الانتخابات الأمريكية.. هل تكون نقطة تحول في أمن أوروبا؟
تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT
أصبح وجود حاملة الطائرات الأمريكية "هاري إس ترومان" في بحر الشمال مؤخرًا رمزًا لقوة الولايات المتحدة واستعدادها للدفاع عن حلفائها، وإشارة واضحة لطمأنة الدول الأوروبية بشأن التزام واشنطن بأمنها، وذلك في وقت تشهد فيه أمريكا حالة من التوتر الداخلي مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.
وفي تحليل لمراسل بي بي سي لشؤون الدفاع جوناثان بيل، قال إن الانتخابات الأمريكية المقرر إقامتها في الخامس من تشرين الثاني / نوفمبر الجاري تطرح تساؤلات حول مدى استمرارية دعم أمريكا لأوروبا، وسط تحول السياسات وتزايد المخاوف بشأن مستقبل العلاقات عبر الأطلسي.
وأشار التحليل إلى أن القادة العسكريون الأمريكيون عادةً ما يتجنبون التحدث في السياسة، لكن مع تسارع الأحداث والانتخابات الأمريكية على الأبواب، يتساءل كثيرون، خاصة في الأوساط الأوروبية، عن مصير التحالف الأطلسي إذا ما فاز الرئيس السابق دونالد ترامب بالانتخابات. فقد سبق لترامب خلال فترة رئاسته الأولى أن أبدى رغبته في تخفيف العبء الأمريكي في حماية أوروبا، ملوحًا بأن على الأوروبيين أن يتحملوا مسؤولياتهم الدفاعية.
وعبر الوزير الألماني بوريس بيستوريوس، عند سؤاله عن احتمالات تغير السياسة الأمريكية تجاه أوروبا بعد الانتخابات، عن شعوره بأن أمريكا قد تتراجع عن دورها، سواء بشكل جزئي أو شامل، خاصة إذا ما انتهجت القيادة الجديدة سياسة "أمريكا أولًا" التي تركز على تقليص التدخلات الدولية.
ولطالما كان دعم أمريكا العسكري لأوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ركيزة أساسية للأمن الأوروبي، لكن يبدو أن هذا الدور مهدد بتغير التوجهات، حيث تعكس المقارنة بين القدرات العسكرية الأوروبية والأمريكية هذا الاعتماد.
وبينما تتمتع "هاري إس ترومان" بقدرات حربية فائقة وطاقم يزيد على خمسة آلاف فرد، نجد أن حاملة الطائرات البريطانية "إتش إم إس برينس أوف ويلز" لا تضاهي قوتها، حيث تمتلك عددًا محدودًا من الطائرات والمعدات، ويرى المراقبون أن هذا التفاوت في القدرات يعكس افتقار أوروبا إلى البنية العسكرية القادرة على مواجهة التحديات الكبيرة دون دعم أمريكي.
تأثير الصين
وبدأت الولايات المتحدة في الأعوام الأخيرة تحويل تركيزها نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث يعتبر البنتاغون الصين أكبر تحدٍ أمني، إذ باتت تمتلك قوة بحرية تتجاوز مثيلتها الأمريكية وتواصل توسعها العسكري بوتيرة سريعة. هذا التغير في الأولويات قد يدفع واشنطن إلى تقليل التزاماتها العسكرية في أوروبا والتركيز على التصدي للصين.
وقال القائد بيرني لوتز، الذي خدم سنوات طويلة في البحرية الأمريكية، إنه يدرك أهمية حماية الحلفاء الأوروبيين، لكن التركيز طويل الأمد يجب أن يكون في منطقة المحيط الهادئ حيث يتصاعد التهديد الصيني. ورغم بقاء "هاري إس ترومان" حاليًا في بحر الشمال، إلا أن خطط انتشارها تشمل التوجه إلى الشرق الأوسط قريبًا، وهي منطقة تظل مهمة لواشنطن رغم إعادة ترتيب الأولويات.
دعم واشنطن لأوكرانيا
وتؤثر الانتخابات الرئاسية الأمريكية أيضًا على الدعم العسكري المقدم لأوكرانيا، والتي تعتبر حاليًا المستفيد الأكبر من المساعدات الأمريكية في مواجهة التدخل الروسي، حيث يتوقع مسؤولون في حلف شمال الأطلسي أن الدعم الأمريكي قد ينخفض نسبيًا بغض النظر عن هوية الفائز، حيث ترى الولايات المتحدة أن أوروبا ينبغي أن تتحمل قسطًا أكبر من عبء الدفاع عن أوكرانيا.
وتعكس قلة النقاش حول السياسة الخارجية في الحملة الانتخابية ميلًا متزايدًا لدى الأمريكيين لتجنب الانخراط في المزيد من الصراعات الدولية. تبقى مسألة استمرار واشنطن في دورها كمدافع رئيسي عن أوروبا موضع شك، ما يثير تساؤلات حول مستقبل التحالف الأطلسي ودور أوروبا في حماية نفسها، خاصة في حال تغير القيادة الأمريكية وجهتها بعد الانتخابات المقبلة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة دولية أوروبا السياسة الخارجية أوروبا السياسة الخارجية الإنتخابات الأمريكية المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
خلافات أمريكا وأوروبا.. هل هي بداية انقسام حضارة الغرب وماذا سيفعل عندها العرب؟
صحيح أنّه لا يمكننا الجزم بأن الغرب يشهد حاليا انقساما حادا قد ينتهي بقطيعة بين أبرز مكوناته، لكننا نستطيع أن نتأكد من خلال قراءة حضارية للسياق السياسي الدولي وما وصل إليه في حاضرنا، ونشاهد عيانا كيف أنّ أوروبا والولايات المتحدة بينهما خلافات عميقة قد تأخذ أبعادا أخرى وتعرف انزلاقات حادة في أيّ وقت، خاصة حينما تقود دولها التيارات اليمينية المتطرفة والدينية المحافظة، وينتج عن حكمها وسياساتها الدولية نوع من السقوط الأخلاقي في تعاملها مع الشعوب الأخرى. لقد حدث ذلك تاريخيا إبان الحقبة الاستعمارية ورأينا كيف تحولت إمبراطوريات لا تغيب عنها الشمس إلى مجرد دول قومية صغيرة المساحة وقليلة السكان، بعد أن عاثت في مستعمراتها ظلما ونهبا لعقود طويلة.
وبتكبير رؤيتنا لهذا المشهد الحضاري سيبدو لنا أكثر وضوحا، ويمكننا عندها قراءته بشكل عام من خلال اللحظة التاريخية التي التقطنا منها صوره، نحن نشاهد بأمّ أعيننا إسرائيل، صنيعة أوروبا وأمريكا والمشكّلة من عرقيات غربية بشكل أساس، تتدثر بـ"السامية" المفترض أنها ميزة شرقية، حتى تحمي وجودها وفكرتها الصهيونية، ونرى كيف أن الولايات المتحدة دعمت جيش الاحتلال بأحدث تكنولوجيا السلاح والذخيرة وتواطأت سياسيا على إبادة شعب تريد اقتلاعه من أرضه.
وداخل هذا المشهد لا تخطئ العين المقارنة بين غزة وأوكرانيا، حيث لا يمكن للعقل الإنساني أن يتجاوزها مهما حاول الدوس على ضميره، ولعل هذا ما جعل أوروبا -بشكل عام- تأخذ مواقف رافضة للعدوان الإسرائيلي على غزة، في مقابل تورّط الولايات المتحدة في سفك دماء الفلسطينيين بمشاركتها المادية إلى جانب جيش الاحتلال الصهيوني، إلى أن جاء ترامب الذي أعطى ظهره لأوكرانيا وحاول التعامل مع غزة بنوع من الوقاحة التي لا تخلو من العقلانية، حيث أنّ عينه كانت على إمكانية الضغط على حماس وترهيبها والأخرى كانت على سلاحها الذي رفضت رفضا قاطعا تسليمه أو التخلي عنه.
"لقد كان ترامب محقّا في كل شيء"؛ عبارة وضعها الرئيس الأمريكي المثير للجدل على قبعة بيسبول حمراء لطالما رافقته ولا تزال، إنها عبارة تختصر عناده واعتداده بتصوراته وقراراته التي لم تشاطره فيها شرائح واسعة من الأمريكان اختارت أن تضع ثقتها في جو بايدن وأن تشكّ في ما سيحققه لها من وعود بدت لها غير قابلة للتصديق، وها هو اليوم ترامب يُذكرها بفداحة خطئها وفظاعة خطيئتها، فهو كان على الدوام على حقّ في كلّ ما حذّر الأمريكان منه (حسب قناعته العمياء طبعا).
وإذ يحاول ترامب كسب شرعية من خلال هذه العبارة يقنع بها الداخل الأمريكي بصوابية تواجهاته الحمائية التي يهدف من خلالها الحفاظ على الاقتصاد الأمريكي عبر فرض المزيد من الرسومات الجمركية على الاقتصاديات الكبرى في العالم، فهو يسعى إلى فرض هيمنة أمريكا في نسختها الترامبية على العالم، بما فيه أوروبا التي تقاسم أمريكا الحضارة والثقافة والعرق والدين والتاريخ، ولا تفرقهما سوى الجغرافيا.
لقد نحت الولايات المتحدة في عهد ترامب إلى اعتبار مصالحها القومية هي المرجع وهي المصلحة الثابتة، ولأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية ربما، تتبنى سياسة خارجية مختلفة تجاه حلفائها في أوروبا وكندا، الأمر الذي يطرح إشكالية بداية تصدع الحضارة الغربية.
على صعيد الاقتصاد، خلقت رغبة ترامب الجامحة في تحصيل المزيد من الأموال من خلال فرض رسوم جمركية على السلع القادمة من الاتحاد الأوروبي ردّ فعل مكافئ ومعاكس في الاتجاه لدى الأوروبيين، الذين أصبحوا أكثر تشككا من استمرار علاقات "أخوية متينة" مع الضفة المقابلة للأطلسي، ومن هنا يبدأ الصدع في الاتساع.
وفي الجانب العسكري نجد أنّ ضغوط أمريكا وتنصلها من الاستمرار في حماية الدول الأوروبية دون مقابل يصر ترامب على أن تدفعه إن أرادت بقاء الغطاء العسكري الأمريكي مستقبلا، وكذلك موقفها تجاه أوكرانيا، كل ذلك سيدفع بدول الاتحاد الأوروبي إلى تفعيل استراتيجية الدفاع المشترك، ما قد يفضي إلى تفكك حلف شمال الأطلسي الذي يشكّل أبرز مظهر عسكري يوحّد الحضارة الغربية، بل حتى على مستوى الدول ربما تلجأ كل دولة على حدة إلى وضع خطط وتصورات بشكل منفرد لأمنها القومي.
لقد تضاعف شكّ أوروبا في روسيا بعد أن غزت أوكرانيا وقطعت كل يقين في بوتين تكون قد عوّلت عليه قبلها، وحسمت دول القارة في مسألة إيجاد مصدر طاقوي بديل يُغنيها عن بوتين نهائيا، وأصبح انعدام الثقة في الشرق هو سيد الموقف، واليوم يبدو أنّ الشيء نفسه سيحدث مع الولايات المتحدة التي يقود ترامب علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي نحو حالة من اليقين ببقاء التهديد الأمريكي أو على الأقل عودته في المستقبل إن لم يستمر، ما يعني أنّ القارة العجوز في بحثها الأكيد عن بدائل اقتصادية وعسكرية لأمريكا ستتقوقع على نفسها أكثر من أيّ وقت مضى بعد أن تتجمد العلاقات غرب الأطلسي أيضا.
"متلازمة بوتين" هذه التي يبدو أنّ أوروبا قد أصيبت بها مجدّدا مع الولايات المتحدة بسبب سياسات ترامب، حيث لا تضمن الأيام حتى وإن ذهب أن تأتي برئيس آخر يشبهه في عناده أو ربما يفوقه في عجرفته، ستلقي بظلالها ليس على الجبهة الأطلسية فحسب، بل على العالم أجمع، وستسعى كل دولة إلى حماية اقتصادها ودعم أمنها واستقرارها لوحدها وبشكل ذاتي بعيدا عن الآخرين.
ولا يمكن لهذا المشهد الحضاري أن يكتمل إلا بطرح سؤال حول منطقتنا ربما يجد جوابا عن مصيرها: أين سيكون العرب في هذه الحالة المستعصية والمتأصلة من الأنانية التي ستسيطر على دول العالم؟ وكيف سينظرون إلى اقتصادياتهم وأمنهم القومي؟ هل سيتشرذمون أكثر مما هم عليه اليوم، أم أنّ رياح التغيير الحضاري قد تهبّ مجدّدا لتفرض ترتيبات جديدة على المنطقة؟