المرور على خبر ما قد يثير مكامن التفكير محفزا الفضول لاكتشاف بعض أسباب المعرفة وفوائد البحث، وهو ما حدث مع خبر حول اختلاف دولي تركي -ألماني حول توثيق طبق الشاورما لأي من الدولتين، وفقا للخبر الذي نشرته «بي بي سي» عن مصادرها: طلبت الحكومة التركية من المفوضية الأوروبية الاعتراف بطبق «الشاورما» وأصوله التركية وتسجيله كمنتج تقليدي باسمها لدى دول الاتحاد الأوروبي، بعد أن أصبحت تلك الوجبة الخفـيفة التي يفضل كثيرون تناولها خلال أمسياتهم، محور نقاش فـي ألمانيا حاليا، وهذا من شأنه أن يمنح أنقرة نفس المكانة التي تتمتع بها البيتزا التي تشتهر بها مدينة نابولي فـي إيطاليا أو لحم الخنزير المقدد فـي إسبانيا.

ورغم اعتراف ألمانيا بأن تاريخ الشاورما فـيها يعود إلى عاملين مهاجرين من الأتراك (الذين ساهموا فـي دعم اقتصاد ألمانيا فـي أعقاب الحرب، مقدمين الشاورما التركية التقليدية بعد تطويرها إلى شطيرة سهلة الأكل، على نحو أصبحت به الآن تمثل قوة اقتصادية) إلا أن ذلك الاعتراف لم يمنعها أن تعترض على توثيق تركيا له) لم يعد الأمر مجرد توثيق لطبق طعام تقليدي، فالشاورما تمثل قوة اقتصادية لكلا الدولتين؛ وهو ما دفع وزارة الأغذية والزراعة الاتحادية الألمانية واحدة من بين 11 منظمة قدمت اعتراضا على طلب تركيا، وقال متحدث باسم الوزارة فـي بيان لبي بي سي: «علمنا بالطلب المقدم من تركيا واندهشنا»! مضيفا «ساندويش الشاورما جزء من ألمانيا، وتتنوع طرق إعدادها على نحو يعكس التنوع فـي بلدنا، ويجب الحفاظ على ذلك» لن يكون ذلك مستغربا إطلاقا إذا ما عرفنا أن مبيعات الشاورما تبلغ سنويا نحو 2.3 مليار يورو فـي ألمانيا وحدها، و3.5 مليار يورو فـي شتى أرجاء أوروبا، كما أصبحت هذه الشطائر أداة تستخدم فـي أغراض سياسية، ففـي وقت سابق من العام الجاري طالب حزب اليسار الألماني «دي لينكه» الحكومة بفرض حد أقصى لسعر الشطيرة، مع إصرار الحكومة على الرفض، وفقا لجمعية منتجي الشاورما الأتراك فـي أوروبا، المتخذة من برلين مقرا لها، وهو ما دفع المفوضية الأوروبية لدعوة الحكومتين التركية والألمانية إلى إجراء محادثات للتوصل إلى حل وسط بينهما، ولكن من المرجح أن يترتب على أي اتفاق تداعيات قد يشعر بها العالم، بعد أن أصبحت الشاورما واحدة من أكثر الصادرات التركية شعبية.

معركة الشاورما تحيلنا بالضرورة لسياق المشترك التراثي التاريخي بين الدول، وكيف يمكن صيانته بتوثيقه، وربما قبل التوثيق وخلاله وبعده ضرورة دعم وتوظيف وتطوير الممكنات التاريخية التقليدية لتشكيل ما يمكن تضمينه فـي القوة الناعمة، مما يجعله مكونات أساسية تسهم فـي رفع رصيد الدول ثقافـيا واقتصاديا كذلك، لا ينبغي أن يعني ذلك بالضرورة صراعات مفترضة بين دولة المنشأ والدول المستوردة، بل الحديث كذلك عن المشترك التاريخي بين الدول المستقلة عن دولة المنشأ، أو المتحدة مع دول أخرى حديثا، عن أحقية هذه الدول أو تلك فـي التاريخ المشترك وتوثيقه وتوظيفه والإفادة منه ثقافـيا واقتصاديا، سواء كان ذلك المشترك ضمن اللغات، اللهجات، الفلكلور والفنون الشعبية، الأزياء التقليدية، الأطباق الشعبية وغيرها من أشكال التاريخ المشترك، هل يمكن إنكار ملكية التراث عن أقليات هاجرت طوعا أو كرها إلى مربعات جغرافـية جديدة حاملة معها ارتباطها الثقافـي والفكري؟ وماذا لو لم يكن أمر توثيق المرجعية التاريخية بالأمر الهيّن، لا سيما فـي مناطق اتسم تاريخها الطويل بالتداخل ( وتلك ميزة فخر لا مثلبة وانتقاص) كما اتسمت شعوبها بالحركة وصنع الأثر كالشعوب العربية، لا سيما فـي المناطق الصحراوية والمناطق البحرية المفتوحة؟

ختاما؛ معركة الشاورما التركية الألمانية تدعونا إلى مضاعفة الجهد لتوثيق ما لم يتم توثيقه من موروث ثقافـي شعبي، دون الاستهانة بالأطباق الشعبية أو الأزياء الموسمية التقليدية، أو الفنون الشعبية؛ كل ما نراه اليوم صغيرا هامشيا لا قيمة له قد تعظم قيمته مستقبلا، فنتمنى حينها لو أننا حققنا ضمانات الملكية(فردية أو مشتركة) بتوثيق مبكر يريحنا بعد عقود أو قرون من عبء الصراعات ويكفـينا مؤونة المفاوضات ويمنحنا سلطة التأثير وتصدير الأثر.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

العراق وتركيا يؤكدان على تعزيز التعاون بين البلدين في كافة المجالات

آخر تحديث: 26 يناير 2025 - 1:31 مبغداد/ شبكة أخبار العراق- قال وزير الخارجية فؤاد حسين في مؤتمر صحفي مشترك عقده في بغداد، اليوم، بعد وصول الأخير، أن “العلاقات الثنائية بين العراق وتركيا جيدة، وقد ناقشنا كيفية تطويرها بعد زيارة الرئيس أردوغان إلى بغداد”.وأضاف حسين، أن “هناك مجالات واسعة للعمل المشترك مع تركيا في القضايا الاقتصادية والسياسية”، مشيراً إلى أنه تم مناقشة الظروف المحيطة بين البلدين، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع الوضع في سوريا، حيث أكد أنه يتم التواصل المستمر مع الإدارة الجديدة في دمشق.كما أكد حسين، “تمت مناقشة الوضع الأمني وتواجد تنظيم داعش الإرهابي على الحدود، وسيتم عقد اجتماعات متعددة بين الجانبين للتباحث حول ملفات المنطقة ومحاربة الإرهاب”.من جانبه، أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، أن “اللقاء مع حسين تناول القضايا الإقليمية، ونحن نعتبر العلاقة مع العراق استراتيجية”.وأوضح فيدان، “كلما نال العراق الأمن والاستقرار، سينعكس ذلك إيجابياً على تركيا”.وأضاف، “نحن نعمل على تنفيذ مشروع طريق التنمية، ونسعى للمساهمة في جميع المشاريع المتعلقة بالتنمية”.وأشار فيدان إلى أهمية التنسيق الأمني بين البلدين، خصوصاً في ما يتعلق بمكافحة تنظيم داعش وحزب العمال الكوردستاني، مؤكداً “ناقشنا التنسيق لمكافحة داعش وتطرقنا إلى المسائل الخلافية الاقليمية التي يجب أن لا تؤثر على أمن البلدين”.

مقالات مشابهة

  • المشهداني يؤكد لفيدان على المضي في تعزيز العلاقات بين العراق وتركيا
  • الولايات المتحدة تتفوق على الصين بعد 14 عامًا.. وتركيا المستفيد
  • العراق وتركيا يؤكدان على تعزيز التعاون بين البلدين في كافة المجالات
  • وزارة الثقافة تباشر توثيق الأضرار التي لحقت بالمواقع الثقافية في قطاع غزة
  • مشروع توثيق تاريخ كرة القدم السعودية يكشف عن تفاصيل جديدة
  • «العدل» تعلق العمل بفرع توثيق نادي قضاة مجلس الدولة في القاهرة
  • الشاورما اللبناني تتصدر قائمة أفضل 100 ساندوتش في العالم
  • «زايد العليا» تبرز دور أصحاب الهمم في توثيق التاريخ الإماراتي
  • “زايد العليا” تبرز دور أصحاب الهمم في توثيق التاريخ الإماراتي
  • تعرف إلى دور أصحاب الهمم في توثيق التاريخ الإماراتي