في حلقة جديدة من برنامج "العمارة والإنسان"، تناولت منى حوا مسألة "العمارة والاستعمار" وكيف كان المستعمرون يقيمون المشاريع ويشقون الطرق والسكك الحديدية لتسهيل عمليات سرقة ونهب الدول التي يدعون أنهم كانوا سببا في عمارتها.

ففي الهند مثلا، أقام الاحتلال البريطاني شبكة سكك حديدية لنقل القطن والمعادن من مختلف المناطق إلى موانئ التصدير وليس لربط هذه المناطق كما كانوا يزعمون.

وفي الكونغو، قام المستعمر البلجيكي باستغلال العمالة المحلية لبناء السكك الحديدية من أجل نقل المطاط والعاج إلى الخارج وقد قتل مئات آلاف العمال خلال علمية إنشاء هذا المشروع.

الأمر نفسه في الجزائر، نهب الاستعمار الفرنسي الكثير من الأراضي لشق سكك حديدية بغية تعظيم الاستفادة من موارد المستعمرات في أفريقيا من خلال نقلها عبر البحر وهو ما تطلب إقامة مشروع السكك الحديدية في الجزائر.

البناء لمنع المقاومة

وحتى إعادة تشكيل المدن التي خضعت للاستعمار كان المقصد الأساسي منها إضعاف المقاومة الشعبية عن أي عمل مسلح كما هي الحال في مدينة القصبة الجزائرية على سبيل المثال.

فقد أثبتت التجارب التاريخية أن الشوارع الواسعة التي توفر للجيوش إمكانية التحرك وقمع الانتفاضات على عكس الحال في الشوارع الضيقة والأزقة التي تقف أعتى الجيوش عاجزة عن التوغل فيها.

وفعليا، واجه الاستعمار مقاومة شرسة في مدينة القصبة التي كانت تتسم بكثرة أزقتها مما دفع الفرنسيين لشق عشرات الشوارع الكبيرة في المدينة لتسهيل السيطرة عليها.

وفي كل المدن الكبيرة التي خضعت للاستعمار الفرنسي توجد نفس طريقة التصميم الموجودة في باريس نفسها حيث الشوارع الواسعة والبنايات المرتفعة التي كان الهدف منها محو ثقافة المواطن الأصلي وتوفير شعور بالألفة للمستوطن الفرنسي القادم للعيش في البلد المحتل.

ولعل ما جرى خلال تخطيط العاصمة الفرنسية هو خير دليل على النية الحقيقية من وراء هذه التصميمات، فقد قال البارون جورج أوسمان -صاحب مشروع تطوير باريس- للبرلمان إن الهدف من إعادة بناء المدينة هو "تسهيل السيطرة على الشعب".

وبالعودة للتاريخ، نجد باريس عندما كانت عشوائية ومليئة بالأزقة والحارات شهدت 6 انتفاضات وقعت خلال 18 عاما -بمعدل انتفاضة كل 3 أعوام- بينما لم تشهد سوى انتفاضة واحدة بعد مشروع أوسمان.

بناء على أنقاض الغير

وليس أدل على الأهداف الاستعمارية من عمليات إعادة البناء، هو ما فعله الفرنسيون عندما دخلوا الجزائر سنة 1930 حيث هدموا مدينة كاملة قبل أن يبنوا مدينة أخرى.

حيث هدم الفرنسيون مسجد السيدة في الجزائر وقد كان واحدا من أهم وأجمل المساجد في البلاد (ساحة الشهداء حاليا)، هذا فضلا عن نحو مساجد أخرى تم هدمها مما يعني أن الاحتلال لا يبني جديده إلا على أنقاض القديم.

وحتى مشروع قسنطينة أو "مخطط قسنطينة" كما يسميه المؤرخون الجزائريون فلم يكن في الحقيقة إلا محاولة من الرئيس الفرنسي شارل ديغول لفصل الجزائريين عن الثورة بعدما عجز في قمعها بالقوة.

يقول المؤرخون الجزائريون إن المشروع كان يهدف لإيهام الجزائريين بأنهم سوف ينتقلون من العيش في القصبة التي كانت تشبه الغيتو إلى المدينة العصرية.

ومع ذلك لم تكن البيوت التي وفروها لهم "آدمية" حيث كانوا يشتركون في دورة مياه واحدة مثلا، وكان هدفها الأساسي إبعاد الناس عن الثورة من خلال شغلهم بتشطيب شققهم الجديدة الضيقة ودفع أقساطها بدلا من البحث عن تحرير وطنهم.

 

4/11/2024

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

توطين أول مشروع في مدينة المضيبي الصناعية بمليوني ريال

وقعت مدينة المضيبي الصناعية، التابعة للمؤسسة العامة للمناطق الصناعية أول عقد توطين استثمار مع شركة رمال الصحراء المتنقلة، وذلك لإقامة مصنع عُماني يختص في صناعة الغازات المسيلة والمضغوطة مثل غازي الأوكسجين والنيتروجين المستخدمين في الأنشطة الطبية والأعمال الإنشائية، حيث تبلغ التكلفة الاستثمارية للمشروع حوالي مليوني ريال عُماني على أن يقام على مساحة تقدّر بـ16 ألف متر مربع.

وسيبدأ العمل على توطين المشروع مطلع العام القادم تزامنا مع إرساء مناقصة مشروع إنشاء مدينة المضيبي الصناعية التي طرحتها مدائن مؤخرًا للشركات العُمانية والسعودية، حيث يتمثل المشروع في تنفيذ المرحلة الأولى وتطوير ما يقارب 2.5 مليون متر مربع تشمل عددًا من الخدمات الأساسية، مثل: شبكات الطرق والمياه والصرف الصحي والإنارة وخزانات المياه والسياج الأمني وأجهزة المراقبة، وعدد من الوحدات الجاهزة في مجمع مدائن الريادي بمساحة 500 متر مربع لكل وحدة صناعية، حيث سيحتوي هذا المجمع على مكاتب إدارية مع ورش التصنيع ومواقف خاصة للسيارات ومداخل للشاحنات، بالإضافة إلى مبنى الخدمات الذي سيضم مكاتب إدارة المدينة الصناعية، مركز الخدمات «مسار» «محطة واحدة لتقديم الخدمات للمستثمرين»، وقاعات اجتماعات مع مرافق أخرى تخدم المستثمرين في المدينة الصناعية.

مقالات مشابهة

  • لوقاية الطفل من السمنة..رسائل رقمية لمحو الأمية الصحية
  • تفقد سير أعمال ترميم وصيانة عدد من الشوارع في أمانة العاصمة
  • ولايات جديدة ومشاريع من 2014.. أين ستنفق الجزائر الميزانية الأكبر في تاريخها؟
  • توطين أول مشروع في مدينة المضيبي الصناعية بمليوني ريال
  • انتهاكات الدعم السريع ضد الكوادر الطبية في السودان: قتل ونهب واسع
  • اجتماع يستعرض سير مشروع فتح وردم شوارع مدينة عمران
  • محافظ البيضاء يتفقد سير أعمال النظافة والتحسين في شوارع مدينة رداع 
  • سر تحول حياة أسطورة البرازيل.. أفضل مهاجمي كرة القدم «تائه في الشوارع»
  • فايد: الجمارك تصدّت للتهريب والظواهر التي تنخر بالاقتصاد الوطني