صفحة جديدة في العلاقات المغربية الفرنسية
تاريخ النشر: 4th, November 2024 GMT
تُوجت زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي ماكرون إلى المملكة المغربية ما بين 28 و30 تشرين الأول/ أكتوبر 2024 بالتوقيع على 22 اتفاقية في قطاعات ذات قيمة استراتيجية بالغة الأهمية، كما دشنت صفحة جديدة في تطور العلاقات التاريخية المغربية الفرنسية، بالإعلان الرسمي للجمهورية الفرنسية في شخص رئيسها عن السيادة المغربية على أقاليمه الترابية، أي صحرائه المسترجعة، وأكدت بصريح العبارة أن الحكم الذاتي الموسع المعلن عنه من قبل المغرب عام 2007 هو السبيل السالك والواقعي والناجع لنزاع مُفتعل عمر قرابة خمسين سنة (1975-2024).
زيارة الدولة الناجحة التي قام بها الرئيس الفرنسي والوفد الكبير المرافق له، الذي وصل عدد أعضائه إلى مائة شخصية من وزراء ورجال أعمال وسياسيين ودبلوماسيين سابقين وصناع القرار والرأي، في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، كانت ناجحة بكل المقاييس، فقد مكنت قائدي البلدين من إجراء مباحثات جدية وصريحة ومسؤولة وجها لوجه، كما فتحت الباب واسعا أمام الوزراء والمسؤولين كل في قطاعه بالتوقيع على 22 اتفاقية، شملت السكك الحديدية، وقطاعات الطاقة والهيدروجين الأخضر وصناعة الطائرات، ناهيك عن مجالات المياه والفلاحة والغابات، والتعليم بكل درجاته والثقافة، والصناعة المحلية، والقائمة طويلة من دوائر التعاون المشترك.
حملت الصفحة الجديدة التي أسفرت عنها زيارة الرئيس الفرنسي عنونا بارزا، عبر عنه البيان المشترك للبلدين، بـ"إرساء شراكة استثنائية"، وهو ما يعبر بجلاء عن إرادة البلدين وإصرارهما على كسر جليد العلاقات الثنائية الموسومة بالجفاء والتوتر منذ ثلاث سنوات، والنظر بواقعية ومصداقية إلى إعادة بناء العلاقات التاريخية وفق رؤية جديدة، وتفكير مختلف، ووعي عميق بأهمية ترسيخ علاقات متكافئة، منطوية على ربح مشترك.
والواقع أن المغرب منذ سنوات عبر لجميع شركائه عن تصوره لما ينبغي أن تكون عليه الشراكات المستقبلية لدوائر تعاونه، وقد أكدت خطب العاهل المغرب في أكثر من مناسبة عن هذه الرؤية الجديدة التي تضع قضية السيادة المغربية على أراضيه في قلب أية شراكة وأي تعاون. والحقيقة أن المغرب استطاع، بما يمتلك من عناصر القوة وإمكانات الإقناع، إعادة بناء علاقات مع جيرانه الأوروبيين، من قبيل إسبانيا وألمانيا وإيطاليا، ومن هم في واجهته الأطلسية، أي الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا، وقد أضافت فرنسا من خلال زيارة رئيسها حلقة بالغة الأهمية في سيرورة استكمال التأييد الدولي لقضية السيادة المغرب على أقاليمه الترابية.
قد يقول قائل: وما هي كلفة الزيارة والاتفاقيات التي أسفرت عنها، وما الذي سيجنيه المغرب وتجنيه فرنسا؟
حدد الاقتصاديون وخبراء المال والأعمال المتابعون لوقائع الزيارة ونتائجها أن فرنسا ستجني خلال السنوات المقبلة 10 مليارات يورو من خلال الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية المشار إليها أعلاه، أما المغرب فقد جنى أولا انضمام فرنسا إلى كوكبة الدول المعترفة بعدالة قضية السيادة الوطنية على الأقاليم الترابية للمغرب، وهو تحول نوعي في الموقف الفرنسي، وسيرورة استكمال المغرب للاعتراف بصدقية الحل الذي قدمه منذ العام 2007، أي الحكم الذاتي الموسع للأقاليم الجنوبية المسترجعة. ثم إن قائمة المنافع التي سيجنيها فور دخول الاتفاقيات حيز التنفيذ، طويلة وكبيرة، حيث سيُعزز بنياته التحتية في مجالات السكك الحديدية (للقطار فائق السرعة)، وشبكة الطرق السيارة، ناهيك عن الطاقة بكل أنواعها، لا سيما وأن للمغرب مكانة مميزة في هذا المجال، إضافة إلى الصناعات بتعدد أشكالها كالسيارات والطائرات. وستطال نتائج هذه الزيارة المجال التعليمي والثقافي، من خلال تقوية تدريس اللغة العربية في فرنسا، وتشبيك العلاقات في مجال التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ولاهتمام المشترك بالثقافة والتراث وكل ما له صلة بالرأسمال المادي واللامادي.
السياق الدولي الذي يتحكم في العلاقة بين البلدين لم يعد هو نفسه الذي عمر العلاقة بينهما لعقود، فمكانة فرنسا تراجعت كثيرا في أفريقيا على وجه الخصوص، والمغرب جزء من هذه القارة، والمغرب لم يعد، بدوره، مغرب نهاية القرن العشرين، فقد غدا مع الألفية الجديدة قوة صاعدة، مسموع الكلمة، ومؤثرا على الصعيد القاري
يُعرف علماء السياسة؛ السياسةَ بأنها "فن تدبير المصالح"، وهو ما يعني حضور العقل، أي القدرة على التمييز بين ما يدخل في باب المصلحة، وما هو مرتبط بالعاطفة والوجدان والأخلاق في أحيان كثيرة. لذلك، أفضل سبيل لقراءة الصفحة الجديدة في العلاقات المغربية الفرنسية هي زاوية المصلحة المتبادلة والمشتركة ليس إلا. فعودة الدفء إلى العلاقات بين البلدين، وطي صفحة التوتر وتدشين صفحة الشراكة الاستثنائية ليست نابعة من حب فرنسا للمغرب، ولا من عشق المغرب لفرنسا، فالبلدان معا خبِرا الحروب والصراعات الدموية في التاريخ، وجربا التعاون غير المتكافئ، وفي وقت محدد وصلا إلى اقتناع ووعي مفادهما أن العلاقة الحقيقية والاستراتيجية يجب أن تُبنى على التعاون النافع، والخير المشترك والمقتسم.
ثم إن السياق الدولي الذي يتحكم في العلاقة بين البلدين لم يعد هو نفسه الذي عمر العلاقة بينهما لعقود، فمكانة فرنسا تراجعت كثيرا في أفريقيا على وجه الخصوص، والمغرب جزء من هذه القارة، والمغرب لم يعد، بدوره، مغرب نهاية القرن العشرين، فقد غدا مع الألفية الجديدة قوة صاعدة، مسموع الكلمة، ومؤثرا على الصعيد القاري.
تحتاج الصفحة الجديدة، أي الشراكة الاستثنائية، بين المغرب وفرنسا إلى وقت للحكم عليها وعلى نتائجها وتأثيراتها المنظورة وغير المنظورة، لكن من المؤكد أن البلدين دشنا حقبة نوعية جديدة في تاريخ علاقتهما، وأنهما ولأول مرة أمسكا بالطريق السالك، الذي سيمد علاقتهما بالقوة الضرورية والحيوية اللازمة لدوام استمرارهما متعاونين ومستفيدين بقدر معقول من التكافؤ.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المغربية العلاقات فرنسا المغرب فرنسا علاقات الصحراء سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة رياضة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العلاقة بین جدیدة فی لم یعد
إقرأ أيضاً:
شريط سينمائي يسلط الضوء على علاقات المملكة المغربية والولایات المتحدة منذ مستھل التاریخ الأمریكي
تسلط سفارة المغرب بواشنطن الضوء، من خلال شریط سینمائي قصیر، على التاریخ الاستثنائي لشراكة ثابتة تزخر بغناھا وعمقھا، تربط بین المملكة والولایات المتحدة منذ مستھل التاریخ الأمریكي.
فمن خلال ھذا الشریط، الذي یتم بثه عبر الإنترنت تزامنا مع تخلید الشعب المغربي لذكرى عید الاستقلال، تبعث المملكة برسالة قویة لا لبس فیھا، كونھا تعد شریكا متمیزا بالنسبة لأمریكا.
تتجاوز العلاقات بین الرباط وواشنطن مجرد كونھا دبلوماسیة محضة، لتتجلى في توافق بشأن الالتزامات والقیم، التي تدفع قدما بشراكة استراتیجیة لھا خصوصیاتھا، یحذوھا الطموح المشترك بتحقیق مستقبل أفضل للبلدین وللعالم أجمع.
بھذه العبارات، یستھل سفیر المغرب في العاصمة الفدرالیة الأمریكیة، یوسف العمراني، ھذا السفر عبر أرشیف تاریخ غني بالأحداث. تعد ھذه المقدمة بمثابة تذكیر تاریخي، یحفل بكافة معانیه منذ سنة 1777، كان المغرب أول دولة في العالم تعترف بالولایات المتحدة، وھو واقع ما فتئت الإدارات الدیمقراطیة والجمھوریة، المتعاقبة تستحضره، مشیدة بأقدم شریك لأمریكا: المملكة التي كانت دوما، على الضفة الأخرى للمحیط الأطلسي، حلیفا ھاما وشریكا رئیسیا ومخاطبا یحظى بمكانة متمیزة لدى مختلف قاطني البیت الأبیض.
من ھذا المنطلق، یتوالى سرد الأحداث بشكل انسیابي یقتفي یوسف العمراني أثر ھذا التاریخ، داعیا المشاھدین إلى سبر أغوار إرث ھذه الشراكة، مع استحضار الواقع الراھن، واستشراف المستقبل. فالأفق السیاسي لا یقتصر على الوفاء للماضي فحسب، بل یعد بنجاحات جدیدة، وحدھما الرباط وواشنطن تستأثران بكیفیة تحقیقھا
تحفل ھذه الشراكة بكافة معانیھا من مجلس الأمن إلى مناورات « الأسد الإفریقي » العسكریة، مرورا بالتجارة والاستثمارات. فالمغرب، البلد الإفریقي الوحید الذي أبرم اتفاقیة للتجارة الحرة مع الولایات المتحدة، یرتقي بعلاقاته مع واشنطن. إذ بعد مرور 20 عاما على توقیع ھذه الاتفاقیة، و20 سنة من انطلاق تمرین الأسد الإفریقي، شھدت ھذه العلاقات تطورا حثیثا، بقیادة روادھا المؤسسین.
من خلال الفیلم، یجسد مزیج من الصور ومقاطع الفیدیو من الأرشیف ثبات العلاقات السیاسیة والدبلوماسیة، التي وحدت على الدوام الرؤى المشتركة بین الحلیفین. فمن مؤتمر الدار البیضاء في عھد جلالة المغفور له الملك محمد الخامس، إلى رمزیة اللقاء الذي جمع بین جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني والرئیس كینیدي،
یحتفظ الماضي ببصمته في الحاضر. كما أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس یرتقي بھذه العلاقة الفریدة، إذ لا یقتصر على إعطائھا معنى جدیدا أكثر رحابة، بل یمنحھا أیضا حمولة تكتسي طابعا أكثر استراتیجیة.
لا تكتفي واشنطن والرباط بمجرد التقارب، بل ترتقیان سویة خلال القرن الـ21 إلى ذروة علاقات دبلوماسیة تجسد التزامات ھیكلیة، متجاوزة الصداقة الصادقة وروح التعاون، شعارھما في ذلك شراكة متینة قائمة على أسس ثابتة.
ومن خلال اعترافھا بسیادة المغرب على أقالیمه الجنوبیة، تجسد الولایات المتحدة انخراطھا الكامل حین یتعلق الأمر بدعم المصالح الاستراتیجیة لشركائھا من قبیل المغرب. ولعل الصور، في ھذا الصدد، تظل أبلغ تعبیرا من الكلمات
معا، یشكل البلدان قوة فاعلة من أجل السلام والحوار والتفاھم، من خلال التوقیع على اتفاقیات ثلاثیة الأطراف، ومد جسور الدبلوماسیة في الشرق الأوسط، والالتزام بتحقیق الازدھار في إفریقیا. ھذه الشراكة الثنائیة المغربیة-الأمریكیة تشكل درعا یقاوم الانقسامات، لكنھا على الخصوص محرك للوحدة والازدھار المشترك.
من خلال ھذا الفیلم الوثائقي، تتوالى الشھادات رفیعة المستوى رافعة نداء یحظى بالإجماع: تحقیق المزید من التعاون والتفاعل. ھذا المطلب لا یملیه التاریخ فقط، بل أیضا المصالح الراسخة. یعبر عن ھذا الرأي على الخصوص كل من الأستاذ الفخري في جامعة جونز ھوبكنز، ویلیام زارتمان، ونائب مساعد وزیر الخارجیة الأمریكي الأسبق المكلف بقضایا الشرق الأوسط وشمال إفریقیا، دیفید شینكر، وأیضا الجنرال مایكل لانغلي، في تحلیلھم للحظات البارزة ضمن ھذا التعاون.
ولعل أبلغ تجسید لھذه الوحدة یتمثل في الدور المتنامي للمواطنین المغاربة، الذین یحملون عالیا رایة الوطن في القارة الأمریكیة، والذین لم یؤد اندماجھم إلى الانسلاخ عن جذورھم. فسواء كانوا طلابا أو مسؤولین أو .فنانین أو ریاضیین، یعتز المواطنون المغاربة من كافة الأطیاف بھویتھم، التي لا تتأثر قط ببعد المسافات.
یختتم الفیلم لقطاته على وقع صورة معبرة مفعمة بالدلالة: علم أحمر وأخضر یلوح به مواطنون مغاربة في ساحة « تایمز سكویر » الشھیرة، كانوا قد قدموا للاحتفال بملحمة أسود الأطلس خلال كأس العالم الأخیرة. حس وطني عال یتجسد كذلك من خلال الكلمات المؤثرة للشاب آدم بندق، الذي یحلم، من على مقعد بالقنصلیة في واشنطن، بأن یرتدي ذات یوم ھذا القمیص الأحمر نفسه على أرضیة ملعب لكرة القدم، معبرا عن شغف، لا حدود له، یكنه لبلاده.
كلمات دلالية المغرب الولايات المتحدة الأمريكية الولایات شريط سينمائي