تحظى الانتخابات الأميركية، التي تجري منافساتها خلال الساعات القليلة المقبلة باهتمام واسع، وترقب كبير في أرجاء العالم، في ظل المنافسة الشرسة بين المرشحين كامالا هاريس ودونالد ترامب وما بينهما من اختلافات جذرية يرى مراقبون أنها ستؤثر على سياسة واشنطن تجاه العديد من الملفات الإقليمية والدولية.

وعلى غرار أغلب دول العالم يتابع ملايين المصريين المنافسة بين المرشحين نظرا لأهميتها على العلاقات بين القاهرة وواشنطن، التي اتسمت خلال عقود مضت بكثير من التوافق الذي بلغ حد الشراكة الاستراتيجية كما وصفها مسئولي البلدين، ولم تخل كذلك من تباين أو اختلاف يحرص الجانبين على بقائه قيد السيطرة، حتى في ظل تعاقب الإدارات الأميركية بين الديمقراطيين والجمهوريين.

ورغم الاختلاف الكبير بين شخصيتي المرشحين الرئاسيين الأميركيين، يؤكد الدكتور بهجت قرني أستاذ العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي بالجامعة الأميركية بالقاهرة أن "هذا الاختلاف بين هاريس وترامب قد يظهر قليلا في السياسات، لكنه لن يكون له تأثير كبير على مستوى المضمون سواء في العلاقات المصرية الأميركية أو الملفات الإقليمية والدولية في المنطقة مثل الملف الفلسطيني، وملفات النزاع في الشرق الأوسط".

ووصف "قرني" في حديثه لموقع "الحرة" المرشحة هاريس بأنها "أكثر توازنا عكس دونالد ترامب الذي لا يمكن التنبؤ بسياساته وفقا لشخصيته التي تعتمد على مبدأ الصفقات، والفائدة الشخصية المباشرة، لكن التغير الذي سينتج عن التباين بين المرشحين في حالة فوز أي منهما لن يكون له أثر على علاقة القاهرة وواشنطن على عكس ما يمكن أن يحدث بين الإدارة الأميركية وأوروبا مثلا في حالة فوز ترامب، نتيجة رؤيته وموقفه المعلن من حلف الناتو".

مساعدات.. واتفاقيات.. وشراكة

وأعلنت واشنطن قبل أسابيع إقرار المساعدات العسكرية لمصر كاملة، التي تبلغ 1.3 مليار دولار، دون أي استقطاعات، كما حدث من قبل بربط جزء من قيمة المساعدات بإحراز تقدم في ملفات حقوق الإنسان والديمقراطية، وهو ما يشير وفقا لقرني إلى أن "الشراكة الاستراتيجية في العلاقة بين مصر والولايات المتحدة تتعدى النظر للمساعدات والأمور الاقتصادية والتعاون في الملفات الإقليمية التي تلعب فيها مصر دورا كبيرا بحكم مكانتها في المنطقة".

ووفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، فإن العلاقات الاقتصادية بين القاهرة وواشنطن تحقق مؤشرات كبيرة، إذ تعد الولايات المتحدة ثاني أكثر بلدان مجموعة الدول السبع الكبار استيرادا من مصر خلال عام 2023 بقيمة بلغت 1.9 مليار دولار، في حين تصدرت الولايات المتحدة قائمة أكثر دول المجموعة تصديرا لمصر خلال عام 2023 بقيمة 5.4 مليار دولار.

وتشير بيانات الجهاز إلى استثمارات أميركية في مصر خلال ذات العام بقيمة 2.3 مليار دولار، وبلغت استثمارات المصريين في الولايات المتحدة 1.61 مليار دولار، كما احتلت تحويلات المصريين من الولايات المتحدة المرتبة الأولى عام 2023، بقيمة 1.6 مليار دولار يليها المملكة المتحدة 560 مليون دولار، ثم ألمانيا 129.8 مليون دولار.

وأكد قرني أنه بالرغم من علاقة الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة فإن القاهرة تعمل على توازن في علاقاتها بين القوى الإقليمية والدولية الأخرى مثل موسكو وبكين، وهي سياسة منطقية تسعى لها أغلب الدول منذ انتهاء حقبة الحرب الباردة، والتحول من سياسة القطب الواحد إلى عالم متعدد الأقطاب.

وفيما يتعلق برؤية الولايات المتحدة لملف حقوق الإنسان في مصر، يرى الدكتور عمرو الشوبكي، مستشار "مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية" أن "هاريس في حال فوزها ستتبنى هذا الملف لكن بصوت خافت رغم أن الديمقراطيين مهتمون دوما به، لكن مستوى الاهتمام متعلق أكثر بالحقبة الزمنية، فمثلا لن يكون مدى الاهتمام بملف حقوق الإنسان في مصر مثل فترة إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، بدليل أن إدارة بايدن وافقت مؤخرا على مبلغ المساعدات العسكرية لمصر كاملا، في حين أن ترامب لا يعنيه ملف حقوق الإنسان بالأساس أو الديمقراطية في العالم كله وليس في مصر، ليس لأنه يحظى بدعم اليمينيين فقط ولكن لأنه مرشح غير تقليدي ينظر لمصلحته فقط".

لا تأثير على علاقة القاهرة وواشنطن

ويشير مستشار مركز الأهرام في حديثه لموقع "الحرة" إلى أن " العلاقة بين القاهرة وواشنطن اتخذت شكل التحالف منذ توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 وتطورت بعد ذلك إلى شراكة سياسية واقتصادية وأمنية، تمر أحيانا بمنحنيات وتباين في وجهات النظر، لكن تبقى قاعدتها الأساسية قائمة على التحالف والشراكة بغض النظر عن تعاقب الإدارات، وهو ما يفسر التعاون بينهما في محاولة التوصل لوقف إطلاق النار في غزة واهتمام الإدارة الأميركية بضرورة وجود استقرار في الشرق الأوسط وعدم تفاقم الأوضاع به وكذلك الاستقرار في مصر".

وعن الانفتاح في العلاقات بين القاهرة وبكين وموسكو قال إن "توازن القاهرة في علاقاتها قائم منذ عقود، وازداد خلال الآونة الأخيرة، لكنه يبقى انفتاحا محدود وجميع الأطراف تتعامل معه على هذا الأساس ولا يمكن غض الطرف عنه، كما أن الشراكة بين القاهرة وواشنطن لا يمكن أن تشهد اضطرابا إلا في حالة حدوث تغيرات سياسية أو إقليمية كبيرة غير مألوفة تتغير معها جميع الحسابات، وباستثناء ذلك لن يقدم أي منهما على اتخاذ خطوات تذهب بعيدا عن شكل العلاقة الحالية حتى لو فاز مرشح غير تقليدي مثل ترامب له رؤية خاصة في السياسة والاقتصاد".

واتخذت العلاقات المصرية الأميركية شكلا تحالفيا منذ ما يزيد على نصف قرن كما يقول الدكتور بهجت قرني الذي أشار إلى أنه "قبل منتصف سبعينيات القرن الماضي اتسمت العلاقة بين البلدين بالحذر والتوتر وقتا طويلا في الخمسينات وبعد حرب 1967 بين مصر وإسرائيل وأثناء فترة حرب الاستنزاف ثم حرب أكتوبر 1973، حين بدأت تأخذ منعطفا آخر نحو الاستقرار والشراكة، وكان الرئيس الأمريكي الذي أحدث الفارق حينها ديمقراطيا وهو جيمي كارتر، ولم تصل منذ ذلك الحين إلى مرحلة التوتر الكبير أو القطيعة، وحتى في ظل حدوث تباين أو اختلاف تبقى في إطارها الطبيعي وفي حالة ترجمة هذا التباين إلى استقطاع مبلغ من قيمة المعونة الأميركية سرعان ما تعود الأمور إلى طبيعتها".

ويمثل البعد الاقتصادي جانباً هاماً في العلاقات بين مصر والولايات المتحدة، وتأخذ العلاقات في هذا الصدد أشكال عدة مثل المعونات الاقتصادية الأميركية للقاهرة واتفاقيات الشراكة، وتعتبر واشنطن من أكبر شركاء مصر في المجال الاقتصادي منذ أواخر السبعينيات.

وتمتد جذور العلاقات الاقتصادية المصرية - الأميركية منذ القرن التاسع عشر، بحسب ما تشير الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، بتوقيع المعاهدة الأميركية التركية التجارية في 7 مايو 1830، وتطورت العلاقات الاقتصادية بشكل كبير بعد ذلك باستثناء فترة ما بعد حرب 1967 وحتى حرب أكتوبر 1973.

وقبل حرب يونيو 1967 كانت مصر ضمن الدول المستفيدة من المساعدات الأميركية بخاصة في مجال الغذاء، وبعد حرب أكتوبر 1973 كانت المساعدات الأميركية أبرز صور التعاون الاقتصادي بين البلدين، وبلغت ذروتها في عقد الثمانينيات، إلا أنها مع مطلع الألفية الثالثة تقلصت بشكل كبير خاصة ما يخصص للمجالات الاقتصادية والاجتماعية مع استمرار المساعدات المخصصة للتعاون العسكري.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: بین القاهرة وواشنطن الولایات المتحدة حقوق الإنسان ملیار دولار فی حالة بین مصر فی مصر

إقرأ أيضاً:

بدء سريان رسوم الصين الجديدة على السلع الأميركية وبكين تحذر

دخلت الرسوم الجمركية الصينية البالغة نسبتها 84% على المنتجات الأميركية حيز التنفيذ اليوم الخميس، وهو ما يمثل مرحلة جديدة في الحرب التجارية التي تشنها واشنطن ويزيد المخاوف من حدوث ركود عالمي.

وستطبق الرسوم الجمركية الجديدة على كل المنتجات الأميركية التي تدخل الصين والتي بلغت قيمتها حوالي 143.5 مليار دولار عام 2024، وفقا لمكتب الممثل التجاري الأميركي.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الأسهم العالمية تقفز بعد تعليق الرسوم الجمركية الأميركيةlist 2 of 2تعرف على حقيقة قرار تعليق الرسوم الجمركية الأميركيةend of list

كما أضافت بكين 6 شركات أميركية إلى قائمة الكيانات غير الموثوقة، كما وضعت 12 كيانا أميركيا على قائمة مراقبة الصادرات.

ورفعت الصين دعوى ضد الولايات المتحدة -إلى آلية تسوية المنازعات التابعة لمنظمة التجارة العالمية- بشأن الزيادة الأخيرة في التعريفات الجمركية.

وتأتي هذه الخطوة بعدما كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس الأربعاء خطة جديدة لزيادة الرسوم على الواردات الصينية لتصل إلى 125%، في حين تم تعليق الرسوم المفروضة على بعض الدول الأخرى مؤقتا.

الرد الصيني.. القتال حتى النهاية

وتعهدت الصين باتخاذ تدابير مضادة، في أعقاب زيادة الولايات المتحدة رسومها الجمركية على السلع الصينية إلى 125%، ولكنها حثت على الحوار لتسوية الملفات المتبادلة واستقرار العلاقات بين البلدين.

وقال وزير التجارة الصيني إن ما تسمى الرسوم الأميركية المضادة تعد انتهاكا خطيرا للمصالح المشروعة لكل الدول، وأضاف أن بلاده ترغب في حل الخلافات من خلال التشاور والمفاوضات ولكن إذا مضى الجانب الأميركي في طريقه فإن الصين ستقاتل للنهاية، بحسب ما أوردت وكالة رويترز.

إعلان

من جهته قال مسؤول بوزارة التجارة الصينية في بيان أمس "أريد أن أؤكد أنه لا يوجد فائز في حرب تجارية، ولا تريد الصين حربا تجارية. ولكن الحكومة لن تقف مكتوفة الأيدي بأي حال من الأحوال عندما تتضرر وتنتهك الحقوق والمصالح المشروعة لشعبها".

وأضاف المسؤول الصيني أن استخدام الولايات المتحدة للتعريفات الجمركية سلاحا لممارسة أقصى قدر من الضغط والسعي لتحقيق مصالحها الذاتية عمل نموذجي للأحادية والحمائية والتنمر الاقتصادي، بحسب ما نقلت وكالة شينخوا الرسمية.

وأشار إلى أن بلاده على استعداد للتواصل مع الجانب الأميركي بشأن القضايا الاقتصادية والتجارية الثنائية الرئيسية، ومعالجة اهتمامات كل منهما من خلال الحوار والمشاورات على قدم المساواة.

ومن جانبه قال لين جيان، المتحدث باسم الخارجية الصينية، خلال مؤتمر صحفي أمس "إذا كانت الولايات المتحدة عازمة على شن حرب تعريفات جمركية أو حرب تجارية، فإن الصين مستعدة للقتال حتى النهاية" مؤكدا أن بلاده تمتلك القدرة والثقة للتعامل مع مختلف المخاطر والتحديات.

حجم التبادل التجاري بين أميركا والصين بلغ 582.5 مليار دولار عام 2025 (غيتي إيميجز) التأثيرات على الاقتصاد العالمي

وحذرت المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو إيويالا أمس من أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين يمكن أن تخفض "حتى 80%" تجارة السلع بين أكبر اقتصادين في العالم وتمحو "نحو 7%" من الناتج المحلي الإجمالي العالمي على المدى البعيد.

وقالت إيويالا في بيان "توقعاتنا الأولية تفيد بأن تبادل السلع بين هذين الاقتصادين (الولايات المتحدة والصين) يمكن أن يتراجع إلى 80%" بسبب التوترات التجارية، مشيرة إلى "انقسام للاقتصاد العالمي إلى كتلتين" قد يؤدي -في حالة حدوثه- إلى تقليص للناتج المحلي الإجمالي العالمي يناهز 7% على المدى البعيد.

إعلان

وأشارت إلى أن الولايات المتحدة والصين تمثلان معا 3% من التجارة العالمية، وحذّرت من أن الصراع قد "يلحق أضرارا جسيمة بالتوقعات الاقتصادية العالمية".

 أرقام عن حجم التجارة بين الصين وأميركا

تشير بيانات مكتب التمثل التجاري الأميركي "يو إس تي آر" (USTR) إلى أن حجم التبادل التجاري في السلع مع الصين عام 2024 بلغ نحو 582.4 مليار دولار، موزعة على النحو التالي:

الصادرات الأميركية إلى الصين: 143.5 مليار دولار، بانخفاض قدره 2.9% مقارنة بعام 2023. الواردات الأميركية من الصين: 438.9 مليار دولار، بزيادة قدرها 2.8% عن العام السابق. العجز التجاري لمصلحة الصين: 295.4 مليار دولار، ويمثل ارتفاعًا بنسبة 5.8% عن عام 2023.

مقالات مشابهة

  • بدء سريان رسوم الصين الجديدة على السلع الأميركية وبكين تحذر
  • انطلاق الجولة الثانية من المحادثات الروسية الأميركية في إسطنبول
  • شراكة استراتيجية بين "الزبير" و"TechChef" لتطوير البرمجيات
  • أسعار ومؤشرات العملات الرقمية اليوم 9 أبريل.. مكاسب محدودة وتباين في الأداء
  • الصين ترفع الرسوم الجمركية على السلع الأميركية إلى 84% وواشنطن ترد
  • نجاة عبد الرحمن تكتب: مصر وفرنسا.. شراكة استراتيجية بين الحاضر والمستقبل
  • حمدان بن محمد: الإمارات والهند شراكة استراتيجية
  • حمدان بن محمد: من الدفاع إلى الدبلوماسية.. الإمارات والهند تجمعهما شراكة استراتيجية وحيوية
  • شراكة استراتيجية بين "مجموعة الأنصاري" و"فوسو عُمان"
  • الإمارات والهند.. شراكات استراتيجية تسير بمستقبل العلاقات الاقتصادية بخطى طموحة