هل تنجح تركيا هذه المرة في إنهاء المسألة الكردية؟
تاريخ النشر: 4th, November 2024 GMT
كعادته، وكما في مرات سابقة، يبدو أن مرحلة جديدة في السياسة الداخلية التركية أتت إشارتها الأولى من رئيس الحركة القومية وزعيم التيار القومي في تركيا دولت بهتشلي. فالرجل الذي كان السبب في انتخابات 2002 التي أتت بالعدالة والتنمية وأردوغان لحكم البلاد، والذي دعا لإقرار النظام الرئاسي بعد الانقلاب الفاشل في 2016، والذي دعا لتبكير الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 2018، قدم مؤخرا إشارات بالغة الأهمية بخصوص الملف الأكثر حساسية وخطورة في البلاد وهو الملف الكردي.
ففي الأول من تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، وتحت قبة البرلمان، صافح الرجل المعروف بمواقفه المتشددة من الأحزاب "الكردية" في تركيا أعضاء حزب مساواة وديمقراطية الشعوب (الاسم الجديد لحزب الشعوب الديمقراطي). ثم أطلق في الـ22 منه نداء للحزب الأخير ليمنح زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل عبد الله أوجلان فرصة الحديث أمام كتلته البرلمانية "لإعلان وقف الإرهاب وإلغاء المنظمة الإرهابية".
تنبع أهمية النداء المذكور من ثلاث زوايا: أنه أتى من الرجل الأكثر تشددا فيما يتعلق بالمسألة الكردية في البلاد، وأنه حليف الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية، ومن توقيته المتزامن مع تغيرات إقليمية بعضها بدأ وبعضها الآخر متوقع و/أو محتمل. وبحصيلة العوامل الثلاثة، ومضمون الكلام الذي أشار لاحتمال رفع "العزل" عن أوجلان، كان من الطبيعي أن يقرأ الكثيرون إمكانية مسار حل جديد في "الملف الكردي" أو "المسألة الكردية" أو "القضية الكردية" أو "المشكلة الكردية"، باختلاف التسميات وفقا لاختلاف الأطراف وزوايا التناول والنظر.
هذا الانطباع الأولي تعزز مع تصريحات الرئيس التركي الداعمة لنداء بهتشلي، بل والشاكرة لموقفه هذا، حيث وصفه أردوغان بـ"القائد الذي يخط مسارات التاريخ"، متحدثا عن فرصة جديدة "لحل مشاكل البلاد المزمنة وفي مقدمتها الإرهاب".
كما تعزز هذا الانطباع كذلك بالرسالة التي أرسلها أوجلان نفسه من معتقله، من خلال ابن أخيه النائب في حزب مساواة وديمقراطية الشعوب عمر أوجلان، الذي زاره في اليوم التالي لنداء بهتشلي، بأنه "يمتلك القوة لسحب هذا المسار من أرضية الصراع والعنف إلى أرضية قانونية وسياسية، إذا ما توفرت الشروط لذلك". كما أعرب حزب مساواة وديمقراطية الشعوب، الذي يُنظر له في تركيا على نطاق واسع على أنه الواجهة السياسية للكردستاني، عن استعداده للاضطلاع بدوره في "تأسيس السلام"، رغم أنه اشترط لذلك إلغاء حالة العزل عن أوجلان كبداية لأي مسار، كما أكد حصول لقاء مع وزير العدل بخصوص هذه المسألة.
أعادت هذه التصريحات للأذهان "عملية التسوية" التي بدأت قبل سنوات بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني؛ بحيث يلقي الأخير سلاحه ويوقف عملياته مقابل صياغة دستور جديد يتضمن منح الحقوق الكاملة للمكوّن الكردي وفق مبدأ المواطنة المتساوية، بعد خطوات متتالية من حكومات العدالة والتنمية شملت إصلاحات ديمقراطية ومشاريع تنموية في مناطق الأغلبية الكردية. بيد أن هذا المسار انهار في 2015 وعاد الكردستاني للعمليات الإرهابية؛ لأسباب في مقدمتها عودة الأمل له بدولة كردية بعد التطورات في سوريا وإعلان الإدارة الذاتية في شمالها.
من يومها، يعلن العدالة والتنمية أنه لا عودة للمسار نفسه أي الحل التفاوضي مع العمال الكردستاني، بل الاستمرار في مكافحة الإرهاب، خصوصا وأن العامين 2015 و2016 شهدا حرب مدن في مناطق الأغلبية الكردية في شرق وجنوب شرق البلاد، بعد إعلان الإدارات الذاتية فيها. ولذلك، كان من المنطقي ألا تأتي الدعوة الأخيرة من الرئيس أردوغان، وإنما من حليفه بهتشلي، بحيث تعطي قوة ومصداقية أكبر وتحجّم -قدر الإمكان - ردات فعل التيار القومي في البلاد.
ورغم أن الحاجة بقيت قائمة لمسار سياسي بعد تقويض قدرات العمال الكردستاني وقدرته على شن العمليات ضد تركيا في إطار العمليات المتواصلة في الداخل والعراق وسوريا (والتي تقول الحكومة إنها حجّمته إلى حد بعيد)، إلا أن السياق الحالي مرتبط إلى حد بعيد بالتطورات الإقليمية وخصوصا الحرب "الإسرائيلية" على غزة والتي باتت تهدد المنطقة برمتها.
فمنذ بدء التهديدات "الإسرائيلية" للبنان هاجم أردوغان ما أسماه مطامع نتنياهو في المنطقة بعد غزة، ثم فصّل لاحقا في تصريحاته مشيرا إلى مخاطر تتهدد لبنان ثم سوريا بل وتركيا التي "يفصلهم عنها ساعتان ونصف فقط". ويبدو أن ذلك تولّد عن قراءة لدى صانع القرار التركي دفعت لتصريح ذكّر بالتدخل التركي في كل من ليبيا وأذربيجان والتلويح بشيء مماثل ضد "إسرائيل"، وهو ما دفع وزير خارجية الاحتلال لتهديد أردوغان بمصير الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.
ترى أنقرة أنها مهددة في مسارين؛ الأول أي تطورات سلبية في سوريا قد تشمل فوضى عارمة أو تثبيت وجود المليشيات الانفصالية المدعومة أمريكيا، والثاني تعرضها لضغوط وعمليات إرهابية بسبب موقفها المهاجم للاحتلال، وهو ما حصل -وفق المسؤولين الأتراك- في الهجوم الإرهابي الأخير على إحدى شركات الصناعات الدفاعية.
فإضافة لاحتمال التحرك العسكري في شمال سوريا، ركّز أردوغان في تصريحاته على ما أسماه "تمتين الجبهة الداخلية"، ومضاعفة قوة تركيا عسكريا ولا سيما في مجال الصناعات الدفاعية. وبما أن الملف الكردي أكثر الملفات الداخلية حساسية كان هذا التوجه المتسارع، الذي يوحي بمسار قد بدأ منذ مدة. فهل تنجح أنقرة هذه المرة في إغلاق الملف الذي كلفها خلال 40 سنة أكثر من 30 ألف ضحية وما يقرب من 500 مليار دولار وفق بعض التقديرات؟
لا شك أن عبد الله أوجلان يبقى شخصية محورية في العمال الكردستاني، وهو صاحب كاريزما وكلمة لدى الكثيرين، وهو ما أكدته التصريحات الصادرة عن حزب مساواة وديمقراطية الشعوب، وبالتالي فدعوته لإلقاء السلاح، إن حصلت، سيكون لها صدى لدى الكثيرين. لكن هل تكفي؟ وما هي العقبات الرئيسة أمام مسار كهذا؟
هناك خمس عقبات رئيسة أمام المسار المحتمل، تحتاج للعودة لها لاحقا بشيء من التفصيل، هي:
الأولى أن سيطرة أوجلان على العمال الكردستاني بكامل هيئاته وفروعه لم تعد كما كانت في السابق رغم زعامته التاريخية المسلّم بها، وسيكون سهلا على أي طرف لا يرغب في الحل أن يقول إنه معتقل ولا يملك كامل الأهلية والصلاحية لاتخاذ قرار استراتيجي من هذا النوع.
الثانية أن العمال الكردستاني ليس على قلب رجل واحد، بل فيه تيارات متنافسة ومراكز قوى، وواضح أن القيادة المتنفذة في معقله في جبال قنديل في العراق على وجه التحديد ضد أي مسار من هذا النوع.
الثالثة البعد الخارجي المرتبط بدعم واشنطن ونفوذها لدى المنظمات الانفصالية في شمال شرق سوريا من جهة، وتطورات التصعيد الإقليمي وما يمكن أن ينتج عنه من مسارات في سوريا من جهة أخرى، ما يُضعِف قدرة أوجلان (ومن معه) على توجيه المسار والسيطرة عليه "كرديا".
الرابعة مدى مصداقية المسار المحتمل والثقة به بعد التجربة السابقة من جهة، وفي ظل تشكيك بعض الأطراف بنوايا أردوغان من قبيل أن هدفه الرئيس هو الحصول على دعم الحزب "الكردي" وشريحته الانتخابية لتعديل دستوري يضمن له الترشح مدة رئاسية جديدة والفوز بها. كما أن بيان حزب مساواة وديمقراطية الشعوب وضع نداء بهتشلي في إطار "وصول سياسات التحالف الحاكم في تركيا لطريق مسدود في الداخل والخارج".
الخامسة، أن هذا المسار المحتمل يتضمن بالضرورة خطوات أقل ما يمكن أن توصف به بأنها جريئة من قبل الحكومة التركية، وهو أمر ستكون له ردات فعل وربما أثمان سياسية داخليا يشير لها أردوغان بين الحين والآخر. وفي مقدمة هذه الاستحقاقات المحتملة إلغاء حالة العزل عن أوجلان كبداية، ومسارات قانونية وسياسية وخطابية قد تصل في النهاية لمرحلة الحاجة لاتخاذ قرار بشأن أوجلان ومسلّحي الحزب، وهو أمر بالغ الحساسية في الداخل التركي.
في الخلاصة، ما زالت دعوة بهتشلي المدعومة من أردوغان في مرحلة اختبار النوايا، بيد أن بيان حزب مساواة وديمقراطية الشعوب وتصريح أوجلان يوحيان بالاستعداد لخوض مسار سياسي ما، ولكن مع اشتراطات قد تضع المسار برمته على المحك، ما يعني أن رد الحكومة على هذه الدعوات/الاشتراطات سيحدد ما إذا كان ثمة مسار قريب في هذا الإطار أم أنه سيؤجل مجددا لعدم نضوج الظروف.
x.com/saidelhaj
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه تركيا بهتشلي العمال الكردستاني أردوغان تركيا أردوغان الأكراد العمال الكردستاني اوجلان مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة مقالات رياضة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العمال الکردستانی فی ترکیا
إقرأ أيضاً:
كيف سينعكس قرار حل حزب العمال الكردستاني على العراق؟
ما يزال قرار حلّ حزب "العمال الكردستاني"، الذي اتخذه زعيمه عبد الله أوجلان، الأسبوع الماضي، يأخذ مساحة واسعة من وسائل الإعلام العراقية، ولاسيما بقدر ما يتعلق الأمر بانعكاس ذلك على العراق، لأن الحزب يتواجد على أراضيه منذ نحو 40 عاما.
وتعتبر جبال قنديل وسنجار ومناطق أخرى من العراق، معقلا لـ"العمال الكردستاني"، الذي تصنفه بغداد منذ عام 2024 بأنه حزب محظور، بينما تشن تركيا التي تدرجه على لائحة الإرهاب هجمات متكررة على مواقعه هناك، فضلا عن تواجدها العسكري في الداخل العراقي.
"عودة العلاقات"
تعليقا على ذلك، قال شيروان ميرزا النائب العراقي السابق عن "الاتحاد الوطني" الكردستاني، إن "نداء أوجلان كان تاريخيا ومهما، والذي تبعته استجابة عناصر حزب العمال لذلك بإعلانهم إيقاف إطلاق النار، لكن ذلك كله بانتظار التغييرات قانونية ودستورية في تركيا".
وأوضح ميرزا لـ"عربي21" أن "الكل ينتظر ما ستفعله الحكومة التركية حيال قضية اعتقال أوجلان، وحصل القضية الكردية في تركيا بناء على قرار حل حزب العمال الكردستاني، والذهاب إلى خيار السلام".
وتوقع البرلماني الكردي السابق، أن "يؤثر هذا الإعلام على العراق عموما، وإقليم كردستان خصوصا، لأن للعمال الكردستاني معاقل في جبال قنديل وسنجار وغيرها من المدن، وأن قرار حلهم وإلقاء السلاح سيحل مشكلة كبيرة في هذه المناطق".
وتوقع ميرزا أن "المرحلة المقبلة التي تذهب باتجاه الحل السياسي للقضية الكردية في تركيا وهذه خطوة مهمة ستؤثر على العلاقات التركية -العراقية، وعلاقات الأحزاب الكردية في إقليم كردستان مع أنقرة، التي عملت حظرا على مطار السليمانية منذ عامين".
وتتهم أنقرة مدينة السليمانية التي يديرها "الاتحاد الوطني" الكردستاني، بقيادة بافل الطالباني، بالتعاون مع حزب العمال الكردستاني، وتدريب قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي تعتبرها أنقرة بأنها امتداد للحزب.
من جهته، قال النائب العراقي عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، محما خليل، لـ"عربي21" إن "تواجد حزب العمال في جبال إقليم كردستان وقنديل وسنجار ومخمور، أعطى الذريعة إلى تركيا لخرق السيادة العراقية وقصف هذه الأماكن، ونزح المواطنين، وأن الصراع تسبب بخسائر بشرية كبيرة".
وأوضح خليل، وهو قائمقام سنجار السابق، أن "ما جرى في سوريا (الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد) وفي الشرق الأوسط عموما، يعطي إشارات إيجابية بأن لغة السلاح لم تعد تجد نفعا، وإنما الحوار البناء هو من ينهي المشكلات في المنطقة".
وأكد القيادي الكردي أن "حكومة إقليم كردستان العراق، وجميع الأحزاب الكردية فيه، رحبوا بإعلان أوجلان حل حزب العمال وإلقاء السلاح، لذلك أعتقد أن استقرار العراق وابتعاده عن صراع المحاور والتدخل في شؤون الدول الداخلية هو أمر مهم ومطلوب".
ولفت إلى أن "إعلان أوجلان وبدء مرحلة الحوار الديمقراطي، سيعطي دافعا من أجل جعل سنجار والمناطق التي استهدفت خلال مرحلة الصراع بينهم وبين تركيا، أكثر أمنا واستقرارا، وبالتالي سيعود مئات القرى إلى ممتلكاتهم وممارسة أعمالهم".
"تطبيع للأوضاع"
وبخصوص مصير عناصر حزب العمال من العراقيين، قال خليل إن "بعض الفصائل من الحشد الشعبي دعمت هؤلاء، وذلك تسبب في عدم استقرار منطقة سنجار، وأن إلقاء الأخير للسلاح والانخراط في عملية السلام مع تركيا، يتطلب من السلطات العراقية تطبيع أوضاع هؤلاء المقاتلين".
وتابع: "عملية السلام يجب أن تدخل من جميع الأبواب سواء الأمنية والعسكرية والاقتصادية، وبالتالي إصدار عفو عام عن هؤلاء العناصر وتوظيفهم، لأن العراقيين الذين انخرطوا ضمن العمال الكردستاني ربما دفعتهم الحاجة المادية وليس شيء آخر".
وشدد خليل على ضرورة أن "يحصل تطبيع للأوضاع، وأن تحتضن الحكومة العراقية أبناءها، وتوفير فرص العمل لهؤلاء، وإعادة تأهيل البعض منهم وزجهم ضمن القوات الأمنية، ونأمل من عملية السلام أن تنهي معاناة شعوب هذه المناطق".
وأشار إلى أن "العمال الكردستاني هو حزب تركي، وأن العراق ساحة مفتوحة للعراقيين فقط ممن يريد المشاركة في العمل السياسي وتشكيل الأحزاب، طبقا للمعايير الدستورية والقوانين العراقية النافذة".
وفي هذا الصدد، قال السياسي الكردي شيروان ميرزا إن "مسألة عناصر هذا الحزب من العراقيين ستنتهي مع حله، لأنه قد يتحول للعمل السياسي في تركيا، وإذا هناك نية لأن تشكل عناصر في العراق حزبا، لابد أن يكون انتمائه لبلده، وألا تكون لهم علاقة بالعمال الكردستاني، لأنه مخالف للقانون".
وأكد ميرزا أن "كل من يريد تأسيس حزب وممارسة العمل السياسي، فإن المجال متاح سواء في العراق أو إقليم كردستان، بالتالي كل شخص يدلو بدلوه، وأن الجماهير هي من تختار لانتخابهم عبر صناديق الاقتراع، على شرط ألا يكون مشروعه و انتماؤه خارجيا".
وفي الوقت الذي تتهم فيه سلطات إقليم كردستان العراق، "العمال الكردستاني" التركي، بالوقوف وراء توترات في مدن الإقليم والتحريض بين الحين والآخر للاحتجاجات، فإن فصائل من الحشد الشعبي القريبة من إيران، تدعم تواجد هذا الحزب وخصوصا في منطقة سنجار.
ويسيطر حزب العمال الكردستاني على منطقة سنجار في محافظة نينوى العراقية (مركزه الموصل) منذ استعادته من تنظيم الدولة عام 2015، وذلك عبر فصيل "وحدات مقاومة سنجار" والذي يُعرف اختصارا بـ"اليبشه"، وهو أحد تشكيلات الحشد الشعبي.