لماذا تهدد إيران مرة أخرى بتغيير العقيدة النووية ومدى الصواريخ؟
تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT
طهران- في وقت يخيّم فيه التصعيد بين إيران وإسرائيل، ومع وجود اعتقاد بأن "العدوّين اللدودين" أقرب للحرب المباشرة أكثر من أي وقت مضى، أكد رئيس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية في إيران كمال خرازي أن "تغيير العقيدة النووية لا يزال على الطاولة، وكذلك مدى الصواريخ التي راعينا فيها حساسية أوروبا حتى الآن".
وبعد يوم فقط، نقلت وسائل إعلام إيرانية أنه أثناء لقاء لمرشد الثورة علي خامنئي أمس السبت، طالبه أحد الطلاب بتغيير العقيدة النووية وإصدار فتوى ثانية بشأن السلاح النووي، ليؤكد المرشد في جزء من كلمته بعد ذلك أن "إيران ستكون مجهزة بكل ما يلزم لمواجهة العدو" وفق المصادر الإيرانية.
وأشار خامنئي إلى اقتراح أحد الطلاب حول كيفية مواجهة الاستكبار، قائلا "ليعلم الجميع أنه في هذه المعركة، سيتم اتخاذ كل إجراء ضروري عسكري أو تسليحي أو سياسي من أجل جاهزية الشعب الإيراني، والمسؤولون بالفعل مشغولون بهذا النوع من الأعمال".
وتأتي هذه التصريحات بعد نحو أسبوع من الهجوم العسكري الإسرائيلي على أهداف في إيران اعتبر الأول من نوعه، وبالمقابل تتوعد الأخيرة -بلهجة شديدة- إسرائيل بالرد على الهجوم.
ومن جانب آخر، تخضع إيران لعقوبات أميركية وأوروبية ودولية لمواجهة برنامجها النووي وتصنيع الصواريخ، حيث بلغ سعر الدولار الأميركي اليوم في إيران 70 ألف تومان، بعد أن كان 65 ألفا مطلع الأسبوع الماضي قبيل الهجوم الإسرائيلي، بينما كان سعره حتى تاريخ انسحاب إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي في أبريل/نيسان 2018 ما يعادل نحو 5 آلاف تومان.
رسالة إلى أوروباوفي سياق عودة الحديث عن تغيير العقيدة النووية، أشار الباحث في القضايا الإقليمية عرفان بجوهنده إلى 3 محاور في الأزمة ما بين إيران والغرب، وهي الحرب الأوكرانية، موت الاتفاق النووي، الحرب في المنطقة، حيث تؤثر هذه المحاور الثلاث على بعضها البعض.
وقال -في حديثه للجزيرة نت- إن إيران حددت مدى صواريخها بـ200 ألف كيلومتر كي لا تثير حساسية الأوروبيين وقلقهم الأمني، وحتى لا تكون أوروبا ضمن مدى الصواريخ الإيرانية "وهذا نوع من الامتياز من إيران لأوروبا".
ورأى أن تصريح خرازي يحمل رسالة إلى الأوروبيين، وتحديدا ألمانيا بصفتها رائدة الدعم لإسرائيل، ويقصد خرازي أنه "ما لم تراعِ أوروبا قلقنا الأمني بالمقابل نحن أيضا لن نراعي قلقها الأمني" معتبرا هذه التصريحات "تحرك إلى الأمام".
كما اعتبر الباحث أن التصريحات تعد تهديدا مضادا لتهديدات إسرائيل بضرب المراكز النووية، وكذلك تهديدا لأميركا وأوروبا في حال ستمتنعان في الأشهر المقبلة عن التوصل إلى اتفاق بشأن النووي الإيراني ورفع العقوبات.
الخيار الأخيرمن جانبه، أوضح الباحث السياسي برديا عطاران أنه وبعد 10 سنوات من الثورة وانتهاء الحرب مع العراق، أدركت إيران أن علاقاتها مع الغرب والشرق مختلة، لذلك أصبحت القضية الرئيسية للجمهورية الإسلامية منذ عام 1988 وحتى اليوم هي حفظ النظام وأمنها القومي.
ويضيف -في حديثه للجزيرة نت- أنه على مدى أكثر من 20 سنة فاوضت إيران دول 5+1 من أجل تأمين أمن ومصالح البلد، والسماح بتطوير هيكلها السياسي والاقتصادي والأمني والثقافي، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، لكن التفاوض تم اختباره مرات عديدة وأثبت فشله، وأدركت طهران أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة لا يريد أن تستفيد من منافع النظام العالمي، وفق رأي الباحث.
ويتابع أن هذا ما دفع إيران باتجاه صناعة محور وآلية أمنية باسم "محور المقاومة" وذلك من أجل تحقيق أمنها القومي وردعها. وما نشهده اليوم -برأي عطاران- أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول هدم الردع الإيراني، مما دفع طهران إلى أسلوب آخر للرد على إجراءات الاحتلال المخربة، وهو ما يجعلها تتخذ خطوة مكلفة تتمثل بتغيير عقيدتها النووية.
كما يعتقد أن إيران سلكت مراحل مختلفة لتأمين أمنها، حيث فاوضت الغرب وفشلت المفاوضات، ثم صنعت محور ردع وأنتجت أسلحة محلية الصنع وقوّت ترسانتها، ولم تتجه نحو صنع أو استخدام السلاح النووي "ولكن في حال وسع الكيان الصهيوني مدى تهديداته وشمل المحور والصواريخ والبنى التحتية، فلن يتبق لإيران خيار آخر غير تغيير عقيدتها النووية" مضيفا أن تغيير مدى الصواريخ يتعلق بالأزمة مع أوروبا وبشكل أكبر الحرب الأوكرانية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات تغییر العقیدة النوویة مدى الصواریخ
إقرأ أيضاً:
العقيدة الإسلامية من الدلالة الغيبية النظرية المؤسّسة إلى البعد العملي
العقيدة الإسلامية هي حقيقة ثابتة وشاملة تُحدد علاقة الإنسان بربه، وبنفسه، وبالآخرين، وبالكون من حوله. فعاليتها تكمن في تحويل الإيمان إلى قوة دافعة للإصلاح والتنمية، مما يجعلها الأساس المتين لبناء الفرد والمجتمع.
الكاتب والمفكر التونسي الدكتور عبد المجيد النجار وهو أحد المفكرين والباحثين في مجال الفقه والفكر الإسلامي المعاصريقدم في هذه السلسلة من المقالات التي تنشرها "عربي21" بالتزامن مع نشرها على صفحته على منصة "فيسبوك"، مدلول العقيدة الإسلامية ومفرداتها.
السبب في اقتصار علم العقيدة على هذه القضايا دون غيرها أن هذا العلم نشأ علما ذا غاية دفاعية، إذ هو كما استقر عليه الأمر في تعريفه: " علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشبه " ، فهو إذن معنيّ بالمسائل العقدية التي يقتضي الحال الدفاع عنها إثباتا لها وردا للشبه الموجهة إليها، واندراج المسائل فيه إنما كان بناء على الحاجة إلى الدفاع عنها، إما بأسباب خارجية أو داخلية، وقد كان الأمر كذلك تاريخيا، فنشوء أبحاث في هذه المسائل كان متطاولا في الزمن بحسب حدوث الأسباب الداعية للدفاع ، والمسائل التي لم تدع حاجة إلى الدفاع عنها لم تدرج بصفة أساسية في علم العقيدة، فلم تصبح ضمن مسائله إلا أن تكون بصفة عارضة.
ولما توقّف الفكر الإسلامي عموما عن النمو والإبداع بعد القرن الخامس، ومن ضمنه الفكر العقدي، كَلّ هذا الفكر عن مهمّة الدفاع عن العقيدة بالتصدّي للتحدّيات المستجدة الموجّهة لمسائل دينية بعض منها قد لا يكون تعرّض إلى مثل تلك التحديات، فلم يقع إذن إدراجه ضمن دائرة علم العقيدة كما كانت تدرج من قبل تلك المسائل التي تدعو الحاجة إلى الدفاع عنها تباعا بمقتضى تعرضها للتحدّيات، وبذلك توقف هذا العلم في مسائله، وانغلق على مواضيعه السابقة، وأصبح العمل فيه لا يعدو أن يكون ترتيبا وتبويبا، أو شرحا وتوسيعا، أو اختصارا وتهذيبا.
لو تأملت أوضاع المسلمين من حيث مدلول العقيدة في أفهامهم، كما انتهى إليه الأمر منذ قرون، وكما هو الأمر اليوم عند عامة المسلمين، بل عند كثير من خاصّتهم المتعلمين وعند بعض من المختصّين في علوم الدين، لو تأملت ذلك لوجدت أن هذا المدلول يتركّز على القضايا الأساسية في العقيدة وهي الإيمان بالله والنبوة والوحي والملائكة والقدر، وما هو مندرج ضمنهاوبمرور الزمن أصبح كثير من خالفي المسلمين يقع في نفوسهم الظنّ بأن مدلول العقيدة الإسلامية إنما هو محدود بحدود المسائل التي شملها علم العقيدة وانغلق عليها بحكم توقفه عن النمو قرونا طويلة، وأما ما عدا ذلك من مسائل الدين فهي مسائل شرعية وليست عقدية، فلم تدرج ضمن هذا المدلول، ولم يكن لها إذن منزلة من الرسوخ في النفس والتأسس فيها كما كان لتلك المسائل الأخرى، ولم يكن لها بالتالي موقع التوجيه والدفع الذي يكون للمسائل المندرجة ضمن مدلول العقيدة، إذ تلك المسائل بمقتضى صفتها العقدية هي التي تشكل الموقف الديني العام للفرد المسلم كما للأمة عامة، وهي التي توجه الحياة كلها، إذ العقيدة هي الموجّهة للحياة.
ولو تأملت أوضاع المسلمين من حيث مدلول العقيدة في أفهامهم، كما انتهى إليه الأمر منذ قرون، وكما هو الأمر اليوم عند عامة المسلمين، بل عند كثير من خاصّتهم المتعلمين وعند بعض من المختصّين في علوم الدين، لو تأملت ذلك لوجدت أن هذا المدلول يتركّز على القضايا الأساسية في العقيدة وهي الإيمان بالله والنبوة والوحي والملائكة والقدر، وما هو مندرج ضمنها، وأنه لا يتّسع لمسائل أخرى ذات معان عقدية أيضا، يدخل التصديق بها إلى دائرة الإيمان، ويخرج التكذيب بها إلى دائرة الكفر، ومن أمثلتها مسألة شمولية الدين، والروح كجزء من التركيب الإنساني، ومهمّة الخلافة في الأرض كغاية لحياة الإنسان، والعدالة الاجتماعية كقاعدة في بناء المجتمع. فهذه المسائل وأمثالها بالرغم ممّا لها من مدخل في تحقق الإيمان وعدمه، فإنها لا تدخل اليوم ضمن دائرة المدلول العقدي عند الكثير من المسلمين، وإنما هي عندهم مسائل شرعية لا ترقى إلى درجة الاعتقاد، ولا تراها تدرج في اهتماماتهم التعليمية والدعوية ضمن المؤلفات والبيانات العقدية.
وقد أدّى هذا الانحسار في مدلول العقيدة في الذهنية الإسلامية إلى نزوع هذا المدلول منزعا تجريديا ابتعد به عن وجوه الحياة العملية، حيث أصبحت الأذهان تنصرف في تحمّلها للعقيدة إلى عالم الغيب دون وصل له بعالم الشهادة من واقع الحياة الجارية، إذ كأنما الاعتقاد يقتصر على الاعتقاد بالغيب، وكان لذلك انعكاس سيئ على الحياة العملية للمسلمين، إذ تقاعست هذه الحياة عن الاندفاع نحو التعمير في الأرض باستثمار الكون، وبترقية الإنسان بالحرية والعدالة والسعي الدؤوب لتحقيق الخلافة، فهذه مسائل خارجة في دائرة الوعي عن أن تكون مسائل عقدية، وماذا يدفع إلى توجيه الحياة إليها إذا لم يكن الإيمان بأنها من صلب العقيدة الإسلامية؟ ويشيع اليوم في دوائر الكثير من الدعاة، والمؤسسات الدعوية والتعليمية الدينية فضلا عن دوائر العامة من المسلمين أنّ مسائل مثل الإيمان بالجن وبعذاب القبر هي على سبيل المثال من مفردات الاعتقاد الأساسية بينما لا تدرج مسألة العدالة الاجتماعية أو مهمّة الخلافة في الأرض غاية للحياة، أو تكريم الإنسان وحفظ حقوقه ضمن الاهتمام العقدي، فكيف إذن يمكن أن تتّجه حياة المسلمين في اتّجاه الترقية الاجتماعية والتعمير في الأرض؟
ومن ذلك يتبين أن الضرورة تدعو كعامل من عوامل الدفع بالأمّة نحو الرقيّ المعنوي والمادّي أن يتمّ ترشيد تحمّلها لمدلول العقيدة بتوسيع هذا المدلول في الأذهان حتى يشمل دائرة من المسائل أفسح من هذه المسائل التي يشملها الآن، ولتكون صورته في النفوس كحقيقته في واقع الأمر كما جاء في القرآن والحديث، وكصورته التي كان عليها في أذهان أوائل المسلمين حينما كانوا يفهمون انطلاقهم في الآفاق لنشر الدعوة، وتحرير العباد من الاستبداد، والتعمير في الأرض على أن كل ذلك يندرج ضمن مدلول العقيدة، فكان انطلاقهم فاعلا، وإنجازهم الحضاري مشهودا، وما كانوا في ذلك الفهم لمدلول العقيدة إلاّ صادرين عن روح القرآن والحديث في تعدية هذا المدلول إلى دائرة واسعة من تعاليم الدين ذات البعد العملي هي أوسع بكثير من تلك التعاليم ذات البعد النظري وإن تكن هي الأساس الأول للاعتقاد.
لقد جاء في القرآن المكي وهو المؤسس للعقيدة في النفوس وصل دائم بين حقائق الوحدانية والبعث والنبوة، وبين مفاهيم اجتماعية مثل كفالة اليتامى والمساكين، والقيام بالعمل الصالح، وفي ذلك أبلغ الدلالة على تعدّي دلالة العقيدة من ذلك البعد الغيبي النظري المؤسّس إلى مثل تلك المفردات ذات البعد العملي المتعلق بأوجه الحياة الفردية والاجتماعية في مختلف مناحيها. وإذا كان الأمر كذلك فكيف يمكن إعادة بناء الفهم العقدي بترتيب جديد لمفردات العقيدة في نطاق هذا المدلول؟
إقرأ أيضا: العقيدة الإسلامية أساس الدين كله والمرجع الذي يوجّه الأحكام..