الشاورما بين ألمانيا وتركيا ومعارك التاريخ المشترك
تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT
المرور على خبر ما قد يثير مكامن التفكير محفزا الفضول لاكتشاف بعض أسباب المعرفة وفوائد البحث، وهو ما حدث مع خبر حول اختلاف دولي تركي -ألماني حول توثيق طبق الشاورما لأي من الدولتين، وفقا للخبر الذي نشرته «بي بي سي» عن مصادرها: طلبت الحكومة التركية من المفوضية الأوروبية الاعتراف بطبق «الشاورما» وأصوله التركية وتسجيله كمنتج تقليدي باسمها لدى دول الاتحاد الأوروبي، بعد أن أصبحت تلك الوجبة الخفـيفة التي يفضل كثيرون تناولها خلال أمسياتهم، محور نقاش فـي ألمانيا حاليا، وهذا من شأنه أن يمنح أنقرة نفس المكانة التي تتمتع بها البيتزا التي تشتهر بها مدينة نابولي فـي إيطاليا أو لحم الخنزير المقدد فـي إسبانيا.
ورغم اعتراف ألمانيا بأن تاريخ الشاورما فـيها يعود إلى عاملين مهاجرين من الأتراك (الذين ساهموا فـي دعم اقتصاد ألمانيا فـي أعقاب الحرب، مقدمين الشاورما التركية التقليدية بعد تطويرها إلى شطيرة سهلة الأكل، على نحو أصبحت به الآن تمثل قوة اقتصادية) إلا أن ذلك الاعتراف لم يمنعها أن تعترض على توثيق تركيا له) لم يعد الأمر مجرد توثيق لطبق طعام تقليدي، فالشاورما تمثل قوة اقتصادية لكلا الدولتين؛ وهو ما دفع وزارة الأغذية والزراعة الاتحادية الألمانية واحدة من بين 11 منظمة قدمت اعتراضا على طلب تركيا، وقال متحدث باسم الوزارة فـي بيان لبي بي سي: «علمنا بالطلب المقدم من تركيا واندهشنا»! مضيفا «ساندويش الشاورما جزء من ألمانيا، وتتنوع طرق إعدادها على نحو يعكس التنوع فـي بلدنا، ويجب الحفاظ على ذلك» لن يكون ذلك مستغربا إطلاقا إذا ما عرفنا أن مبيعات الشاورما تبلغ سنويا نحو 2.3 مليار يورو فـي ألمانيا وحدها، و3.5 مليار يورو فـي شتى أرجاء أوروبا، كما أصبحت هذه الشطائر أداة تستخدم فـي أغراض سياسية، ففـي وقت سابق من العام الجاري طالب حزب اليسار الألماني «دي لينكه» الحكومة بفرض حد أقصى لسعر الشطيرة، مع إصرار الحكومة على الرفض، وفقا لجمعية منتجي الشاورما الأتراك فـي أوروبا، المتخذة من برلين مقرا لها، وهو ما دفع المفوضية الأوروبية لدعوة الحكومتين التركية والألمانية إلى إجراء محادثات للتوصل إلى حل وسط بينهما، ولكن من المرجح أن يترتب على أي اتفاق تداعيات قد يشعر بها العالم، بعد أن أصبحت الشاورما واحدة من أكثر الصادرات التركية شعبية.
معركة الشاورما تحيلنا بالضرورة لسياق المشترك التراثي التاريخي بين الدول، وكيف يمكن صيانته بتوثيقه، وربما قبل التوثيق وخلاله وبعده ضرورة دعم وتوظيف وتطوير الممكنات التاريخية التقليدية لتشكيل ما يمكن تضمينه فـي القوة الناعمة، مما يجعله مكونات أساسية تسهم فـي رفع رصيد الدول ثقافـيا واقتصاديا كذلك، لا ينبغي أن يعني ذلك بالضرورة صراعات مفترضة بين دولة المنشأ والدول المستوردة، بل الحديث كذلك عن المشترك التاريخي بين الدول المستقلة عن دولة المنشأ، أو المتحدة مع دول أخرى حديثا، عن أحقية هذه الدول أو تلك فـي التاريخ المشترك وتوثيقه وتوظيفه والإفادة منه ثقافـيا واقتصاديا، سواء كان ذلك المشترك ضمن اللغات، اللهجات، الفلكلور والفنون الشعبية، الأزياء التقليدية، الأطباق الشعبية وغيرها من أشكال التاريخ المشترك، هل يمكن إنكار ملكية التراث عن أقليات هاجرت طوعا أو كرها إلى مربعات جغرافـية جديدة حاملة معها ارتباطها الثقافـي والفكري؟ وماذا لو لم يكن أمر توثيق المرجعية التاريخية بالأمر الهيّن، لا سيما فـي مناطق اتسم تاريخها الطويل بالتداخل ( وتلك ميزة فخر لا مثلبة وانتقاص) كما اتسمت شعوبها بالحركة وصنع الأثر كالشعوب العربية، لا سيما فـي المناطق الصحراوية والمناطق البحرية المفتوحة؟
ختاما؛ معركة الشاورما التركية الألمانية تدعونا إلى مضاعفة الجهد لتوثيق ما لم يتم توثيقه من موروث ثقافـي شعبي، دون الاستهانة بالأطباق الشعبية أو الأزياء الموسمية التقليدية، أو الفنون الشعبية؛ كل ما نراه اليوم صغيرا هامشيا لا قيمة له قد تعظم قيمته مستقبلا، فنتمنى حينها لو أننا حققنا ضمانات الملكية(فردية أو مشتركة) بتوثيق مبكر يريحنا بعد عقود أو قرون من عبء الصراعات ويكفـينا مؤونة المفاوضات ويمنحنا سلطة التأثير وتصدير الأثر.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
أميركا تدعم بقاء قسد وتركيا ترفض وجودهم بسوريا الجديدة
قالت الولايات المتحدة الأميركية إن هدفها دعم ما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية" لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، في حين أكدت تركيا رفضها وجودهم في مستقبل سوريا.
فقد قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إن أكبر مصدر قلق لنا في سوريا هو إمكانية استغلال تنظيم الدولة لفرصة عدم وجود سلطة في بعض المناطق.
وأضاف سوليفان أن الأكراد أفضل شركائنا لمحاربة التنظيم ونخشى أن ينشغلوا عن ذلك إذا حاربتهم تركيا.
وأكد أن هدف واشنطن ضمان استمرار دعم "قسد" لإبقاء تنظيم الدولة تحت السيطرة.
وقال إن الأكراد يحرسون سجونا تضم آلافا من مقاتلي تنظيم الدولة، وإذا خرج هؤلاء فنحن أمام تهديد خطير للغاية، على حد تعبيره.
تركيا ترفضفي المقابل، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عقب محادثات في دمشق اليوم الأحد مع القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، إنه لا مكان لما وصفها بـ"التنظيمات الإهاربية" مثل حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية في مستقبل سوريا.
وشدد فيدان على أنه لن يُسمح لأي "تنظيم إرهابي" بالوجود فوق الأراضي السورية، مشيرا إلى أن الإدارة السورية الجديدة مصرة على مكافحة "التنظيمات الإرهابية" بما فيها تنظيم الدولة الإسلامية.
إعلان
وأشار إلى أن الإدارة الجديدة أبدت استعدادها لإدارة السجون المحتجز بها أعضاء من تنظيم الدولة في شمال شرق سوريا، وهي المهمة التي كانت ولا زالت "قسد" تتولاها.
وقال فيدان إنه يعتقد أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب سيتخذ نهجا مختلفا بشأن الوجود الأميركي والشراكة مع قوات سوريا الديمقراطية بمجرد توليه منصبه.
وفي ذات السياق، قال وزير الدفاع التركي يشار غولر، اليوم الأحد، إن تركيا تعتقد أن حكام سوريا الجدد، بما في ذلك فصيل الجيش الوطني السوري الذي تدعمه أنقرة، سيطردون مسلحي وحدات حماية الشعب من جميع الأراضي التي يحتلونها في شمال شرق سوريا.
وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب امتدادا لمسلحي حزب العمال الكردستاني الذين يخوضون تمردا ضد الدولة التركية منذ 40 عاما وتعتبرهم أنقرة وواشنطن والاتحاد الأوروبي جماعة إرهابية.
وتقود وحدات حماية الشعب تحالف قوات سوريا الديمقراطية الذي تدعمه الولايات المتحدة ويسيطر على مناطق في شمال شرق سوريا.
ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد قبل أسبوعين، تخوض تركيا والفصائل السورية التي تدعمها قتالا ضد "قسد"، وسيطرت على مدينة منبج.
وتطالب أنقرة بتفكيك المسلحين الأكراد السوريين، ودعت واشنطن إلى سحب دعمها. وأقر الجيش الأميركي الأسبوع الماضي بأن لديه 2000 جندي على الأرض في سوريا، وهو ضعف العدد الذي كان يذكره في السابق.