د. جمال فودة **

إن تكثيف بنية دلالية ما في نص شعري يوحى بأنها ظاهرة متميزة ينسجها الشاعر في حالة وجدانية خاصة، حيث تنصهر هذه الدلالة في سياق التجربة، وبفعل إبداعية اللغة داخل النص تحمل إيحاءات ثرية تضفي على النص حيوية متجددة، وحضوراً لا يبلغه النص بدون هذا الترابط بين مبناه ومعناه، وتلك إحدى ميزات العمل الفني الناجح.

وهذا ما نجده عند الشاعر (عقيل المسكين) عندما يوظف الشعر الاجتماعي في كتاباته؛ إذ يستقي المعاني والموضوعات من محيطه الشخصي والاجتماعي، ويعتمد في تصويره على الخيال والملاحظة على نحو يستطيع من خلاله إبراز الدلالة الكامنة وراء الألفاظ، ويتمتع شعراء الشعر الاجتماعي بملكات نفسية يستطيعون من خلالها التعبير عن المواقف الاجتماعية المتفاوتة بل والمتناقضة.

وجاء اعتماد (المسكين) على هذه السمة الدلالية في قصائده، كأداة تعبيرية تسهم في كشف رؤيته لواقعه هذا من ناحية، كما تعين المتلقي على استكشاف أبعاد التجربة واستنطاق الدلالة من ناحية أخرى، وقد استطاع "المسكين" استغلال هذه البنية الدلالية استغلالاً أضحى واضحاً في إبداعه، وأصبح من الملامح الأسلوبية التي تشكل بنية النص في شعره.

فتبدو قصائده حافلة برموز إيحائية ودلالات نفسية، واستبطان لخلجات الوجدان وومضات الفكر، ذلك أن الشاعر مادامت قد أصبحت له رؤية خاصة في إطار تجربته، ومادام يستعين باللغة الإيحائية وليس باللغة المعجمية وسيلة للكشف والتعبير، فإن اللفظة تتجاوز معناها المعجمي إلى دلالة خاصة تتسق ورؤية الشاعر.

إن ما يسميه البعض بـ (شعر المناسبات) كما هو عند (المسكين) ليس مجرد خطرات فكرية اهتدى إليها بتأملاته وتجاربه، بل وعاء انصهرت فيه ثقافته وشخصيته، فكانت خير منهل ارتوى منه وصدر عنه إنتاجه الشعري، فعبر عنها تعبيراً إنسانياً من الناحية الفكرية والأدبية، حيث كان يزاوج بين العقل والحس، وتميزت قصائده بكونها وليدة الوجدان والفكر معاً، فهي تزخر بالمعاني الدقيقة، وتنضج بالعاطفة، وتزدهي بالإيقاع الموسيقي المنتظم، الأمر الذي جعلها تجمع بين قوة الإقناع وجمال الامتاع.

ولسنا ممن يُؤيد رأي بعض النقاد في اتهام الشعر الاجتماعي بالسطحية والتكلف، وأن عناصر وحيه وقف على مواقف يحددها الزمان والمكان، فلا يأتي عفوًا، ولا من فيض الخاطر، في ظننا أن هذا تجنٍ واضحٌ، وظلمُ فادحُ؛ لأن ما يقوله الشاعر من فيض إحساسه بعد معايشة موقفٍ أثرفي نفسه، وأثار وجدانه وفكره، فنظم فيه شعره مثل قصيدة (وُلد الهدى) في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم- لأحمد شوقي، و مثل رثاء (ابن الرومي) لابنه، ورثاء (الخنساء) لأخيها، ورثاء (نزار قباني) لزوجته بلقيس ... هذه كلها وغيرها الكثير من شعر المناسبات، لكنها تجسد تجربة ناجحة ؛ لأنها صادقة، لم يُجبر قائلها على نظمها؛ فقد قالها من فيض خاطره ورهافة مشاعره، وصدق احساسه، وهذا ما ألفيناه جلياً عند ( المسكين).

فمثلاً قصيدته (شيخ المكارم) في مدح الدكتور المهندس (عبد الله السيهاتي) التي نرى الشاعر فيها حريصاً على ذكر مناقب الممدوح من نبلٍ وكرم، ومكارم، وحسن خلق وغير ذلك من الصفات الإنسانية، فإن قصائده امتازت بدقة التفكير، وبعد الخيال، هذا إلى جانب صدق العاطفة بعيداً عن المغالاة والتملق، ففي مدحه تحس نبض قلبه يخفق حباً وتقديراً واحتراماً لمن هو لذاك أهل .

يقول:

شيخ المكارم والندى والجود

شيخ تألق في ذراه نشيدي

وحدود حب الأصدقاء أخوة

والشعر إخوته بغير حـدود

أرضيت ربك طاعة وأمـانة

والربح يبقى جـنة المـعبود

وفي الختام نقول: إن (عقيل المسكين) شاعر لا يُعرف وإنما يُتعرف عليه، من خلال رصد الدلالات التي يبثها في بنية النص الشعري؛كتقنية أسلوبية تشير إلى استرفاد الشاعر من ينابيع ثقافية متباينة؛ سعياً إلى تشكيل الدلالة النصية التي تتكون لبناتها من جمل وتعابير دلالية خاصة، تنتظم في سياق التجربة الشعرية وتنصهر في بوتقتها.

** عضو الاتحاد العالمي للغة العربية

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

اصطفاف شاحنات المساعدات أمام معبر رفح البري تمهيدا لدخولها إلى قطاع غزة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أفادت قناة "القاهرة الإخبارية" في نبأ عاجل ، اليوم الأحد، باصطفاف شاحنات المساعدات أمام معبر رفح البري تمهيدا لدخولها إلى قطاع غزة.

وفي سياق متصل، قال همام مجاهد، مراسل قناة "القاهرة الإخبارية" من معبر رفح المصري، إن مئات الشاحنات المحمّلة بالمساعدات الإنسانية متوقفة منذ ساعات الصباح أمام الجانب المصري من المعبر، في انتظار السماح لها بالدخول إلى الجانب الفلسطيني والوصول إلى قطاع غزة.

وأوضح "مجاهد" أنه قبيل دخول اتفاق الهدنة حيز التنفيذ، تمكنت نحو 100 شاحنة من دخول معبر كرم أبو سالم، حيث تم إخضاعها للتفتيش والتجهيز، لكن لم يتم التأكد بعد من وصول هذه الشاحنات إلى القطاع.

وأشار المراسل إلى وجود مئات الشاحنات المنتظرة عند معبر رفح البري من الجانب المصري، على أمل التوجه إلى معبر كرم أبو سالم ومنه إلى غزة. وتحمل هذه الشاحنات مساعدات غذائية بالإضافة إلى حوالي 30 شاحنة محملة بالوقود.

وفي سياق متصل، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل وقت قصير أن وقف إطلاق النار، المزمع دخوله حيز التنفيذ، لن يبدأ حتى تسليم قائمة بأسماء المحتجزين. من جانبها، أكدت حركة حماس التزامها ببنود الاتفاق، مشيرة إلى أن تأخر تسليم قائمة الأسماء يعود لأسباب فنية وميدانية.

مقالات مشابهة

  • شواطئ.. بديعيات حسن طلب
  • عاجل| أحمد موسى يعلن افتتاح معبر رفح من الجانب الفلسطيني
  • قوى النواب توافق على آليات الإعلان عن الوظائف الشاغرة بالقطاع الخاص
  • صدمة في الجانب الإسرائيلي من صمود غزة وحضور القسام
  • الجانب اللامع أم الباهت من ورق الألمنيوم.. أيهما أفضل في الطهي؟
  • تشييع جثماني الشهيدين العقيد عزان والملازم ناجي بصنعاء
  • وزير الاعلام كرم الشاعر شيبان سعادة
  • بدء دخول شاحنات المساعدات إلى قطاع غزة عبر معبر رفح
  • «آمال الفلسطينيين مُعلّقة».. قطاع غزة ينتظر تنفيذ وقف إطلاق النار
  • اصطفاف شاحنات المساعدات أمام معبر رفح البري تمهيدا لدخولها إلى قطاع غزة