نوفمبر 3, 2024آخر تحديث: نوفمبر 3, 2024

ابراهيم الخليفة

ظاهرة غريبة  تتمثل ببعض القرارات  التي  تتخذها عدد من المحافظات،  بما فيها محافظة بغداد، ووزارة التربية، وهي التسابق لتعطيل الدوام في المدارس  ورياض  الاطفال  لأبسط الامور، دون الاخذ بنظر الاعتبار النتائج السلبية على المستوى البعيد لهذه القررات،  لتتحول من حالات نادرة ، وبمرور الوقت إلى ظاهرة مألوفة ، لتعبر عن الإحباط والفشل في إدارة ملف التعليم،  ظاهرها إنسانيا وجوهرها  سياسيا،  بسبب وجود زخات مطر أو التنبؤ بوجودها من عدمه ، انما  ينم  عن قصر في النظر وسوء في التخطيط ،والتعجل في أتخاذ القرار ،حيث أصبحت  الانواء الجوية  بمثابة البارومتر، الذي تتحرك بموجبه هذه الادارات  لتزف الُبشرى للطلبة بتعطيل الدوام الرسمي، الذين ينتظرونها بفارغ الصبر كأن الفرد العراقي وجد ليستمتع بالعطل بدون خلق ، أبداع أو انتاج ، من أجل ذلك، وجد على الكرة الأرضية، على ما يبدو ، نحن على العكس من باقي شعوب المعمورة.

العصر الآن عصر الذكاء الصناعي، توقّع (إيلون ماسك ) الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، أن تتجاوز الروبوتات عدد البشر بحلول عام 2040، ،هذه الظاهرة(كثرة العطل) ظاهرها حلو وباطنها مُر، ستلحق الضرر بتلاميذ المدارس والمنهج الدراسي، وخاصة المراحل الدراسية التي لديها امتحان بكلوريا، وهنا لابد ،ان نستذكر ان هذه الظاهرة لم تكن موجودة في العقود  السابقة التي كانت تتميز بكثافة الأمطار واستمراريتها لأيام عدة ، في الوقت الذي كانت فيه الشوارع غير معبدة تغطي أغلبها الأطيان  مع فقر الحال لأسر التلاميذ  الذي يثنيهم عن توفير المستلزمات لأبنائهم  من حيث المأكل والملبس بالشكل الضروري، ومع هذا يواظبون الذهاب  لمدارسهم وقد يتطلب الامر السير على الأقدام لمسافات بعيدة  تقدر بعشرات الكيلومترات مدفوعين برغبة عالية للتعلم و الاستمرارية  في الدراسة وعدم التخلي عن حصة بعينها ، مع أوامر ادارية مركزية تمنع التوقف عن الدراسة لأي مبررات يمكن تجاوزها ، وبالتالي يتخرج الطالب وهو على مستوى علمي جيد وإدراك واعي، يشهد على ذلك أولياء الأمور والقائمين بالعملية التعليمية .

اما الآن فالعكس صحيح ، أمطار قليلة أغلب الأسر لديها مركبات توصل ابناءها للمدارس ،شوارع معبدة حتى اقصى مدن الريف، يتماشى مع ذلك ، التلاميذ في اوضاع اقتصادية معتبره، تجعلهم يتكيفون مع الظاهرة المناخية غير المألوفة ،لكن يقابل ذلك كثرة تعطيل دوام المدارس  مما ينعكس سلبا على المهارات التعليمية للطالب، ويخلق لديه حالة الكسل والأتكالية.

هؤلاء الطلبة في مرحلة الأعداد والبناء، وهم اجيال المستقبل، فمن غير الحكمة، من البداية أن ننمي عندهم في مرحلة التكوين، هذه الظاهرة السلبية، بدل من ان ننمي لديهم القوة والعزيمة والصبر والتفكير والتدبر. فبدلا من أن يذهب الطالب للمدرسة ويواصل دراسته المنهجية، يبقى في المنزل، وبالتالي يقضي معظم وقته مشغول بمتابعة النت وامور التسلية الاخرى.

وهذه احد الجوانب الخفية  لكثرة العطل، تجهيل الجيل ، كما اشتكى البعض من أمور التلاميذ والتربويين من الانعكاسات السلبية لهذه الظاهرة على التحصيل العلمي  المعرفي للطالب او التلميذ ، اذا ما استثنينا كثرة العطل  المقرة، ماعدا  الطارئة ،  مما يولد ضغطا نفسيا وجسديا  على الطالب وعلى الأستاذ في الوقت عينه ، المدرس لديه خطه يلزم التقيد بها متمثلة بإنهاء المنهج الدراسي، وعكس ذلك يضعه، تحت المساءلة الادارية ، والتلميذ أو الطالب  مطالب باستيعاب المنهج والنجاح لمرحلة اخرى  مما يعني إنجاز المهمة على حساب المهارات العلمية.

نحن نفهم القلق لدى البعض من أولياء أمور التلاميذ في الظروف الجوية المطرية ،  حول كيفية وصول أبنائهم للمدارس لان الشوارع مملوءة بمياه الأمطار والرصيف هو السبيل الوحيد والآمن ، ولكن  الشيء المؤلم ،ومع الاسف، اغلب الأرصفة في المحلات السكنية التي تقع المدارس ضمن الرقعة الجغرافية لها  تم التجاوز عليها والبناء فيها  مما حرم على الطالب او عامة الناس من حق شرعي من حقوق الإنسان، وهو وجود رصيف آمن للوصول لوجهته ،  مما يدفع العديد منهم مجبرا الخوض في المياه الآسنة والاطيان  التي تغطي بعض الشوارع نتيجة ضعف الخدمات البلدية، أمام صمت أو تغاضي الجهات الحكومية عن هذه   الظاهرة التي يجرمها القانون ويحرمها العرف الاجتماعي ، مما أوجد مبررا غير قانونيا لتبرير تعطيل دوام المدارس.

الحل يكمن لمن هو حريص على تجاوز ذلك، في جهد حكومي غير مسيس وحيادي يقضي برفع هذه التجاوزات غير القانونية وغير الشرعية، وإعادة الرصيف لتأدية المهمة التي أوجد من أجلها وهي طريق آمن للمشاة، اغلبهم طلاب المدارس للتقليل من قلق الأهالي لضمان سلامة أبنائهم من مخاطر الطريق وخاصة في الظروف الممطرة وسوء الأحوال الجوية، ونرفع هذه الحجة أمام مبررات تعطيل دوام المدارس.

إن كثرة العطل غير المبررة أصبح محل فخر وزهو من قبل الإدارات   المعنية ،و من هو الاول يعلن عن ذلك ، من أجل  الكسب السياسي على حساب المصلحة المعرفية للتلميذ، فالدعوة موجهة  للمسؤولين تحت مختلف عناوينهم الادارية للبحث عن بدائل  ومبررات ، صحيح في بعض الأيام قد توجد ظروف جوية قاهرة  وهي محدودة  مما يستوجب  الإعلان عن عطلة ولكن ليس كما  هو الحال في السنوات الأخيرة كلما ظهرت سحب في السماء توجهت الأنظار نحو تعطيل الدوام وكان الحل الوحيد مما يعكس فشل في الادارة والتخطيط والبحث عن مبررات غير شرعية لتجاوز الأزمات.

والسؤال، كيف سيكون حال العراق لو يقع جغرافيا في إقليم غرب القارات التي تمتاز بكثافة سقوط المطر وديمومته على مدار العام، ففي هذه الحالة لن تتاح الفرصة امام مدارسنا للدوام، ضمن الرؤية هذه، إلا لأيام معدودة فقط، (فاليوم) تم الإعلان عن تعطيل الدوام في عدد من المحافظات جراء الموجة المطرية التي سادت يوم ونهار أمس ماذا كان يحدث لو حضر التلاميذ لمدارسهم، بين مدرسيهم وكتبهم، بدلا من البقاء في المنازل أمام اجهزة الموبايل والطوف التسكع في الشوارع.

بالتأكيد الحالة الاولى افضل لألباب العقول..

المصدر: وكالة الصحافة المستقلة

كلمات دلالية: تعطیل الدوام هذه الظاهرة

إقرأ أيضاً:

التوتر في الظاهرة كيف نحمي التماسك الاجتماعي؟

تعيش المجتمعات المتنوعة ثقافـيا تحديها الخاص، وهي إذ تتماسك فـي بنائها الجمعي تفعل ذلك عبر بناء علاقات ذات طابع وظيفـي تحقق بها وعبر منطقها صورة من تآلف الحضور الاجتماعي المتجسد فـي مظاهر شتى من العقائد الفكرية، والمذاهب الروحية، والأشكال الثقافـية متعددة التنسيج، ومع ذلك فإن التحدي يظل قائما، وهو كيف يمكن الحفاظ على هذه العلاقات مُمْتَنة وذات قيمة معنوية تشد بها أطراف ظاهرتها، والسؤال الأهم فـي ذلك هو: هل تلحق بهذه العلاقات أعراض من فتور مردها توتر فـي الإطار الكلي الناظم لسياق الاجتماعي؟ وليكن هذا السؤال هو محل نقاش هذه المقالة القصيرة.

إن كل رابطة اجتماعية فـي جوهرها تعبير عن تواصل مستمر فـي البنى الأصغر فـي كل تكوين، وما يصنع هذا التواصل هو العلاقات ما فوق البنيوية، فالمجتمعات الحيَّة هي تلك القادرة على الاستثمار المنتج لمختلف بُناها وأُطرها، لأن مصدر قوة كل مجتمع يعود إلى ترسيخ وتمديد فاعلية المكون الأقوى فـيها (=المعايير والقيم الأخلاقية)، فهي ماهيته الثقافـية المُشَكِلة للحضاري فـيه، والمعبرة عن ذاتيته وخصوصيته، وليس تفلح أي طاقة معرفـية ما لم تكن قادرة على التحقق المستمر من عمليات التواصل هذه، والطريقة المثلى لإجراء هذا الاختبار على مدى صلابة الاتصال الفعَّال بين المكونات الاجتماعية المختلفة، هو دراسة بل لنقُل مراقبة التحولات الناشئة جرَّاء التطورات التي تعيشها المجتمعات اليوم، إذ بهذا يمكن للمعنيين الحفاظ على التماسك الاجتماعي، لأنه من الملاحظ أننا فـي منطقتنا العربية لا نولي اهتماما كبيرا للمتغيرات الكامنة فـي جوف كل تحول تمليه قوانين طبيعية مثل: «الأجيال الجديدة، تراجع صور الانتماء، تحدي الآخر، الحريات والفردانية، مساءلة المُسَلمات...إلخ» ونعتقد بأن الكتلة الاجتماعية الصلبة لا تتأثر بما يحدث فـي السياقات الأخرى من الظاهرة، وقد لاحظ كثير من فلاسفة علم الاجتماع الحديث أن أكبر التحديات التي تواجه المجتمعات المعاصرة تتلخص فـي قدرة الفاعلين لمواجهة تحدياتها على التنبؤ وليس الرصد، فالثانية تعبير عن حالة إقرار واستسلام للمتغيرات، أما الأولى فوظيفتها أمضى، كونها تتبع حُر لفهم التبدلات الصامتة فـي البنية الاجتماعية الشاملة، ولذا نقع كثيرا على تخليط بين المشكلة الاجتماعية، وحقائق الواقع الاجتماعي (=الظواهر) فالأولى تنطبق على بعض مظاهر سلوكية تخترق سياج المعايير العامة مثل: «المخدرات والجريمة، الطلاق، الفقر، التفكك الأسري، الهجرة، العنف، التسول والتشرد...إلخ» وهذه محكومة أكثر بنطاق ضيق فـي البنية الشاملة، إذ هي لحظة من لحظاتها، وتحتاج فـي المقام الأول قبل التشريعات، والتي هي بطبيعة الحال موجودة فـي أي بلد، تحتاج إلى تدريب يتلقاه الباحث الاجتماعي لمحاصرة هذا النوع من المشكلات عبر دراسة الفئات الأكثر ارتباطا بها، وهذا يفـيد أن المشكلة الاجتماعية لا يتوفر فـيها ما يتوفر فـي الظاهرة، أي الشمول والانتشار واللازمانية، ورغم تعدد التعريفات لماهية المشكلة الاجتماعية، فإن المدرسة الوظيفـية فـي علم الاجتماع الحديث وهي التي تضع على عاتقها تنظيم المجتمع وضمان تثبيت حالات التوازن فـيه لتحقيق هدفها الرئيسي وهو تجذير الاستقرار الاجتماعي، فإن هذه المدرسة تمدنا بأهم جانب فـي فهم المشكلة الاجتماعية، وهي أن المشكلة الاجتماعية يتعاظم حضورها عندما تكون الظروف الراهنة فـي فضاء المجتمعات (المتعددة منها بالذات) غير قادرة على تلبية المعايير الاجتماعية (الكلية والمُجمع عليها، بل هي هوية سلم قيم المجتمع) بشكل كاف يحفظ لهذه القيم الاستمرار والديمومة التفاعلية فـي الأوساط الاجتماعية كافة، كما أن من مظاهر التحقق من وجود المشكلة الاجتماعية أن يكون هناك إجماع حتى من الفئات الناشطة فـيها أو على الأقل المتورطة فـي ترويجها، أن يكون هناك إجماع على رفضها والتبرؤ منها، فليس هناك مجرم أو مدمن أو أي خارج على القانون بإمكانه الدفاع عن أفعاله فـي الفضاء العام، وإن فعل ذلك فإنه ليس فقط يحكم على نفسه بالإدانة بل إنه يجعل من جريمته أيًا كان نوعها حربًا على المجتمع كله، لأن الجريمة الاجتماعية هي إخلال متعمد بالوثيقة الأخلاقية التي يتواضع عليها الجميع، بل إن حتى المجتمعات المتعددة ثقافـيًا وإثنيًا حيث تتنوع مناظيم القيم فـيها وتكون محكومة فـي كثير من اتجاهاتها بالنسبية الأخلاقية لا تستطيع أن تحافظ على تعايشها السلمي دون أن تتفق على منظومة عليا من القيم والمفاهيم المؤسسة لوجودها الاجتماعي.

إنه ولمواجهة أي مشكلة اجتماعية، وكم هي كثيرة فـي واقعنا العربي فإن المسؤولية كبيرة على عاتق مؤسسات الدولة، المؤسسات التي يدخل فـي حيز فاعليتها الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي وحماية تماسك الأفراد، وهنا فإن أولى مهام المؤسسات الاجتماعية فـي الدولة أن تهتم بتأسيس مراكز متخصصة يكرس جهد باحثيها لدراسة المشاكل الاجتماعية عبر إحاطة علمية دقيقة تسهم فـي فهم دوافع الجماعات أو التكوينات التي يتفشى فـيها الخروج عن السياق الجمعي، وأن تكون هناك دوريات متخصصة فـي توعية المجتمع بالخسائر الفادحة نتيجة هذا التشظي بين الفئوي والجمعي، وإن كنا نرى جهودًا مقدرة فـي هذا الاتجاه لكنها لا تزال تحتاج إلى خيال بحثي أكثر سعة مما عليه، كما أنه ينبغي للباحث الاجتماعي أو ما نطلق عليه فـي مجالنا العربي «الأخصائي الاجتماعي» رغم عدم دقة الوصف، ينبغي عليه وهو المعني بدراسة أوضاع الجريمة بأشكالها كافة أن يعي كيف أن المشكلات الاجتماعية تحتاج إلى تعريفها باستمرار كونها خاضعة لأشراط الزمان والمكان والسياق الذي تحدث فـيه، وأن يعمل على إخضاعها لمعايير الموضوعية العلمية. إنه الفحص المستمر لأشكال التوتر فـي الظاهرة الاجتماعية حماية لبقية عناصرها، كما أنه ومن الضروري أن يُنظر فـي سبيل تقييم المشكلة الاجتماعية إلى الفجوة بين المعايير العامة والظروف الفعلية لحدوث هذا النوع من الاختراق لسياج التماسك فـي الحياة الاجتماعية، ولذا فإن المشكلات تشكل بطبيعتها مواقف اجتماعية؛ فهي تنشأ من توتر فـي السياق الجمعي، وانتشارها يمثل تهديدًا للسلام الاجتماعي، ومن واجب العمل الاستباقي لمحاصرة أي إخلال لكن ليس عبر القانون فقط، فالقانون لا يحد من الجريمة إلا بمقدار تحييد الجُرم بقوة العقاب، بل يبدأ الحل بجعل القانون سُدة مراحل المواجهة بين القيم والانحراف.

إن المهمة الأم تتلخص فـي تجهيز الباحثين الاجتماعيين بقدرات ذكية وفعّالة وناجعة لفهم التحولات وهدم أساسها المادي عبر الدراسة والسبر والكشف المبكر، وهنا فقط ستصبح بقية أدوات الضبط الاجتماعي ذات فاعلية كبرى، وسيصبح المجتمع هو المدافع الأول والأقوى عن قيمه الكلية التي تحفظ تماسكه وتوازنه وتحقق رفاهه المادي.

غسان علي عثمان كاتب سوداني

مقالات مشابهة

  • ما ظاهرة دانا التي أغرقت إسبانيا؟ وهل تطال دول البحر المتوسط؟
  • أويل برايس: بغداد تسعى لإنهاء شبه استقلال إقليم كردستان
  • النيابة الإدارية تحقق في واقعة تعدي مديرة مدرسة ابتدائية على التلاميذ
  • ماذا نعرف عن وحدة "شييطت 13" الإسرائيلية التي نفذت عملية الاختطاف في البترون؟.. عاجل
  • ماذا تعرف عن اتفاقية القسطنطينية التي اتخذتها مصر ذريعة لعبور بوارج الاحتلال؟
  • المحافظات العراقية التي أعلنت تعطيل الدوام للمدارس الأحد
  • المحافظات العراقية التي أعلنت تعطيل الدوام للمدارس الأحد - عاجل
  • وزارة التعليم في إقليم كردستان تمنح الجامعات صلاحية إعلان تعطيل الدوام
  • التوتر في الظاهرة كيف نحمي التماسك الاجتماعي؟