أمريكا لا يمكنها الاستغناء عن التكسير المائي
تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT
ترجمة ـ قاسم مكي -
اتَّسَم السباق الرِّئاسي لهذا العام بملمح غير طبيعي، إنه مناقشة حظر التكسير المائي، واللاّفِت أن يوجد مثل هذا النقاش أساسا، إنه يعود بنا القهْقرَى إلى أول عقدين في هذا القرن عندما بدأ الناس ينتبهون إلى استخدام التكسير المائي والحفر الأفقي لاستخراج النفط والغاز الصخريين. وقتها كانت الولايات المتحدة أكبر بلد مستورد للنفط في العالم.
قبل فترة ليست بعيدة كان احتمال تحقيق الولايات المتحدة استقلال الطاقة يبدو أضغاثَ أحلام، فلأكثر من أربعة عقود كان كل رئيس أمريكي يطمح إلى ذلك. لكن بلوغ هذا الهدف بدا بعيد المنال، واعتبر معلقون عديدون أن قَدَر الولايات المتحدة هو أن تصبح أكثر اعتمادا على الاستيراد لمقابلة احتياجاتها من موارد الطاقة. لكن في السنوات الأخيرة حققت الولايات المتحدة استقلال الطاقة بتحوّلها إلى مُصدّر صافٍ للطاقة. (هذا يعني رغم أنها تستورد بعض أنواع الطاقة كالنفط الخام وتصدّر أنواعا أخرى كالغاز إلا أن إجمالي صادراتها يفوق إجمالي وارداتها- المترجم). فإنتاج الولايات المتحدة يقترب من 13.5 مليون برميل من النفط في اليوم وهو ما يفوق إنتاج أكبر مُنتِجَين دائمَين للنفط في العالم وهما السعودية وروسيا بملايين عديدة من البراميل يوميا. وإذا أضفنا إلى ذلك ما يسمى «سوائل الغاز الطبيعي» سنجد أن الولايات المتحدة تنتج حوالي 20 مليون برميل في اليوم.
كانت الكتب الأكاديمية والفنية (في مجالات الجيولوجيا وهندسة البترول) تقول باستحالة إنتاج النفط والغاز الصخريين. لكن الابتكار والاستثمار على مر العقود أثبتا خلاف ذلك، ورغم هذا التقدم لا يزال أناس عديدون يقللون من تقدير مدى التحول الذي أحدثه النفط الصخري في اقتصاد الولايات المتحدة ونمط الحياة الأمريكية.
لنأخذ مثالا ملموسا. تقدر الشركة التي أعمل بها أن السيارات التي تدار بمحرك كهربائي أو هجين (كهرباء وبنزين معا) ستشكل 2% من أسطول السيارات الخفيفة على الطرق الأمريكية في عام 2024، فإذا تم منع التكسير المائي ستحتاج الولايات المتحدة إلى كميات غير عادية من النفط لتزويد سيارات محركات البنزين والديزل بالوقود.
في عام 2008 وقبل البداية الجادة لإنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة بلغت الفاتورة الصافية لاستيراد النفط 388 بليون دولار أو أكثر من 40% من إجمالي العجز في تجارة السلع، أما اليوم فنفس الفاتورة بالمقارنة لا تساوي شيئا تقريبا.
ستكون هنالك تكاليف أخرى للتخلص التدريجي من التكسير المائي. فإذا بدأت الولايات المتحدة استيراد النفط مرة أخرى سيرتفع سعره دون شك حيث ستضطر إلى المنافسة على الإمدادات مع بلدان كالصين والتي حسب التقديرات تستورد أكثر من 70% من احتياجاتها النفطية.
كما تصدر الولايات المتحدة أيضا كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال والذي في معظمه صخري. وبدون هذا الغاز سيختفي أيضا الأثر الإيجابي للغاز الطبيعي المسال على الميزان التجاري للولايات المتحدة.
الأثر الاقتصادي للتكسير المائي واضح وسط الاضطرابات الجيوسياسية. ففي العقود الماضية كان من شأن مثل هذه الصراعات كالحرب بين أوكرانيا وروسيا وحروب إسرائيل في الشرق الأوسط رفع الأسعار العالمية للنفط. لكن في السنوات الأخيرة ساعد حجم الإنتاج الأمريكي على الحيلولة دون حدوث مثل هذه الارتفاعات.
هذا التأثير على استقرار سعر النفط ستزداد أهميته إذا استهدف تمدُّدُ حربٍ شرق أوسطية المنشآتِ النفطية الإقليمية الكبرى وهدَّد بالمزيد من الارتفاع في الأسعار.
تأثير النفط والغاز الصخريين لا يقتصر على أسعار الوقود في الولايات المتحدة أو ميزان مدفوعاتها. فهو أيضا يعزز نفوذها الجيوسياسي. أحد التقديرات الخاطئة لروسيا في حرب أوكرانيا كان إمكانية استخدامها موارد الطاقة لتفكيك الائتلاف الأوروبي الذي يدعم كييف. فشلت استراتيجيتها لأن إمدادات أمريكية كبيرة من الغاز الطبيعي المُسال (معززة بزيادة الصادرات من النرويج) عوَّضت عن فقدان غاز روسيا.
كان ما يقرب من نصف إمدادات بلدان الاتحاد الأوروبي يتكون من الغاز الطبيعي المسال المستورد من الولايات المتحدة ومعظمه معالج من الغاز الصخري مما يجعل أمريكا أكبر بلد مورّد للاتحاد. وإذا تم الحدّ من هذه الإمدادات سيتأثر بشدة أمن حلفائها وسيختفي ملمح مهم من ترسانة منظمة معاهدة شمال الأطلسي (حلف الناتو).
نفس هذه الدينامية تنطبق على حلفاء الولايات المتحدة في المحيط الهادي، فاليابان وكوريا الجنوبية اتجهتا إلى الاعتماد على صادرات الطاقة الأمريكية والتي ثبتت أهميتها في تنويع إمداداتهما وتعزيز أمنهما.
فقدان هذه المساهمة سيجعل وضعهما أكثر هشاشة ويقلل ثقتهما في موثوقية الاعتماد على الولايات المتحدة وغالبا ما سيدفعهما نحو روسيا.
فرض حظر على التكسير المائي سيكون خاطئا ومدمّرا للولايات المتحدة وحلفائها. يجب إعادة النظر في النقاشات المتكررة حول هذا الموضوع والتي لا علاقة لها بالواقع الفعلي وذلك على ضوء حقيقة مركزية هي أن هذه التقنية أصبحت بالغة الأهمية لاقتصاد الولايات المتحدة وأمن الطاقة العالمي وستظل باقية.
دانييل يرجين نائب رئيس مجلس إدارة ستاندارد آند بورز جلوبال ومؤلف عدة كتب عن النفط والطاقة من بينها «الخارطة الجديدة - الطاقة والمناخ وصدام الأمم.»
الترجمة عن صحيفة وول ستريت جورنال
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الغاز الطبیعی من الغاز أکثر من
إقرأ أيضاً:
النفط يرتفع بفعل مخاوف اضطراب الإمدادات
ارتفعت أسعار النفط، اليوم الإثنين، بعد أن فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوماً جمركية على كندا والمكسيك والصين مما أثار مخاوف من اضطراب الإمدادات، لكن القلق مما قد تتحول إلى حرب تجارية مدمرة اقتصادياً حد من المكاسب.
وزادت العقود الآجلة لخام برنت 78 سنتاً، أو 1.03% إلى 76.45 دولاراً للبرميل.
Goldman Sachs claims the impact of tariffs on oil prices will be short-lived.https://t.co/6OPL6xeNKe
— OilPrice.com (@OilandEnergy) February 3, 2025وصعد خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 1.36 دولار، أو 1.88% إلى 73.89 دولاراً للبرميل بعد أن بلغ أعلى مستوى له منذ 24 يناير (كانون الثاني) عند 75.18 دولاراً.
وقال أماربريت سينغ المحلل لدى باركليز في مذكرة "الموقف المرن نسبياً من واردات الطاقة الكندية ينبع على الأرجح من الحذر".
وأضاف "من المرجح أن تؤثر الرسوم الجمركية على واردات الطاقة الكندية سلباً على أسواق الطاقة المحلية أكثر من واردات الطاقة المكسيكية، بل وقد يكون لها تأثيراً عكسياً على أحد أهم أهداف الرئيس وهو خفض تكاليف الطاقة".
ووفقاً لوزارة الطاقة الأمريكية فإن كندا والمكسيك هما أهم مصدرين لواردات الخام للولايات المتحدة، ويشكلان معاً نحو ربع النفط الذي تحوله المصافي الأمريكية إلى منتجات وقود مثل البنزين ووقود التدفئة.
وذكرت مصادر في القطاع أن الرسوم الجمركية سترفع التكاليف على درجات الخام الأمريكي الأثقل التي تحتاجها المصافي الأمريكية لتحقيق الإنتاج الأمثل، الأمر الذي يخفض أرباحها ومن المحتمل أن يؤدي إلى تخفيضات في الإنتاج.
وقفزت العقود الآجلة للبنزين الأمريكي 2.5% إلى 2.11 دولارين للغالون بعد أن لامست أعلى مستوى لها منذ 16 يناير (كانون الثاني) عند 2.162 دولارين.
ويترقب المستثمرون نتائج اجتماع أوبك بلس اليوم الإثنين وسط توقعات بأن المجموعة ستتمسك بخططها الحالية لزيادة الإنتاج تدريجياً.