"القومية العِرقية" تهدد عمل الصحفيات في سوريا
تاريخ النشر: 4th, November 2024 GMT
يستعرض التقرير قصص صحفيات سوريات، تعرضن لحملات تشويه وتهديدات بسبب هُويتهن القومية العِرقية؛ خاصة بعد تناولهن مواضيع ذات طابع سياسي أو اجتماعي.
اتهامات بالفبركة والتضليل، طالت الصحفية لامار أركندي (36 عاماً)، بعد أن نشرت إحدى القنوات العربية تقريراً لها، تتحدث فيه عن وجود سبايا في مدينة إدلب، الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام، المعروفة سابقاً بـ « جبهة النصرة ».تزامن نشر المادة الصحفية مع فترة تظاهرات شهدتها المدينة، منتصف عام 2023، قادتها مجموعة نساء يُطالبن بالإفراج عن السجناء السياسيين، المعتقلين لدى هيئة تحرير الشام.
تقول أركندي عن التحقيق الذي نشرته وقتها: « كانت المادة دعماً للسوريات في تلك المناطق، تحدثتُ فيها عن الانتهاكات التي تعرضن لها داخل هذه السجون، وعن وجود سوق للسبايا ».
عبر صفحتها الشخصية على فيس بوك، تعرضت أركندي لموجة من التعليقات المسيئة والبلاغات، كما تلقت تهديدات كثيرة بالقتل والخطف والسبي والاعتقال، وفقا لروايتها. تجاوزت التهديدات حدود التشهير بـأركندي إلى الدعوة لإصدار مذكرة توقيف بحقها في تركيا ومناطق المعارضة. تقول أركندي: « كانوا يدعون الحكومة التركية لقتلي أو اعتقالي ».
امرأة كردية!تقول الصحفية لامار أركندي إن الهجوم عليها اقترن دائماً بهُويتها الكردية: « أنا إنسانة سورية قبل أن أكون كردية ». أركندي ليست الصحفية الوحيدة التي تعرضت لهذا النوع من الهجوم؛ فروناك شيخي (38عاماً)، مراسلة قناة المشهد بالقامشلي، تؤكد أن انتماءها العرقي سبّب لها الكثير من المشكلات.
تقر الصحفية التي غطت الحرب على تنظيم « داعش »، وزارت المخيمات التي يقيم فيها عناصر التنظيم، إلى جانب تغطيتها للسجون والمعتقلات، بأن طبيعة عملها الصحفي يُعرّضها للكثير من المخاطر، لكنّها تزداد بطبيعة الحال، كونها امرأة تعمل في منطقة نزاع مسلح.
مخاوف متشابهة لدى الصحفية رزان أحمد (اسم مستعار)، وإن اختلفت الوجهة، حيث تخشى السفر إلى دمشق لاستكمال دراستها، وتعتقد بأن ذلك قد يُعرّضها للاعتقال؛ كونها عملت بإحدى الوكالات المحلية في منطقة الإدارة الذاتية، شمال شرقي سوريا.
أما الصحفي السوري جانو شاكر، فيرى أن تعرض العاملين في المجال الإعلامي للتهديد والابتزاز إلكترونياً، ظاهرة متصلة بتداعيات « الوظيفة الرقابية » للعمل الصحفي، القائم على كشف الأخطاء وإظهار مواطن الخلل والفساد.
وأشار شاكر إلى أن تأثير هذه التهديدات تكون له أبعاد أعمق، عندما يتعلق الأمر بالصحفيات: « لا يشمل التهديد الإلكتروني جانب الأمن والسلامة الشخصية للصحفية فقط، ولكنّه يصل إلى المساس بصورتها الاجتماعية، ومحاولة التشهير بها ».
ويضيف: « في مثل هذه الحالات تبدو الصحفيات -مقارنة بنظرائهن من الصحفيين- أقل حظاً ومقدرة على تحمل مثل هذه التهديدات، ليس لأن التمييز والأعراف الاجتماعية يقفان بجانب الصحفي؛ بل لأنها في الغالب لا تجد أيّ آليات مساندة أو إجراءات معروفة، من جانب المؤسسات التي يعملن لديها ».
آثار عميقةتُظهر نتائج استطلاع شمل 714 صحفية، أجراه المركز الدولي للصحفيين بالتعاون مع اليونسكو عام 2020، أن الصحفيات اللواتي ينتمين لفئات عرقية، أو يملكن توجهات دينية معينة، يكنّ أكثر عرضة للعنف الرقمي.
وتؤكد الاختصاصية النفسية روجين شاويش، أن تأثير التهديدات على الأشخاص الأقل مرونة، يكون أكثر تعقيداً مقارنة بغيرهم، مضيفة: « التهديد بالقتل أو الخطف أو الاعتقال، للأشخاص الذين لا يمتلكون مرونة نفسية، قد يسبّب لهم ضغطاً نفسياً أكبر، وينتج عن ذلك الضغط عدة أعراض نفسية أخرى ».
وبحسب الاختصاصية النفسية، فإن الضغط النفسي غالباً ما يتطور إلى حالة الصدمة، إضافة إلى أعراض جسدية مصاحبة، كالصداع المستمر، أو آلام المعدة والمفاصل والظهر، والشعور بالوهن العام. وتشير إلى أن الصحفية قد تلجأ إلى العزلة الاجتماعية، وتمتنع أيضاً عن ممارسة الطقوس الدينية المعتادة.
من جهة أخرى، يؤكد عمر الأسعد، مسؤول التواصل لدى المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، أن التهديدات الإلكترونية تؤثر سلباً في العمل الصحفي بسوريا، لأنها تطول الناشطين والناشطات في مختلف المجالات؛ نظراً لانتشار السلاح والفساد وتصفية الحسابات، وغياب البيئة الاجتماعية الحاضنة والداعمة.
هذه التهديدات قد تدفع الصحفيات إلى العمل في مجالات أخرى أكثر أماناً، تجنبهن التعرض لهذه الانتهاكات، وفق الأسعد.
قوانين وآليات محاسبة الجناةيرى الحقوقي خالد جبر، أن الأزمة السورية فاقمت معاناة الصحفيات؛ لأن التهديدات والانتهاكات التي يتعرضن لها، إما بسبب مواقفهن تجاه قضايا معينة، أو بسبب توجه الوسيلة الإعلامية التي يعملن لديها.
ويؤكد جبر أن مناطق المعارضة السورية تُعدّ من أكثر المناطق هشاشة من الناحية الأمنية والقانونية، كما أن وجود التنظيمات الراديكالية يجعلها بيئة غير آمنة لعمل الصحفيات، مضيفاً أن عدم وجود قوانين للحماية من الاختراقات الإلكترونية، يزيد من حالات التدهور الحقوقي.
ويشير إلى أن إصدار قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية، لعام 2022، في المناطق الحكومية، يُعدّ أمراً إيجابياً، وقد يؤدي إلى ردع جرائم الابتزاز؛ لكنّ حالة الفوضى والفساد والانفلات الأمني -بحسب جبر- تمنع تطبيق القانون.
ويُرجع المختص في القانون الدولي، خالد جبر، صعوبة محاسبة الجناة وعدم تطبيق القوانين، إلى الانقسام الحاصل في سوريا، حيث كل منطقة تسيطر عليها جهة مختلفة، وفي حال النزاع أو حتى الأحكام القضائية، فإن القانون الذي يطبق في منطقة الإدارة الذاتية، لا يمكن تطبيقه في مناطق المعارضة؛ كون الجاني في منطقة خارج سيطرتها.
وينوه جبر إلى وجود آلية أخرى للوصول إلى الجناة، خاصة إذا كانوا محسوبين على السلطة التي تدير المنطقة، وهي الاستفادة من الاختصاص العالمي لبعض المحاكم الدولية، كالمحاكم البلجيكية مثلاً، التي يمكن الادعاء أمامها. ويضيف أن الإجراءات القانونية تعتمد على معرفة وتحديد هُوية الجاني: « نواجه أحياناً أشخاصاً وهميين وغير حقيقيين، وبالتالي فإن الضحية قد تكون معروفة، لكنّ مرتكب الانتهاك غير معروف أو العكس ».
« تغلبنا على شعور الخوف من الموت منذ زمن »تقول أركندي إنها تلقت الدعم من عدة جهات؛ فاتحاد الإعلام الحر (مؤسسة نقابية مهنية مستقلة تعمل في مناطق شمال وشرق سوريا) قد أدلى ببيان استنكار، ونظم وقفة احتجاجية بمدينة الرقة شارك فيها عدد من الإعلاميين والصحفيين من مناطق مختلفة.
ومن جهته، أدان مكتب رصد وتوثيق الانتهاكات في شبكة الصحفيين الكُرد السوريين، الهجوم على الصحفيات في وسائل التواصل الاجتماعي، سواء تلك التي تنشر بأسماء مستعارة، أو عبر قنوات ومنصات إعلامية محسوبة على الفصائل المسلحة المتشددة والراديكالية. وبحسب ما ورد في البيان، فإن التهديدات باتت شبه يومية، وتتضمن الاغتصاب والتحرّش الجنسي والترويع.
قام الموقع الإلكتروني بحذف تقرير أركندي، بعد ثلاثة أيام من نشره؛ لكن تمّ تداوله في عدد من الوسائل والمنصات الإعلامية الأخرى.
أُنجز هذا التقرير بدعم من أريج كلمات دلالية القومية العِرقية، الصحفيات السوريات، أريج، تحقيقالمصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: فی منطقة
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: 950 ميغاواط إلى الشبكة القومية
تُعد مشروعات البنية التحتية لاسيما في قطاع الطاقة، أحد المؤشرات البارزة على قدرة الدولة على استعادة وظائفها الأساسية، وترسيخ مفهوم السيادة الوطنية، خاصة في سياقات ما بعد الحرب أو خلال مراحل الانتقال السياسي. وفي الحالة السودانية، تُعتبر الكهرباء أحد أهم أعمدة إعادة بناء الدولة، وركنًا استراتيجيًا في معادلة الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
في هذا الإطار، يكتسب خبر توقيع عقد استئناف العمل بمحطة كهرباء “كلاناييب” أول أمس بمدينة إسطنبول التركية – بحسب ما أوردته Sudansawa – أهمية مضاعفة، من حيث كونه استئنافًا لمشروع متعثر منذ سنوات، بجانب ما يحمله من دلالات سياسية وإدارية، وتوقيت مهم في ظل تصاعد التحديات الأمنية، وركود أداء الدولة، وتآكل ثقة المواطن في المؤسسات الخدمية.
يُعد توقيع عقد استئناف العمل في محطتي كهرباء “قري وكلاناييب” – وهما من أبرز المشروعات الاستراتيجية بولاية الخرطوم والبحر الأحمر – خطوة مهمة، خاصة أن المشروع يعود إلى اتفاق سابق أُبرم عام 2016 بين الحكومة السودانية وشركة “سيمنز” الألمانية، لإنشاء محطتين بقدرة إجمالية تبلغ 950 ميغاواط.
ورغم تعثر المشروع بفعل المتغيرات السياسية، فإن توقيع العقد الجديد بإشراف مباشر من وزير الطاقة السابق، الدكتور محيي الدين النعيم، أعاد المشروع إلى واجهة الأولويات التنموية. وقد اعتبره عدد من المراقبين اختراقًا نوعيًا يؤكد إمكانية إعادة تنشيط المشروعات الكبرى متى ما توفرت القيادة الفنية والتمويل والإرادة السياسية.
كما هو معلوم تُشكل مشروعات الطاقة اليوم إحدى أدوات السيادة الفعلية، إذ أصبحت الكهرباء خدمة حيوية ومطلبًا يوميًا و معيارًا لقياس مدى التزام السلطة تجاه المواطن، ومؤشرًا على قدرة الدولة على الوفاء بوظائفها الأساسية.
وفي هذا السياق، تكتسب الزيارة السابقة التي قام بها رئيس الوزراء، الدكتور كامل إدريس، إلى محطة “كلاناييب” دلالة استراتيجية، كونها تؤكد وعي “حكومة الأمل” بأهمية ربط الملف السياسي بالتنموي، واعتماد مشروعات البنية التحتية كنقطة ارتكاز لإعادة بناء الثقة وتعزيز الشرعية التنفيذية. وهناك زيارات منتظرة لمشروعات تنموية أخرى.
يعكس اختيار موقع محطة “كلاناييب” ببورتسودان، إلى جانب محطة “قري” بالخرطوم، وعيًا بأهمية التوزيع الجغرافي العادل لمصادر الطاقة بين المركز والولايات. فبينما تدعم “قري” الصناعات التحويلية ومصفاة الخرطوم، تسهم “كلاناييب” في تعزيز قدرات الموانئ والصناعات البحرية، إضافة إلى إنتاج المياه النقية، ما يجعلها مرتبطة بشكل مباشر بحل مشكلة العطش في ولاية البحر الأحمر حيث تعد الكهرباء أداة أساسية لتحقيق التوازن الإقليمي وتعزيز الاندماج الوطني.
يرتبط مشروع “كلاناييب” برؤية أوسع وضعتها وزارة الموارد المائية والكهرباء عام 2015، تهدف إلى رفع القدرة المركبة إلى 6500 ميغاواط بحلول عام 2030، من خلال التوسع في المحطات الحرارية، والتوجه نحو مصادر الطاقة البديلة والمتجددة.
غير أن غياب الاستقرار السياسي أدى إلى تجميد التنفيذ، ما فتح الباب أمام تساؤلات حول مدى قدرة الدولة السودانية على الالتزام بخططها الاستراتيجية. وكما هو معلوم فقد عانت مشروعات الكهرباء في السنوات الأخيرة من ضعف مؤسسي وغياب الرؤية، ولذلك فإن ما نشهده اليوم من محاولات لإعادة إحيائها يمثل فرصة تاريخية لإعادة تعريف دور الدولة التنموي .
وتُعد محطة “كلاناييب” نموذجًا على التقاء أهداف التنمية المستدامة، من خلال الجمع بين أمن الطاقة والأمن المائي، بما يفتح المجال لتوسيع التجربة في ولايات أخرى تعاني هشاشة خدمية مماثلة. كما أن إعادة المشروع إلى دائرة التنفيذ تمثل تجاوزًا للأبعاد التقنية نحو التوجه الاستراتيجي لرفع الكفاءة وجودة التخطيط.
اللافت أن توقيع العقد قد أطلق موجة من التفاؤل الشعبي، لما يُتوقع أن يسهم به في تحسين واقع المواطنين. ولا يمكن – بحسب مراقبين – إغفال الدور المحوري الذي لعبه وزير الطاقة السابق، الدكتور محيي الدين النعيم، في إعادة تفعيل مشروع “كلاناييب”، رغم التحديات المؤسسية والسياسية التي واجهها القطاع.
ويُعد النعيم من الكفاءات الوطنية المستقلة، ويتمتع بخبرة طويلة في مجالات الطاقة والتدريب والإدارة، إلى جانب تأهيل أكاديمي متنوع في القانون والإدارة. ويرى عدد من المراقبين أن إعادة تكليفه ضمن الحكومة الجديدة المرتقبة بمهام الوزارة، قد يسهم في تعزيز الاستقرار الفني والإداري لهذا القطاع، باعتباره قيادة متخصصة قادرة على تحويل الرؤية إلى واقع تنفيذي جاد وملموس.
ويبقى السؤال: بحسب ما نراه من#وجه_الحقيقة ، هل تمتلك الحكومة السودانية، في ظل بيئة سياسية واقتصادية هشة، ما يكفي من الإرادة والقدرة المؤسسية لترجمة هذه الرؤية وهذا العقد إلى واقع تنفيذي منتج؟ يسعف الناس سريعًا بإدخال 950 ميغاواط إلى الشبكة القومية التي ظلت تعاني منذ أن طالتها أيدي تمرد مليشيا الدعم السريع وداعميها العابثة.
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الثلاثاء 1 يوليو 2025م Shglawi55@gmail.com
إنضم لقناة النيلين على واتساب