يمانيون – متابعات
تعيش الولايات المتحدة الأمريكية حالة من التنافس السياسي المحتدم بين الحزبين الرئيسيين، الجمهوري والديمقراطي، تنافس رئاسي تمتد حرارته لتشعل كافة نواحي الحياة مع اقتراب موعد التصويت، حيث يتسابق المرشحون على كسب أصوات الناخبين وتتضاءل مع الوقت فرص الصعود على حساب فراغات السقوط الأمريكي من موقعه العالمي.

في ظل هذا الصراع المحموم المهدد بصراع غير مسبوق، يشق البيت الداخلي الأمريكي ويضع القطب الدولي أمام فتنة حرب أهلية حقيقية، تبرز قضية فلسطين كأحد النقاط المشتركة التي تتفق عليها الأطراف المتنافسة، رغم اختلاف استراتيجياتهم وبرامجهم الانتخابية في مجالات أخرى. يسلط هذا المقال الضوء على كيفية تأثير اللوبيات، وخاصة اللوبي الصهيوني، على السياسة الأمريكية تجاه فلسطين وكيف ينعكس ذلك على الانتخابات الأمريكية.

كل شيء إلا “اسرائيل”

تعود واحدية السياسة الأمريكية تجاه فلسطين إلى تأثير اللوبيات المتوغلة في رسم تفاصيل السياسة الخارجية لواشنطن.

ولفهم ديناميكية المشهد الأمريكي وضوابطه، يجب التعريج على كواليس بيت الحكم والتفتيش في عمق الدولة الخفي ومفاصلها التي تحركها، وتضبط إيقاع سياستها الداخلية والخارجية.

تتصدر جماعات الضغط، المعروفة باللوبيات، المشهد، وتتسلط، بلا منازع، على مكامن اتخاذ القرار وتترك واجهة الحكم لشكليات، وأشكال النظام الديمقراطي حفظاً لواجهته الدعائية، وحفاظاً على شعاراته الحقوقية لا أكثر، حيث تعتبر جماعة “آيباك” (اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة) واحدة من أبرز هذه الجماعات وأقواها نفوذاً، تضم هذه اللجنة ملايين الأعضاء الذين يمارسون على مدار الساعة تأثيرات مختلفة تسعى لتجيير السياسة الأمريكية لصالح “إسرائيل”.

وتعتبر هذه اللوبيات بمثابة البائع والمشتري في مصالح أمريكا، حيث تتحرك عجلتها وفقًا لمن يملك القدرة على ضخ الأموال.

في الانتخابات الحالية، نجد أن الدعم المالي يتدفق بشكل كبير نحو المرشحين من الحزبين. “ترامب”، على سبيل المثال، تلقى دعماً هائلاً من شخصيات بارزة في عالم المال، مثل “تيموثي ميلون” وأرملة أمبراطور القمار الإسرائيلي “شيلدون أدنسون”، حيث تعهد الأخير بتقديم أكثر من 100 مليون دولار لدعم حملة ترامب.

في المقابل، حظيت “هاريس”، المرشحة الديمقراطية، بدعم مماثل من قادة شركات كبرى مثل “نتفليكس” ومجموعة “بلومبيرج”، وجميعهم هيئات وشخصيات يحسبون على الصهيونية، ويتفانون في خدمة ودعم سياسات “إسرائيل” ومشاريعها العالمية.

مصدر وحيد للدعم

تكشف هذه الديناميكية عن حقيقة مفادها، أن التمويل يأتي من مصدر واحد، وهو اللوبي الصهيوني، الذي يسعى لتحقيق أجندته الخاصة ويوزع جهوده والأموال على الطرفين المتنافسين، بما يضمن عودة الريع إليه في كلا الحالتين، بالإضافة إلى أن هذا الازدواج يمثّل تأثيراً واسعاً، وكبيراً على قرارات الناخبين الأمريكيين، ويضعهم في أجواء “ديمقراطية” من خلال تصوير الأمر على أنه ممارسة لواحدة من أهم حقوقهم في الحكم عبر اختيار الرئيس، وعليه ومن زاوية النفوذ الأمريكي العالمي فإن صناديق الاقتراع لم تعد مجرد تعبير عن رأي الناخب، بل أصبحت بمثابة أدوات تحدد وتقرر مصير القضايا الدولية، وخاصة القضية الفلسطينية.

في الواقع، وعبر قراءة فاحصة وسريعة لتاريخ صناعة القرار الأمريكي وصناعة صناعه، يظهر جلياً أن الامر، لا يترك للصدفة، ولا يسمح للمزاج الشعبي بتحديده أو حتى الإسهام فيه، وهذا واحد من الخطوط الحمراء المُجمع عليها في عمق الحكم العميق للصهيونية القابضة على تلابيب البيت الأبيض، وأروقة المشرعين الأمريكيين في المجلسين، وهذه البيروقراطية لا تحيد البتة عن خدمة “إسرائيل” بل وتعلن صراحة -خاصة في السنوات الأخيرة- أولوية المصالح الإسرائيلية على الحسابات الأمريكية والوضع الداخلي.

وبمنظور آخر، يظهر جليًا أن السياسة الأمريكية تجاه فلسطين هي نتاج تفاعلات معقدة بين المصالح الاقتصادية والسياسية للدولة العميقة، وتظل العلاقة بين أمريكا و”إسرائيل” وثيقة وتتقاطعان في مشاريع الصهيونية العالمية، ولو على حساب مصالح الداخل الأمريكي، ويمثل اللوبي الصهيوني العامل الرئيسي وربما الحصري الذي يؤثر على توجيه السياسات الأمريكية خاصة تجاه قضايا حساسة مثل القضية الفلسطينية.

هذه الحقائق التي تمثل ركائز الحكم في أمريكا ترد على رهانات البعض من المحللين المتفائلين بتغيير إيجابي قد تظهره السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، بناءً على نتيجة الانتخابات، وتؤكد أن تنافس الجمهوريين والديمقراطيين ليس مجرد معركة انتخابية، بل هو صراع يعكس التوجهات السياسية التي تتقاطع عند قضية فلسطين. ربما يتطلب فهم هذه الديناميكيات وعيًا متزايدًا من قبل الناخبين بأهمية أصواتهم وتأثيرها على القضايا الدولية، لكن ليس فلسطين لأن “إسرائيل” حق قائم في جوهر العقيدة الصهيونية، والصهيونية هي الحاكم الفعلي لأمريكا.

استنتاجات هامة:
تظهر العلاقة بين أمريكا و”إسرائيل” كثيفة ومعقدة، حيث تتقاطع المصالح الاقتصادية والسياسية بشكل يضمن استمرار النفوذ الصهيوني في توجيه السياسات الأمريكية، خاصة تجاه قضايا حساسة مثل القضية الفلسطينية. هذه الحقائق ترد على توقعات بعض المحللين المتفائلين بتغير إيجابي محتمل في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية بعد الانتخابات.

وبذلك، يصبح تنافس الجمهوريين والديمقراطيين أكثر من مجرد معركة انتخابية، بل يعكس صراعًا سياسيًا يتقاطع عند قضية فلسطين. يتطلب فهم هذه الديناميكيات وعيًا متزايدًا من الناخبين بأهمية أصواتهم وتأثيرها على القضايا الدولية، لكن ليس فلسطين، فحق “إسرائيل” هو جزء جوهري من العقيدة الصهيونية، والصهيونية تظل عقيدة الحاكم الفعلي لأمريكا.
————————————————
موقع أنصار الله – يحيى الشامي

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: السیاسة الأمریکیة القضیة الفلسطینیة الأمریکیة تجاه

إقرأ أيضاً:

في افتتاح “الكومسيك”.. اردوغان يدعو لتوحيد الصف في دعم فلسطين ولبنان

نوفمبر 4, 2024آخر تحديث: نوفمبر 4, 2024

المستقلة/- افتتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بصفته رئيس اللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري لمنظمة التعاون الإسلامي (الكومسيك)، أشغال الدورة الوزارية الأربعين للجنة، التي انطلقت اليوم الإثنين في إسطنبول.

ولفت اوردوغان في كلمة افتتح بها الاجتماع الانتباه إلى حالة الإبادة الجماعية الجارية في فلسطين ولبنان، مؤكدًا أن أحد أقوى الردود على العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان هو اعتراف المزيد من الدول رسميًا بدولة فلسطين.

ودعا في هذا السياق إلى وقف فوري لإطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى الشعب الفلسطيني. مشددا على أنه من الأهمية بمكان أن يضع العالم الإسلامي خلافاته جانبًا وأن يوحّد صفوفه دعمًا للشعبين الفلسطيني واللبناني في كفاحهما المشروع ضد الاحتلال الإسرائيلي.

وتطرق أردوغان إلى الوضع الاقتصادي العالمي، فدعا في هذا الصدد إلى تعزيز التعاون والتنسيق القائمين بين الدول الأعضاء وتعميقهما، مؤكدًا أن توطيد التعاون وتبادل الحلول المبتكرة سيمكّن الدول الأعضاء من التصدي للتحديات المشتركة، مما يعزز في نهاية المطاف المرونة الاقتصادية ويدفع عجلة النمو المستدام في جميع دول المنظمة.

من جانبه أكد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي حسين إبراهيم طه،، في كلمته، الدور الحيوي الذي تضطلع به اللجنة في تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء.

وتطرق كذلك إلى الأزمة الإنسانية في غزة، فأدان بأشد العبارات العدوان الإسرائيلي المستمر والإبادة الجماعية المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني، ودعا إلى تدخلٍ دوليٍ عاجلٍ لحماية المدنيين واستعادة السلام.

كما استعرض الأمين العام مختلف مبادرات منظمة التعاون الإسلامي الرامية إلى تعزيز التعاون الاجتماعي والاقتصادي بين الدول الأعضاء في مواجهة التحديات الإنمائية، وسلط الضوء على التقدم الكبير الذي أُحرز في مجال المبادلات التجارية بين الدول الأعضاء، مشددًا على أهمية التنفيذ الفعال للبرامج والمشاريع التجارية لتحقيق الهدف المتمثل في بلوغ نسبة 25% من التجارة البينية في إطار منظمة التعاون الإسلامي بحلول عام 2025.

وأكد أيضًا ضرورة زيادة تعزيز التعاون البيني في قطاع الأغذية والزراعة، وخاصة دعم سكان الأرياف في البلدان الأقل نموًا في المنظمة. كما شدد على الحاجة إلى مزيد من التعاون والتآزر بين جميع الدول الأعضاء في المنظمة ومؤسساتها من أجل تحقيق الأهداف السامية التي أنشئت من أجلها المنظمة.

تجدر الإشارة إلى أن جدول أعمال الدورة الوزارية الأربعين للكومسيك يتضمن حالة تنفيذ مختلف مشاريع منظمة التعاون الإسلامي في مجالات التجارة والاستثمار، والزراعة، والسياحة والمالية، والقطاع الخاص، والتخفيف من وطأة الفقر، وغيرها. ومن المقرر أن تختتم الدورة أعمالها في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.

وتعقد الكومسيك اجتماعات سنوية لاستعراض الأنشطة التي تنفذها منظمة التعاون الإسلامي في المجالين الاقتصادي والتجاري.

مقالات مشابهة

  • حيرة العرب بين «الفيل» و«الحمار»
  • في افتتاح “الكومسيك”.. اردوغان يدعو لتوحيد الصف في دعم فلسطين ولبنان
  • الفيل الجمهوري والحمار الديمقراطي.. متنافسان لا يختلفان على الكيان
  • الرئاسة الفلسطينية: على العالم اتخاذ خطوات ملموسة على أرض الواقع ضد “إسرائيل”
  • إنديانا موطن «مايكل جاكسون».. تعشق «الفيل» الجمهوري
  • معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى يحذر من خطر تنامي قدرات قوات صنعاء على “إسرائيل” والمصالح الأمريكية (فيديو)
  • عضو الحزب الديمقراطي: «بايدن» صهيوني.. و«هاريس» لديها موقف إيجابي تجاه القضية الفلسطينية
  • زيلينسكي يحث حلفاء أوكرانيا على التوقف عن “المشاهدة” والتحرك تجاه كوريا الشمالية
  • “كراهية إسرائيل في علب”.. “بيلد” تهاجم مقهى يبيع كولا تحمل اسم “فلسطين “و”غزة” في مترو برلين