العدوان الإسرائيلي هجّر أكثر من 70 % من أبناء بعلبك... وأضرار كبيرة طالت مستشفياتها
تاريخ النشر: 4th, November 2024 GMT
هجّر العدوان الإسرائيلي المتواصل على مدينة بعلبك، بخاصة منذ الأسبوع الأخير من شهر تشرين الأول الماضي، أكثر من 70 % من أبنائها، بعد سلسلة غارات شنها الطيران المعادي على المدينة ومحيطها، وارتكابه المجازر بحق المدنيين الآمنين، وإطلاقه التهديدات باستهداف أبنية وأحياء سكنية في كل أنحاء المدينة، دون أي رادع أو أفق، وحتى الآثار التاريخية، والقلعة التي صنفتها منظمة "اليونسكو" ضمن لائحة التراث العالمي لم تسلم جنباتها ومحيطها من الاستهداف، وبالتالي لا حماية ولا ضمانة للآثار وعظمتها لدى عدو لا يأبه بكل المواثيق والعهود الدولية، وهو الذي كان قد استهدف محيط القلعة والمواقع الأثرية الأخرى أكثر من مرة، سواء بتدميره لقسم من السور الروماني عند أطراف ثكنة "غورو" التاريخية المحاذية للقلعة ولقبة "السعيدين"، أو بقصفه للوسط التجاري على بُعد أقل من 300 متر من المعابد الرومانية، وتدميره جزءا كبيرا من ذاكرة البعلبكيين المبنية، بحسب ما أفادت "الوكالة الوطنية للاعلام".
وكذلك لم تسلم مستشفيات المدينة من التهديد والتعرض لأضرار كبيرة، بل إن بعضها خرج من الخدمة لمرات عدة، كما هو حال مستشفى المرتضى الذي دمرت بعض منشآته ومعداته بسبب عصف الغارات المجاورة له، ناهيك عن الأضرار المادية التي أصابت كلًّا من مستشفى دار الأمل الجامعي ومستشفى بعلبك الحكومي، والمستشفيات لجهة المدخل الشمالي، نتيجة الغارات المجاورة لها.
وكان للمدارس الأكاديمية والمعاهد الفنية والمهنية والفروع الجامعية، نصيبها من الأضرار المادية، وبعض تلك المؤسسات التربوية لم تبدأ بأعمال الصيانة بعد، لوقوعها ضمن أحياء تتعرض للغارات العدوانية شبه اليومية.
وكذلك المؤسسات والمنشآت السياحية كان لها نصيبها من الأضرار، سواء بالاستهداف المباشر كما هو حال مقهى ومطعم مشاوي الرضا، أو بشكل غير مباشر في بعض المؤسسات السياحية بسبب تداعيات وعصف الغارات العدوانية المجاورة لها، وهذا ما أصاب مطعم العجمي جار القلعة، ومقصد الكثير من الفنانين الكبار اللبنانيين والعرب والعالميين الذين شاركوا في مهرجانات بعلبك الدولية، أو مطعم ليالينا، ومطاعم محلة رأس العين، ومنها مطعم قصر بعلبك، ومقهى صيدح، والنهر الخالد وديوان الحلاني وسما بعلبك، وكازينو رأس العين، وصولا إلى أوتيل كنعان ومحيطه.
وكل المجازر والدمار والتهديد والوعيد، والخطر المحدق بالبشر والحجر، لم يفتّ من العزيمة وإرادة التحدي لدى البعلبكيين الذين يصرون على التنزه في مرجة رأس العين، وعلى ضفاف بركة البياضة، وإطعام طيور البط والإوز والحمام الملازمة لمياهها وجنباتها، وحول البحيرة وعلى محاذاة النهر، والتمتع بمشهدية آثار قلعة بعلبك عن قرب أو على مسافة منها لجهة أوتيل "بلميرا" الذي يختزن حكايا لم تبدأ بالإمبراطور غليوم الثاني ولم تنته مع كبار الفنانين والنجوم.
وعلى مرمى خطوات يتبارك البعلبكيون بمقام السيدة خولة طفلة ووديعة الإمام الحسين، وبشفيعة المدينة القديسة بربارة. فهنا في مدينة الشمس نجد الترجمة العملية لمقولة العيش المشترك، بل الواحد، في لبنان الرسالة، حيث يعانق أذان المساجد أصداء أجراس الكنائس، مع إصرار على الحياة وإعادة بناء ما هدمته يد الغدر والعدوان.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: أکثر من
إقرأ أيضاً:
صفحاتٌ من يوميات العدوان الإسرائيلي على لبنان
من كتابي ….. صفحاتٌ من #يوميات #العدوان_الإسرائيلي على #لبنان …. مشاهد وصور وسردياتٌ وقصصٌ
د. #مصطفى_اللداوي
غادرت وزوجتي التي رافقتني طيلة أيام الحرب بيتي فجر يوم السبت الثامن والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر، في تمام الساعة 4:20 فجراً، قبيل آذان الفجر بساعةٍ ونيفٍ، وذلك بعد عشر ساعات من الغارة العنيفة، غارة المطارق، التي استهدفت سماحة مقر إقامة السيد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله.
لما كان بيتي لا يبعد أكثر من 500 متراً عن المكان الذي استهدف بالغارة، وكان من السهولة علينا أن نرى من شرفة منزلي الشارع العام المؤدي إلى المقر المستهدف، فقد شعرنا بقوة الانفجار، الذي عصف بالبيت فاهتزت جنباته، وتحرك من مكانه لشدة الانفجار الكنب وأثاث البيت، الذي لم يهتز أو يضطرب، بل تزلزل وتحرك من مكانه علواً وانخفاضاً.
مقالات ذات صلةاستمرت الغارة 100 ثانية، كانت كافية لنا أن نفكر فيما يحدث، وأن نتساءل ما الذي يجري، ولم يكن يدر في خلدنا أن الغارة بعيدة عنا، فقد ظننا أنها استهدفت بيتنا، أو محيط سكننا، وأن البيت لا شك قد قصف، وأنه عما قليل سينهار بنا وعلينا.
لكن المائة ثانية كانت كفيلة بأن نلتقط أنفاسنا، ونغادر صالون البيت الذي شعرنا به يضطرب تحت أقدامنا، وأقبلت علي زوجتي جزعة لكنها كانت للحق واثقة، فعانقتني وقالت نستشهد معاً، لا نفترق عن بعضنا ويستشهد أحدنا دون الآخر، وعانقتني لا خوفاً، بل يقيناً أن ساعة الأجل قد حانت، وأن الشهادة دنت، فأرادتها أن تكون لنا معاً، وسكنت طيلة ثواني القصف، وران الصمت بعدها، ولزمنا مكاننا ولم نتحرك، بل لم نجرؤ أن نفتح الشرفة ونطل منها إلى الشارع، إلا بعد أن سمعنا أصوات الجيران، وحركة السيارات، والأبواق العالية، والدخان الكثيف المنبعث من هناك، من مكان الغارة.
توقفت الغارات، وغابت الطائرات، وبدأت وسائل الإعلام تتناقل الأخبار وتتكهن، كلٌ يعلن أن المستهدف فلان أو فلانٌ، ولكن أحداً لم يكن يتوقع أو يتجرأ أن يتوقع أن المستهدف بالغارة كان سماحة السيد حسن نصر الله.
كانت الغارة قبيل أقل من ساعة من آذان المغرب، صليت وزوجتي صلاة المغرب جماعةً معاً، فكانت صلاة خوفٍ وكانت سكينةً في آن، إذ توقفنا عن التفكير، وعجزنا عن القرار، ولكن شوارع المنطقة لم تخل من المغادرين، ومن سكان المنطقة “الهاربين خوفاً، فقد كانت الغارة حقاً مروعةً جداً.
ولما كان الكثير من أصدقائي وإخواني يعرفون أن بيتي يقع قريباً من مكان الغارة، وهو في قلب الضاحية الجنوبية، بين برج البراجنة وحارة حريك، فقد انهالت علينا الاتصالات من لبنان ومن خارجه، من بناتي المقيمات مع أزواجهن في تركيا، والثالثة المقيمة وزوجها في الشويفات، قريباً من الضاحية الجنوبية لبيروت، التي لم تسلم بعد ذلك من الغارات الإسرائيلية.
توالت الاتصالات من كل الجهات، حتى أن أهلي وأهل زوجتي في غزة، رغم ظروفهم الصعبة، والحرب الهمجية التي يشنها العدو عليهم، وحالة النزوح المتكرر التي فرضت عليهم أكثر من مرةٍ، حتى غدوا جميعاً بلا بيوت تؤويهم، ولا مكانٍ يجمعهم، في ظل الجوع والخوف والحرمان، إلا أنهم شعروا بالخوف علينا وأصروا على أن نغادر المنطقة، التي يبدو أنها ستكون في الأيام القادمة خطرة، وستكون مرشحة لمزيدٍ من الغارات وعمليات القصف المستمرة، واستغلت ابنتي وزوجها إصرار أهلي في غزة على مغادرة بيتي، فكثفا اتصالاتهما، وألحا علي بطريقةٍ لم أتمكن بسببها من إخفاء ضيقي وتذمري من إلحاحهما، إلا أنهما أصرا وواصلا اتصالاتهما.
لم نصغ السمع لأحد، وقررنا كلانا، أنا وزوجتي أن نبقى في بيتنا ولا نغادر، وأن ننتظر حتى الصباح، فقد تهدأ الأحداث وينقشع الغبار عن حقيقة ما جرى، وأيدني أحد الأخوة الثقات إذ التقيته في مسجد الحي في صلاة العشاء، فأشار علي ألا أغادر، وأن الغارة يتيمة، ولن يكون لها ما بعدها.
لكن صديقي هذا الذي نصحني بالبقاء، غادر بيته والمنطقة قبل منتصف الليل، بعد ساعاتٍ قليلةٍ من نصحه لي بالبقاء، ورغم مغادرته وأنا أثق فيه، فقد آثرت البقاء في البيت، في حين أن كل جيراني قد غادروا المبنى، وسكان الحي قد أخلوا أماكنهم.
لكن زوجتي التي نزلت عليها السكينة، وبرد قلبها لقرارنا بالبقاء، أسكتت بناتها، وردت على المتصلين علينا بإلحاحٍ للمغادرة، وأخبرتهم أننا سنبقى ولن نغادر، ونحن نشعر بالراحة لقرارنا، وقد سلمنا أنفسنا لله، وأودعناه حياتنا وأرواحنا، ونحن لسنا أغلى من أهلنا في غزة، وأرواحنا ليست أعز على الله عز وجل من أرواحهم الطاهرة البريئة، ولا أغلى ممن يسقطون في لبنان انتصاراً لغزة ونصرةً لفلسطين ومقاومتها الشريفة.
للحق فإن زوجتي قد ساعدتني في قراري بالبقاء، ساعدتني بقبولها وتسليمها، وبصمتها وطمأنينتها، وتوكلها على الله سبحانه وتعالى، واستحضارها لأهلها وأهلنا جميعاً في قطاع غزة، ومن أهلها وأهلي في غزة من سقطوا شهداء وارتقوا إلى العلياء، فما كان منها إلا أن أصابها النعاس وكأن الله عز وجل قد بعثه عليها فنامت، واستغرقت في نومها وسلمت أمرها لله عز وجل ولم تدر ما يدور حولها.
خلال نومها، ولساعاتٍ ثلاث، لم تتوقف الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، في محيط بيتنا وبالقرب منه، وفي حينا والمناطق المجاورة، غاراتٌ عنيفةٌ جداً، وأصوات صواريخ المسيرات أكاد أسمع أزيزها قبل أن تنفجر، وقد كثرت الانفجارات وتكثفت الغارات، وأصابني التوتر الشديد من كثرة اتصالات بنتي المقيمة في الشويفات، التي كانت تسمع وترى، فأصابها الخوف والقلق علينا، فألحت في اتصالاتها، وضغطت علي بمكالماتها، فقررت إهمال اتصالاتها، وعدم الرد عليها، بينما زوجتي تنام بالقرب مني، وكلما سمعت أصوات القصف أو شعرت بغاراتٍ تهز أركان البيت، لا أجد إلا أن أضمها إلي لئلا تسمع شيئاً، ولئلا تستيقظ من نومها مذعورةً خائفةً.
لكنها فجأة استيقظت، وكانت الغارات قد اشتدت وتواصلت، وعادت ابنتي وزوجها للاتصال بنا بإلحاحٍ من جديد، وقد كان زوجها يرقب من منزله المرتفع نسبياً في الشويفات، ويرى الأماكن المستهدفة من الغارات والأماكن المقصودة، فأصر بدوره على أن الأوضاع باتت خطرة، وأن الخروج والمغادرة باتت ضرورية، لكننا لم نكن نستطيع المغادرة في هذه اللحظات لو أننا قررنا، فالغارات كانت كثيفة ومتوالية، وقاسية وعنيفة، وبعضها كان مزلزلاً ومرعباً.
اتفقت وزوجتي على أن نغادر في الصباح مهما كانت الظروف والأوضاع، وأن نبقى الليلة في بيتنا رغم أنه لم يبق أحدٌ في المبنى غيرنا، لكن هدوء القصف لدقائق طويلة، وتوقف الغارات فجأة، دفعنا لأن نفكر في مغادرة البيت بسرعةٍ، لكننا لم نبلغ أحداً بقرارنا، ولم نتصل بأحدٍ نخبره بعزمنا، فجمعنا القليل من متاعنا، وبعض حاجاتنا الخفيفة التي ظننا أننا نستطيع حملها، ونزلنا من البيت بارتباكٍ واضطرابٍ، حتى أن بعض أغراضنا قد سقطت على درج المبنى وتدحرجت وفسدت.
وهكذا خرجنا وغادرنا بيتنا في ضاحية بيروت الجنوبية ………