هذه «أم المعارك». أكثرُ أهمية من نهائي مونديال كرة القدم، ومِن التَّربُّعِ على عرش الملاكمة، ومن جولاتِ تايلور سويفت. بضعُ ولايات متأرجحة ستمسُّ مصيرَ هذا العالم المتأرجح في السنوات الأربع المقبلة. تمسُّ الأمنَ والاقتصاد ومصيرَ الخرائط المرتبكة وملايين النازحين والمهاجرين. ستقول صناديقُ الاقتراعِ كلمتَها وتحدّد هُويةَ الممسكِ بهذا الخيط الأمريكي العابرِ للخرائط والقارات.
الانتخابات الأمريكية ليست مجردَ شأنٍ أمريكي. نتائجها تعني الحلفاءَ والأعداءَ معاً وسائرَ الموزعين في أحياء القرية الكونية. لا يستطيع أحدٌ تجاهلها أو التظاهرَ باللامبالاة. إنَّها صحنٌ إلزامي على مائدة العالم.
أقوياءُ العالم ينتظرون كضعفائِه. النتائجُ تعني مصائرَهم ومشاريعَهم وهالاتهم. سيّد الكرملين رجلٌ قوي. يعرف نتائجَ الانتخابات قبل خوضِها. يتسلَّى بإخافة الأوروبيين والعالم من الوليمةِ النووية المحتملة إذا فكَّروا في هزيمةِ روسيا أو محاصرتها وإذلالِها. لكن فلاديمير بوتين يعرف أنَّ نهايةَ الحرب في أوكرانيا تحتاج إلى «توقيع» الرئيسِ الأمريكي لا فولوديمير زيلينسكي. يعرف بوتين وطأةَ الخيط الأمريكي. لولا هذا الخيطُ لأطلقَ قواتِه لاستعادة كلّ الأملاك السليبةِ التي استولى عليها الغربُ غداةَ انتحار الاتحادِ السوفياتي.
لا يشعر بوتين بالقلق من المقيم في الإليزيه أو شاغلِ «10 دوانينغ ستريت» أو المستشارِ الألماني. يقلقُه الخيطُ الأمريكي إذا قرَّر الالتفافَ على بلادِه بالعقوبات الاقتصاديةِ، وضخَّ الأسلحةَ والمساعدات في العروق الأوكرانية. تقلقُه حقيقةٌ موجعة. لولا التلويحُ بالوجبةِ النووية لتقدَّمت قوات «الناتو» وهزمتِ «الجيشَ الأحمرَ» الذي أنفق ثروةً كبرى في إعادة تأهيله.
رجلٌ آخر سيسهر منتظراً النتائج، اسمُه شي جينبينغ، الرجلُ الجالسُ على عرش ماو تسي تونغ والاقتصاد الثاني في العالم، يعرف أنَّه يصطدم في أسواقِ العالم كما في تايوان بخيطِ الرَّدع الأمريكي. يدرك أنَّه لولا هذا الخيط لتمكَّنَ من تحقيقِ ما عجز عنه أسلافُه، وهو إعادةُ الفرعِ إلى الأصل؛ إعادةُ تايوانَ إلى بيتِ الطاعة الصيني. ويعرف أنَّه إذا فازَ دونالد ترمب وقرَّر معاقبةَ السلع الصينيةِ بصرامة فإنَّ الانعكاسات ستطول الأسواقَ والعملاتِ والاقتصادَ العالمي برمَّته.
وبينَ السَّاهرين المنتظرين سيكون لاي تشينغ دي. وظيفتُه متعبةٌ بل مؤلمة. إنَّه رئيس تايوان. يراقبُ كلَّ يومٍ سفنَ الأخِ الأكبرِ وطائراتِه وهي تذكّرُه بقدرتها على خنقِ الجزيرة المتمردة لولا الخيطُ الأمريكي. مصير زيلينسكي لا يساعدُه على التفاؤل.
أهلُ الشرقِ الأوسط الرهيبِ سيسهرون بدورهم. الخيطُ الأمريكي لا يزال حاسماً في كبحِ حروبِهم أو تنظيمها. سينتظر المرشدُ الإيرانيُّ وجنرالاتُ «الحرس الثوري» نتائجَ الانتخابات. بالغت إسرائيلُ في استهدافِ «الأذرع» و«المستشارين» فاستدرجت إيرانَ إلى الحلبةِ التي حاولت تفاديَها.
الأقمارُ الاصطناعيةُ جاسوسٌ لا ينام. كشفت أنَّ الضربةَ الإسرائيلية كانت موجعةً، فضلاً عن أنَّها محرجة. أطلقَ المرشدُ إشارةَ الرَّد. هل ينتظر الرَّدُّ الإيراني نتائجَ الانتخاباتِ أم يسبقها أم يواكبها؟ وماذا لو عادَ الرَّجلُ الذي أمرَ بقتل الجنرال قاسم سليماني؟ وهل زيارةُ قاذفة «بي 52» الأمريكية للمنطقة مجرد رسالةِ ردع أم أكثر؟
في مثل هذا اليوم من عام 1979 اقتحمَ طلابٌ ثوريون موالون للإمام الخميني سفارةَ أمريكا في طهران وحوَّلوا العاملين فيها رهائنَ. أحرقت كرةُ النار يدي الرئيسِ جيمي كارتر، ولم يُفرَج عن الرهائن إلا بعدما أدَّى رونالد ريغان اليمينَ الدستورية. كانَ غرضُ اقتحام السفارة قطع الخيط الأمريكي مع الداخل الإيراني. ومنذ البداية اعتبرت إيران الثورة أنَّ الخيط الأمريكي هو الجدار الذي يمنع تحوّلها إلى الدولة الكبرى في المنطقة، خصوصاً بعدما تولت أمريكا نفسها إسقاطَ الجدار العراقي الذي كان يمنع تدفق جمر الثورة في عروق الإقليم. على مدى عقود حاولت إيران قطع الخيط الأمريكي أو إضعافه، وها هي تعود إلى الاصطدام به في جولات الثأر الحالية مع إسرائيل.
سينتظر بنيامين نتانياهو نتائج الانتخابات. الخيط الذي يربط أمريكا بإسرائيل ليس مهدداً. الوسادةُ الأمريكية لإسرائيلَ راسخةٌ، لكن لكامالا هاريس أسلوبها وحساباتها، ولدونالد ترمب انعطافاتُه ومفاجآتُه. ويحتاج نتانياهو إلى كثيرٍ من المليارات والذخائرِ إذا قرَّر السيرَ أبعدَ في انقلابِه على معادلاتِ ما قبل «الطوفان».
واضح أنَّ زعماءَ الشرق الأوسط سينتظرون نتائجَ السباق الأمريكي. يريدون استجلاءَ حدودِ المبارزة الإسرائيلية - الإيرانية، وحدود الأدوار في الإقليم، وحدود الحرب الإسرائيلية في غزةَ ولبنان. وإمكان الرهان على الخيطِ الأمريكي لدفع حلمِ الدولةِ الفلسطينية المستقلة نحو التَّحققِ كخيار لا بدَّ منه لمنعِ تكرار الطوفاناتِ والحروب.
وسينتظر لبنانُ النتائج. تقولُ التجاربُ الماضية إنَّ المبعوثَ الأمريكي وحدَه قادرٌ على وقفِ عاصفة النار الإسرائيلية. قرارُ آموس هوكستين عدمَ التوقف في لبنانَ بعد زيارته الأخيرة إلى إسرائيل كانَ باهظَ التكاليف. اغتالت إسرائيلُ مزيداً من القرى، وضاعفتِ المشاهدَ الغزاوية على أرضِ لبنان.
هجاءُ أمريكا لا يلغِي أنَّها أمريكا. الاقتصادُ الأولُ وسيدةُ الأساطيل. ليس مهماً أن تحبَّها أو تكرهَها. إنَّها موزعةُ المظلاتِ والضمانات والضمادات. روسيا مشغولةٌ بالمائدة الأوكرانية. والصينُ بعيدة. وغوتيريش شبهُ متقاعدٍ. ولا خيار غير تحسينِ شروط التَّعلقِ بالخيطِ الأمريكي لوقفِ بحرِ الرُّكامِ وأمواجِ الجنائز والنازحين.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله السنوار الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الانتخابات الأمريكية
إقرأ أيضاً:
سيرجيو ليون: الرائد الإيطالي الذي أحدث ثورة في سينما الغرب الأمريكي
وليد السبيعيسيرجيو ليون، المخرج والمنتج وكاتب السيناريو الإيطالي، وُلد عام 1929، وأصبح أحد أبرز الأسماء في عالم السينما بفضل إبداعه في أفلام “الويسترن سباغيتي”. هذا النوع من الأفلام، الذي ظهر في ستينيات القرن العشرين، تميز بلمسة إيطالية خالصة من حيث الإخراج والانتاج وتعاون مع شركاء إسبان في بعض الأحيان، مما أعاد تعريف أفلام الكاوبوي الأمريكية التقليدية.
كانت أعمال سيرجيو ليون ذات تأثير كبير، وأبرزها ثلاثية “الدولار” التي تتضمن أفلام “A Fistful of Dollars”، “For a Few Dollars More”، وأشهرها “The Good, the Bad and the Ugly”، الذي قام ببطولته كلينت إيستوود. هذا الفيلم تحديداً لم يكن مجرد فيلم ناجح بل كان حجر الزاوية في ثورة سينما الغرب الأمريكي. وقد وصف كلينت إيستوود ليون بأنه “الرجل الذي صنع مني نجماً وتعلمت منه كل شيء”، مؤكداً على تأثير ليون العميق على مسيرته الفنية.
سيرجيو ليون في موقع تصوير فيلم ‘Once upon a time in the West’ عام 1968ورغم نجاحاته الكبيرة، رفض سيرجيو ليون إخراج فيلم “The Godfather” لأنه كان منشغلاً بالتحضير لفيلم آخر مقتبس من رواية “The Hoods”، وهو “Once Upon a Time in America”. استغرق ليون عشر سنوات لإعداد هذا الفيلم، الذي عُرض لأول مرة في مهرجان “كان” السينمائي حيث لاقى إعجاباً كبيراً، ووصفه النقاد بأنه “عراب الثمانينيات وأحد أفضل الأفلام في التاريخ”.
ليون وهو يوجه الممثل روبيرت دي نيرو في أحد مشاهد تصوير فيلم Once Upon a Time in America عام 1984لكن، عندما عُرض الفيلم في دور السينما، قامت شركة Warner Brothers بحذف جميع مشاهد الفلاش باك الخاصة بشخصية روبرت دي نيرو دون موافقة ليون، مما أدى إلى فشل الفيلم في شباك التذاكر بسبب ارتباك الجمهور وعدم قدرتهم على فهم التسلسل الزمني للأحداث. هذا الفشل أثر بشدة على ليون، وأصيب باكتئاب حاد، وتوفي بجلطة قلبية في سن الستين عام 1989. وذكرت زوجته أنه بعد فشل الفيلم، كان ليون يردد حوارات الفيلم حتى وفاته، مشيراً إلى شعوره الدائم بخيبة الأمل.
في موقع تصوير أحد مشاهد فيلم Once Upon a Time in America عام 1984بعد وفاة ليون، استغلت شركة Warner Brothers الفرصة وأصدرت نسخة DVD كاملة من الفيلم بدون حذف أي مشهد. حققت النسخة نجاحاً كبيراً وغطت تكاليف الإنتاج الأساسية للفيلم، وما زالت النسخ تُباع حتى اليوم، محققة أرباحاً ضخمة للشركة.
يظل سيرجيو ليون، بفضل رؤيته السينمائية الفريدة وأعماله الخالدة، أحد الأسماء اللامعة في تاريخ السينما العالمية، ورمزاً للابتكار والشجاعة الفنية.
الوسومسينما