الجانب الإنساني في شعر عقيل بن ناجي المسكين
تاريخ النشر: 4th, November 2024 GMT
د. جمال فودة **
إن تكثيف بنية دلالية ما في نص شعري يوحى بأنها ظاهرة متميزة ينسجها الشاعر في حالة وجدانية خاصة، حيث تنصهر هذه الدلالة في سياق التجربة، وبفعل إبداعية اللغة داخل النص تحمل إيحاءات ثرية تضفي على النص حيوية متجددة، وحضوراً لا يبلغه النص بدون هذا الترابط بين مبناه ومعناه، وتلك إحدى ميزات العمل الفني الناجح.
وهذا ما نجده عند الشاعر (عقيل المسكين) عندما يوظف الشعر الاجتماعي في كتاباته؛ إذ يستقي المعاني والموضوعات من محيطه الشخصي والاجتماعي، ويعتمد في تصويره على الخيال والملاحظة على نحو يستطيع من خلاله إبراز الدلالة الكامنة وراء الألفاظ، ويتمتع شعراء الشعر الاجتماعي بملكات نفسية يستطيعون من خلالها التعبير عن المواقف الاجتماعية المتفاوتة بل والمتناقضة.
وجاء اعتماد (المسكين) على هذه السمة الدلالية في قصائده، كأداة تعبيرية تسهم في كشف رؤيته لواقعه هذا من ناحية، كما تعين المتلقي على استكشاف أبعاد التجربة واستنطاق الدلالة من ناحية أخرى، وقد استطاع "المسكين" استغلال هذه البنية الدلالية استغلالاً أضحى واضحاً في إبداعه، وأصبح من الملامح الأسلوبية التي تشكل بنية النص في شعره.
فتبدو قصائده حافلة برموز إيحائية ودلالات نفسية، واستبطان لخلجات الوجدان وومضات الفكر، ذلك أن الشاعر مادامت قد أصبحت له رؤية خاصة في إطار تجربته، ومادام يستعين باللغة الإيحائية وليس باللغة المعجمية وسيلة للكشف والتعبير، فإن اللفظة تتجاوز معناها المعجمي إلى دلالة خاصة تتسق ورؤية الشاعر.
إن ما يسميه البعض بـ (شعر المناسبات) كما هو عند (المسكين) ليس مجرد خطرات فكرية اهتدى إليها بتأملاته وتجاربه، بل وعاء انصهرت فيه ثقافته وشخصيته، فكانت خير منهل ارتوى منه وصدر عنه إنتاجه الشعري، فعبر عنها تعبيراً إنسانياً من الناحية الفكرية والأدبية، حيث كان يزاوج بين العقل والحس، وتميزت قصائده بكونها وليدة الوجدان والفكر معاً، فهي تزخر بالمعاني الدقيقة، وتنضج بالعاطفة، وتزدهي بالإيقاع الموسيقي المنتظم، الأمر الذي جعلها تجمع بين قوة الإقناع وجمال الامتاع.
ولسنا ممن يُؤيد رأي بعض النقاد في اتهام الشعر الاجتماعي بالسطحية والتكلف، وأن عناصر وحيه وقف على مواقف يحددها الزمان والمكان، فلا يأتي عفوًا، ولا من فيض الخاطر، في ظننا أن هذا تجنٍ واضحٌ، وظلمُ فادحُ؛ لأن ما يقوله الشاعر من فيض إحساسه بعد معايشة موقفٍ أثرفي نفسه، وأثار وجدانه وفكره، فنظم فيه شعره مثل قصيدة (وُلد الهدى) في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم- لأحمد شوقي، و مثل رثاء (ابن الرومي) لابنه، ورثاء (الخنساء) لأخيها، ورثاء (نزار قباني) لزوجته بلقيس ... هذه كلها وغيرها الكثير من شعر المناسبات، لكنها تجسد تجربة ناجحة ؛ لأنها صادقة، لم يُجبر قائلها على نظمها؛ فقد قالها من فيض خاطره ورهافة مشاعره، وصدق احساسه، وهذا ما ألفيناه جلياً عند ( المسكين).
فمثلاً قصيدته (شيخ المكارم) في مدح الدكتور المهندس (عبد الله السيهاتي) التي نرى الشاعر فيها حريصاً على ذكر مناقب الممدوح من نبلٍ وكرم، ومكارم، وحسن خلق وغير ذلك من الصفات الإنسانية، فإن قصائده امتازت بدقة التفكير، وبعد الخيال، هذا إلى جانب صدق العاطفة بعيداً عن المغالاة والتملق، ففي مدحه تحس نبض قلبه يخفق حباً وتقديراً واحتراماً لمن هو لذاك أهل .
يقول:
شيخ المكارم والندى والجود
شيخ تألق في ذراه نشيدي
وحدود حب الأصدقاء أخوة
والشعر إخوته بغير حـدود
أرضيت ربك طاعة وأمـانة
والربح يبقى جـنة المـعبود
وفي الختام نقول: إن (عقيل المسكين) شاعر لا يُعرف وإنما يُتعرف عليه، من خلال رصد الدلالات التي يبثها في بنية النص الشعري؛كتقنية أسلوبية تشير إلى استرفاد الشاعر من ينابيع ثقافية متباينة؛ سعياً إلى تشكيل الدلالة النصية التي تتكون لبناتها من جمل وتعابير دلالية خاصة، تنتظم في سياق التجربة الشعرية وتنصهر في بوتقتها.
** عضو الاتحاد العالمي للغة العربية
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الصين تحذر تايوان من الخطاب الانفصالي
البلاد – وكالات
تشهد العلاقات بين الصين وتايوان تصاعدًا في التوترات، خاصةً مع استمرار الخطاب الانفصالي من قبل بعض الجهات في تايوان، مما يدفع الجانب الصيني لاتخاذ إجراءات حازمة. فقد وصف المكتب الصيني لشؤون تايوان، أمس الاثنين، المناورات العسكرية الصينية بالقرب من تايوان بأنها “عقاب حازم” للرئيس التايواني لاي تشينغ-ته بسبب ما اعتبره “الترويج المستمر للانفصالية”.
وقال متحدث باسم المكتب في بيان: “إذا تجرأت إدارة لاي على الاستفزاز واللعب بالنار، فلن تجني إلا تدمير نفسها”.
يأتي هذا التصعيد في ظل تاريخ طويل من التعقيدات السياسية والأمنية، حيث يعتبر الجانب الصيني تايوان جزءًا لا يتجزأ من أراضيه، فيما تسعى إدارة تايوان إلى تأكيد استقلالها العملي رغم الضغوط الدولية والداخلية. ويبرز هنا تباين التطلعات؛ إذ يرى الصينيون أن الحفاظ على وحدة البلاد أمر حتمي لضمان الاستقرار الإقليمي، بينما يعبر التايوانيون عن رغبتهم في حماية نظامهم الديمقراطي وضمان أمنهم الوطني.
على المدى القريب، قد تستمر المناورات العسكرية وإجراءات الرد، مما يزيد من احتمالية حدوث مواقف تصعيدية خطيرة. وفي الوقت ذاته، يُحث الطرفان المجتمع الدولي على لعب دور الوسيط للحد من تفاقم الأزمة. تبقى الآمال معلقة على إيجاد حل سياسي يضمن تسوية الخلافات عبر الحوار والتفاوض، بعيدًا عن المواجهات العسكرية التي قد تؤدي إلى تداعيات إقليمية وعالمية واسعة.