في ذكرى ميلاد هدى سلطان.. حفظت القرآن وسر انفصالها عن فريد شوقي
تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT
تحل اليوم ذكرى ميلاد الفنانة هدى سلطان التي لقبت بـ"وتد" الدراما المصرية التي تربعت لسنوات طويلة على عرش أفلام "الترسو" مع الفنان فريد شوقي، لتترك إرثا كبيرا من الفن بين سحر القصة وقوة الآداء لتحقق قمة المجد الفني خلال تلك الفترة وتكون نجمة شباك الترسو.
وقد ولدت "بهيجة عبد السلام عبد العال الحو" في 15 أغسطس 1925، وترعرعت وسط عائلة إقطاعية، بقرية كفر أبو جندي التابعة لمركز قطور بمحافظة الغربية، وكانت الثالثة بين 5 أبناء أكبرهم شقيقها الفنان محمد فوزي الذى يكبرها بـ7 سنوات، تلته شقيقتهما الفنانة هند علام، وبدأت حياتها الفنية عام 1950 من خلال فيلم 'ست الحسن'، بعدها مثلت في عشرات الأفلام السينمائية والمسرحيات والمسلسلات التلفزيونية.
وقد حفظت القرآن الكريم كاملا في صغرها بكتاب قريتها، حيث اعتاد والدها استقدام شيخة تقرأ القرآن للنساء صباحًا وبشكل يومي، وكان يفعل نفس الشيء لأشقائها الذكور، وبمرور الأيام نمت لديها هواية الغناء والتلاوة، وازداد طموحها لاحتراف الغناء في القاهرة مثلما فعل قبلها شقيقها محمد فوزي.
وغنت هدى سلطان لأول مرة أمام الجمهور عام 1937 في إحدى حفلات المدرسة التي أقيمت على مسرح البلدية في طنطا، بأغنية لأم كلثوم، وعندما بدأت تلمح برغبتها في الغناء وأن تكون مطربة مثل شقيقها، زوجتها عائلتها من شخص يدعى محمد نجيب، وهي لا تزال في عمر 14 عاما، وأنجبت ابنتها الكبرى "نبيلة".
انتقلت بغد ذلك إلى القاهرة بصحبة زوجها في منتصف الأربعينيات، وأصرت على اقتحام مجال الفن، فتم طلاقها بعد أقل من عامين بسبب غيرته الشديدة ورغبته في اعتزالها الفن والتفرغ للمنزل، وانتقلت للعيش مع شقيقها محمد فوزي الذي وقف معها وساعدها وتعرفت على الفنانين والشعراء والموسيقيين من خلاله، وبدأت ممارسة هوايتها بالغناء في حفلات أعياد الميلاد والخطوبة والزواج.
درست "سلطان" على يد الملحن أحمد عبد القادر الذي وصل بها فيما بعد للاعتماد كمطربة في الإذاعة، وسمعها الموسيقار رياض السنباطي فتنبأ لها بمستقبل باهر في عالم الغناء وأبدى استعداده للتلحين لها واختارها لمشاركته بطولة فيلمه السينمائي الوحيد "حبيب قلبي" عام 1952، إخراج حلمى رفلة، وبعد ذلك انطلق صوتها من الإذاعة بأغنية "حبيبي مالقيتش مثاله سلطان على عرش جماله".
وبدأت بعد ذلك مشوارها السينمائي عام 1950، ووقعت عين المنتج جبرائيل نحاس عليها، وأعجب بموهبتها، وعرض عليها أن تعمل في فيلم "ست الحسن" للمخرج نيازي مصطفى، وعرض عليها عقد احتكار لـ3 أفلام دفعة واحدة، ووافقت "هدى" دون تردد.. وقدمت العديد من الأفلام في السينما أشهرها "امرأة في الطريق" الذي نالت على دورها فيه الكثير من الجوائز، إلى جانب أفلام "السكرية" و"جعلوني مجرماً" و"فتوات الحسينية"، و"كهرمان"، و"وداعا بونابرت" و"الابن الضال" "بدور" و"بورسعيد" و"سوق السلاح".
وقدمت مع الفنان فريد شوقي خلال فترة زواجهما أكثر من 20 فيلماً قبل انفصالهما بعد رفضها السفر معه وقد استمر زواجهما فترة طويلة وأنجبت منه ابنتيها ناهد ومها.. وقبل زواجها من فريد شوقي تزوجت الفنانة هدى سلطان من منتج سينمائي لكن ُطلقت منه بسبب غيرته من شهرتها، ثم فؤاد الجزايرلي وساعدها كثيرًا، ثم تزوجت من فؤاد الأطراش شقيق الفنان فريد الأطرش، وكانت زيجتيها الأخيرة من المخرج حسن عبد السلام.
كان آخر دور سينمائي ظهرت فيه بعد 20 عاماً من انقطاعها عن السينما في فيلم "نظرة عين" مع الفنانة منى زكى وظهرت كضيفة شرف.. كما أدت العديد من الأدوار في الدراما التلفزيونية من أهمها "زينب والعرش" و"أرابيسك" و"زيزينيا" و"الليل وآخره" و"الوتد" و"ليالي الحلمية" و"رد قلبي" و"زي القمر" و"للثروة حسابات أخرى"، وكان آخر مسلسلاتها "سلالة عابد المنشاوي".
وقد قفت هدي سلطان على خشبة المسرح عدة مرات وقدمت أفضل العروض التي مازلت عالقة في أذهان الكثيرين منها: "سيد درويش، وبمبة كشر، و المالك الأزرق، والحرافيش، وداد الغازية، دقة قلب، ألوان السماء السابعة، كان زمان".
واستطاعت هدى سطان أن تؤسس لنفسها مكانة خاصة في عالم الفن، حيث تعد من أشهر الفنانات في السينما والدراما المصرية، وأعمالها تركت بصمة خاصة، كما تمكنت من أن تكون من أبرز الفنانات اللاتي جسدن دور الأم على الشاشة فهي حالة فنية متكاملة.
رحلت هدي سلطان عن عمر ناهز الـ80 عاما بسبب إصابتها بمرض السرطان في الخامس من يونيو عام 2006،
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: فرید شوقی
إقرأ أيضاً:
دابو جاء البطلق أمكم
عبد الله علي إبراهيم
(نشرت في الخرطوم 4-10-1988)
في أعقاب إعلان دولة نميري الدينية قامت سلطات معتمدية الخرطوم بالتعاون مع جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلال أكتوبر 1984 بملاحقة وطرد مداح النبي عليه أفضل الصلاة والسلام من حلقاتهم بوسط الخرطوم. وهذه "الكشة" من شاكلة "العبارة" (وهي الأمر الشاذ) التي أزعجت حاج الماحي، عميد المداحين، حين أمره الأتراك بالكف عن مديح النبي. واستنكر حاج الماحي هذه "العبارة" لأنه قط:
ما سِمِع في المديح إنكارا
وواضح أن المعتمدية تبنت في "عبارتها" أو كشتها هذه مفهوماً شرعياً أغبش سائداً يحرم الغناء وبستقبح جملة ممارسات فنية وجمالية بما في ذلك الشعر. وحين نظر المستشرقون إلى ازدهار الغناء والفن والشعر في الحضارة الإسلامية على تحريم، أو تقبيح، الإسلام لها خَلِصوا إلى أن تلك الفنون إنما أوجدت نفسها برغم الإسلام. وهذه نتيجة ظالمة وخاطئة تصور الإسلام وكأنه لفحة سموم صحراوية لا موضع فيها لحس بالجمال أو لإشباعه. وكان ميسوراً للمعتمدية "في هذا الدين اليسر" أن تختار مفهوماً موازياً (إن لم يكن قوياً) يجيز الغناء ويستند إلى حديث المصطفى الذي سأل فيه بنات حي من العرب أن يتقن غناءهن.
ظنت الجمهرة من الناس أن في اختلاف التقاليد الإسلامية حول الغناء والشعر والتصوير اضطراباً لا يليق بعقيدة دينية. ولذا مالوا، أو حُمِلوا، لاعتماد وجهة التحريم لأنها الأقوى مركزاً. ولو استشارت هذه الجمهرة النظريات الثقافية المستحدثة لصح عندها أن مثل هذا الخلاف رحمة مثل قولنا اختلاف العلماء رحمة. فهو مما يشير إلى أن الثقافة الإسلامية لم تخضع لأحكام جامعة مانعة وإنما لتباين في وجهات النظر حول المسائل. فهي ثقافة تراوح بين من يحرم الغناء ومن يحلله، ومن يعجب بالشعر ومن بستقبحه، وبين مبغض للتظرف وبين ممارس له. فديناميكية أي ثقافة (فعلها في المجتمع) لا تقوم على أحكام قاطعة متفق عليها وإنما نطاح وجهات نظر قد يكون فيها الغالب والضعيف وكلها راغبة في أن تصبح أحكاماً مطلقة وتقصر دون ذلك بسبب المراوحات.
أشد أنواع الظلم فتكاً أن نغنى بالفن ونلعن الفنان. فالمديح يحظى الآن بمعجبين غير قليلين، ولكن يغيب عنا الاضطهاد التاريخي والاجتماعي الواقع على المداحين منذ ابتداء أمرهم حتى كشة المعتمدية على حلقات المديح. ووددت لو جدد الأستاذ الطيب محمد الطيب* نشر كلمته عن المداحين التي ظهرت بجريدة الأيام في النصف الأول من 1974 لأنها أول ما فتح نظري لعلم اجتماع المادح. فالمادح عندنا مرادف للشحاذ والمتبطل والخليع. وقد كرهه الكارهون لمظاهر الهندمة فيه والتي هي زينة الفنان. وكرهوه للرقص (ويسميه المداحون "العسكرة" طلباً للخشونة ربما) المصاحب لأداء المداحين. وكرهوه للأدوات الموسيقية التي تعينه على الأداء. فالمادح عندنا إما شيء زائد أو متهم.
وأدى هذا الاضطهاد الاجتماعي بالمداحين إلى تبني خطتين دفاعيتين. فهم يُضَمِنون مديحهم فقرات يحاولون الرد فيها على كارهيهم وتحسين صورتهم مثل قول المادح ود شبو: "اعوام الخلوق سابانا". والخطة الأخرى هي إذاعتهم لفقه مهني خاص بهم يقول إن الناس تبعث عرايا يوم القيامة ما عدا المؤذن والمادح الذي يقوم لابساً جلد طاره. إن اضطرار المادحين لإنشاء هذا "المديح في المديح" وإدخال أنفسهم في مأثرة يوم البعث العظيم لمؤشر على مدى الاضطهاد الذي يلقونه.
في القانون الجنائي المطروح (في 1984) مواد تقيد الممارسات الفنية بموافقة الشرع. وهذا عدوان كبير محتمل على المادحين قياساً على ما رأينا من كشة معتمدية الخرطوم وجماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وسيحتاج المداحون والفنانون إلى شذى من كبرياء حاج الماحي في القبض على جمر الورع والفن. فحين منع الترك حاج الماحي من المديح استغرب هذه "العبارة" وتحداها قائلاً:
حتى إن كان تفور باقدارا
نمدح فوق رسولنا بطارا
إن كان اخشى اخلي الطارا
عقبان اسم ابويا خسارا
وسيحتاج المادح إلى تضامن أصيل من جمهورهم لرد الكيد عنهم وشل يد عاطلي الذوق. وللجمهور في الشائب الذي روى عنه بابكر بدري أسوة حسنة. فقد كان الشائب يختلف إلى حلقات المديح فينجذب "ويعسكر". فقرر أبناؤه منعه من ذلك وإلا طلقوا أمهم منه. فلما جاء المادح إلى القرية ونقر طاره اندفع الشائب إلى حلقة المديح قائلاً: "دابو جاكم البطلق أمكم"
ليكن للمديح هذا البطر في مؤديه وهذا الأسر على جمهوره في محنة المادحين القادمة.
ibrahima@missouri.edu