العزلة سلاح ذو حدين
تاريخ النشر: 4th, November 2024 GMT
أحمد بن موسى البلوشي
العُزلة هي حالة من الانفصال الجزئي أو الكامل عن المُجتمع؛ حيث يبتعد الفرد عن التواصل الاجتماعي ويتجنب التفاعل مع الآخرين. العزلة في الإسلام لها جوانب مُهمة ترتبط بأبعاد روحية وأخلاقية، والإسلام ينظر إلى العزلة بنوع من التوازن، فلا يدعو إلى الانعزال المطلق عن المجتمع، ولا إلى الانخراط المفرط الذي قد يُلهي الإنسان عن واجباته الروحية والدينية.
هناك العديد من الأسباب التي تدفع الإنسان إلى العزلة، وقد تكون مؤقتة أو دائمة، اختيارية أو قسرية. تتنوع آثار العزلة بين الإيجابيات والسلبيات، ومن أهم إيجابيات العزلة: تتيح للإنسان الفرصة للتفكير العميق وإعادة تقييم حياته واتخاذ قرارات مُهمة دون تأثيرات خارجية. قد يجد بعض الأشخاص أن فترات العزلة تمكنهم من اكتشاف أنفسهم وتطوير أفكارهم وآرائهم بوضوح أكثر.
قد تكون العزلة وسيلة للتخفيف من الضغوط اليومية التي يواجهها الفرد، حيث يبتعد عن المواقف المزعجة أو التوترات التي قد يسببها الاحتكاك المستمر بالآخرين، مما يساعده على استعادة توازنه النفسي. في أوقات العزلة، يتمكن الفرد من التركيز على عمله أو دراسته دون مشتتات خارجية، ما يزيد من إنتاجيته. العديد من الكتاب والفنانين يلجؤون للعزلة بهدف تحسين إنتاجهم الإبداعي وتطوير أفكارهم في أجواء هادئة. تُساعد العزلة الأشخاص على الاعتماد على أنفسهم في حل مشاكلهم والاهتمام باحتياجاتهم الشخصية، مما يُعزز شعورهم بالاستقلالية ويدفعهم لتطوير مهارات جديدة.
ومن أهم سلبيات العزلة: قد تؤدي إلى مشاعر الاكتئاب والقلق، خصوصًا إذا كانت مطولة وغير اختيارية. يمكن أن يشعر الفرد بالوحدة والعزلة العاطفية مما يزيد من معاناته، ويؤدي إلى انخفاض معنوياته. تشير الدراسات إلى أنَّ العزلة الاجتماعية قد تكون مرتبطة بزيادة أخطار الإصابة بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم، بالإضافة إلى ضعف الجهاز المناعي، نتيجة لنقص التفاعل الاجتماعي الذي يحفز الجسم على إفراز هرمونات السعادة. قد يؤدي الانعزال لفترات طويلة إلى ضعف مهارات التواصل الاجتماعي وصعوبة التكيف مع المجتمع. إذ يواجه الشخص صعوبة في بناء علاقات جديدة أو الحفاظ على علاقاته القديمة، مما يجعله غير مستعد للتفاعل في الحياة الاجتماعية. يمكن أن يشعر الفرد بالعزلة عن الأحداث المجتمعية وتطورات الحياة من حوله، ما قد يؤدي إلى الإحساس بالنقص أو الانعزال الكامل عن العالم، حيث يشعر وكأنه غريب في محيطه الاجتماعي.
الابتعاد عن الآخرين، خاصة لفترات طويلة، قد يؤدي إلى نتائج سلبية على مستوى الحياة الشخصية والاجتماعية، يشكل الأصدقاء والعائلة والمجتمع المحيط دعمًا مهمًا للفرد في الأوقات الصعبة. الابتعاد عنهم يحرم الشخص من هذا الدعم ويتركه وحيدًا في مواجهة مشاكله. مع الوقت، يمكن أن يؤدي الابتعاد عن الآخرين إلى الشعور بالوحدة الشديدة، مما قد يتسبب في تدهور الحالة النفسية للفرد ويزيد من احتمالية تعرضه للاكتئاب. العزلة والابتعاد قد يؤديان إلى تراجع العلاقات بين الفرد وعائلته وأصدقائه، مما يؤثر على جودة تلك العلاقات وقدرتها على الاستمرار. الابتعاد المطول عن الآخرين قد يعزل الفرد عن الأحداث المجتمعية والتطورات، مما يؤدي إلى فقدان الشعور بالانتماء والانخراط في المجتمع، وقد يضعف قدرته على مواكبة مستجدات الحياة.
للاستفادة من إيجابيات العزلة وتجنب أضرارها، ينبغي تنظيم الوقت بحيث يخصص جزء من اليوم أو الأسبوع للعزلة والهدوء، والجزء الآخر للتفاعل الاجتماعي مع العائلة والأصدقاء. يمكن للفرد التركيز على بناء علاقات إيجابية وذات جودة، حيث يكون التواصل مع الآخرين هادفًا ومشبعًا للاحتياجات الاجتماعية والعاطفية. يمكن للفرد استخدام العزلة كفرصة لتطوير مهاراته وممارسة هواياته، مما يعزز من شعوره بالرضا الشخصي ويقلل من المشاعر السلبية المرتبطة بالعزلة. إذا شعر الفرد بأن العزلة تؤثر سلبًا على صحته النفسية، فمن المهم أن يلجأ إلى مختصين في الصحة النفسية للحصول على الدعم المناسب وتوجيهه للعودة إلى الحياة الاجتماعية بشكل صحي.
في الختام.. يمكن أن تكون العزلة سلاحًا ذا حدين. فمن جهة، تمنح الفرد فرصة للتفكر والنمو الذاتي، ومن جهة أخرى، قد تصبح ضارة إذا طالت مدتها وأدت إلى انفصال الشخص عن مجتمعه. لذا، فإن إيجاد التوازن بين العزلة والتواصل الاجتماعي ضروري للتمتع بحياة نفسية واجتماعية سليمة.
ويشجع الإسلام على هذا التوازن، حيث يُستحب للمسلم أن يختلي بنفسه أحيانًا للتأمل وتزكية النفس، لكنه مطالب بأن يكون جزءًا من مجتمعه، يُساهم في بنائه ونشر الخير بين أفراده، ففي الإسلام، لا تُعد العزلة هدفًا بحد ذاتها، بل وسيلة يمكن أن تساهم في تقوية الإيمان والاقتراب من الله إذا أُحسن استخدامها. وفي الوقت نفسه، يمثل التفاعل الاجتماعي قيمة أساسية في الإسلام، يهدف من خلالها إلى تحقيق التضامن والإصلاح الاجتماعي.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أربعة عقود من العزلة.. كيف خسرت إيران المنافسة على ممرات النقل الجديدة؟- عاجل
بغداد اليوم - متابعة
يبدو أن الموقع الجيوسياسي الحساس لإيران عند مفترق الطرق بين أوروبا والشرق الأوسط وآسيا من شأنه أن يوفر لها فرصة فريدة لتكون بمثابة مركز للتجارة في صادرات الطاقة والسلع الأخرى.
ولكن إيران لم تتمكن من إيجاد مكان لها في منافسات النقل والممرات الإقليمية بسبب أربعة عقود من العزلة العالمية والعقوبات الغربية وضعف البنية الأساسية للنقل.
ويُظهِر موقف إيران الضعيف فيما يتصل بطريقين محتملين ــ طريق النقل الدولي عبر بحر قزوين أو الممر الأوسط والممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب ــ أن طهران تخسر المنافسة أمام منافسيها.
وواجهت إيران عقوبات من نوع أو آخر منذ ثورة 1979. وقد أضاف انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي التاريخي في عام 2018 والعقوبات الأوروبية المفروضة بسبب دعم إيران للعدوان الروسي في أوكرانيا إلى عبء العقوبات، بما في ذلك قرار الاتحاد الأوروبي الأخير بحظر ثلاث شركات طيران إيرانية كبرى من السفر إلى الدول الأوروبية. ونتيجة لذلك، ارتفعت أسعار تذاكر الطيران في إيران بمقدار الثلث.
ضعف الترانزيت
وتؤدي زيادة الأسعار، إلى جانب أسطول إيران المتهالك والصغير، إلى إضعاف قدرتها على المنافسة مع الدول الأخرى في مجال النقل الجوي. وبسبب العقوبات، يبلغ متوسط عمر الطائرات المدنية الإيرانية 28 عامًا، مما جعل الأسطول الإيراني من بين الأكثر خطورة في العالم.
ووفقًا لشبكة سلامة الطيران، فقد توفي 1755 راكبًا إيرانيًا في حوادث جوية خلال السنوات الـ 44 الماضية، ومن بين 335 طائرة وطنية، تم إيقاف نصفها بسبب الأعطال ونقص قطع الغيار. قارن هذا بالخطوط الجوية القطرية التي لديها 209 طائرات (بمتوسط عمر يتراوح بين 5 إلى 8.5 سنوات)، وطيران الإمارات التي لديها 265 طائرة حديثة تخدم أكثر من 150 وجهة حول العالم، والخطوط الجوية التركية التي لديها 350 طائرة.
إن النقل البري في إيران أفضل ولكن بشكل طفيف فقط. فوفقاً لمركز الإحصاء الإيراني، بلغ حجم الترانزيت في العام الإيراني الماضي 17.8 مليون طن فقط، وهو أقل كثيراً من قدرته الاستيعابية البالغة 80 مليون طن. وتمثل إيران أربعة في المائة فقط من 300 مليون طن من البضائع التي تمر عبر الإقليم.
وقال مسعود بولمه، الأمين العام لجمعية الشحن والخدمات ذات الصلة في إيران، في مقابلة أجريت معه مؤخرا ، إن ضعف أداء القدرة على الترانزيت في البلاد يرجع إلى ضعف الإنتاجية وهيكل الإدارة. وأضاف أن البضائع تتحرك ببطء أكبر بخمس مرات من الدول المجاورة وتكلف ثلاثة أضعاف المعيار الإقليمي. على سبيل المثال، قال: “يستغرق تفريغ السفن التجارية في المتوسط حوالي أربعة أيام، مما يزيد من تكلفة الشحن، بينما يستغرق الأمر في الإمارات العربية المتحدة ثلاث ساعات”.
ونتيجة لذلك، ففي عام 2022، وبينما قُدِّرَت طاقة التفريغ والتحميل في الموانئ في شمال البلاد بنحو 35 مليون طن سنويا، فإن حجمها التشغيلي لم يتجاوز ستة ملايين طن. وإذا افترضنا أن الطاقة السنوية لعبور البضائع في إيران تبلغ 80 مليون طن وأن العائدات من كل طن تبلغ نحو 100 دولار، فإن إيران قد تكسب 8 مليارات دولار سنويا، أي ما يعادل 25% من الصادرات غير النفطية، إذا حققت إمكاناتها.
كما أن أداء إيران ضعيف عندما يتعلق الأمر بالنقل بالسكك الحديدية. تشير الإحصائيات إلى أن إيران احتلت المرتبة 23 بين 66 دولة في النقل بالسكك الحديدية. في عام 2022، قال باباك أحمدي، رئيس اتحاد شركات النقل بالسكك الحديدية والخدمات ذات الصلة، إنه من بين 900 قاطرة في البلاد، كان ما يقرب من نصفها خارج الخدمة بسبب نقص الموارد للحصول على الأجزاء وإجراء الإصلاحات.
حروب الممرات
وقد تم اقتراح وبناء العديد من الممرات للتجارة وعبور البضائع في المنطقة في السنوات الأخيرة. ومن المفترض أن تحتل إيران موقعًا رئيسيًا لكل من الطريقين الأوسط والطريق الدولي بين الشمال والجنوب، ولكنها تأخرت عن جيرانها، مما أجبر المنافسين وحتى الحلفاء مثل الصين وروسيا على البحث عن بدائل.
وفي تقرير حديث ، ذكر مركز الأبحاث التابع لغرفة التجارة الإيرانية أن إيران تم تجاهلها عمليًا في مشاريع كبرى مثل مبادرة الحزام والطريق الصينية وبحر قزوين، وأن الطرق البديلة تتقدم بسرعة في المناطق المجاورة لشمال إيران. على سبيل المثال، أدى الفشل في إكمال بناء خط سكة حديد رشت-أستارا في ممر INSTC إلى حرمان إيران من الوصول إلى 7 ملايين طن من البضائع و600 ألف مسافر سنويًا.
وقد استثمر منافسو إيران في طرق بديلة مثل "طريق التنمية" الذي تبلغ تكلفته 17 مليار دولار أميركي والذي يمتد من ميناء الفاو في العراق إلى تركيا والإمارات العربية المتحدة وقطر. ومن المقرر أن يربط ما يسمى بممر لابيس لازولي بين تركمانستان وأذربيجان وجورجيا وتركيا وأوروبا مع دور مركزي لأفغانستان. ويربط الطريق ميناء تركمانباشي في تركمانستان بميناء باكو في أذربيجان وخط سكة حديد باكو-تبليسي-كارس بين أذربيجان وجورجيا وتركيا.
وبسبب فشل إيران في استكمال خط السكة الحديدية بين رشت وأستارا، اختارت الصين البديل عبر بحر قزوين لتوصيل البضائع عبر كازاخستان وأذربيجان وجورجيا إلى البحر الأسود وتركيا ثم إلى أوروبا. ويقال إن روسيا غير راضية عن تمويل خط السكة الحديدية بين رشت وأستارا. ونظراً للعلاقات المتوترة بين إيران وأذربيجان بشأن الخطط الأذربيجانية لبناء ممر زنغزور على طول الحدود بين إيران وأرمينيا وتركيا، فإن باكو أقل استعداداً لتسهيل تشغيل ممر الشمال – الجنوب عبر إيران.
باختصار، تخسر إيران في هذا المجال المربح وتخسر وسيلة رئيسية لتكملة عائدات النفط. وهذا سبب آخر يدفع إيران إلى السعي إلى التفاوض مع إدارة ترامب القادمة في محاولة لتخفيف العقوبات.