (رابع رئيس للولايات المتحدة في الفترة 1809- 1817) اشتهر عنه تشييده نظاما به العديد من الكوابح والتوازنات لمنع تركُّز السلطة وظهور دكتاتور. قال اديسون «إذا كان الناس ملائكة ليست هنالك ضرورة لأي حكومة». لكنه أدرك أن تكوين المؤسسات ببساطة ليس كافيا. وأوضح أنه يأمل في أن يتحلَّى الناس بقدر كاف من الفضيلة والذكاء لاختيار أصحاب الفضيلة والحكمة». وإذا لم يحدث ذلك «سنكون في وضع بائس. ولا يمكن لأية كوابح نظرية ولا أية حكومة مهما كان شكلها أن تحقق لنا الأمن والأمان».

ربما نحن على وشك الدخول في تجربة لكي نرى هل يمكن لمؤسساتنا وكوابحنا وتوازناتنا الصمود حتى عندما يحاول القادة بذل أقصى ما في وسعهم للتلاعب بها.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

صحيفة بريطانية تكشف «كذبة ترامب الكبرى» حول تزوير انتخابات أمريكا.. ماذا قال؟

زعمت صحيفة الجارديان البريطانية في تقرير لها اليوم بأنَّ دونالد ترامب المرشح الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية «سيرفض قبول أي هزيمة في الانتخابات»، وذلك في تقرير تحت عنوان «كذبة ترامب الكبرى»، إذ قضى شهورًا يحض أنصاره على الاعتقاد بأنَّ الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يخسر بها هي من خلال الاحتيال.

واستشهدت الصحيفة البريطانية بخطاب سابق لترامب ألقاه في تجمع له خلال شهر سبتمبر الماضي جاء فيه: «إذا خسرت – سأخبركم، هذا ممكن، لأنهم يغشون، هذه هي الطريقة الوحيدة التي سنخسر بها، لأنهم يغشون».

فيما رفض عدة مرات أن يقول إنَّه سيقبل نتائج الانتخابات بشكل قاطع، مكتفيًا بالقول إنه سيفعل ذلك إذا كانت «عادلة وقانونية وجيدة»، كما أنه بعد تبرأته من مسؤولية الهجوم على الكابيتول في 6 يناير، احتضن أولئك الذين اعتدوا على الحكومة الأمريكية احتجاجًا على نتائج انتخابات 2020، واصفًا إياه بأنه «يوم الحب».

ماذا قال مؤيدو ترامب عن الخسارة؟

أشارت الصحيفة إلى أن شريكه في الانتخابات، «جي. دي. فانس»، السيناتور من ولاية أوهايو قال إنَّه لم يكن ليعتمد نتائج انتخابات 2020، خلال المناظرة الخاصة بالمرشحين لمنصب نائب الرئيس في أوائل أكتوبر، رفض القول إنَّ ترامب خسر انتخابات 2020، كما قال بشكل أكثر حسمًا إنَّه لا يعتقد أنَّ ترامب قد خسر قبل 4 سنوات.

آلية قانونية تدعم مزاعم ترامب

وأشارت الصحيفة إلى أنَّ ترامب أصبح محاطًا بتأييدات واسعة من الحزب، وآلية قانونية ضخمة ومنظمة للغاية لنفي نتائج الانتخابات حال خسارته.

بدوره، قال شون مورايس دويل مدير برنامج حقوق التصويت في مركز برينان للعدالة إنَّ الجهود المبذولة لمحاولة تقويض النتيجة أكثر تفكيرًا، وأكثر استراتيجية، وأكثر تنظيمًا، وأكثر تنسيقًا في 2020.

ويستعد الجمهوريون لدعم جهود ترامب، إذ يعتقد نحو واحد من كل خمسة ناخبين جمهوريين أنَّ ترامب يجب أن يعلن أن نتائج الانتخابات غير صحيحة إذا خسر، وفقًا لاستطلاع حديث من معهد الأبحاث العامة للدين (12% من الديمقراطيين قالوا إن هاريس، التي تعهدت بقبول نتائج الانتخابات، يجب أن تفعل الشيء نفسه).

وطعن عشرات الأشخاص في نتائج الانتخابات الأمريكية الرئاسية الأخيرة في مناصب محلية حيث لديهم سلطة على اعتماد إجمالي الأصوات يقودهم كليتا ميتشل، حليفة ترامب التي ساعدت جهوده في إلغاء الانتخابات قبل أربع سنوات.

ونظم الجمهوريون جهدًا ضخمًا لمراقبة مكاتب الانتخابات، ورفض الناخبين، والعمل في دوائر الانتخابات، فيما رفض نحو  35 مسؤولاً اعتماد الانتخابات منذ 2020 لهم دور في اعتماد الأصوات هذا الخريف، وفقًا لتقرير من مجموعة «المواطنون من أجل المسؤولية والأخلاق في واشنطن» (Crew).

دعاوى قانونية تتهم الانتخابات الأمريكية بالتزييف

أنفقت اللجنة الوطنية الجمهورية شهورًا في تقديم دعاوى قانونية تافهة تحتوي على مزاعم غير صحيحة عن الاحتيال؛ يقول الخبراء القانونيون إنَّ الجمهوريين ليس لديهم فرصة للفوز بهذه الدعاوى قبل الانتخابات -إذ تمّ رفض العديد منها بالفعل في المحكمة- لكن الهدف منها هو خلق عناوين صحفية وإعطاء انطباع بأن هناك شيئًا غير صحيح بشأن قوائم الناخبين.

استعدادات الديموقراطيين للهجوم الجهوري حال الفوز

تستعد حملة هاريس ومحامو حقوق التصويت، ومجموعات الحقوق المدنية جميعها لاحتمالية حدوث فترة ما بعد الانتخابات «chaotic»، قد تشمل تدفقًا من الدعاوى القانونية التي تحاول إلغاء بطاقات الاقتراع في محاولة لتغيير نتيجة الانتخابات.

مقالات مشابهة

  • صحيفة بريطانية تكشف «كذبة ترامب الكبرى» حول تزوير انتخابات أمريكا.. ماذا قال؟
  • هل تصمد أسعار الذهب أمام عاصفة الانتخابات الأمريكية؟
  • انتخابات أمريكية حاسمة بين هاريس وترامب.. تعادل في استطلاعات الرأي ومناورات لكسب الولايات المتأرجحة
  • ولاية ديلاوير.. الإعلام يبحث عن نتائج انتخابات الكونجرس!
  • موعد الإعلان النهائي عن الفائز في انتخابات أمريكا 2024
  • رئيس «القدس للدراسات»: الوضع في غزة لن يتغير بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية
  • واشنطن بوست: الناخبون أمام أسوأ خيارات في تاريخ الولايات المتحدة
  • الكونجرس الأمريكي يحسم السباق الانتخابي بين ترامبب وهاريس في هذه الحالة
  • انتخابات أمريكا 2024.. كيف يتم فرز الأصوات في الولايات المتأرجحة؟