"تجلي المسيح" عند مرقس ومتى ستة أيام وعند لوقا ثمانية أيام هل هناك تناقض أم ماذا؟
تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT
الكلّ الآن، على الأغلبْ، عرفَ معنى تجلّي يسوع على الجبل لكن، الكثيرونَ يقفون حيارى أمام قضيّة الأرقام في الإنجيل ! فهنا سنرى ما معنى ”الستة أيام” التي من بعدها أخذ يسوعُ الثلاث تلاميذ معه على جبل، على إنفراد وتجلّي بمرأى منهم.
في الواقع، التجّلي هذا يشيرُ إلى ما وراء الحدث نفسه ، إلى القيامة الأخيرة من بعد آلامه وموته ، لإنّ ما قبل نصّ التجلّي، هناكَ ذكرٌ لآلام ابن الإنسان وحمل الصليب إلخ، والقدّيس أفرام السريانيّ يقول، أنّ في هذا التجلّي البهيّ ، يتكيّف المجد الإلهيّ تكيّفا متواضعًا مع قدرة التلاميذ على تقبّله
والعلاّمة القدّيس أوريجانوس يقدّم لنا بعض التفاسير الجميلة ويقول: لماذا ستّة أيّام ؟ في ستّة أيّام ٍ ، خلق العالم بأسره ، أي تلك التحفة الفنيّة الكاملة، وأظنّ أنّ مَن يتجاوز كلّ أمور العالم ، لا ينظرُ إلى ما يُرى ، لإنه وقتيّ ، بل إلى ما لا يُرى ، لإنه أبديُّ.
وهذا واضح من كلام النصّ : وبعد ستّة أيّام أخذ معه بعض الأشخاص . فإن شاءَ أحدُنا أن يُمسكَ به يسوع ويُصعده إلى الجبل المرتفع ، وأستحقّ أن يرى تجلّيه على انفراد ، فعليه أن يتجاوزَ الأيام الستّة ، لإنه لم يعد ينظر إلى ما يُرى ، ولم يعُد يحبّ العالم وما في العالم .
كثيرًا ما يستوقفُ اهتمام المؤلّفين المسيحيين الأوائل برمزيّة الأرقام ، القرّاء المعاصرين وكأنه شيء غريبٌ أو مفروض على النصّ . لكن ، كما يُعلّق A . Quacquarelli ، فليس هناك زمن مؤلّف مسيحيّ مُبكّر إلاّ ويذكر ، مباشرة أو بشكل غير مباشر ، رمزيّة الأرقام . فأوغسطين ، على سبيل المثال ، يؤكّد أنّ الأوجه الصوفيّة والمجازيّة للكتاب المقدّس تبقى سرّا بالنسبة لغير المُطّلعين على لغة الأرقام .
هذا الإهتمام بالأرقام كان جزءًا لا يتجزّأ من ثقافة ذلك العصر وهو لا يقتصرُ على آباء الكنيسة: إن ثني الأصابع أثناء العدّ أنتجَ صورًا أعطت الأرقام الإنجيليّة قيمًا مؤكدة . المثال النموذجيّ هو المائة ( شهيد) ، والستّون ( أرملة) ، والثلاثون ( المتزوّجون) من مثل الزارع.
التمثيل الرقميّ للمائة (تكوّنت دائرة بواسطة الإبهام الأيمن والسبّابة ) طوّرت صورًا أصبحت تتويجًا للشهادة . فرمزيّة الأرقام هي جزءٌ لا يتجزّأ من الآبائيّات ، ويجبُ درسها لكي تُفهَم طريقة البحث القائم على ثقافة العصر ، فلاهوت الآباء لم يسعَ إلى عزل نفسه عن التفكير الشعبيّ .
يقول القدّيس أوغسطين بخصوص عدّ الأياّم : إذا أهملنا حسابَهم لليوم الذي تكلّم فيه يسوع هذا الكلام ، ولليوم الذي عرضَ فيه ذلك المشهد الجدير بالذكر على الجبل / فقد نظروا إلى مجرّد الأيّام المتوسّطة ، واستعملوا التعبير (بعد ستّة أيّام ).
لكن لوقا يُدخِل في حسابه اليوم الأخير في كلّ من الطرفين ، أي اليوم الأوّل واليوم الأخير، فيجعله ” بعدَ ثمانية أيّام ” وفقا لتلك الطريقة التي يوضع فيها الجزءُ بديلا للكلّ.
إن لوقا الإنجيليّ ، يذكرُ ” اليوم الثامن ” لوقا 5 : 28ليقول لنا : إنه اليوم الثامن الذي فيه تمّ هذا الحدث الذي يُنبئ بالقيامة التي تتمّ أيضا في اليوم الثامن _ الأحد من بعد سبت النور.. فمن يسمعُ كلام المسيح ويؤمن به ، يرَ مجد وبهاء المسيح في وقت القيامة.
اليوم السادس هو إكتمالُ خلق الإنسان ، واليوم الثامن هو بدء الخليقة الجديدة في المسيح .. لهذا، مرقس يذكرُ اليوم السادس ، ولوقا اليوم الثامنْ ، ومؤكّد أنّ هذا ليس تحريفا للنصّ أو كذبًا، بل إنّ لكلّ إنجيليّ هدفا واضحًا محدّدا لما يريد أن يوصله إلينا وللعالم.
معلّمنا لوقا الإنجيلي أحصى اليوم الذي فيه أعلن الربّ وعده ويوم التجلّي ذاته، أمّا معلّمنا متّى فتحدّث عن الأيام الستّة ما بين اليوم الذي أعلن فيه وعده واليوم الذي تمّ فيه التجلّي. ولم يحدث هذا بلا هدف، وإنما كشف متّى البشير حقيقة يكمّلها لوقا البشير.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الكاثوليك الیوم الثامن ة الأرقام إلى ما
إقرأ أيضاً:
أحداث هولندا ماذا تعني؟
ما حدث في هولندا بعد مباراة كرة قدم خسر فيها فريق "مكابي تل أبيب" في مقابل أياكس الهولندي، كان خروج مستوطنين عنصريين صهاينة، واكبوا فريقهم من الكيان الصهيوني إلى المباراة، وجابوا الشوارع يهتفون "الموت للعرب"، و"ليس في غزة مدنيون". وداسوا على الأعلام الفلسطينية التي انتزعوها من واجهات بعض البيوت، واعتدوا على بعض سائقي سيارات الأجرة، من العرب المغاربة (المغرب الكبير)، ضربا وتهديدا وشتما، الأمر الذي أدى إلى تجمع عرب مهاجرين وهولنديين من أهل البلاد للردّ عليهم، فكانت اشتباكات بالأيدي والعصيّ في الشوارع مع الهتاف لفلسطين حرّة، ولغزة المقاومة، وشعبها الذي يتعرض للإبادة الوحشية.
وبهذا وجد العنصريون المعتدون أنفسهم في ورطة حقيقية، أمام حشود عربية وإسلامية وهولندية.
أُعلن أن عددا من الحكومات الغربية قد فسّرت ما حدث في هولندا بمثابة العودة "لعداء السامية"، وذلك بدلا من اعتبار ما حدث درسا يجب أن يُقرأ جيدا، كنتيجة طبيعية للإبادة التي تعرض لها المدنيون في قطاع غزة
ما حدث في هولندا، والذي تحوّل في الأيام التالية إلى تظاهرات تصرخ "فلسطين حرّة"، وتشجب العدوان على غزة ولبنان، قوبل بقرارات رسمية في منتهى التشدّد تأمر بقمع المتظاهرين، وأُعلن أن عددا من الحكومات الغربية قد فسّرت ما حدث في هولندا بمثابة العودة "لعداء السامية"، وذلك بدلا من اعتبار ما حدث درسا يجب أن يُقرأ جيدا، كنتيجة طبيعية للإبادة التي تعرض لها المدنيون في قطاع غزة، في ظل سكوت غربي رسمي عالمي، فيما أثره شكّل جرحا عميقا في الضمير العالمي، وغضبا دفينا في الوعي العالمي العام، سوف يُترجم نفسه كظاهرة عالمية، كما ترجم نفسه في الأحداث التي شهدتها هولندا.
ثلاثة عشر شهرا من ارتكاب جرائم الإبادة، يوما بعد يوم، وبلا انقطاع في قطاع غزة، وعلى مشهد كل الشعوب، ولا سيما العربية والإسلامية وأحرار العالم، وفي ظل سكوت متواطئ من الحكومات الغربية، وعجز وتخاذل رسمي من غالبية الحكومات العربية والإسلامية.
هنا السؤال: ما الذي يتوقعه قادة الكيان الصهيوني، وعلى رأسهم نتنياهو، أن تكون ردود الفعل الشبابية والشعبية والإنسانية على الكيان الصهيوني، وإصراره على أنه يمثل يهود العالم، ويضع هدفه اقتلاع كل الشعب الفلسطيني العربي المسلم، العالم ثالثي، الإنسان، من كل فلسطين، رغم أن هذا الإنسان صاحب الحق الحصري فيها، وفي تقرير مصيرها بناء على القانون الدولي، وعلى وجوده التاريخي الثابت فيها، قرونا بعد قرون؟ ما دام العالم محكوما من قِبَل أمريكا والغرب والصهيونية، فسيكون كالغاب الذي ما من غاب عرف وحشية مثله. هذا معنى سيادة الفوضى العالمية التي يُراد لها أن تسود، وجعلها النظام العالمي الجديدما الذي يتوقعه مرتكبو جريمة الإبادة، ومن يدعمهم ويغطيهم، من ردود فعل غير الذي حدث في هولندا، وهو ما زال في أوّله وبدايته، ولم يأخذ المفعول الذي ينتظره بعد؟
عندما تمارس الإبادة من قِبَل قادة الكيان الصهيوني طوال ثلاثة عشر شهرا، وحبلها على الجرار، ولا يرتدعون، ولا يعتبرون أن ثمة قانونا دوليا وقِيما إنسانية وأعرافا دولية في الحروب، ويقولون للعالم: ما نفعله مباح، وهو "قانون" العلاقة بين الشعوب حين نمتلك ما نمتلك من طائرات ودبابات وصواريخ وقذائف، وحين نجد من أمريكا ومن حكومات الغرب ما نجده ووجدناه فعليا من دعم عسكري وغطاء سياسي، الأمر الذي يوافقنا بأن ندوس على القانون الدولي، والقِيَم الإنسانية والأخلاق، ونجعل انتهاك حريّة البشر وحقوق الإنسان، فعلا مباحا ما دمنا أقوياء، فهذا يعني أنه ما دام العالم محكوما من قِبَل أمريكا والغرب والصهيونية، فسيكون كالغاب الذي ما من غاب عرف وحشية مثله.
هذا معنى سيادة الفوضى العالمية التي يُراد لها أن تسود، وجعلها النظام العالمي الجديد.