المقاطعة من أهم أساليب مقاومة الاحتلال
تاريخ النشر: 4th, November 2024 GMT
من بين الأساليب والوسائل التي استخدمت لمعارضة الأنظمة السياسية، بالإضافة للتظاهرات والاعتصامات والبيانات استخدمت المقاطعة كوسيلة للضغط، وكان لها أثر كبير في بعض الحالات.
وفي التاريخ المعاصر استخدمت كافة وسائل الضغط لمواجهة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. فكانت هناك مقاطعة سياسية واقتصادية ورياضية وثقافية.
وتمت ممارسة أشكال من مقاطعة ذلك النظام. واستخدمت المقاطعة الثقافية على نطاق واسع منذ الخمسينيات بهدف إنشاء نظام ديمقراطي بديل عن النظام العنصري. كما كان هناك دعم واسع لحركة النضال التي مارستها الأغلبية السوداء ضد النظام الخاضع لهيمنة الأقلية البيضاء.
ففي العام 1963 وقّع 48 من المسرحيين البريطانيين والأمريكيين إعلانا بعدم القيام بأي عمل فنّي في ذلك البلد لكي لا يوفر ذلك شرعية له. وفي العام 1965 قرّر أكثر من 500 من أساتذة الجامعات مقاطعة جنوب أفريقيا أكاديميا. وفي ذلك العام نفسه أصدرت منظمة “إيكويتي” قرارا بمنع أي تبادل ثقافي مع جنوب أفريقيا، وبلغت حركة المقاطعة ذروتها في العام 1980 عندما أصدرت الأمم المتحدة قرارا تحث فيه الدول على وقف التبادل الثقافي والأكاديمي والرياضي مع جنوب أفريقيا.
كما استُخدمت المقاطعة الرياضية كأداة للضغط على النظام العنصري. وفي العام 1985 انسحب المشاركون في سباق السيارات والدراجات من دورة أقيمت هناك.
وثمة إجماع على أن هذه المقاطعة ساهمت بشكل كبير في بلورة موقف دولي شامل ضد نظام الفصل العنصري وأرغمت الأقلية البيضاء على الانصياع للإرادة الدولية. ومع نهاية الثمانينيات انتهت تلك الحقبة السوداء من التاريخ البشري المعاصر. وبرغم الدعم الأنكلو-الأمريكي للأقلّيّة البيضاء التي تمثل ذلك النظام البغيض، لم تستطع واشنطن ولندن الوقوف في وجه العالم لمنح المقاطعة، الأمر الذي ساهم في التعجيل بسقوط ذلك النظام.
وفي أجواء الحرب الباردة كان النظام العنصري يمثل عنوانا محوريّا لحركات التحرر التي وقفت ضد الإمبريالية الغربية الداعمة للاستعمار وكذلك أنظمة الاستبداد في العالم. وما كان ذلك النظام ليستمر طويلا لولا الدعم الغربي الواسع الذي لم يتراجع إلا بعد أن أصبح واضحا استحالة بقائه طويلا في ضوء الصحوة العالمية ضده.
قبل عشرين عاما بدأت دعوات عديدة لفرض عقوبات ثقافية على الكيان الإسرائيلي، بدأت في الأراضي المحتلة. انطلقت الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل (PACBI) في أبريل 2004م من قبل مجموعة من الأكاديميين والمثقفين الفلسطينيين في رام الله بالضفة الغربية، كجزء من حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)
ودعت تلك الحملة لدعم أنشطة الحركة المذكورة لممارسة ضغوط دولية على “إسرائيل” في الجوانب الأكاديمية والثقافية، ومن ذلك مقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، التي يعتقد الكثيرون أنها متورطة في دعم الاحتلال الإسرائيلي وإطالة أمده.
وكان الهدف من المقاطعة الأكاديمية المقترحة عزل “إسرائيل” لإجبارها على تغيير سياساتها تجاه الفلسطينيين التي تعتبر تمييزية وقمعية، بما في ذلك قمع الحرية الأكاديمية للفلسطينيين. وكان هناك تجاوب مع تلك الدعوة التي سرعان ما انتشرت في بلدان أخرى.
فقد وقّع آلاف الفنانين والعاملين (رجالا ونساء) في الحقل الثقافي على بيانات عامة دعماً للمقاطعة الثقافية. ووقّع حوالي ألف شخصية ثقافية في المملكة المتحدة سنة 2015 على تعهد بالمقاطعة الثقافية. كما أطلقت مبادرات متعلقة بحركة المقاطعة في مونتريال (كندا) وإيرلندا وجنوب أفريقيا وسويسرا ولبنان والولايات المتحدة وغيرها من الدول.
وهناك دعوات متصاعدة في الوقت الحاضر في الأوساط البريطانية لتوسيع دائرة المقاطعة الثقافية للكيان الإسرائيلي. وجرت في السنوات الأخيرة حوارات في الأوساط الجامعية حول ذلك، خصوصا في ما يسمى “مجموعة راسل” التي تضم أقوى الجامعات البريطانية ومنها كامبريدج وأكسفورد. وفي مقابل ذلك تنشط مجموعات الضغط الإسرائيلية لمواجهة هذه الدعوات، ضمن سياسة “استعادة المبادرة” المدعومة من الحكومتين الأمريكية والبريطانية. وليس سرّا القول بوجود ما يمكن اعتباره “تراجعا” نفسيا وسياسيا لدى بعض القطاعات المتصدّية للاحتلال الإسرائيلي.
ولا شك أن الوضع الحالي مهيّأ لحملات من هذا النوع بعد أن اتضح أن “إسرائيل” ستبقى مصدرا للقلاقل في المنطقة وأن الفلسطينيين يواجهون حربا وجودية واسعة يتطلب وقفها جهودا دولية واسعة.
لماذا تعترض أمريكا وبريطانيا على المقاطعة الثقافية للكيان الإسرائيلي؟
والسؤال هنا: لماذا تعترض أمريكا وبريطانيا على المقاطعة الثقافية للكيان الإسرائيلي؟ لماذا هذا الصمت المطبق إزاء ما تمارسه قوات الاحتلال من مجازر مستمرة تزهق أرواح العشرات يوميا؟ بالإضافة لذلك هناك ما يشبه التجريم لمن يتعاطف مع أهل فلسطين ويطالب بوقف العدوان.
بل أن هناك حربا على استخدام المصطلحات لتوصيف الجرائم، كما هي الحرب على كل ما يرمز لفلسطين كالكوفية واللثام والعلم بالإضافة للمصطلحات التي تستخدم لتوصيف الأوضاع المرتبطة بفلسطين ونضال شعبها. فمثلا برغم وجود ما يشبه الاتفاق على أن قتل الفلسطينيين بهذه الكثافة يمكن وصفه بـ “الإبادة” ولكن التحالف الأنكلو – أمريكي والإعلام الغربي بشكل عام يرفض ذلك المصطلح نظرا لما يرتبط به من تبعات مزعجة لداعمي الاحتلال. لقد تراجعت المشاعر الإنسانية لدى المسؤولين الغربيين حتى تكلّست.
فلم تعد مشاهد جمع أشلاء الأطفال مقززة. ووفقا للإحصاءات المتوفرة فقد قتل أكثر من 14 ألفا من الأطفال خلال العام الأخير من بين أكثر من 42 ألفا قتلوا بالقصف الإسرائيلي المتكرر للمناطق الفلسطينية ومنها الأبراج السكنية. وتحاول قوات الاحتلال وداعموها الغربيون منع نشاط منظمة يونيسيف المعنية بالأطفال في الأراضي المحتلة كما فعلوا مع منظمة أونروا، وذلك سعيا لإحكام الستار الحديدي المفروض على غزة.
يضاف إلى ذلك أن مقولات مكافحة الإرهاب تم توسيعها لتشمل من يقدم الدعم الإنساني لضحايا العدوان الإسرائيلي. فقد أدخل الرعب في قلوب الكثيرين لردعهم عن أعمال الخير والإغاثة والدعم المالي للأنشطة الإنسانية والثقافية. وأصبحت سياسة “تجفيف المنابع” من أهم وسائل محاصرة الثقافات التحررية في العالم. ولإنجاح تلك الأساليب تستمر سياسات شيطنة الإسلام والناشطين في مجالاته المتعددة خصوصا الإنسانية منها.
في هذه الاجواء بدأ الغربيون سياسة معاكسة، وذلك بحماية كيان الاحتلال من الحصار الناجم عن المقاطعة بشتى أشكالها. وسعت الدول الغربية لإلغاء كافة أشكالها بعد أن أثبتت فاعليتها.
وبمقارنة الوضع اليوم بما كان عليه قبل نصف قرن يتضح أن سياسة حماية الاحتلال استطاعت إضعاف تهميش “إسرائيل” في العالم. ففي 10 نوفمبر 1975 أقرت الامم المتحدة القرار (رقم 3379) الذي ينص على أن “الصهيونية أحد أشكال العنصرية والتمييز العنصري” هذا القرار ألغي في 16 ديسمبر 1991 بقرار آخر رقمه 46/86.
ومنذ ذلك الوقت بدأت عودة “إسرائيل” إلى الساحة الدولية بشكل مؤثر. فلم يتم التطبيع معها فحسب، بل استغلت ذلك لتوسيع نفوذها السياسي والاقتصادي في المنطقة وفي القارّة الأفريقية. وتم التركيز على إفشال مشروع المقاطعة العربية الذي كان أحد معوّقات مشروع التطبيع، حتى تلاشى أثره تدريجيا. فقبل نصف قرن مثلا كان أي تطبيع يؤدي لتبادل تجاري او ثقافي مع كيان الاحتلال يبدو مستحيلا.
بينما أصبح ذلك سائدا في الوقت الحاضر، خصوصا مع تصدّي بعض الحكومات العربية لترويج ذلك التطبيع من خلال ما يسمى “التبادل الثقافي”. وفيما بقيت في نفوس الرياضيين العرب نزعة لرفض التنافس مع الرياضيين الإسرائيليين، تستمر الجهود الغربية لفرض تطبيع كامل على كافة الصعدان. هذا برغم استمرار العدوان الإسرائيلي وتصاعد الانتقادات ضد التدمير الشامل المادي والبشري في غزة.
الدعوة لمقاطعة ثقافية للاحتلال تجددت في الأيام الأخيرة في رسالة وقّعها أكثر من 400 من الكتّاب والمؤلّفين والمفكّرين العالميين. الرسالة تدعو لمقاطعة المؤسسات الثقافية الإسرائيلية المشاركة في مشروع الإبادة. ومن بين الموقّعين الكاتبة الأيرلندية، سالي روني والمفكرة الهندية أرونداتي روي والبروفيسور الأمريكي بيرسيفال أيفريت، أستاذ الأدب الإنكليزي بجامعة جنوب كاليفورنيا. وقد أحدثت الرسالة أصداء واسعة لأنها سلّطت الأضواء على معاناة الشعب الفلسطيني.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاطعة الاحتلال غزة غزة الاحتلال المقاطعة الإبادة الجماعية مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات رياضة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جنوب أفریقیا ذلک النظام فی العام أکثر من
إقرأ أيضاً:
سامح فايز يكتب: الحرب الثقافية (1)
من يقرأ عن الحرب العالمية الأولى والثانية أو يشاهد الأفلام التى تناولت مثل هذه الحروب سيدرك جيداً أن الغرب لن يقبل بتكرار التجربة على أرضه، وإن كان لا بد من الحرب ستكون إذاً حروباً من نوع مختلف!
أفلام المخرج ستيفن سبيلبرج، «قائمة شندلر» و«إنقاذ الجندى ريان»، وقد حصل بهما على جائزة أوسكار أفضل فيلم وأفضل مخرج. هناك أيضاً فيلم «دونكيرك» للمخرج كريستوفر نولان، ويحكى الفيلم قصة إجلاء الآلاف من الجنود البريطانيين من ميناء «دونكيرك» الفرنسى، فى حين تتم عملية الإجلاء تحت قصف لا يتوقف من الجيش الألمانى.
«نولان» نفسه حصلت أفلامه على 48 ترشيحاً للأوسكار وللصدفة لم يحصل على جائزة أفضل مخرج إلا فى دورة عام 2023 عن فيلم «أوبنهايمر»، الذى يحكى قصة صناعة القنبلة النووية.
قدم أيضاً المخرج كوينتن تارانتينو فيلم «أوغاد مجهولون»، «تارانتينو» يتميز فى أفلامه بتجسيد مفرط للعنف، وبالطبع لن يجد أفضل من قصة تدور خلال الحرب العالمية الثانية عن محاولة لاغتيال القائد الألمانى النازى.
من أبرز تلك المحاولات أيضاً فيلم «1917» للمخرج السينمائى والمسرحى الإنجليزى سام ميندز، والحاصل على جائزة أوسكار عن أولى تجاربه فى السينما عام 1999 عن فيلم «الجمال الأمريكى».
وقدم فيلمه عن قصة حقيقية سمعها من جده، صدرت لاحقاً فى عمل روائى عام 2019، تحكى القصة رحلة جنديين إنجليزيين يحاولان الوصول إلى مقر وحدة من القوات لتحذيرها من كمين دبره الألمان للقوات الإنجليزية!
اجتمعت تلك الأفلام على تصوير الجانب الإنسانى المفتقد فى الحرب، وكيف قُتل الملايين من الشباب دون أن يدركوا فى بعض الأحيان لماذا جاءوا إلى هنا من الأساس، وحشية برع السينمائى الأوروبى فى تصويرها زرعت الرعب فى قلوب المشاهدين فى الغرب، انتقلت لاحقاً لمجموعة من الأفلام الدعائية التى وظفها الأمريكان فى حربهم مع الروس داخل الأراضى الأفغانية، من خلال ثلاثية فيلم «رامبو» للممثل سيلفستر ستالون، الجندى الذى عاد من الحرب فى فيتنام ومن ثم وجد صعوبة فى التكيف مع المجتمع، فقد تدرب على القتل، بل والقتل بوحشية شديدة، وعندما فشل فى التكيف مع المجتمع المدنى، قرر قادته توظيف تلك الآلة التى تدربت على القتل فى إسقاط الاتحاد السوفيتى؛ فأرسلته إلى أفغانستان لتدريب المقاتلين هناك.
استطاعت هوليوود أن تضرب حجرين بعصفور واحد؛ الأول هو التكريس لفكرة خطورة الحرب التى دمرت الغرب وحولت شعبه إلى قتلة، الثانى هو الترويج للحرب الأفغانية التى أسقطت الروس، لكن أجزاء «رامبو» توقفت ولم تحكِ كيف خرجت تنظيمات «القاعدة» و«داعش» من رحم الحرب الأفغانية، بعد أن درب الأمريكان المقاتلين على أن يصبحوا آلة للقتل، فلم يجد هؤلاء القتلة إلا دولهم العربية والإسلامية ليمارسوا هوايتهم فى القتل!
لن تتوقف السينما عن تناول الحرب، ولن تتوقف هوليوود عن توظيفها أحياناً أو توجيهها أحياناً أخرى، ولن يقف أى صانع ثقافى غربى مكتوف اليد أمام أى محاولة لاستعادة شبح الحرب العالمية الثانية مرة أخرى، هنا لن تجد الدول الغربية، وأجهزة مخابراتها، سوى الحروب الثقافية الباردة، تلك التى نفذتها للمرة الأولى ضد الاتحاد السوفيتى، وصدر عنها كتاب مترجم فى المركز القومى للترجمة بعنوان «الحرب الثقافية الباردة»، يحكى كيف تصبح الثقافة والفكر ومؤسسات المجتمع المدنى حليفاً مهماً للدولة المعادية فى إسقاط الدول التى تعاديها.
تلك الحرب يمارسها الجميع، سواء الغرب الأوروبى أو الأمريكان أو حتى التنظيمات الدينية المتطرفة وفى المقدمة منها تنظيم الإخوان، الذى يملك أذرعاً إعلامية بملايين الدولارات لا تفعل شيئاً سوى الهجوم على مصر بشكل يومى!