الانتماء شعورٌ عميقٌ يسكن القلب ويغذي الروح، هو تلك الرابطة التي تجمعنا بمن نحب، وتربطنا بقيمٍ وأماكن وشخصيات، تجعلنا نشعر بالأمان والدفء.. الانتماء ليس مجرد تعلقٍ، بل هو ولاءٌ يحمل في طياته مشاعر العطاء والمسؤولية، غير أن هذا الشعور النبيل قد يختلط أحيانًا بالتعصب الأعمى، فينحرف عن جوهره ويصبح سببًا للانقسام والفرقة، رغم أن الانتماء الحقيقي هو الذي لا يعمي القلب ولا يضيق الأفق، بل يمنحنا القدرة على تقدير الآخر واحترام اختياراته، لأنه في النهاية يُعلي من قيمة الإنسانية.

. أما الآن حولنا التنافس إلى تعصب أعمى بات خطرًا على الأجيال الجديدة.

مؤمن الجندي يكتب: "العالمي".. هناك من يسلم باليد وهناك من يسلم بالروح مؤمن الجندي يكتب: حسن "سبانخ" الكرة المصرية

الحقيقة قبل أن نبحر سويًا في هذه السطور، بعد أن اخترت “عادل جمال.. الانتماء بلا تعصب قوة تجمعنا لا تفرقنا” عنوانًا لهذا المقال، تذكرت الهتاف الشهير للفنان عادل إمام في فيلم “السفارة في العمارة”: “شريف خيري رمز الصمود” ثم الهتاف المضاد “شريف خيري الخاين العميل”.. فقمت بتغيير العنوان لأنه هناك بعض المنتمين لأندية رياضية يحولون الأمر لحد يصل الخيانة! وهذا عفوًا هو قمة الجهل.

وفي عالم الرياضة، حيث تتعدد الأندية وتختلف الانتماءات، يبرز أحيانًا شخصٌ ينجح في تجاوز هذا التباين ويجمع حوله الجماهير من خلال شغفه وروحه المرحة.. من بين هؤلاء يبرز البلوجر الإماراتي عادل جمال، مشجع نادي العين الإماراتي، والذي برغم ولائه لهذا النادي، نجح في كسب قلوب مشجعي الأهلي المصري بروح الدعابة وحبٍ يظهره في مقاطع فيديو باتت تضج بها وسائل التواصل الاجتماعي، رغم خسارة فريقه أمام الأهلي الذي توج بطلًا لكأس إفريقيا-آسيا-المحيط الهادئ FIFA 2024.

البلوجر الإماراتي عادل جمال مشجع نادي العين

“عادل” ليس مجرد مشجع لفريقٍ واحد، بل هو عاشقٌ لكرة القدم، ولعل هذا العشق قد منحه نظرةً أوسع وأعمق، مما جعله قادرًا على التواصل مع جماهير الأهلي المصري بشكلٍ خاص بروحه المرحة وبساطته المحببة، قدم فيديوهات كوميدية خلقت مواقفًا كوميدية مع مشجعي الأهلي بعد خسارة فريقه العين الإماراتي بثلاثية أمام العملاق القاهري في، وكأنه واحدٌ منهم.. في رسالة مهمة أن الرياضة أخلاق وتنافس شريف! فلماذا التعصب؟

في كل فيديو، تتداخل ابتسامة عادل مع مشاعر الجماهير، وكأننا أمام حالة فريدة يتقاطع فيها الانتماء بين القلب والعقل.. ومع الوقت، بات عادل جمال يُلقب بين جماهير الأهلي بلقب "السفير"، ليس بمعناه الرسمي بالطبع، بل بصفته سفيرًا للروح الرياضية والمحبة الصافية، تلك الروح التي يمكنها أن تربط الناس ببعضهم رغم اختلاف الأندية والشعارات.. مثل هذا التأثير لم يكن ليأتي من الفراغ، فهو نتاج صدق في التعبير وشجاعة في تقبل المشاعر المتبادلة من الجماهير، رغم كونه ابن نادي العين.

في النهاية.. يذكرنا عادل، من خلال مقاطعه ووصيته لنجله بتشجيع الأهلي بعد العين، بأن الانتماء الرياضي ليس مجرد تشجيع فريق على حساب الآخر، بل هو قدرةٌ على رؤية الجمال فيما يحبه الآخرون، وتقدير الشغف الذي يدفعهم لدعم ناديهم، مهما كانت المنافسة.. في زمن أصبحت فيه الرياضة أحيانًا سببًا للاختلاف، يأتي عادل ليعيد تذكيرنا بأن الحب الحقيقي للرياضة يمكن أن يجمع القلوب بدل أن يفرقها.. شكرًا عادل، وأتمنى من كل مشجع أن يتقين المعنى الحقيقي للرياضة.. ويعي أنها في النهاية مجرد لعبة تقرب لا تفرق!.

للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: الأهلي العين مؤمن الجندي يكتب مؤمن الجندی عادل جمال

إقرأ أيضاً:

السوجرة قرية من وحي الخيال

قررنا أن نقضي يومنا بطريقة مختلفة، فاخترنا أن يكون الإفطار في مكان لا يشبه غيره، "قرية السوجرة"، تجربة تشعرك وكأنك على وشك الدخول إلى فصل من كتاب قديم، تحمله أوراقه عبق التاريخ، وتروي سطوره حكايات من زمن بعيد، وصلنا إلى القرية التي تقع بين جبلين، تمامًا كأنها مخبأة بعناية في حضن الطبيعة، وكأن الجبال تحرسها من عبث الزمن، السكون كان سيد المكان، لا صوت سوى همسات الريح التي تمر بخفة بين البيوت الحجرية، وكأنها تهمس لنا بقصص من عاشوا هنا قبل عشرات السنين، قرية السوجرة ليست كبقية القرى؛ فهي تعود بأصولها إلى أكثر من 500 عام، عاش فيها جدّان شقيقان، وأسّسا معًا نواة لحياة بسيطة جمعت حولها ست عائلات فقط، ورغم قلة عدد السكان، إلا أن الترابط والانسجام كانا واضحين في كل ركن، في كل حجر من جدران البيوت، وفي كل شجرة زُرعت بيدٍ محبة، ما أثار دهشتنا أن الحكومة لم تُجبر الأهالي على إخلاء القرية كما يحدث في بعض المناطق النائية، بل احترمت ارتباطهم بالمكان، وجلبت إليهم الخدمات الأساسية، حتى في الحالات الطارئة، لم يكن مستحيلًا الوصول إليهم، فكانت طائرات "الهليكوبتر" تُرسل عند الحاجة، وكأن السماء نفسها كانت مفتوحة لهم عند الضرورة.

تخيّل أن تعيش في قرية منعزلة عن العالم، وتضطر أن تمشي لأيام فقط لتصل إلى السوق الأقرب! هذا ما كان يفعله أهل السوجرة، كانوا يحملون معهم ما زرعته أيديهم من ثمار، ويتوجهون إلى سوق نزوى، في رحلة تستغرق ثلاثة أيام كاملة، يومًا ونصف اليوم ذهابًا، ويومًا ونصف اليوم عودة، يبيعون ثمارهم هناك، ويشترون ما يحتاجونه من طعام وبهارات وأساسيات حياتهم البسيطة، تخيّل كل تلك المسافة، كل ذاك الجهد، فقط لتأمين لقمة العيش، لكنه كان جزءًا من نمط حياة لا يعرف التذمر، بل تحكمه القناعة والرضا، أوقاتهم كانت تسير على إيقاع الطبيعة والعبادة، يصحون مع أذان الفجر، ويبدؤون يومهم مع شروق الشمس، ويخلدون إلى النوم بعد صلاة العشاء، حين يغمر الظلام القرية ويعود السكون ليحتضنها من جديد، لا ضوضاء، لا أضواء اصطناعية، فقط سكون يعلّق الزمن بين الجبلين.

البيوت هناك تُشبه القصص، صغيرة، حجرية، لكنها تحوي دفئًا لا يمكن أن تراه، بل تشعر به، ربما لأن كل جدار فيها شهد ضحكة، وكل زاوية فيها تحمل ذكرى، وكل ممر بين بيوتها ضم خطوات لأجيال مضت، السوجرة ليست مجرد قرية، بل فصل محفوظ من كتاب الهوية العُمانية، هي نموذج لحياة اتسمت بالبساطة، لكنها مشبعة بالقيمة، حياة لا تعرف الإسراف، ولا تلهث خلف التكنولوجيا، بل تسير على إيقاع الشمس والظل، الماء والتربة، الدعاء والكد، وأثناء جلوسنا هناك، وتناول الإفطار وسط هذا الهدوء الساحر، أحسسنا أننا لسنا مجرد زائرين، بل ضيوف على قصة أزلية، قصة لا تزال تُروى رغم أن معظم شخوصها قد غادروها وانتقلوا إلى مساحة مجاورة.

كان أكثر ما لفت انتباهنا في قرية السوجرة هو الانسجام العجيب بين الإنسان والمكان، كل شيء هناك يشعرك وكأن الطبيعة والناس اتفقوا على نوع من التعايش السلمي، لا اعتداء فيه ولا صخب، الأشجار تنمو بهدوء، والمياه تنساب في مجاريها القديمة، والبيوت لا تحاول أن تتجاوز حدود الأرض، بل تتماهى معها، بلون الحجر نفسه وروحه، بينما كنا نتجول في أزقة القرية، مررنا بآثار الدروب الترابية، ربما لأطفال عاشوا هنا قبل عشرات السنين، وربما لحمار يحمل على ظهره الحطب، أو لامرأة كانت عائدة من الحقول، كل شيء له ذاكرة، وله حكاية، حتى الجدران المتصدعة لم تكن مجرد حجارة متهالكة، بل صفحات صامتة من تاريخ عائلات عاشت، وفرحت، وبكت هنا.

سمعنا من أصحاب المكان الذين بقوا في المنطقة والذين كانوا يشرفون على النزل، أن الحياة في السوجرة لم تكن سهلة، لكنها كانت كريمة، كانوا يزرعون ما يأكلون، ويقتسمون ما يجنونه، فلا جوع يستفرد ببيت، ولا حاجة تُترك دون سند، القوة لم تكن في كثرة المال أو البنيان، بل في الترابط، في شعور كل فرد بأن القرية بأكملها تقف خلفه إن احتاج، حدثنا أحد المشرفين القائمين على النزل عن الشتاء هناك، حيث يلبس الضباب القرية بأكملها رداءً من الغموض، ويغلق الجبلان على قريتهما الصغيرة كما لو كانا يحميانها من العالم الخارجي، وفي الصيف، تتزين الحقول بالخضرة.

ما يجعل السوجرة مميزة ليس فقط قدمها أو مكانها، بل استمرارها، قرى كثيرة هُجرت، وبيوت كثيرة تُركت، لكن السوجرة لا تزال تحتفظ ببعض من نبضها، لا تزال تنبض بالقصة، وبالذكرى، وبالأمل، حيث قام أحفاد أولئك الأجداد بإعادة الحياة لها من جديد عبر ترميم المنازل القديمة وتحويلها إلى نُزل تراثية عن طريق شركاتهم العائلية التي تبنّت هذا الدور، لكونهم أحرص الناس على تراثهم، رحلتنا هذه لم تكن مجرد نزهة، بل كانت دعوة للتأمل، وتذكيرًا بأن البساطة ليست نقصًا، بل جمال من نوع مختلف، وفي زمن تتسارع فيه الحياة، وتتشابك فيه الشاشات والتطبيقات، هناك مكان ما بين جبلين، لا يزال يحتفظ بإيقاع الزمن الجميل، وغادرنا السوجرة، لكن بقيت أرواحنا هناك، تسرح بين جدرانها العتيقة، وتتنفس من سكونها الطاهر، وكأن القرية اختارت أن تُقيم فينا، لا أن نُقيم فيها، والذي لا شك فيه أنها الزيارة الأولى، ولكنها حتمًا ليست الأخيرة.

مقالات مشابهة

  • الجيش فجّر ذخائر في ضهر العين
  • الجندي: زيارة ماكرون للعريش تعزز الدعم الدولي للقضية الفلسطينية وتؤكد ثبات الموقف المصري
  • السوجرة قرية من وحي الخيال
  • ركنة العين تسجل أقل درجة حرارة على الدولة
  • مريم عادل الجندي تنشر صورا من كواليس مسلسل منتهي الصلاحية
  • عبد السلام فاروق يكتب: تشريح زلزال التحولات الكونية في عالم متعدد الأقطاب
  • تمصلوحت: سرقة مضخة مياه من ضيعة فلاحية بدوار دار العين
  • صدور عدد جديد من مجلة "العين الساهرة" وملحق "الشرطي الصغير"
  • أشرف صبحي في اليوم العالمي للرياضة: برامجنا تزرع الانتماء وتواجه التطرف
  • اليوم.. التضامن تستأنف صرف معاشات أبريل 2025 من فروع بنك ناصر