(عدن الغد)بي بي سي:

نبدأ جولتنا في الصحف البريطانية من الغارديان بمقال نسرين مالك التي ألقت الضوء على أهم الأسباب والدوافع وراء الانقلابات في منطقة الساحل في أفريقيا، والتي كان أحدثها انقلاب النيجر الذي بدأ في العاشر من أغسطس/ آب الجاري. ووصفت الكاتبة هذا الانقلاب بأنه "الحلقة الأخيرة التي تكمل سلسلة من الدول التي يحكمها انقلابيون في المنطقة بأكملها".

وأشارت مالك إلى أن هذا أحد أهم أسباب هذا الانقلاب أو محاولة الاستيلاء على السلطة، التاسع في غرب ووسط أفريقيا منذ عام 2020، هو التدخل الروسي سواء من خلال جماعة مرتزقة فاغنر أو من خلال الموقف الرسمي لروسيا من تلك الحركات الانقلابية. وأشارت إلى أن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عرض في تصريحات أدلى بها منذ أسبوعين على دول أفريقيا أن يحررها من قوى الاستعمار الجديد".

ورغم أن فاغنر ليست من الأسباب الرئيسية لتلك الانقلابات، إلا أنها من أهم العوامل التي توفر الدعم لتلك التحركات، وفقا للغارديان التي ذكرت أن جماعة المرتزقة الروسية تستخدم قوتها المسلحة في تدريب ودعم وتعزيز قوات مسلحة وشبه مسلحة تابعة لحكومات أو لجماعات متمردين على حدٍ سواء. وأشارت الصحيفة البريطانية أيضا إلى أن فاغنر تستخدم أيضا القوى الناعمة لروسيا من خلال مؤسسات مثل "مؤسسة حماية القيم الوطنية" الروسية، التي تزعم أنها ترصد اتجاهات المواطنين نحو الدولة الحكومات في دول بعينها بهدف التوصل إلى الأساليب التي من شأنها المساعدة في إنجاح عملية إدارة البلاد، كما تجلت تلك القوى الناعمة في النيجر في ظهر أعلام روسيا في مظاهرات في مؤيدة للمجلس العسكري.

وقالت مالك إن "فاغنر تستخدم كل هذه الطرق والأساليب من أجل شيء واحد؛ هو استنزاف ثروات الدول التي تنشط فيها، مثل الذهب في السودان، والنفط في ليبيا، والماس واليورانيوم في جمهورية وسط أفريقيا"، وهو الاستنزاف الذي وصفته الكاتبة بأنه "قرصنة اقتصادية".

وضمنت الكاتبة بين أسباب ازدهار الانقلابات في منطقة غرب ووسط أفريقيا الإرهاب الذي ينتشر بسهولة في تلك الدول استغلالا للصلة الضعيفة بين دول أفريقيا سلسلة الأمن العالمي. فوجود الجماعات الإرهابية تعطي مسوغا لقناعة تسود في دول مثل النيجر بأن الحكم العسكري أقدر على التصدي للإرهاب من الحكم المدني الديمقراطي.

وأشارت أيضا إلى أن الفقر يُعد أيضا من أهم هذه الأسباب، إذ يعاني ملايين السكان في تلك الدول من مستقبل اقتصادي مظلم وتتملكهم حالة من اليأس، وهو ما يفقدهم القوة اللازمة لمقاومة العسكريين الشباب الأقوياء ذوي الشخصيات الجذابة الذين يستغلون هذا الضعف لصالحهم.

وخلصت نسرين مالك إلى أن "استقرار دول أفريقيا لا يمكن أن يخطط له في البنتاغون أو في حلقات النقاش والتحليل على قنوات الأخبار، لكنه يتحقق بأيدي الأفريقيين وبآلياتهم بعد أن يواجهوا مخاوفهم بأنفسهم".

"حرب ثقافية"

لا زلنا في الغارديان، حيث نشرت الصحيفة البريطانية مقالا لخمسة من السياسيين والمحلين السياسيين، في باب "ذي بانيل"، الذين عرضوا تشريحا دقيقا لسياسات رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، خاصة فيما يتعلق بقضايا الهجرة والبيئة.

ورأى جون ريدوود، عضو مجلس العموم عن ووكنغهام، أنه "على رئيس وزراء المملكة المتحدة أن يتوقف عن القسم وأن يطلق تعهدات حقيقية، فالشعب يتوقع من حاكمه عند الإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام أن يستخدم لغة واضحة وأسرية تشعرهم بأنه واحد منهم".

وأشار إلى أن استخدام عبارات القسم والحديث الفضفاض عند التصدي إلى واحدة من أكثر القضايا حساسية في البلاد أثار الكثير من الجدل أكثر من تقديمه حلول مستقبلية للمشكلة.

ورجح أن خير وسيلة يمكن للحكومة استخدامها لتحقيق النتائج المأمولة لحزب المحافظين في الانتخابات المقبلة هو أن يلتزم سوناك بتعهداته الخمسة التي تتمثل في خفض معدل التضخم بواقع النصف، وخفض المديونية البريطانية، والقضاء على قوائم في مستشفيات الهيئة الوطنية للرعاية الصحية، وتحقيق نمو اقتصادي، ووقف عبور زوارق المهاجرين إلى بريطانيا.

وقال توم جونز، عضو مجلس محلي ومؤلف، إن الناخبين يحتاجون إلى إجراءات حقيقية، "لا إلى إيمائات لا طائل من ورائها". وأكد أن البريطانيين الذين صوتوا لصالح حزب المحافظين في 2019 يحتاجون إلى تلبية احتياجات عدة، لا إلى "حرب ثقافية"، في إشارة إلى السياسات التي تتبعها الحكومة الحالية في التعامل مع المهاجرين.

وقالت فايزة شاهين، الأستاذة الزائرة في كلية لندن للاقتصاد، إن ما يفعله سوناك وحكومته فيما يتعلق بقضايا الهجرة والبيئة "جهود حثيثة لتشتيتنا بالأكاذيب والكراهية".

وأضافت أن "سوناك أضاف سطرا جديدا في كتابه ’فرق تسد‘ عندما تحدث بشكل مناهض لسياسة للمناطق قليلة الانبعاثات في أوكسبريدج، إذ أثار جدلا بين مؤيدي ومعارض قائدي السيارات للتعتيم على الكارثة التي تسبب فيها هو وحكومته في اقتصاد البلاد والخدمات العامة".

ورأى الكاتب والمحلل السياسي مارك باك أن الحكومة الحالية في البلاد سلكت طريقا قد يؤدي بها إلى خسارة الكثير من الدعم الشعبي عندما اعتمدت على استغلال حرب ثقافية، قضية المهاجرين، في كسب هذا الدعم. كما أشار إلى خطأ آخر ارتكبه سوناك عندما اظهر ميلا إلى التهاون في مكافحة انبعاثات الكربون بإعلانه أمام وسائل إعلام عن حبه لقيادة السيارات.

وأكد أن الناخبين لا يحبون الحكومات التي تسدد ضرباتها إلى الفئات المستضعفة مثل المهاجرين، ولا تلك التي تتبنى سياسات تقلل من أهمية الطاقة الخضراء، مشددا على أن مثل هذا النهج "يؤدي بالحكومات حتما إلى طريق الفشل".

وقالت ناتالي بينيت، الزعيمة السابقة لحزب الخضر البريطاني، إن "تراجع شعبية حزب المحافظين لا يكفي، إذ ينبغي أن يتحلى حزب العمال بالشجاعة"، واصفة النهج الذي سلكه رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك في التعامل مع المهاجرين بأنه "ترامبي"، من أساليب ترامب، ظنا منه أنه نهج جديد وصادق في التعامل مع القضية يستهدف من خلاله إنعاش الناخبين الذين يفضلون الصخب والنزعة الهجومية.


 

المصدر: عدن الغد

كلمات دلالية: دول أفریقیا إلى أن

إقرأ أيضاً:

الغارديان: ألمانيا مارست قمعا على المؤيدين لفلسطين ولم تتزحزح في دعم حرب غزة

ركز كتاب الروائي وكاتب المقالات الهندي بانكاج ميشرا، الذي سيصدر الأسبوع المقبل بعنوان "العالم بعد غزة" على الموقف الألماني وقراراته المتعلقة بـ"إسرائيل" والنابعة من "الذاكرة الثقافية" المرتبطة بالهولوكوست.

وقال ميشرا في مقال له نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية تضمن مقتطفات من الكتاب: إن "ألمانيا خرجت من الحرب العالمية بعقدة الندم باعتبارها الجلاد لليهود في تلك الحرب، ولكن لا يوجد بلد يضاهيها في الرحلة المعقدة من نقطة الصفر في عام 1945 إلى غزة اليوم، ففي العقود الأخيرة، عمل التضامن مع الدولة اليهودية على صقل صورة ألمانيا الذاتية الفخورة باعتبارها البلد الوحيد الذي يجعل من التذكر العام لماضيه الإجرامي الأساس الحقيقي لهويته الجماعية".

وأضاف أنه "منذ إعادة توحيد ألمانيا بشكل خاص، تم إضفاء الطابع المؤسسي الشامل على ذكرى الهولوكوست وتؤكد المناهج والتقويمات المدرسية على المناسبات السنوية مثل 27 كانون  الثاني/ يناير (تحرير السوفييت لأوشفيتز) و8  أيار/ مايو (استسلام النازيين النهائي)".

وتخلد النصب التذكارية والمتاحف في جميع أنحاء البلاد ذكرى ضحايا الجرائم الألمانية.

وأكد أنه "من بين الرموز البارزة لثقافة الذاكرة هذه النصب التذكاري لليهود الذين قتلوا في أوروبا بالقرب من بوابة براندنبرغ في العاصمة برلين، وهو ربما النصب التذكاري الوطني الرئيسي الوحيد الذي يخلد ذكرى ضحايا أمة وليس الأمة نفسها".


وأشار إلى أنه "في عام 2008، زعمت المستشارة الألمانية في حينه، أنغيلا ميركل في خطاب لها أمام الكنيست أن  تأمين أمن إسرائيل هو جزء من وجود ألمانيا، وقد استعاد القادة الألمان هذه العبارة مرارا وتكرارا وبتركيز مبالغ فيه بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2023، فقبل أقل من شهرين من هجوم حماس، نجحت إسرائيل، بمباركة أمريكية في تأمين أكبر صفقة أسلحة لها على الإطلاق مع ألمانيا. وزادت مبيعات الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل عشرة أضعاف في عام 2023 وتمت الموافقة على الغالبية العظمى من المبيعات بعد هذا التاريخ وسارع المسؤولون الألمان إلى دعمها، وأصروا على أن تصاريح تصدير الأسلحة إلى إسرائيل ستحظى باهتمام خاص".

وبين أنه "في الوقت الذي بدأت فيه إسرائيل قصف المنازل ومخيمات اللاجئين والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس في غزة، ومع ترويج وزراء الحكومة الإسرائيلية لمخططاتهم عن التطهير العرقي، كرر المستشار الألماني أولاف شولتز العقيدة الوطنية: إسرائيل دولة ملتزمة بحقوق الإنسان والقانون الدولي وتتصرف وفقا لذلك".

وقال  إنه "مع تكثيف حملة بنيامين نتنياهو للقتل والتدمير العشوائي، وصل إنغو غيرهارتز، رئيس القوات الجوية الألمانية إلى تل أبيب مشيدا بـ "دقة" الطيارين الإسرائيليين. كما التقطت له وهو بالزي العسكري وهو يتبرع بالدم للجنود الإسرائيليين".

وأضاف أنه "في ألمانيا، أعاد وزير الصحة كارل لاوترباخ نشر مقطع فيديو يزعم فيه محرض يميني متطرف أن النازيين كانوا أكثر نزاهة من حماس".

وزعمت صحيفة "دي فيلت" أن "فلسطين الحرة هي تحية هتلر الجديدة"، ونبهت صحيفة "دي تسايت" القراء الألمان إلى حقيقة شنيعة مفادها أن "غريتا ثونبرغ تتعاطف علانية مع الفلسطينيين".

وعندما تم تصوير وزيرة الثقافة كلوديا روث وهي تصفق للمخرج الإسرائيلي يوفال أبراهام وزميله الفلسطيني باسل عدرا في مهرجان برلين السينمائي ــ لفيلمهما الوثائقي المرشح لجائزة الأوسكار الآن ــ أوضحت أن تصفيقها كان فقط لإبراهام "اليهودي الإسرائيلي".

وأضاف ميشرا أن قادة ألمانيا، رفضوا الحديث لشهور أو دعم دعوات أوروبية، وقف إطلاق النار. فقد ساندت رئيسة المفوضية الأوروبية الألمانية أورسولا فون دير لاين بلا تردد العنف الانتقامي الإسرائيلي، مما أثار استياء العديد من زملائها، كما تجاهلت الدعوات المتكررة لمعاقبة إسرائيل من دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل إسبانيا وأيرلندا.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2024، عندما قصفت إسرائيل المستشفيات ومخيمات الخيام في غزة، وفجرت قرى بأكملها في لبنان، بررت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك هذه الانتهاكات للقانون الدولي، مؤكدة أن المدنيين قد يفقدون وضعهم المحمي في الحرب.

بالإضافة إلى كل هذا، شنت السلطات الألمانية حملة صارمة على المظاهر العامة الداعمة لفلسطين. فقد عاقبت المؤسسات الثقافية الممولة من الدولة الفنانين والمثقفين من أصول غير غربية الذين أظهروا أي تلميح للتعاطف مع الفلسطينيين، فسحبت الجوائز والدعوات.  ولجأت السلطات الألمانية الآن إلى معاقبة حتى الكتاب والفنانين والناشطين اليهود. وبعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، انضمت كانديس بريتز وديبورا فيلدمان وماشا جيسن ونانسي فريزر إلى أولئك الذين ألغيت مشاركتهم أو "ألقيت عليهم محاضرات"، على حد تعبير إيال وايزمان، "أبناء وأحفاد الجناة الذين قتلوا عائلاتنا والذين يجرؤون الآن على إخبارنا بأننا معادون للسامية".

وأشار الكاتب إلى الزيارة التي قامت بها الفيلسوفة حنا أردنت إلى ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث اعترفت  بأنها "تعاني من نوع ما من الغباء الشامل الذي لا يمكن الوثوق به والحكم بشكل صحيح على الأحداث الأكثر بدائية".

وكتبت أن "عددا كبيرا من الألمان، وبخاصة بين الأكثر تعليما، لم يعودوا قادرين على قول الحقيقة حتى لو أرادوا ذلك".


وأضاف ميشرا أن ارندت شعرت بالدهشة من الطريقة التي تخلت فيها المانيا وفي أقل من ستة أعوام عن "البنية الأخلاقية لمجتمع غربي". وفي الوقت نفسه، وكما قال ضابط عسكري أمريكي للمصورة الصحفية مارغريت بورك وايت، فإن العديد من الألمان كانوا يتصرفون "كما لو أن النازيين هم عرق غريب من الإسكيمو نزلوا من القطب الشمالي وغزوا ألمانيا بطريقة أو بأخرى". 

وعلقت بورك وايت نفسها: "لم أجد بعد ألمانيا يعترف بأنه نازي". مع أن المانيا لم تتخل في جوهرها عن  الطريقة التي عاملت فيها ألمانيا اليهود النازحين الذين ظلوا فابعين في المخميات حتى عام 1952، فعندما هاجمت شرطة الجمارك والهجرة البافارية معسكرا للنازحين، حمل الهجوم كما قالت "مانشستر غارديان" في حينه كل ملامح التصرفات النازية ضد غيتوهات برلين وفرانكفورت في الماضي.

ونقلت الصحيفة عن لجنة المخيم  قولهم إن المهاجمين صرخواهتافات مثل "المحرقة لا تزال موجودة". وسجل نوربرت فيري في كتابه الصادر عام 2002  المشاعر الألمانية التي كانت رافضة لمحاكمة النازيين السابقين أو عزلهم من مناصبهم في مرحلة ما بعد الحرب. 

ولم تتم محاكمة ما يقدر عددهم مليون شخص كانوا على علاقة بالهولوكوست إلا ما يزيد عن 6,656 شخصا. وفي مقال نشر في آذار/مارس 2024 في مجلة  "ديسنت"، كتب المؤرخ هانز كوندناني: "بحلول منتصف الخمسينيات من القرن العشرين، عادت النخبة في الخدمة المدنية والقضاء والأوساط الأكاديمية إلى حد كبير إلى تلك التي كانت في عهد الرايخ الثالث.

 وشعر العديد من الشباب الذين نشأوا في ألمانيا الغربية بأنهم "محاطون بالنازيين"، كما قال أحد الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلة. 

وبحلول منتصف الستينيات، بدأوا ينظرون إليهم ليس فقط كاستمرارية شخصية بل وهيكلية: كانت الجمهورية الفيدرالية دولة فاشية، أو على الأقل "ما قبل الفاشية". 

وزعم المستشار الألماني كونارد أدينور الذي التقى ديفيد بن غوريون في الأمم المتحدة عام 1960 أن اليهود لم يكون هم ضحايا النازية، بل والألمان أنفسهم الذين ساعدوا اليهود قد ما يستطيعون.

 ووافق أدينور في عام 1952 على صفقة تعويضات لدولى إسرائيل بقيمة 3.5 مارك ألماني، ولم تكن الصفقة مقبولة من معظم الألمان الذين لم تعترف سوى نسبة 5 بالمئة بالذنب، فيما قالت نسبة 21 بالمئة أن اليهود يتحملون المسؤولية على ما حدث لهم خلال الرايخ الثالث. 

وكان المستشار الألماني يصدر عن رؤية استعمارية، حيث كان رئيسا للجمعية الإستعمارية الألمانية. ومع تزايد وتيرة الحرب الباردة، اعتقد أن "طريق المانيا الطويل للغرب" يمر عبر إسرائيل. وقال بعد تقاعده: "لا ينبغي الاستهانة بقوة اليهود حتى اليوم، وخاصة في أمريكا".

 وتحركت ألمانيا الغربية بسرعة على هذا الطريق غربا بعد عام 1960، لتصبح موردا رئيسيا للمعدات العسكرية لإسرائيل بالإضافة إلى كونها الممكن الرئيسي لتحديثها الاقتصادي. 

وفي محاولة إعادة تأهيل المانيا لنفسها وبمساعدة من التمويل الأمريكي، لجأت إلى دعم محاكمة  ادولف إيخمان وإعدامه عام 1961، وهو ما سجلته حنا أردندت. وأعادت محاكمة أيخمان الفتنازيا الألمانية عن القوة اليهودية، وليس غريبا أن تستقبل الصحافة الألمانية انتصار إسرائيل في حرب 1967 بأنه  "الحرب الخاطفة في إسرائيل"، وهي نفس العبارة المرتبطة بهجوم النازية الخاطف على أوروبا. وعبرت صحيفة "دي فيلت" عن أسفها على "الوصمة العارية" التي لحقت بالشعب اليهودي: الاعتقاد بأنهم "لا يملكون أي مشاعر وطنية ولا يستعدون للمعركة قط، ولكنهم حريصون دوما على الاستفادة من جهود الحرب التي يبذلها الآخرون". 

وأكد الكاتب أن اليهود كاتوا في الواقع "شعبا صغيرا شجاعا بطلا عبقريا". وعلى أية حال، فإن تشبيه صحيفة "بيلد للقائد العسكري الإسرائيلي موشيه ديان بالمارشال النازي إرفين روميل لم يكن "تناقضا"، فقد كانت مثل هذه المقارنات ضرورية لبعض المستفيدين من المعجزة الاقتصادية الألمانية. لقد أشار الفيلسوف الإسرائيلي يشعياهو ليبوفيتز بعد سنوات عديدة من إعدام آيخمان إلى أن "محاكمته كانت فاشلة تماما، فقد كان آيخمان في واقع الأمر مجرد ترس صغير لا أهمية له في آلة ضخمة.


وذكر "في المقابل دفعوا لنا مليارات الدولارات، وما حدث في الحقيقة هو تبرئة ألمانيا التي لم تجتث النازية بشكل كاف والتي لا تزال معادية للسامية بشكل عميق مقابل المال والأسلحة".

وأوضح "كان التخلص من الذنب بثمن بخس أحد الدوافع، ولكن في أوائل ستينيات القرن العشرين، كان من المناسب للغاية بالنسبة لألمانيا وإسرائيل تصوير خصوم إسرائيل العرب، بمن فيهم ناصر (الذي وصفته صحيفة "ديلي ميل" بأنه "هتلر على النيل")، باعتبارهم تجسيدا حقيقيا للنازية".

وقد قللت محاكمة آيخمان من أهمية استمرار الدعم النازي في ألمانيا في حين بالغت في تضخيم الوجود النازي في الدول العربية.

وفي كتابها الأخير "متعهدوا الذنب"، تصف إسراء أوزيريك الطريقة التي يستخدمها الساسة والمسؤولون والصحافيون الألمان، الآن بعد صعود اليمين المتطرف، لتفعيل الآلية القديمة لتطهير ألمانيا من خلال شيطنة المسلمين. وبفضل تشجيع إيلون ماسك، الذي دعا الألمان للتخلي عن "ذنبهم" بشأن الهولوكوست والابتهاج بثقافتهم الألمانية التي يبلغ عمرها ألف عام، وبفضل الشجاعة التي اكتسبها حزب اليمين المتطرف الذي أسسه عضو سابق في قوات الأمن الخاصة في النمسا، موطن هتلر، أصبح حزب البديل من أجل ألمانيا ثاني أكثر الأحزاب شعبية في ألمانيا.

وأوضح أن "الألمان البيض من ذوي الأصول المسيحية" يرون أنفسهم "قد حققوا غايتهم في الخلاص وإعادة الديمقراطية"، وفقا لأوزيريك.

 ويتم إسقاط "المشكلة الاجتماعية الألمانية العامة المتمثلة في معاداة السامية" على أقلية من المهاجرين الذين جاءوا من الشرق الأوسط ويتم وصمهم بعد ذلك بأنهم "أكثر المعادين للسامية تمردا"، ولهذا فهم يحتاجون إلى "تعليم وتأديب إضافي". وتشير أوزيريك إلى أن التنديد بالأقلية المسلمة في ألمانيا باعتبارها "الناقل الرئيسي لمعاداة السامية" يعني إخفاء حقيقة مفادها أن "ما يقرب من 90% من الجرائم المعادية للسامية يرتكبها الألمان البيض اليمينيون".

وقال ميشرا إن التشوهات السياسية والأخلاقية والعجز الفكري في ألمانيا اليوم أكثر خطورة من أي وقت مضى منذ عام 1945. إن حزب البديل من أجل ألمانيا ليس شذوذا، فهو يستفيد من الانزلاق المتزايد نحو اليمين المتطرف بين السياسيين والصحفيين السائدين. وقد كسر المستشار الألماني القادم المحتمل، فريدريش ميرز، زعيم الديمقراطيين المسيحيين من يمين الوسط، "جدار الحماية" الذي أقامه التيار الرئيس الألماني ضد حزب البديل من أجل ألمانيا، ووعد بالعمل مع السياسيين الذين يعشقون الشعارات والتحية النازية. وفي الوقت نفسه، تحاكم المحاكم الألمانية مجموعة من أقصى اليمين بتهمة التخطيط للإطاحة العنيفة بالحكومة.

ويبدو البلد الذي دمر البنية الأخلاقية للمجتمع الغربي ضعيفا مرة أخرى قبل الأزمات الاقتصادية والانهيارات الاجتماعية للرأسمالية التي أنتجت الفاشية لأول مرة. والأسوأ من ذلك أن الطريق الطويل الذي سلكته ألمانيا غربا يقودها الآن مباشرة إلى دونالد ترامب وإيلون موسك.

مقالات مشابهة

  • فيفا: الأندية الليبية ضمن الفرق الأكثر إنفاقاً على صفقات اللاعبين في أفريقيا
  • وزير الخارجية يؤكد عمق العلاقات التاريخية بين مصر وجنوب أفريقيا
  • أفريقيا بين أوراق الكتب أرض خصبة للإبداع.. تحظى باهتمام بالغ من الروائيين والباحثين.. والروايات تسرد مآسى أفريقيا مع العبودية والعنصرية.. ونهب ثروات القارة يلهم الأدباء
  • جميل مطر يروي سر تشفير مقال هيكل!
  • وفاة المغنية والممثلة البريطانية ماريان فايثفول
  • «الضمان الاجتماعي» في الشارقة يناقش تحقيق الاستقرار المالي للمواطنين
  • الغارديان: ألمانيا مارست قمعا على المؤيدين لفلسطين ولم تتزحزح في دعم حرب غزة
  • ناجي الشهابي: مصر تلعب دورًا حاسمًا في تحقيق الاستقرار الإقليمي
  • ماذا تعرف عن قاعدة غوانتانامو التي ستستضيف المهاجرين؟
  • تطورات الأحداث والطريق لوقف الحرب والديمقراطية