الانتخابات الأمريكية ديمقراطية.. ولكن!
تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT
مسعود أحمد بيت سعيد
masoudahmed58@gmail.com
أيامٌ قليلة تفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية وسط حالة من الترقب والقلق غير المبرر من احتمالات فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، والذي يُعد بكل المقاييس حالة استثنائية غير مألوفة وطارئة على المشهد السياسي الأمريكي.
وبعيدًا عن الهلع الذي ينتاب البعض وأية اعتبارات ومآخذ أخرى مُحِقَّة، ربما يكون الخيار الأنسب القادر على دفع تناقضاتها الداخلية إلى مستويات مُتقدِّمة، وبطبيعة الحال فإن ترامب يُشبه أمريكا ووجهها الذي تحاول إخفاءه.
الولايات المتحدة الأمريكية هي بالفعل نموذج الدولة الرأسمالية الديمقراطية التي استكملت كافة مؤسساتها التمثيلية شكلًا ومضمونًا، بحيث تصب كل ما تُفرزه فعاليتها الداخلية في بوتقة مصالح طبقاتها الرأسمالية الاحتكارية. وبهذا المعنى فإن من يقف على رأس السلطة التنفيذية مجرد مُمثِّل قانوني لإرادة اللوبيات الإمبريالية ومراكز الثقل المالي والاقتصادي والصناعي، التي تُدير ما يقارب 80 في المئة من الاقتصاد الأمريكي، وتتحكم بالمفاصل الرئيسية للنظام الرأسمال العالمي. وفي هذا الإطار، فإنَّ وصول دونالد ترامب أو كامالا هاريس الى البيت الابيض لا يستحق كل هذا الاهتمام؛ كونهما في نهاية المطاف سيخضعان لسطوة رأس المال وتطلعاته نحو إحكام السيطرة على الأسواق والمواد الخام والمواقع الاستراتيجية؛ الأمر الذي يعني المزيد من الحروب الاقتصادية والعسكرية، بكل ما يستتبعها من مآسٍ وكوارث إنسانية، وستظل الديمقراطية الأمريكية بكل عيوبها من أهم الأسلحة التي تُمكِّنُها من استعادة أنفاسها وترتيب أولوياتها بعد كل 4 سنوات عجاف من مواجهة الشعوب وأحلامها، في عالم تسوده الحرية والعدالة الاجتماعية.
غير أن الديمقراطية وإن كانت طبقية إلّا أنها لا تخلو من المزايا؛ حيث إن فكرة التبادل السلمي للسلطة تُشكِّل بحد ذاتها حاجة موضوعية. وفي واقع الأنظمة الرأسمالية، هي عملية تجديد وضخ دماء جديدة في شرايين المؤسسات القائمة على الاستغلال وفرض السيطرة الطبقية. ومن الناحية النظرية، فإنها تُساير منطق التطور البشري وما راكمه من تراث معرفي يعلي من قيم العدل والمساواة، وتعد بمظاهرها الليبرالية المختلفة أقصى ما أنتجه الفكر السياسي البرجوازي الغربي، بحيث تُعطي للنظم الرأسمالية إمكانية إعادة تكريس بُناها الاقتصادية والاجتماعية والآيديولوجية القائمة على الاستغلال والاضطهاد والعمل المأجور.
علاوة على أن الهوامش النسبية من حرية الرأي والتعبير وغيرها التي تتمتع بها ما زالت لها بريقها، ومن الذي لا يستوقفه مشهد الملايين وهم مُتجهين نحو صناديق الاقتراع بلا عنف أو إراقة الدماء، بصرف النظر عن محتواها، مع الإقرار بأنَّ الديمقراطية الأمريكية هي نموذج مختلف؛ سواءً من حيث آليات اختيار مجلسي الشيوخ أو النواب، أو من حديث اختيار الرئيس، وضيق الخيارات أمام الناخبين، وحجم المقترعين التي لا تتعدى في السنوات الماضية حدود 30 في المئة من مجموع السكان، البالغ عددهم ما يقارب 400 مليون نسمة، وهي نسبة ضئيلة جدًا، ولا تُعبِّر عن إرادة الأغلبية الساحقة، إلّا أنها- بحسب نخبها وتكوينها السياسي- كافية لتبرير شرعيتها. وتتيح الانتخابات الأمريكية فرصة مناسبة لتقييم التجربة الاشتراكية النقيضة ونموذجها الأبرز الاتحاد السوفيتي السابق، الذي غابت الممارسة الديمقراطية عن نهجه؛ وهي حالة غريبة عن جوهر الاشتراكية نفسها. وقد حصدت بغيابها هزيمةً غير مُستحَقَّة؛ حيث تسلَّل ميخائيل جورباتشوف بمواصفاته الرديئة إلى رئاسة الحزب والدولة، واستطاع إخفاء جوهر برنامجه الحقيقي الذي ظل مخبوءًا في مُخيِّلته، حتى تمكن لاحقًا من نسف تجربة بشرية انتشلت ملايين البشر من براثن الجوع والعبودية، وحوَّلت بلدًا شبه مُتخلِّف نصفه إقطاعي ونصفه الآخر رأسمالي، إلى ثاني أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم، وفتحت عصر الثورة الاشتراكية بكل آمالها في القضاء على القهر الطبقي واستغلال الإنسان للإنسان بكافة أشكاله وأنواعه.
وتبقى الديمقراطية وسيلةً لا غنى عنها في تصليب البنى الداخلية للشعوب وحماية منجزاتها، وأن كل محاولات احتكار السُلطة أو حصرها في فئات قليلة وعدم إشراك الجماهير وتعبيراتها السياسية في رسم مستقبلها، ستصل في النهاية إلى الطريق المسدود. وللأسف، فإن البلدان العربية تنحو يومًا بعد آخر نحو الديكتاتورية والأوتوقراطية، وتُجري محاولات مُتعددة لإقناع الجماهير بعدم جدوى المشاركة السياسية، وتقليص صلاحيات المجالس الشعبية المنتخبة، وإظهار عجزها في لجم النزعات الفردية والطبقية.
ومن نافلة القول إن الديمقراطية لا يمكن حصرها في جوانب تمثيلية شكلية فحسب؛ بل هي بالأساس مفهوم شمولي اقتصادي واجتماعي وسياسي، وممارسة عملية تقوم على ضمان حق الاختلاف وتجسيده في العمل المُنظَّم تحت مظلة دستورية وقانونية عصرية، تكفل حرية التنوع الفكري والسياسي بكل أبعادها وتجلياتها.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بن صهيون.. والد نتنياهو الذي غرس فيه كره العرب
لم يكن بن صهيون نتنياهو مجرد اسم في تاريخ عائلة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بل هو شخصية تحمل بين طياتها قرنًا من الزمان مملوءًا بالأفكار والمواقف التي لا تقل تطرفًا وإثارة عن سياسات ابنه الحالية.
ويبدو أن هذه الأفكار التي صاغتها تجربة حياة مفعمة بالمواقف الصدامية مع العالم العربي قد تسربت بوضوح إلى توجهات بنيامين نتنياهو، لتشارك في تشكيل مواقفه الحادة تجاه الفلسطينيين، والتي يتضح صداها في أفعاله وكلماته حتى اليوم.
فما الذي نعرفه عن بن صهيون نتنياهو؟ وكيف أثر على مسار الحركة الصهيونية؟ ولماذا كانت رؤيته للعرب دائمًا عدائية إلى هذا الحد؟
وُلِد بن صهيون ميليكوفسكي -الذي سيُعرف لاحقا باسم نتنياهو وتعني هبة الله- في وارسو عاصمة بولندا خلال فترة تقسيمها وخضوعها للسيطرة الروسية القيصرية في عام 1910.
وكان والده ناثان ميليكوفسكي كاتبا وناشطا صهيونيا من بيلاروسيا، وقد شغل ناثان منصب حاخام، وجاب أوروبا والولايات المتحدة لإلقاء خطب تدعم الحركة الصهيونية التي آمن بها حتى النخاع.
وفي عام 1920 قرر ناثان الهجرة إلى فلسطين مصطحبا معه عائلته ضمن الموجة الكبرى للهجرة اليهودية. وبعد تنقلها بين مدينة يافا وتل أبيب وصفد، استقرت الأسرة أخيرا في القدس حيث التحق بن صهيون بمعهد ديفيد يلين للمعلمين والجامعة العبرية في القدس.
إعلانوكان من الشائع بين المهاجرين الصهاينة في تلك الفترة تبنّي أسماء عبرية، فبدأ ناثان ميليكوفسكي الأب بتوقيع بعض مقالاته باسم "نتنياهو"، وهو الصيغة العبرية لاسمه الأول، واعتمد ابنه هذا الاسم ليكون اسم العائلة.
وفي عام 1944، تزوج الابن بن صهيون نتنياهو من تسيلا سيغال التي سيصفها ابنها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لاحقا بأنها "محور عائلتنا والسلطة النهائية فيها".
درس بن صهيون نتنياهو تاريخ العصور الوسطى في الجامعة العبرية بالقدس، وفي إبان دراسته انخرط في "حركة الصهيونية التصحيحية"، وهي حركة انفصلت عن التيار الصهيوني السائد، معتقدين أن هذا التيار الغالب كان أكثر تصالحية مع السلطات البريطانية الحاكمة لفلسطين آنئذ.
في المقابل، تبنّى التصحيحيون بزعامة زئيف جابتونسكي نهجا قوميا يهوديا أكثر تشددا، مخالفا للصهيونية العمالية اليسارية التي قادت إسرائيل في سنواتها الأولى، معتقدين أن حدود إسرائيل تمتد على كامل فلسطين التاريخية والأردن معا.
ولإيمانه بالعمل الصحفي والأكاديمي، شغل بن صهيون منصب محرر مشارك في المجلة العبرية المعروفة في ذلك الوقت "بيتار" بين عامي 1933 و1934، ثم أصبح رئيس تحرير صحيفة "ها ياردن" اليومية الصهيونية التصحيحية في القدس (1934-1935)، حتى أوقفت سلطات الانتداب البريطاني صدورها بين عامي 1935 و1940.
وفي عام 1939، قرر السفر إلى نيويورك للعمل سكرتيرا لزعيم الحركة الصهيونية التصحيحية جابوتنسكي الذي كان يسعى لحشد الدعم الأميركي لحركته الصهيونية القتالية الجديدة.
ومع وفاة جابوتنسكي في العام نفسه، تولّى بن صهيون نتنياهو منصب المدير التنفيذي للمنظمة الصهيونية الجديدة في أميركا التي كانت منافسا سياسيا أكثر تشددا للمنظمة الصهيونية الأميركية المعتدلة، واستمر في هذا الدور حتى عام 1948.
كان بن صهيون مؤمنا بفكرة "إسرائيل الكبرى"، وفي سبيلها عارض بشدة أي تنازلات إقليمية أو محلية، ولهذا السبب عندما أصدرت الأمم المتحدة خطة تقسيم فلسطين في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947، كان من بين الموقعين على عريضة ترفض الخطة، وخلال تلك الفترة كان ناشطا سياسيا في واشنطن العاصمة حيث عمل على التواصل مع أعضاء الكونغرس لدعم رؤيته الصهيونية المتشددة.
إعلانوفي عام 1949، عاد إلى إسرائيل محاولا دخول الحياة السياسية، لكنه لم يحقق نجاحًا يُذكر نتيجة سيطرة الحركة الصهيونية التقليدية على مقاليد البلاد بزعامة ديفيد بن غوريون ممن كانوا يرون عصابات شتيرن والمؤمنين بأيديولوجية جابتونسكي خطرا يهدد دولتهم في ذلك الحين.
في المقابل، واصل بن صهيون نتنياهو نشاطه الأكاديمي، لكنه لم يتمكن من الانضمام إلى هيئة التدريس في الجامعة العبرية، ورغم ذلك ساعده أستاذه جوزيف كلاوسنر أستاذ الأدب العبري في الحصول على منصب محرر في "الموسوعة العبرية"، وبعد وفاة كلاوسنر تولّى بن صهيون رئاسة التحرير مع آخرين.
لاحقًا عاد إلى كلية دروبسي في فيلادلفيا حيث عمل أستاذًا للغة العبرية وآدابها ورئيسًا للقسم بين عامي 1957 و1966، ثم شغل منصب أستاذ التاريخ اليهودي في العصور الوسطى والأدب العبري من عام 1966 إلى 1968، ثم انتقل إلى جامعة دنفر ليعمل أستاذًا للدراسات العبرية (1968-1971)، قبل أن يعود إلى نيويورك لتولي تحرير موسوعة يهودية.
في النهاية، التحق بجامعة كورنيل حيث شغل منصب أستاذ الدراسات اليهودية ورئيس قسم اللغات السامية وآدابها من عام 1971 إلى 1975.
وعقب مقتل ابنه يوناتان خلال عملية عنتيبي لإنقاذ الرهائن عام 1976، قرر العودة مع عائلته إلى إسرائيل منخرطا في المجال الأكاديمي.
وعند وفاته عام 2012 عن عُمر ناهز 102 عاما، كان عضوًا في أكاديمية الفنون الجميلة وأستاذًا فخريًا في جامعة كورنيل.
أُثر عن بن صهيون نتنياهو قوله في إحدى مقالاته إن "العرب واليهود مثل عنزتين التقتا على جسر ضيّق، إحداهما مضطرة إلى القفز في النهر، ولكنهما لا تريدان الموت. ولذلك فإنهما تنتطحان على الدوام، وتؤمنان بأن إحداهما ستُنهَك في نهاية المطاف وتستسلم، وعندئذ سيتقرر الأقوى الذي سيرغم الأضعف على القفز. إن القفز لليهود يعني ضياع الشعب اليهودي، أما بالنسبة إلى العرب فإن قفز عنزتهم يعني تضرر جزء يسير منهم".
إعلانيكشف هذا الاقتباس عن تأثره الكبير بزعيم الحركة التصحيحية الصهيونية زئيف جابتونسكي الذي آمن به من قبل والد بن صهيون الحاخام ناتان ميلوكوفسكي ورآه رائد الحركة الصهيونية وموجّه بوصلتها نحو التعامل الجذري مع العرب.
كان يرى أن الأغلبية العظمى من العرب داخل إسرائيل سيختارون إبادة اليهود إذا سنحت لهم الفرصة. وهذا الاعتقاد دفعه منذ شبابه إلى تأييد فكرة ترحيل السكان العرب من فلسطين، وهي الفكرة التي ظل متمسكًا بها حتى أواخر حياته، إذ واصل التعبير عنها في مناسبات مختلفة.
ففي مقابلة له عام 2009 مع صحيفة معاريف الإسرائيلية، عبّر عن آرائه تجاه الصراع العربي الإسرائيلي بقوله إن "النزعة إلى الصراع هي جوهر فكر العرب، إنهم أعداء بطبيعتهم، فشخصيتهم لن تسمح بالتنازل، وبغض النظر عن المقاومة التي سيواجهونها أو الثمن الذي سيدفعونه، فإن وجودهم يعني حربا دائمة".
وربما هذا الموقف الجذري من بن صهيون وآرائه المتطرفة تجاه العرب جعلت العديد من المحللين يتوقعون أن ابنه بنيامين نتنياهو كان غير قادر على التوقيع على اتفاق سلام شامل مع جيران إسرائيل العرب ما دام والده كان لا يزال على قيد الحياة.
ورغم أن نتنياهو نفسه نفى هذه الفرضية بشكل قاطع واصفًا إياها بأنها "هراء"، بحسب ما نقلته صحيفة هيرالد، فإن مواقفه وسياساته على الأرض، ولا سيما في غزة، تعكس تبنيًا واضحًا للنهج المتشدد ذاته الذي اشتهر به والده.
ولكن يجب أن نعود إلى جابتونسكي لنرى كيف أقنع الثلاثي الجد والأب والحفيد من عائلة نتنياهو بهذه الأفكار التي كانت تعكس سخطه الواضح على الحركة الصهيونية التقليدية وسعيها لخداع العرب في فلسطين عبر المفاوضات وإظهار نواياها كأنها بريئة من أي نية للاستيلاء على الأرض، وضرورة التعامل بصورة جذرية عنيفة.
فقد جاءت مقالاته وأفكاره لتوضح جوهر الصراع، وكشف الطبيعة الاستعمارية الاستيطانية للحركة الصهيونية، إذ كتب "يمكننا أن نقول للعرب ما نشاء عن براءة أهدافنا، ونتفنن في استخدام العبارات المنمقة، ونغلفها بالكلمات المعسولة لجعلها مستساغة، لكنهم يدركون تماما ما نريده، كما ندرك نحن ما لا يريدونه. إنهم يشعرون تجاه فلسطين بالحب الغريزي نفسه الذي شعر به الأزتيك القدامى تجاه المكسيك القديمة".
إعلانكان جابوتنسكي يرى أن الحركة الصهيونية تهدُر وقتها في المفاوضات، بدلا من التركيز على بناء قوة عسكرية رادعة تحمي المستوطنين. فكتب "كل الشعوب الأصلية في العالم تقاوم المستعمرين طالما بقي لديهم أدنى أمل في التخلص منهم".
وأضاف "لا يهم كيف نصوغ أهدافنا الاستعمارية، سواء كانت بعبارات هرتزل أو السير هربرت صموئيل، فالاستعمار يحمل تفسيره الوحيد الممكن، الواضح كضوء النهار، لكل يهودي بسيط ولكل عربي بسيط. فالمستعمرات لا يمكن أن يكون لها إلا هدف واحد، ولا يمكن لعرب فلسطين أن يقبلوا بهذا الهدف".
وبناء على ذلك شدد جابوتنسكي على أن نجاح المشروع الصهيوني واستقراره لن يتحقق إلا عبر إنشاء "قوة مستقلة عن السكان الأصليين، خلف جدار حديدي لا يستطيعون اختراقه. هذه هي سياستنا العربية".
وأمام هذه الأيديولوجية آمن بن صهيون نتنياهو إيمانا مطلقا بما آمن به أستاذه جابوتنسكي حول الصراع مع العرب، إذ كان جابوتنسكي يرى أن موقف العرب متصلب للغاية، ولا يمكن تسويته أو التوصل إلى اتفاق معهم، خلافا لما اعتقده التيار الصهيوني السائد، ومن ثم لم يعتمد التيار التصحيحي الدبلوماسية إلا بالقدر الذي يسمح بتمرير عمليات التهجير والقتل بحق الفلسطينيين.
وقد صرّح جابوتنسكي بأن "90% من الصهيونية تقوم على أعمال الاستيطان العنيفة من قتل وتهجير، في حين أن 10% فقط منها تتعلق بالسياسة".
وفي مقال نشرته صحيفة هآرتس العبرية عام 2018 بعنوان "كيف تبنى والد نتنياهو وجهة النظر القائلة بأن العرب همج؟" استعرض فيه الكاتب المسيرة الفكرية المتطرفة لبن صهيون تجاه العرب والفلسطينيين، إذ أشار المقال إلى أن بن صهيون استلهم هذه الأفكار من المؤرخ جوزيف كلاوسنر أستاذ الأدب العبري والمحرر الرئيسي للموسوعة العبرية، الذي كان مرشده الفكري.
إعلانوقد اعتنق بن صهيون بشكل كامل وجهة نظر كلاوسنر التي تصف العرب بأنهم "أمة من نصف الهمج" يجب التعامل معهم بالقوة والحسم، بحسب المقال الذي أشار إلى أن بن صهيون أعاد تبنّي هذه الأوصاف والسياسات وحولها إلى ركيزة أساسية لفكره، مما رسخ مواقفه العدائية تجاه العرب بشكل أكبر.
تتجلى هذه النظرة المتطرفة في مقالات بن صهيون التي نشرها بصحيفة ها ياردن التصحيحية التي كان يحررها حتى وفاة والده عام 1935، ففي مقال بتاريخ 6 أغسطس/آب 1934 وصف بن صهيون العرب بأنهم "همج شبه متوحشين"، قائلًا "كما كان همج جزيرة العرب يطاردون اللاجئين اليهود من إسبانيا على منحدرات الجزائر في القرن الخامس عشر، فهم الآن يطاردون اللاجئين من جحيم الشتات عند بوابات الوطن".
وفي مقال آخر بعنوان "الاستيطان الريفي والاستيطان الحضري" نُشر في ديسمبر/كانون الأول 1934، قارن بن صهيون أرض إسرائيل بأميركا، وشبّه اليهود بمواطني الولايات المتحدة، بينما قارن العرب بالهنود الحمر، وقال في مقاله "إن غزو الأرض هو أحد أول وأهم المشاريع في كل استعمار".
وأضاف بنزعة تطهير عرقي واضحة "يجب أن نعلم أن الدولة ليست مجرد مفهوم حسابي لعدد السكان، بل مفهوم جغرافي كذلك، ذلك أن أبناء العِرق الأنغلو-ساكسوني، الذي كان في صراع دائم مع الهنود الحمر، لم يكتفوا بتأسيس المدن الكبرى مثل نيويورك وسان فرانسيسكو على شواطئ المحيطين اللذين يحدان الولايات المتحدة. بل سعوا أيضا لضمان الطريق بين هاتين المدينتين.. لو تركَ غُزاة أميركا الأراضي في يد الهنود، لكان هناك الآن في أحسن الأحوال بعض المدن الأوروبية في الولايات المتحدة وكان البلد كله سيأهله ملايين من الهنود الحمر!".
يظهر تأثير بن صهيون نتنياهو في ابنه رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني بنيامين نتنياهو واضحا لا ريبة فيه، ففي 16 ديسمبر/كانون الأول 2023، وبعد ما يقارب 17 عامًا من توليه رئاسة الحكومة بشكل متقطع، سيقف بنيامين أمام الشعب الإسرائيلي متفاخرا بمواقفه المتشددة تجاه القضية الفلسطينية قائلا بكل وضوح "كنت أنا العقبة أمام إقامة دولة فلسطينية"، بينما كان اليسار الإسرائيلي يسعى، بشكل أو بآخر، إلى تقديم تنازلات قد تؤدي إلى حل سياسي وإنهاء النزاع".
إعلانذلك هو بن صهيون نتنياهو والد رئيس الوزراء الحالي الذي يدعو علانية إلى تطهير غزة وتهجير أهلها، والتغيير العميق في الشرق الأوسط، لا يقول صراحة إنه يؤمن بمبادئ الحركة الصهيونية التصحيحية التي آمن بها والده من قبل، ولكنه على أرض الواقع يسعى لتحقيق هذه الأحلام!