في تطور جديد بالساحة السياسية السودانية، تم تعيين الصحافي خالد الأعيسر، المعروف بمناصرته للجيش ودفاعه المستمر عنه في القنوات الإعلامية العربية، وزيرًا للإعلام في الحكومة السودانية. لكن التحدي الأبرز الذي يواجه الأعيسر هو نجاحه أو فشله في بناء خطاب إعلامي قادر على توحيد الشعب السوداني خلف الجيش، في وقت يعاني فيه السودان من انقسامات شديدة على الصعيدين السياسي والاجتماعي.


شخصية خالد الأعيسر ودوره الإعلامي
يمتاز الأعيسر، الصحافي الرياضي السابق، بحضوره الإعلامي المستمر في وسائل الإعلام العربية، حيث دأب على الدفاع عن دور الجيش في السودان وتقديمه كضامن للأمن والاستقرار. إلا أن هذا الحضور ارتبط بفئة معينة من جمهور الجيش، ما جعل خطابه يلقى تأييدًا من أنصار القوات المسلحة وبعض الدوائر الإسلامية، لكنه في المقابل لم يجد قبولًا واسعًا لدى فئات أخرى من الشعب السوداني، التي ترى أن الجيش والنخب السياسية الحليفة له قد فشلت في تحقيق تطلعاتهم.
صعوبات صناعة خطاب إعلامي شامل
يكمن التحدي الأساسي أمام الأعيسر في قدرة خطابه الإعلامي على تجاوز الانقسامات الحادة داخل المجتمع السوداني، الذي يعيش حالة من الاستقطاب بين مؤيدين للجيش ومعارضين لدوره في الساحة السياسية. إن توحيد الشعب حول الجيش ليس بالأمر اليسير، خاصةً أن هناك انعدام ثقة بين فئات واسعة من المجتمع السوداني تجاه المؤسسة العسكرية وحلفائها، وهو أمر يتطلب استراتيجية إعلامية شاملة ونزيهة تتجاوز مجرد الدفاع عن الجيش لتشمل كذلك مخاطبة تطلعات وآمال السودانيين كافة، لا سيما الفئات المتضررة من النزاعات.
انحيازه لدوائر محددة في الجيش والحركة الإسلامية
تزيد هذه التحديات تعقيدًا مع وجود انطباع واسع في الشارع السوداني بأن الأعيسر، بسبب خلفيته الفكرية وظهوره المتكرر في الإعلام، قد يكون مناصرًا لفئات معينة داخل الجيش، ذات طابع عقائدي، ما يجعله أقل قبولاً لدى قطاعات أخرى واسعة من الشعب السوداني. يعتبر هذا الانحياز - ولو كان غير معلن - نقطة ضعف في قيادته لوزارة الإعلام، التي يفترض بها أن تنتهج سياسة شاملة وشفافة توازن بين مصلحة الدولة ودور الجيش في حماية الوطن، وفي ذات الوقت تمنح كافة السودانيين شعورًا بالمساواة وعدم الانحياز لأي جهة.
تحديات الدور الوزاري والضغوط الداخلية
إلى جانب التحديات الشعبية، سيواجه الأعيسر تحديات داخلية تتعلق بالضغط من مراكز النفوذ داخل الدولة، لا سيما أن هناك قوى متنازعة داخليًا في مؤسسات الدولة، ومن ضمنها الجيش نفسه. إن التوفيق بين الدور الإعلامي وضرورة الحفاظ على علاقات جيدة مع الأطراف النافذة ليس بالأمر السهل، خاصةً إذا استمر في تبني خطاب أحادي يخدم جهة معينة، ما قد يفاقم من عزلة الحكومة الحالية بدلاً من تحقيق الوحدة التي يحتاجها السودان في هذا الوقت الحرج.
هل ينجح خالد الأعيسر في تجاوز الخطاب التقليدي؟
إن المسؤولية التي يحملها خالد الأعيسر تتجاوز دوره كوزير إعلام للدفاع عن الجيش فقط، بل تمتد إلى كونه صانعًا لخطاب وطني شامل يسعى إلى ردم الهوة بين مختلف الأطراف السودانية، وخاصةً في أوقات الصراع. إن نجاحه أو فشله في هذا الدور يعتمد على قدرته في الابتعاد عن انحيازاته التقليدية، والانفتاح على كافة الأطياف في السودان.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: خالد الأعیسر

إقرأ أيضاً:

الأفريكوم ومساعي توحيد الجيش الليبي

كثفت القيادة العامة للجيش الأمريكي في أفريقيا "أفريكوم" من اهتمامها بليبيا بعد التطورات التي شهدتها البلاد عقب الهجوم العسكري الذي شنته القيادة التابعة لمجلس النواب على العاصمة طرابلس العام 2019م، والذي كان من أخطر نتائجه الوجود العسكري المباشر لقوات أجنبية بشكل مركز، خاصة الروس والأتراك.

لا يشكل الأتراك قلقا بالنسبة للأمريكان، لكن الوجود الروسي على الأراضي الليبية كان سببا لتزايد مخاوف الأمريكيين وحلفائهم الأوروبيين، كما تظهر تصريحات مسؤوليهم وتحركاتهم على الأرض، وقد ارتبطت الزيارات المتكررة لضباط كبار في أفركوم لليبيا بتلك المخاوف.

لعبت قيادة الأفريكوم دورا بارزا في احتواء التورترات العسكرية والأمنية بين أطراف النزاع الليبي، ولا يمكن عزل حالة الهدوء على الجبهات وفي مناطق التماس عن التدخل الأمريكي والتوصل إلى وقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات عبر لجنة 5+5 العسكرية، ومسار آخر رسمي لكن غير معلن.

لا يشكل الأتراك قلقا بالنسبة للأمريكان، لكن الوجود الروسي على الأراضي الليبية كان سببا لتزايد مخاوف الأمريكيين وحلفائهم الأوروبيين، كما تظهر تصريحات مسؤوليهم وتحركاتهم على الأرض، وقد ارتبطت الزيارات المتكررة لضباط كبار في أفركوم لليبيا بتلك المخاوف.دعمت أفريكوم نقاط الاتفاق الرئيسية التي توصلت إليها لجنة 5+5 العسكرية وهي: وقف وتثبيت أطلاق النار، وانسحاب المرتزقة والقوات الأجنبية، وتوحيد الجيش. وكان من المفترض أن تنفذ تلك النقاط تراتبيا، بمعنى أن انسحاب المرتزقة يتعب نقطة وقف إطلاق النار، ليأتي بعد ذلك توحيد الجيش، غير أن الأمور لم تمض بشكل جيد فيما يتعلق بانسحاب المرتزقة والقوات الأجنبية. صحيح أنه تم إخراج عدد من المقاتلين الأجانب القادمين من تشاد والسودان، إنه لم ينسحب الأمر على القوات الروسية والتركية، لأسباب معلومة تتعلق بالتطورات الجيوسياسية على رقعة أكبر من شمال أفريقيا ووسط وجنوب القارة، وما تبعها من تداعيات عسكرية وأمنية.

يبدو أن الأمريكان اتجهوا إلى خطة توحيد "الجيش" لتكون عاملا أساسيا في إخراج القوات الأجنبية، خصوصا وأن الرهان على التوافق السياسي وتسوية الخلافات بين الفرقاء الليبيين حول الدستور والانتخابات تواجه تحديات جمة.

هذا ربما ما يؤكده أو يلمح إليه التقرير الصادر عن مجلة منتدى الدفاع الإفريقي، التابعة لأفريكوم، والذي أشار إلى اهتمام المسؤولون الأميركيون وتأكيدهم على ضرورة توحيد المؤسسات العسكرية المنقسمة لأجل فرض الاستقرار الأمني ومجابهة مخاطر وجود المرتزقة الأجانب وشبكات الاتجار غير المشروع، دون أن يكشف التقرير عن التقدم الواقع في هذا المسار، عدا الإشادة بتعاون أطراف النزاع الليبي، والاتفاق على آليات تعاون الولايات المتحدة مع الأطراف الليبية لتجاوز العقبات التي تحول دون توحيد القوات في الغرب والشرق.

ما أعاق السير الحثيث لتنفيذ النقاط التي اتفقت عليها لجنة 5+5 العسكرية والأمنية هو الربط بين مصالح ونفوذ أطراف النزاع الليبي وبين الدعم الخارجي المساند (روسيا وتركيا)، والإصرار على تبعية كل القوات للقيادة العامة برئاسة خليفة حفتر، الذي لا محل ومكان للنقاش حول منصبه وصلاحياته بالنسبة لجبهة الشرق.

ليس من المتوقع أن تتدخل أفريكوم بشكل مباشر لفك الاشتباك حول هاتين المسألتين، ويبدو أنها تراهن على تحقيق تقدم على مستوى توحيد قيادات الأركان، وقد تنجح في إحراز نقاط إيجابية على هذا المسار، إلا إن مساعي استكمال اشتراطات توحيد الجيش تتطلب استقرار سياسيا ومعالجة الملفات العالقة والتي تفرض حالة الانقسام المؤسساتي الراهنة.

يبدو أن الأمريكان اتجهوا إلى خطة توحيد "الجيش" لتكون عاملا أساسيا في إخراج القوات الأجنبية، خصوصا وأن الرهان على التوافق السياسي وتسوية الخلافات بين الفرقاء الليبيين حول الدستور والانتخابات تواجه تحديات جمة.مساعي أفريكوم المستمرة لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية بهدف مواجهة التحديات الأمنية في الداخل الليبي وفي الجوار الإقليمي، وحماية السيادة الليبية من أي تدخلات خارجية، كما ورد في التقرير، تتطلب إعادة هيكلة للتركيبة العسكرية والامنية والتي ستصادم مصالح ونفوذ قوى فاعلة في الغرب وفي الشرق، فالقوى المتنفذة في الغرب، خاصة العاصمة طرابلس، التي تفوق سلطاتها وصلاحياتها سلطات وصلاحيات القوات المسلحة لن تقبل بجيش موحد يسلك النموذج الذي تم تطبيقه في الشرق والذي تسيطر فيه الرجمة على زمام الأمور العسكرية والأمنية بل والسياسية أيضا.

مطرقة إخراج الروس وسندان الوضع العسكري والأمني والسياسي المعقد قد يدفع خطة أفريكوم إلى إنتاج جنين مشوه وكيان ناقص الفاعلية والتأثير، يضاف إلى ذلك الغموض الذي يكتنف توجهات البيت الأبيض وخياراته في ظل الرئيس دونلد ترامب، وتعاطيه مع المطامع الروسية، والتي قد تسير في غير الاتجاه الذي تخطط له أفريكوم.

مقالات مشابهة

  • قائد الجيش السوداني يضع شرطا صارما للسلام مع الدعم السريع
  • بالفيديو.. البرهان يعلن أخذ رأي الشعب السوداني في أمر مهم ويكشف دور ضابط في الحرب
  • على مدار العامين الماضيين لم يستطيع حميدتي بماله ورجاله أن يهزم الجيش السوداني
  • منظمة دولية تكشف تأثير انتصارات الجيش السوداني على المواطنين
  • رمضان يخفف من قساوة التحديات التي يواجهها رواد الأعمال السودانيون
  • السودان واليونسكو يؤكدان أهمية التنسيق الإقليمي لمواجهة تحديات التعليم العالي لفترة ما بعد الحرب
  • واشنطن بوست: شركة تركية متورطة في تزويد الجيش السوداني بطائرات مسيّرة وشحنة أسلحة سرية
  • تجمع قوى تحرير السودان يدعو للاصطفاف خلف الجيش وتعزيز الجبهة الداخلية
  •  مقتل 9 مدنيين في قصف مدينة استعادها الجيش السوداني  
  • الأفريكوم ومساعي توحيد الجيش الليبي