قبل عام تقريبا نفذت وحدة متابعة تنفيذ رؤية عُمان (2040)، حلقة نقاشية بجامعة السلطان قابوس كانت أغلب محاورها عن خطط ومشاريع الرؤية المستقبلية لعُمان، إذ كنت من بين الحضور لتلك الحلقة النقاشية فتم استعراض وثيقة الرؤية منذ انطلاقتها في (2021) وحتى تلك المدة. وبعد صدور تقرير وحدة متابعة التنفيذ للفترة بين (2023-2024)، أبدى أحد الزملاء رغبته في قراءة التقرير لمعرفة ما تحقق مما ورد بوثيقة الرؤية، وبما أن الهدف من التقرير السابق الإشارة إليه كما ورد في مقدمته هو تقييم الأداء الفعلي للوحدات الحكومية ومدى تنفيذها لمستهدفات رؤية عُمان حسب المؤشرات المعتمدة، في هذا المقال أحاول تسليط الضوء على بعض الجوانب، مع العلم بأن التقرير أخذ منحنى السرد لإنجازات وأعمال الجهات الحكومية.

لتحقيق تنفيذ رؤية عُمان تم إنشاء وحدة متابعة التنفيذ، من مهامها التأكد من التنفيذ والمتابعة بما تضمنته وثيقة الرؤية من خطط ومشاريع مستقبلية يتم تقييمها بناء على مؤشرات وطنية ودولية. وفي حال شابت أية تحديات فقد منحت الوحدة الصلاحيات أو بمعنى أدق حوكمة واسعة في تصعيد التحديات، وتكمن مسارات الحوكمة في تسلسل تصعيد التحديات التي قد تعترض تحقيق الأهداف، والمشاريع المطلوب تنفيذها خلال مدة زمنية معينة. ذلك التسلسل يبدأ بالمستوى الأول وهو تصعيد تلك التحديات لمكاتب متابعة تنفيذ رؤية عمان المشكلة بالجهات الحكومية، فإن لم يتم ذلك، يرفع الأمر تصاعديا إلى المستويات الأخرى وصولا لمجلس الوزراء ومن ثم المستوى الأعلى وهو تصعيد التحديات إلى المقام السامي. وبالتالي، هذا يعطي بعدا استراتيجيا وحوكمة عالية، الهدف منها التأكيد بأن الرؤية وُجدت لكي تمضي نحو تحقيق المستهدفات الوطنية دونما تأخير. عليه نعتقد بعد مرور ما يقرب على أربع سنوات من بداية تنفيذ رؤية عُمان وعدم تضمين ما يشير إلى استخدام مسارات الحوكمة في آليات تصعيد التحديات في التقرير الأخير الصادر عن وحدة تنفيذ الرؤية، فذلك يعطي انطباعا بأن مراقبة الأداء للمخطط الزمني لتنفيذ الرؤية يسير بخطى طموحة دون أية عوائق.

والرؤية بشكل عام عبارة عن خارطة طريق للمدى الذي تريد سلطنة عُمان أن ترى نفسها في المستقبل أي بعد ما يقرب من (15) عاما وهي المدة الزمنية المتبقية لتنفيذ رؤية عُمان. لذا؛ فإن التقارير السنوية التي تصدرها وحدة تنفيذ الرؤية، تكتسب أهمية وطنية لأن الوحدة هي ذات الاختصاص في متابعة مؤشرات أداء الجهات المنوط بها تحقيق تلك المؤشرات، وبالتالي، التوجه إلى السرد التفصيلي لإنجازات الوحدات - كما ورد بالتقرير الأخير- قد لا يعكس الأداء الحكومي لتلك الوحدات. ونعطي مثالا على ذلك فلم يشر تقرير وحدة تنفيذ الرؤية إلى النسب المحققة لاستبانة قياس أثر الممارسات الإدارية والرضا الوظيفي لمنظومة الإجادة المؤسسة خلال (2023) على الرغم من قيام ما يقرب من (185) ألف موظف شاركوا في تلك الاستبانة عن النصف الثاني من نفس العام. أيضا هناك جهود ملحوظة في مجال التشغيل، إلا أن التقرير لم يتضمن نسب التغيير في معدل الباحثين عن العمل خلال مدة زمنية معينة، كما أن تقرير وحدة التنفيذ اعتمد على بيانات لعام (2023) عند عرض عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مع توفر بيانات أكثر تحديثا للربع الأولى من عام (2024) حسب ما يظهر بالموقع الإلكتروني للمركز الوطني للإحصاء والمعلومات.

في المقابل فقد أحسنت وحدة متابعة التنفيذ صنعا، عند تحليلها لمؤشر مدركات الفساد، والقول إن هناك فريقا وطنيا من الجهات المختصة يتابع تحسين تصنيف سلطنة عُمان في ذلك المؤشر، كما نرى بأنه في حال قيام الجهات المختصة بتسريع ما أقره مجلس الوزراء في شأن إجراء تعديلات على قانون حماية المال العام وتجنب تضارب المصالح الصادرة في (2021) بهدف تعزيز الشفافية والإجراءات الحكومية لحماية المال العام، لكان من شأن تلك المساهمة في الحد من التجاوزات والمخالفات التي وردت في تقرير جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة عن السنة المنتهية في (2023).

لعل أغلب الرؤى الاستراتيجية يطرأ عليها التعديل لكي تواكب المتغيرات على المستوى الخارجي ومنها المؤشرات التي أخذت في المدة الأخيرة تتوقف أو إنها لا تصدر لفترات طويلة وبالتالي، تكون متابعها دون ذات جدوى. وبناء على تلك التذبذبات في المؤشرات، قامت وحدة متابعة التنفيذ قبل فترة، بتقليص المؤشرات المحددة بوثيقة الرؤية من (68) إلى (39) مؤشرا منها (5) مؤشرات دولية، و (34) مؤشرا وطنيا. هذا التقليص يساعد على الدقة في المتابعة ويعطي الأولويات الوطنية الأهمية من حيث سهولة متابعتها مع الجهات ذات العلاقة بشكل دوري دون الانتظار حتى صدور المؤشرات الدولية، كما أن ذلك يساعد على توفير مؤشرات وطنية تكتسب أهمية وخصوصية في السنوات الأولى من فترة تنفيذ رؤية عُمان، لكي يتم تهيئة الموظفين سواء في وحدة متابعة التنفيذ أو مكاتب الرؤية بالجهات الحكومية من معرفة منهجيات المؤشرات الوطنية وآليات تكاملها مع المؤشرات الدولية. لذا؛ يمكن القول إن بعضا من المؤشرات الدولية التي انخفض تصنيف سلطنة عُمان بها، ليس لأنه لا يوجد تقدم ولكن قد يكون بسبب عدم توفير أو تحديث البيانات التي تطلبها المؤسسات والمنظمات الدولية المسؤولة عن إعداد تلك المؤشرات.

ولدواعي المقارنة فإن التقرير السابق لوحدة متابعة التنفيذ للفترة (2022-2023) اتسم بالشفافية والدقة في الطرح واتبع أسلوبا منهجيا سهلا دون الدخول في البيانات التفصيلية. أيضا التقرير سلط الضوء على المؤشرات بصورة دقيقة، حيث تم توضيحها - لكل أولوية وطنية - التي أخذت منحنى الصعود - اللون الأخضر - وكان عددها (15) مؤشرا تقريبا، والمؤشرات التي كان فيها تراجع - اللون الأحمر - وكان عددها (13) مؤشرا تقريبا. بيد أن التقرير الحالي للفترة من (2023-2024) يختلف في صياغته - نوعا ما - عن التقرير السابق، حيث على سبيل المثال، تطرق للمؤشرات التي تحسنت أو كان المؤشر فيها إيجابيا فقط.

في الجانب الآخر، عند مقارنة أغلب المؤشرات الدولية التي تمت الإشارة إليها في تقارير رؤية عُمان، نجد بأنها أيضا يتم متابعها من المكتب الوطني لتنافسية عُمان. مع العلم بأن المكتب الوطني للتنافسية تحت إشراف وزارة الاقتصاد ويختص بمتابعة المؤشرات الدولية الأساسية ومنها، مؤشر الابتكار العالمي ومؤشر مدركات الفساد وأيضا المؤشرات الدولية الثانوية ومنها مؤشر الحرية الاقتصادية ومؤشر القوة الناعمة. وبالتالي، بعضا من تلك المؤشرات وردت في تقارير وحدة متابعة التنفيذ وأيضا في تقارير المكتب الوطني لتنافسية عُمان. بيد أن ما يميز تقارير تنافسية عُمان بأنها أكثر شفافية وتتمتع بقدر أكبر من المقارنة المعيارية على المستوى الخليجي والدول التي تصدرت تلك المؤشرات. أيضا تقارير المكتب الوطني للتنافسية يغلب عليها السهولة وتحديثا في المعلومة التي يحتاج إليها القارئ أو الباحث أو حتى الجهات الحكومية التي تتابع إنجازاتها على المستوى الوطني أو الدولي. على سبيل المثال، عند الحديث عن مؤشرات الحوكمة العالمية التي يصدرها البنك الدولي التي تتألف من ستة مؤشرات، فقد تم عرضها بالكامل في تقرير تنافسية عُمان لعام (2023)، سواء التي كانت نتائجها إيجابية من حيث الصعود أو سلبية من حيث الهبوط. ولكن في تقرير وحدة متابعة تنفيذ الرؤية الأخير فقد تمت الإشارة إلى مؤشري- الجودة التنظيمية ومؤشر الكفاءة الحكومية، مع العلم بأن بيانات المقارنة لسنوات إصدار المؤشرين تختلف عن تلك المضمنة بتقرير تنافسية عُمان لعام (2023). أيضا خلا تقرير وحدة متابعة التنفيذ من نتائج سلطنة عُمان في بقية المؤشرات الأخرى المتعلقة بالحوكمة ومنها، مؤشر سيادة القانون (ارتفاع) ومؤشر السيطرة على الفساد (تراجع).

ختاما، نقول شكرا لوحدة متابعة تنفيذ رؤية عُمان على إثراء المجتمع بمثل هذه التقارير وإن كانت هناك ملحوظات على آليات إعدادها، فنحن نسير على نفس القارب والهدف السامي هو مشاركة الجميع في خدمة عُمان. عليه الأمل مشرقا في مستوى أداء أفضل في جميع الأولويات الوطنية المضمنة بوثيقة الرؤية، لتكون سلطنة عُمان ضمن مصاف الدول المتقدمة عالميا. وهذا يمكن تحقيقه بتحويل وثيقة الرؤية إلى واقع يلامس تطلعات المواطنين والمقيمين في هذه الأرض الطيبة، فعسى أن يكون ذلك قريبا.

د. حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: وحدة متابعة تنفیذ المؤشرات الدولیة الجهات الحکومیة تصعید التحدیات المکتب الوطنی تنفیذ الرؤیة تلک المؤشرات تقریر وحدة

إقرأ أيضاً:

اليوسف لـ"الرؤية": دور رائد لـ"نادي الظاهرة" في نشر رياضة الرماية

عبري- ناصر العبري

زار معالي قيس بن محمد اليوسف وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، نادي الظاهرة للرماية في بلد العراقي بولاية عبري، يرافقه الشيخ أحمد بن سويدان البلوشي، إذ تفقد معاليه مرافق النادي واستمع إلى شرح واف عن الخدمات المتنوعة التي يقدمها، كما اطلع على أنواع الأسلحة المعروضة والمستخدمة في التدريب وورش العمل بالنادي.

وأعرب معالي قيس اليوسف عن شكره للقائمين على نادي الظاهرة للرماية في ولاية عبري، مشيدًا بتنوع الأنشطة التي يقدمها النادي.

وقال معاليه- في تصريح لـ"الرؤية" إنه من المميز أن تتنوع أنشطة النادي ولا تقتصر على الرماية فقط؛ بل تشمل إصلاح الأسلحة التقليدية والتدريب على الرماية؛ حيث تعد هواية الرماية من الأنشطة المحبوبة لدى الشباب في سلطنة عُمان، ودائمًا ما تحقق السلطنة المراكز الأولى والمتقدمة في مسابقات الرماية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

وأضاف: "وجود هذا النوع من الأندية المتكاملة يسهم في تعزيز وتنمية هذه الهواية من النشء إلى فئة المحترفين، وقد لمسنا في هذا النادي وجود مكون آخر يتمثل في بيع الأسلحة والتسليح، إضافة إلى ترميم الأسلحة التقليدية."

مقالات مشابهة

  • شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز
  • قرار يدخل حيز التنفيذ
  • اليوسف لـ"الرؤية": دور رائد لـ"نادي الظاهرة" في نشر رياضة الرماية
  • التعليم بين الرؤية والواقع
  • قرارات حاسمة لوزير الإسكان خلال جولته بالقاهرة.. متابعة جدول التنفيذ وتحذير لإحدى الشركات
  • محافظ البحيرة: تنفيذ 55 مشروعا لمياه الشرب والصرف بتكلفة 6.9 مليار جنيه
  • وقت هاليفي في جيش الاحتلال الإسرائيلي محدود.. هذه أبرز المؤشرات
  • بالتفاصيل وطريقة التنفيذ.. تعرف إلى خدمة "تقرير حادث" من أبشر
  • أمطار جدة تتسبب في تدني الرؤية.. والدفاع المدني يحذر
  • جامعة الفيوم تفتتح مركز خدمة الطلبة ذوى الإعاقة