أعلنت مصر عن بدء خبراء صندوق النقد الدولي الثلاثاء المقبل، إجراءات المراجعة الرابعة لاقتصاد أكبر بلد عربي سكانا في إطار قرض المليارات الثمانية الذي أقره الصندوق في آذار/ مارس الماضي، وذلك بعد هجوم خبراء اقتصاد وإعلاميون مقربون من النظام المصري، الشهر الماضي، على الصندوق.

ذلك الإعلان الذي جاء على لسان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، الأحد، يأتي منهيا حالة جمود بين الصندوق والقاهرة، إثر تأجيل موعد المراجعة الرابعة مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، والتي بموجبها تنال القاهرة 1.

3 مليار دولار، كما تجيء عقب مطالبات مصرية بتغيير بعض بنود الاتفاق مع الصندوق بحجة التخفيف على المصريين.

وهو ما أعلنه رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، 20 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، مؤكدا أن برنامج صندوق النقد الدولي، أدى إلى ضغط على الرأي العام بشكل لا يتحمله الناس، محذرا من أن حكومته قد تضطر لمراجعة اتفاقها مع الصندوق إذا لم تأخذ المؤسسة الدولية في الاعتبار التحديات الإقليمية غير العادية التي تواجهها مصر.

وهو الأمر الذي أعاد تكراراه، الأحد، خلال لقائه رئيسة الصندوق كريستالينا جورجييفا في العاصمة الإدارية الجديدة، والتي وعدت خلالها المسؤولة عن أكبر مؤسسة دولية مقرضة، بمواصلة دعم مصر، كما قدمت وعودها للمصريين بالرخاء.

"توافق وإشادة ودعم"
السيسي، ووفق ما نقل عنه المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، قال إن "تخفيف الضغوط والأعباء" عن المواطنين أولوية حكومته، لا سيما من خلال "مكافحة التضخم وارتفاع الأسعار".

ولفت إلى ضرورة "مراعاة المتغيرات وحجم التحديات التي تعرضت لها مصر بسبب الأزمات الإقليمية والدولية، التي كان لها بالغ الأثر على الموارد الدولارية وإيرادات الموازنة".


من جانبها قالت المسؤولة الدولية: "هناك توجه لدعم القاهرة بكل خططها ونتوقع المزيد من الشراكة الناجحة"، معربة عن "تفهمها الكامل لحجم التحديات الكبيرة التي تواجهها مصر في ضوء المستجدات الإقليمية والدولية".

ولفتت إلى اتفاق الصندوق التام مع "أهمية المزيد من التركيز على مكافحة التضخم واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحد منه"، في حين سبقت زيارة القاهرة بقولها الخميس الماضي، إن الصندوق "منفتح على تعديل أي برنامج بما يخدم الظروف على أفضل وجه"، في إشارة إلى الاتفاق مع مصر.

لكن جورجييفا، وجهت عبر المؤتمر الصحفي بالعاصمة الإدارية الجديدة، رسالة قد تكون غير مسبوقة للشعب المصري، قائلة إن "المصريين سيرون فوائد برنامج الإصلاح في صورة اقتصاد أكثر ديناميكية ورخاء"، ما يدعو للتساؤل حول حقيقة وعودها تلك.


"أجواء ما قبل الزيارة"
ويوافق اليوم الأحد، ذكرى مرور 8 سنوات على قرار البنك المركزي المصري بتحرير سعر صرف العملة المحلية، لأول مرة في عهد السيسي، 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، وذلك إثر حصول القاهرة على قرض بقيمة 12 مليار دولار، ما قاد قيمة الجنيه المصري حينها لانخفاض تاريخي بنسبة 57 بالمئة.
وسبقت زيارة جورجييفا، والإعلان عن بدء المراجعة الرابعة عدة أمور بدت أنها تمهيد للقرار وتشير لحجم التوافق بين القاهرة والصندوق، وفق مراقبين.

والسبت، وقبل يوم من الزيارة، رفعت وكالة فيتش ريتنجز"، تصنيف مصر الائتماني إلى "B" من "B-"، بنظرة مستقبلية مستقرة، ما يعد أول رفع لتصنيف مصر الائتماني من قبل المؤسسة منذ آذار/ مارس 2019، ما دفع الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار، للقول إنه "تصنيف تفصيل على مقاس مخصوص".

والخميس الماضي، سمح البنك المركزي المصري لأول مرة منذ شهرين للبنوك العاملة في مصر بتدبير الدولار للاعتمادات المستندية لاستيراد سلع غير أساسية، مخالفا بذلك توجيهه السابق في 6 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بمنع تدبير العملة الأجنبية لاستيراد 13 سلعة ترفيهية.

وهي التعليمات التي قرأها مصرفيون بأنها "قد تكون انحناءة مؤقتة لضغوط صندوق النقد الدولي، في شأن توفير قدر أكبر من المرونة في سعر الصرف".

ومنذ الخميس الماضي، يواصل سعر الدولار الارتفاع أمام الجنيه/ مسجلا لأول مرة منذ آب/ أغسطس الماضي، بالبنك المركزي نحو 48.95 جنيها للشراء، و49.99 جنيها للبيع، وسط توقعات خبراء أن يبدأ الدولار رحلة ارتفاع وصعود جديدة مقابل العملة المحلية.

كما أن الإعلان عن بدء المراجعة الرابعة لاتفاق صندوق النقد، دون خلاف طاف على السطح مع مصر، يأتي في ظل استمرار حرب الإبادة الدموية الإسرائيلية على قطاع غزة ولبنان، والتوترات بالمدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وفقدان 6 إلى 7 مليارات دولار من دخل قناة السويس، والجلبة التي أحدثها رسو سفينة شحن محملة بالسلاح لإسرائيل في ميناء الإسكندرية، الاثنين الماضي.

خبراء اقتصاد مصريون، قدموا قراءة لـ"عربي21"، حول دلالات إعلان مصر وصندوق النقد بدء المراجعة الرابعة رغم تأخيرها لتحقيق شروط فرضها الصندوق سابقا، ثم قبول الصندوق بدء المراجعة وتلبية رغبة السيسي في مراجعة بنود التمويل.

ولفتوا إلى النتائج التي قد تترتب على تمرير المراجعة الرابعة في ظل أجواء ودية بين القاهرة والصندوق، متوقعين أن تخلو المراجعة من قرارات جديدة برفع الدعم عن الوقود والكهرباء، أو تعويم جديد للجنيه، لمرحلة أو لفترة يتم بعدها اتخاذ مثل تلك القرارات، مؤكدين أن السيسي، لا يهمه مصلحة الشعب حتى ولو أعلن ذلك مرارا.

"وضع لا يسمح بالرفض"
وفي رؤيته الاقتصادية وتعليقه، أوضح الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى شاهين، أن اللغط الجاري منذ الشهر الماضي ومطالبة مصر بتغيير الاتفاق مع الصندوق وتوجيه الاتهامات له، ثم زيارة رئيسة الصندوق، وقبلها رفع تصنيف مصر، وارتفاع سعر الدولار، وإعلان بدء المراجعة الرابعة، الثلاثاء، يكشف "لماذا اختلفنا؟، ثم توافقنا".

أستاذ الاقتصاد بكلية "أوكلاند" الأمريكية، في حديثه لـ"عربي21"، قال إن "معنى ذلك أن مصر وافقت على شروط الصندوق، وأنها وعدت بتنفيذ ما قاله؛ وبناء على ذلك جاءت زيارة رئيسة الصندوق لمصر".

ويرى، أننا "لسنا في وضع اقتصادي يمكننا فيه قول لا لاشتراطات الصندوق"، مبينا أن "كل ما يطلبه حاليا هو تعويم جديد للعملة المحلية"، مستدركا: "ولكن هذا الشيء أبدا لا يُعقل، ولو هناك أحد منصف أو محاور ومفاوض مصري جيد فلن يقبل بمثل هذا الشرط".

وبين أن "القيام بعمل تعويم جديد للجنيه، مخاطرة كبيرة ويمثل ضغط كبير جديد على فقراء مصر بجانب ما يعانوه، بل ومن الممكن جدا أن تشتعل الأمور على إثر مثل ذلك قرار".


وحول إمكانية قراءة تحديد الصندوق مراجعة مصر الثلاثاء، بعدم وجود خلاف وأنه لا توجد شروط ترفضها مصر، مثل تحرير سعر الصرف أو فرض تخفيض جديد على دعم السلع والوقود والكهرباء، قال شاهين: ""النقاط الأساسية مع الصندوق لا خلاف عليها سواء لمصر أو للمؤسسة الدولية المقرضة".
ويعتقد أن "الفكرة كلها هنا أنه تم التوافق على أنه ليس هناك إلغاء تمام لتلك القرارات بل تأجيل لها فقط، تأجيل وقتي فقط، لكن كتنفيذ للسياسات فإن مصر ستنفذ".

ومضى يقول: "لا يوجد للأسف لدى السيسي ولا من معه حرص على قضية عدم الإضرار بالمواطن؛ بل لدي يقين لا يساوره شك بأن السيسي، بكل ما يفعل هو أمر مرتب، وإضعاف وإفقار المصريين مرتب".

وتوقع أنه "لن يتوانى عن رفع الأسعار وتقليل الدعم إلا لمدة شهر واحد، وقد يفاجئ المصريين أن كل شهر يحدث شيء جديد من هذا"، مؤكدا أن "تلك رؤيتي بحكم خبرة قراءة 10 سنوات حكمها السيسي، وسياسته المبنية على إذلال المصريين ليس من باب الإذلال لكن من باب ألا يخرج أحد عليه".

وأشار إلى أنه رغم أنه "دائم الحديث مؤخرا عن المصريين، إلا أنها من باب الدعاية، وهو قال منتصف 2023، لو يكلفنا أننا لا نبقى في مكاننا لن نقوم بتعويم الجنيه مرة أخرى، ثم جرى التعويم بعدها، لذا هو لا يؤتمن، ولابد من إدراك هذا".

وكان رئيس لجنة الخطة والموازنة فخري الفقي، قد توقع أن تتضمن مراجعة برنامج الصندوق تأجيل الخطط الزمنية لرفع الدعم عن الوقود والكهرباء، مشيرا لموقع "الفجر" المحلي، إلى أنه لا حديث عن تغيير في سعر الصرف، ملمحا إلى أن من حق مصر التفاوض على قرض جديد بقيمة 1.3 مليار دولار إثر تمرير المراجعة الحالية.

"كلمة السر"
ولفت شاهين، إلى جانب آخر، من علاقة مصر مع صندوق النقد الدولي ومع المؤسسات الدولية ودول الغرب، قائلا: "ولتعرف أن مفتاح الأمر في غزة".

وأعرب عن قبوله لربط البعض "بين رسو السفينة الألمانية المحملة بشحنة عسكرية إسرائيلية بميناء الإسكندرية الاثنين الماضي، ثم مرور سفينة إسرائيلية عسكرية من قناة السويس بذات الشحنة، وحديث رئيسة الصندوق الداعم بشدة لمصر اليوم ووعودها للمصريين بالرخاء".

وأضاف: "لنعرف أن خشية الغرب من أي هبة أو انتفاضة مصرية كبيرة بسبب ما يحدث في غزة أو بسبب غلاء الأسعار على الناس مجددا، والأمر قد يصل إلى وضع قد تعجز الحكومة والجيش والشرطة عن مواجهته، ولنعرف أن وراء أي موقف دولي في مصر ما يحدث في غزة".

"أبعاد سياسية وليست اقتصادية"
وفي رؤيته، أشار عضو حزب "تكنوقراط مصر" تحت التأسيس، الدكتور سعيد عفيفي، في حديثه لـ"عربي21"، إلى وجود عوامل خارجية تدفع لدعم نظام السيسي، في هذا الملف لتأجيل سقوطه، وضغوط داخلية، تزيد من مخاوفه من تفجر الغضب الشعبي.

وقال: "اليوم كنا نتحدث مع الخبير الاقتصادي الدكتور محمود وهبه، في مجموعة تكنوقراط مصر، وكان هناك توافق بين المتحدثين وإجماع على أن هناك ضغوط من إسرائيل على الإدارة الأمريكية لمحاولة انقاذ اقتصاد مصر حتى تنتهي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة".

ويرى، عفيفي، أن "الأمر في مجمله له أبعاد سياسية وليست اقتصادية"، موضحا أن "اشتراطات التقويم للاقتصاد المصري، هو طلب متكرر من الصندوق، وكان يريده تدريجيا، ولكن بسبب التقارير الأمنية التي يتلقاها السيسي، عن حالة الغضب الشعبي، لم يوافق على المطلب، وانتظر حتى تفاقمت المسألة".

وأكد أن "السيسي في وضع صعب ويغرق في كيفية إعادة جدولة الديون، ولا حلول لديه".

وبشأن وعود جوجييفا، للمصريين بنتائج جيدة للإصلاح الاقتصادي وبالرخاء لهم، أكد السياسي المصري، أن "كلام رئيسة الصندوق كلام إعلامي وليس اقتصادي".

وختم قائلا: "لا الصندوق سيحل المشكلة، ولا السيسي، قادر على الوفاء بمتطلبات الناس، وتسديد فوائد وأقساط الدين"، معتقدا أن "الحل في التوقف عن دفع خدمة الدين، وإعلان إفلاس مصر".
"اشتراطات قاسية وأزمات ومعاناة"

ويرى خبراء أن اعتماد مصر على الاقتراض وتنفيذ برامج صندوق النقد الدولي يعمق من أزمة اقتصادها الهيكلية والبنيوية.

وبينما بلغ حجم الدين الخارجي رسميا خلال النصف الأول من العام الحالي 152.9 مليار دولار، فإن البنك الدولي كشف في 24 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري عن جدول سداد الديون الخارجية لمصر بالعام المالي الجاري، يستوجب سداد 60.8 مليار دولار من تموز/ يوليو الماضي حتى حزيران/ يونيو 2025.

كما يجب على البنك المركزي، سداد 20.8 مليار دولار من الودائع خلال العام المالي الجاري، وسداد سندات بقيمة 3.3 مليار دولار، في حين يتضمن جدول السداد، قروضًا بقيمة 31.04 مليار دولار من جهات مختلفة، بجانب سداد 21.7 مليار دولار بالعام المالي المقبل (2025-2026)، وفقا لجدول البنك الدولي.


وفي مقابل عبء الدين وخدمته المثقل لكاهل المواطن المصري وموازنة سابقة تعاني من عجز مالي بنحو 505 مليارات جنيه، تواصل الحكومة المصرية تنفيذ اشتراطات صندوق النقد الدولي بتقليص حجم دعم المواد الغذائية وبينها الخبز المدعم، والمواد البترولية وسط حديث عن إلغاء الدعم العيني كلية والتحول إلى الدعم النقدي، في توجه يضر بملايين الفقراء من شعب يبلغ عدد سكانه 107 ملايين نسمة ثلثيهم إما فقراء أو تحت خط الفقر.

وفي إطار قرض المليارات الثمانية اتخذت مصر قرارات تقشف وتقليص للدعم ورفع للأسعار، سبقها في آذار/ مارس الماضي، تحرير سعر صرف الجنيه، ليتراجع أمام الدولار من 31 إلى نحو 49 جنيه رسميا.
ورفعت القاهرة سعر الوقود 3 مرات، في آذار/ مارس، ثم في تموز/ يوليو، ثم في تشرين الأول/ أكتوبر، بنسب بين 10 بالمئة، و17.4 بالمئة للقرار الأخير.

وفي الأثناء، جرى رفع سعر الخبز المدعم 300 بالمئة من 5 قروش إلى 20 قرشا للرغيف، مع رفع أسعار المواصلات وتذاكر المترو، والعديد من خدمات الإنترنت والاتصالات، في يوليو/ تموز الماضي، فيما صعد التضخم السنوي في أيلول/ سبتمبر الماضي، إلى 26 بالمئة، للشهر الثاني على التوالي.

وبينما يتبقى 4 مراجعات مقررة في ربيع وخريف 2025 و2026، يتبع اكتمال المراجعة الرابعة حصول القاهرة على 1.3 مليار دولار، وتسليم الشريحة الجديدة ما تسعى إليه الحكومة التي تعاني من عجز شديد في التمويل.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية مصر صندوق النقد اقتصاد السيسي مصر اقتصاد السيسي صندوق النقد المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صندوق النقد الدولی البنک المرکزی تشرین الأول ملیار دولار مع الصندوق دولار من

إقرأ أيضاً:

صندوق النقد: دول جنوب إفريقيا تشهد انتعاشة اقتصادية بنسبة 3.8% خلال عام 2025

تقف منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا عند مفترق طرق فبعد سنوات من الاضطراب الاقتصادي الذي اتسمت به الجائحة، وأزمات المناخ المدمرة، وتزايد عدم الاستقرار السياسي، فقد بدأت المنطقة أخيرا في رؤية علامات التعافي ومع ذلك يظل هذا التعافي هشا ومتفاوتا.

وتبلغ توقعات النمو للعام الجاري، وفقا لصندوق النقد الدولي، نحو3.8%، بارتفاع طفيف مقابل3.4% في العام السابق، مع توقعات بالاستقرار عند 4% في عام 2025، ومع ذلك، فإن هذه الأرقام تخفي وراءها تحديات قد تعيق أي ازدهار حقيقي على المدى الطويل، حسبما أشارت صحيفة لوبوان الكونغولية اليوم.

وتابعت «يبدو أن الانتعاش الاقتصادي الملحوظ مدفوع بـ البلدان المنتجة للموارد الطبيعية، لا سيما البلدان المصدرة للنفط ومن المتوقع أن تسجل هذه الدول، التي تستفيد من ارتفاع أسعار السلع الأساسية، متوسط نمو قدره3.0% هذا العام. ومع ذلك، فإن هذا الأداء يخفي حقيقة معقدة: فـ الاقتصادات الغنية بالموارد الطبيعية تظل عرضة لتقلبات الأسواق العالمية ومن الأمثلة الصارخة على ذلك ما حدث في السنغال والنيجر، اللتين توقعتا، بفضل مشاريع استغلال الغاز والنفط الكبرى، نموا بنسبة 8.3% و10.4% على التوالي في العام 2024. ولكن هذه النتائج هشة، وقد يصبح اعتمادهما على المواد الخام عائقا سريعا. إذا انخفضت الأسعار أو إذا تباطأ الاستثمار الأجنبي

وفي الوقت نفسه، تسجل البلدان الإفريقية الأقل اعتمادا على المواد الخام، ولكن اقتصاداتها أكثر تنوعا، نموا أكثر ديناميكية. وتتوقع هذه الدول أن يبلغ متوسط النمو 5.7% هذا العام، وهو أداء أعلى بكثير من أداء الدول الغنية بالموارد.وهذا يدل على أن الاقتصاد المتنوع الذي يركز على قطاعات أخرى غير استغلال الموارد الطبيعية يبدو أكثر مرونة في مواجهة الصعود والهبوط الاقتصادي العالمي.

ومع ذلك، فإن هذه الدول، رغم وضعها الأفضل، تواجه تحديات عديدة. يتعين عليها التعامل مع التضخم، والبطالة، وزيادة الفجوات الاجتماعية التي تعيق خلق بيئة اقتصادية مستقرة وشاملة

ولا تزال التحديات المالية تشكل تهديدا دائما للمنطقة. إن ارتفاع الدين العام والإدارة المعقدة للمالية الوطنية والصعوبات في الحصول على التمويل الدولي تؤثر بشكل كبير على النمو.

وتتعرض معظم الاقتصادات الأفريقية بشكل كبير لتقلبات أسعار الفائدة العالمية والتغيرات في أسعار السلع الأساسية. ويفضل المستثمرون، الذين غالبًا ما يكونون حذرين في مواجهة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة، انتظار إشارات أكثر وضوحًا قبل الإطلاق. وهذا الوضع يجعل من الصعب تعزيز النمو المستدام والشامل.

ويسلط تقرير صندوق النقد الدولي، الضوء على حقيقة لا مفر منها: فبدون إدارة صارمة للديون وتعزيز المؤسسات الاقتصادية، يمكن أن تشهد المنطقة تقدما بطيئا. وعلى هذا فإن منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا تجد نفسها في مواجهة معضلة. فمن ناحية، تبدو الآفاق الاقتصادية واعدة، يدعمها انتعاش جزئي في صادرات المواد الخام والاستثمارات الأجنبية.

من ناحية أخرى، فإن مخاطر الاقتصاد الكلي، وخاصة المرتبطة بالديون وعدم استقرار الأسواق العالمية، يمكن أن تعرض هذه الديناميكية للخطر. وسيتعين على الحكومات معالجة الأسباب الجذرية لهذه الاختلالات لضمان النمو المستدام والشامل على المدى الطويل.

وخلصت «لوبوان» الكونغولية إلى أن المستقبل الاقتصادي لدول جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا سوف يعتمد على قدرتها على تنويع أنشطتها الاقتصادية وتنفيذ إصلاحات هيكلية طموحة و سيتعين على البلدان الغنية بالموارد الطبيعية أن تضاعف جهودها للتخلص من اعتمادها على المواد الخام، في حين يتعين على البلدان التي اختارت اقتصادا أكثر تنوعا أن تحافظ على استقرارها الداخلي بينما تواصل انفتاحها على السوق العالمية. وإذا تمت معالجة هذه التحديات، فلن تتمكن المنطقة من رؤية تسارع نموها فحسب، بل قد تقدم أيضا نموذجا تنمويًا أكثر مرونة في مواجهة الشكوك الاقتصادية العالمية.

اقرأ أيضاًبعثة صندوق النقد الدولي تختتم مراجعتها الرابعة في مصر

«المراجعة الرابعة تبدأ الثلاثاء».. أبرز تصريحات رئيس الوزراء خلال المؤتمر الصحفي مع مدير صندوق النقد الدولي (إنفوجراف)

«تخفيف الضغوط عن المواطنين».. أبرز تصريحات الرئيس السيسي خلال لقائه مدير عام صندوق النقد الدولي (إنفوجراف)

مقالات مشابهة

  • الودائع بالعملة الأجنبية في البنك المركزي ترتفع لـ17.8 مليار دولار الشهر الماضي
  • صندوق أوبك يوافق على حزمة تمويلات تنموية جديدة بمليار دولار
  • رانيا المشاط: 1.2 مليار دولار إجمالي محفظة التعاون مع بنك اليابان للتعاون الدولي
  • تطور مثير في أزمة هالة صدقي ومساعدتها.. سائق شاليمار الشربتلي كلمة السر
  • بينها عربية.. "أوبك" يقدم تمويلات بمليار دولار لعدة دول
  • صندوق النقد: دول جنوب إفريقيا تشهد انتعاشة اقتصادية بنسبة 3.8% خلال عام 2025
  • صندوق النقد الدولي يتوقع انتعاشًا بإفريقيا "جنوب الصحراء" يصل 3.8% العام الجاري
  • 2025: عام الانتعاش الاقتصادي في ليبيا وفقًا لصندوق النقد الدولي
  • لماذا أغفل الشيخ قاسم كلمة بدءًا؟
  • كلمة السر في تجارة المخدرات.. حل لغز مقتل شاب على يد شريكه بالمطرية