خسائر الجيش الإسرائيلي تنذر بتصدّع داخلي وتحذر من التورط بـالوحل اللبناني
تاريخ النشر: 4th, November 2024 GMT
القدس المحتلة– بدت إسرائيل منقسمة على ذاتها بشأن حرب لبنان الثالثة، وسط تصدع الإجماع الصهيوني على استمرارها، وذلك في ظل الخسائر البشرية الفادحة التي يتكبدها الجيش الإسرائيلي بالجنود والضباط على جبهتي القتال في لبنان وغزة، خاصة بالمعارك مع حزب الله على الحدود الشمالية.
ووُصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي بأنه الأكثر دموية على إسرائيل منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث قتل خلاله 88 جنديا ومدنيا إسرائيليا على جبهتي غزة ولبنان وفي عمليات متفرقة أخرى داخل إسرائيل، ومن بين القتلى 37 جنديا قُتلوا في معارك جنوب لبنان وعلى الحدود الشمالية، بحسب رصد الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت".
وحيال هذه الخسائر البشرية، تجمع قراءات محللين عسكريين وسياسيين على أنه كلما استمرت الحرب على لبنان وابتعدت احتمالات الحسم أو أي تسوية سياسية، فإن إسرائيل ستدخل في ورطة وجيشها سيغرق بالمستنقع اللبناني، خصوصا وأن حزب الله أخذ يستعيد قدراته ويثبت تماسكا في الميدان.
ورجحت التحليلات أن حزب الله، وفي ظل الخسائر البشرية التي يكبدها للجيش الإسرائيلي، بدأ يفرض تحديات أكثر خطورة على إسرائيل، وذلك رغم الضربات التي تلقاها واغتيال أمينه العام حسن نصر الله والعديد من كبار قياداته العسكرية.
وبحسب القراءات الإسرائيلية، فإن حزب الله يستعد لسيناريو حرب طويلة الأمد ودون حسم، وهو السيناريو الذي تخشاه إسرائيل، حيث قد تضطر إلى إنهاء التوغل البري في لبنان لتجنب المزيد من الخسائر البشرية، لكن دون إنهاء الحرب.
معارضون يتهمون نتنياهو بالإصرار على استمرار الحرب وتجاهل فرص الحل السياسي بدون هدف (الجيش الإسرائيلي) مؤشر للتصدعيرى الباحث في "مركز التقدم العربي للسياسات" والمختص بالشأن الإسرائيلي، أمير مخول، أن حكومة بنيامين نتنياهو تتعمد تفويت كل الفرص للحل السياسي مع لبنان، وتتجه نحو تكثيف الحرب وتوسيع نطاق الضربات العسكرية، ظنا منها أن ذلك سيحدث تغيرا في موقف حكومة لبنان ويلزمها بتقديم تنازلات لفرض تغييرات جوهرية على بنود القرار 1701.
وحيال هذا الموقف، أشار مخول للجزيرة نت إلى الأصوات الإسرائيلية التي تتعالى وتدعو إلى استغلال الفرصة التي وفرتها العملية العسكرية بهدف إيجاد مخرج سياسي للجبهة الشمالية مع لبنان، مشيرا إلى أن المجتمع الإسرائيلي لا يمكنه تحمل الحجم الكبير من الخسائر البشرية.
ورغم الثمن الباهظ للحرب على لبنان والخسائر البشرية للجيش الإسرائيلي، يقول مخول "لا تزال غالبية بين اليهود من مختلف المعسكرات والتيارات السياسية والحزبية تدعم وتؤيد استمرار الحرب في لبنان وغزة، لكنها ليست أغلبية حاسمة، وتشير إلى التصدع بالمجتمع الإسرائيلي وتقويض الإجماع على الحرب، والذي كان سائدا قبل العملية العسكرية في جنوب لبنان".
وفي هذا السياق، اتهم رئيس هيئة أركان الجيش ووزير الأمن السابق شاؤول موفاز، حكومة نتنياهو بأنها تريد المناورة العسكرية واستمرار الحرب باعتبارها هدفا، دون التعامل مع أية مبادرة سياسية أو وضع خارطة طريق تفضي إلى إنهاء الحرب.
وكرر موفاز -في تصريحات للقناة 12 الإسرائيلية- اتهامه لنتنياهو بأنه غير معني بإعادة من تبقى من المحتجزين الإسرائيليين في الأسر لدى حركة حماس في غزة، بقدر اهتمامه باستمرار الحرب متعددة الجبهات لما يخدم مصالحه الشخصية والسياسية.
كما أشار إلى حجم الخسائر البشرية بالجيش على جبهتي لبنان وغزة، والتي "تذهب ثمنا لنزوات سياسية لنتنياهو وحكومته من أحزاب اليمين المتطرف" منتقدا قرار الحكومة إخلاء السكان الإسرائيليين من البلدات الحدودية مع لبنان. وقال إن "القرار كان كارثيا، حيث تحول مع الوقت إلى أزمة إستراتيجية تثقل كاهل المؤسسة العسكرية وتتسبب بتآكل قوات الاحتياط وقدرات الجيش".
ثمن باهظ
وبدا المحلل العسكري في صحيفة "إسرائيل اليوم"، يوآف ليمور، أكثر وضوحا في قراءته لتداعيات الخسائر الفادحة التي يتكبدها الجيش الإسرائيلي بالجنود خلال المعارك البرية مع حزب الله جنوب لبنان، داعيا الحكومة إلى "استغلال الإنجازات التكتيكية" التي تحققت والتوجه إلى تسوية سياسية من موقف قوة.
وأوضح المحلل العسكري أن الكثير في إسرائيل، بما في ذلك الوزراء وكبار المسؤولين بالمؤسسة الأمنية، يعتقدون أنه لا يوجد لحكومة نتنياهو أي سبب لإطلاق طوق نجاة لحزب الله، وأنها يجب أن تستمر في الضغط العسكري، وإن كان محفوفا بالمشاكل، وعليه يمكن للجيش أن يواصل القتال في لبنان إلى الأبد، وسيكون لديه دائمًا أهداف متاحة.
وعلاوة على ذلك، يقول ليمور إن "استمرار القتال سيكون له ثمن باهظ من الضحايا، وسيزداد هذا الثمن خلال الشتاء، مما يعني أن الجيش سيغرق في الوحل اللبناني، كما سيكون له ثمن في مزيد من تآكل شرعية إسرائيل الدولية، وفي الاقتصاد، وفي تعميق العبء على قوات الاحتياط، وتأخير عودة سكان الشمال لمنازلهم".
وعلى أية حال، يضيف ليمور فإن "الجيش الإسرائيلي سيكمل المرحلة الأولى من المهمة الموكلة إليه في جنوب لبنان خلال نحو أسبوعين، مما يعني إنهاء العملية البرية، دون وقف إطلاق النار" مشيرا إلى أن نهاية الحرب في الشمال ستعيد إسرائيل أيضا إلى النقطة التي بدأ منها كل شيء، إلى قطاع غزة.
وبغض النظر عن هوية الإدارة الأميركية التي سيتم انتخابها هذا الأسبوع في واشنطن، يقول المحلل العسكري إن "إسرائيل لن تتمكن من التهرب لفترة طويلة من القرار المتعلق بمستقبل قطاع غزة، وخاصة قضية المختطفين الإسرائيليين".
النهاية بعيدة
وحول الجانب اللبناني، يقول محلل الشؤون العربية والشرق أوسطية، جاكي حوكي "بدا واضحا أن حزب الله استعاد قدراته العسكرية والتنظيمية بعد الضربات التي تلقاها من إسرائيل التي تجد صعوبة في فرض التسوية التي تريدها على الحزب الذي صعد من هجماته على العمق الإسرائيلي، ويستعرض قوته وعضلاته ولا يستجيب لمطالب حكومة نتنياهو".
وخلافا للكثير من الإسرائيليين الذين يعتقدون أن حزب الله اقترب من الاستسلام، يقول حوكي إن نهاية الحرب في نظر حزب الله لا تزال بعيدة، هذا إن كانت ثمة نهاية أصلا. إذ يعتقد الحزب اللبناني أن إسرائيل تعتزم مواصلة القتال لعدة أشهر، بل وحتى الوصول إلى بيروت بعملية برية كما فعلت عام 1982.
وأشار حوكي أن حزب الله يتحضر لسيناريو إقدام الجيش الإسرائيلي على توغل بري بالعمق اللبناني، قائلا "صحيح أنهم يفقدون مقاتلين، لكن هذا هو سبب وجودهم، القتال والتضحية. وسينتظرون الجيش الإسرائيلي في بيروت، معقلهم، وهناك يأملون في تحقيق النصر. وإذا لم ينتصروا، فسيعلمون على الأقل أنهم لم يرفعوا الراية البيضاء".
وحيال التطورات الميدانية وفي ظل الارتفاع في أعداد الجنود القتلى بالمعارك مع عناصر حزب الله، يضيف حوكي "من الأفضل أن تستغل الحكومة الإنجازات لتكون رافعة لتسوية سياسية، وترتيبات تعود بالنفع على إسرائيل. وإذا ضيعت فرصة ذلك، فإن حزب الله سيستعيد كامل قدراته، ويعزز رغبته بالقتال، كما فعل بعد كل صراع في الماضي".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الجیش الإسرائیلی الخسائر البشریة أن حزب الله جنوب لبنان فی لبنان
إقرأ أيضاً:
كيف سيخرج لبنان من الحرب مع إسرائيل؟
واقع قاتم يعيشه لبنان مع تحوله إلى نقطة محورية لحرب بالوكالة بين إسرائيل وإيران، يلعب فيها حزب الله دوراً مركزياً. وتعكس الدعوة العلنية التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، للمواطنين اللبنانيين لتحدي حزب الله المخاطر العالية المترتبة على هذا الصراع المتصاعد، وفق مديرة مركز مالكولم كير في كارنيغي الشرق الأوسط، مهى يحيى.
يواصل جيل أصغر من القادة، مدفوعاً بالحماسة الإيديولوجية، دعم طموحات حزب الله الإقليمية
وتضيف في مقالها المطول بموقع مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية: على النقيض من ذلك، فإن تورط إيران المتزايد من خلال حزب الله يؤكد طموحاتها الإقليمية الأوسع نطاقاً. وفي خضم هذا الشد والجذب، يعاني لبنان بشكل كبير، سواء كساحة معركة أو كرمز لمنافسات أيديولوجية واستراتيجية أكبر في الشرق الأوسط. الأزمات التي تشل الحياة في لبنانويذكر أنه قبل وقت طويل من اندلاع أعمال العنف الأخيرة، كان لبنان يعاني بالفعل من أزمات متشابكة، على رأسها الانهيار الاقتصادي، حيث أدى الانهيار المالي في لبنان إلى تقليص الطبقة المتوسطة، مما دفع معدلات الفقر من 12% في عام 2012 إلى ما يقدر بنحو 44% بحلول عام 2022.
ويواجه لبنان، الذي يعد بالفعل أحد أكثر بلدان العالم مديونية، دماراً اقتصادياً جديداً، حيث يتنبأ البنك الدولي بأن يؤدي الصراع المستمر إلى خسائر اقتصادية مباشرة تبلغ 8.5 مليار دولار. كما حدث عجز في القطاع الزراعي، الذي يساهم بشكل كبير في الدخول الريفية، بسبب العنف الدائر.
Israeli strikes pounded parts of Beirut's southern suburbs on Tuesday, a day after eight people were killed, according to the authorities. Strikes from Lebanon killed two people in northern Israel on Tuesday, the Israeli authorities said. https://t.co/0Wbhye436Z pic.twitter.com/UGwZzoDzN4
— The New York Times (@nytimes) November 12, 2024ويعاني لبنان أيضاً من جمود سياسي؛ فقد أدى فشل لبنان الطويل الأمد في انتخاب رئيس إلى جعل حكومته غير قادرة على اتخاذ إجراءات حاسمة، كما تعمل الانقسامات الطائفية العميقة بين النخبة الحاكمة على إدامة الخلل الوظيفي.
كما يعاني النسيج الاجتماعي في لبنان من انقسام شديد، وتفاقمت الانقسامات الطائفية بعد استهداف القوات الإسرائيلية معاقل حزب الله في المناطق ذات الأغلبية الشيعية؛ فالبعض يرى أن حزب الله يدافع عن لبنان والبعض الآخر يتشكك في ذلك ويطالب بنزع سلاحه والانخراط في العملية السياسية فحسب؛ ويؤدي هذا التفاوت في الآراء إلى تعميق الاستياء وتأجيج المظالم القائمة بين الطوائف الدينية في لبنان.
وتناولت الكاتبة الخسائر البشرية الناجمة عن الحرب جنوب لبنان ووصفتها بالصادمة. على صعيد الخسائر البشرية، فقد أكثر من 3481 شخصاً حياتهم، وأصيب 14786 شخصاً، وتشرد 1.2 مليون شخص، وهو ما يرسم صورة قاتمة للدمار الذي حل بلبنان. ويعيش أغلب النازحين في ظروف مزرية، مع مأوى غير ملائم ومساعدات إنسانية غير كافية.
وبالنسبة للبنية الأساسية، دمرت الحملة العسكرية الإسرائيلية المكثفة البلدات والمدن في جنوب لبنان، حيث أفادت تقارير باستخدام قذائف الفوسفور الأبيض التي لا تدمر الأرواح والمنازل فحسب، بل تخلق أيضاً مخاطر بيئية تهدد جهود التعافي على المدى الطويل.
The proxy war between Iran and Israel has come to Lebanon “at perhaps the worst possible moment,” writes @mahamyahya. To prevent a new era of conflict and unrest, Lebanon’s political parties must act quickly to stabilize their country’s institutions. https://t.co/Ti1LyE5FG8
— Foreign Affairs (@ForeignAffairs) November 21, 2024أما من ناحية التأثير الاقتصادي على العمالة والناتج المحلي الإجمالي، فَقَدَ أكثر من 166 ألف شخص وظائفهم، ومن المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي في لبنان بنسبة 9%. وتواجه البلاد مستقبلاً اقتصادياً قاتماً مع شلل السياحة والزراعة والصناعات المصرفية.
حالة حزب الله وخلّفت الحرب خسائر فادحة في حزب الله، سواء على المستوى المادي أو السياسي. ودمرت العمليات العسكرية الإسرائيلية 80% من ترسانة حزب الله بالقرب من الحدود الجنوبية، في حين قُتل كبار القادة، بمن فيهم الأمين العام حسن نصر الله.وعدّت الكاتبة هذه التطورات تحولاً حاسماً في القدرات العملياتية لحزب الله. ومع ذلك، ورغم هذه الخسائر، ما يزال حزب الله يتمتع بنفوذه، مع تدخل إيران لإعادة تنظيم صفوفه. ويواصل جيل أصغر من القادة، مدفوعاً بالحماسة الإيديولوجية، دعم طموحات حزب الله الإقليمية.
خطوات نحو الاستقرار: الحوار والإصلاح
وقالت الكاتبة إن تعافي لبنان يتوقف على تضافر الجهود لمعالجة قضاياه العميقة الجذور؛ فالحوار الوطني، الذي يشمل جميع الفصائل، أمر ضروري. وتشمل الأولويات الرئيسية: أولاً: استراتيجية الدفاع الوطني؛ فتنفيذ اتفاق الطائف وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بدمج قوات حزب الله في القوات المسلحة اللبنانية أمر بالغ الأهمية لتعزيز سيطرة الدولة.
ثانياً: القيادة السياسية؛ فانتخاب رئيس وتشكيل حكومة طوارئ سيمهد الطريق للإصلاحات المؤسسية والتعافي الاقتصادي.
ثالثاً: التماسك الاجتماعي؛ فإعادة بناء الثقة بين المجتمعات اللبنانية؛ أمر حيوي لتجنب المزيد من الصراعات الطائفية واستعادة الاستقرار.
دور المجتمع الدوليوأضافت الكاتبة أن الدعم الخارجي أمر بالغ الأهمية لبقاء لبنان، وأكدت الكاتبة ضرورة توسط المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار بالضغط على إسرائيل لوقف حملتها العسكرية في لبنان مع إشراك إيران دبلوماسياً للحد من عمليات حزب الله؛ وتعزيز مؤسسات الدولة عن طريق تمكين الجيش اللبناني عبر المساعدات العسكرية للعمل كقوة موحدة، والحد من نفوذ حزب الله؛ والمساهمة في جهود إعادة الإعمار لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة في لبنان بالشفافية والمساءلة لضمان الاستخدام الفعال.
مخاطر عدم الاستقرار ومضت الكاتبة بالقول: إذا استمر الصراع، فإن لبنان يخاطر بالانزلاق إلى مزيد من الفوضى. وقد ينهار التوازن الدقيق بين مجموعاته الطائفية، مما يؤدي إلى إبطال عقود من التعايش الهش. وقد تستغل القوى الإقليمية، بما في ذلك إيران وإسرائيل، عدم استقرار لبنان لتحقيق أجنداتها، وتحويل البلاد إلى ساحة معركة طويلة الأمد.من هنا، تؤكد الكاتبة الحاجة الملحة للإصلاح والمصالحة في لبنان. فبدون اتخاذ إجراءات حاسمة في هذا الصدد، ستواجه البلاد مستقبلاً غير مؤكد، مشوهاً بالدمار الاقتصادي والخلل السياسي، مع احتمال تجدد الاضطرابات المدنية.
وشددت الكاتبة على أن الجهد التعاوني الذي يشمل القادة اللبنانيين والمجتمع الدولي هو السبيل الوحيد للبنان نحو الاستقرار والتعافي.