علي بن سالم كفيتان
قرية هادئة في ريف ظفار الحالم.. الصباح كالعادة يبدأ قبل شروق الشمس بتوقيت الريفيين لتدب الحياة في المكان، مع تصاعد الأدخنة من أفنية الحظائر؛ لتطرد الحشرات والأرواح الشريرة- كما يعتقد الرعاة الأوائل- وتخرج القطعان من بيوت الحجر والطين وجذوع الأشجار وتعزف ثُغاء الأمهات الصباحي، وترد عليها العجول المتشوقة لحليب الضرع الدافئ.
هناك نساء من ذلك الزمن يتحسسن كل شيء، ابتداءً من مهمة تجهيز العلف وأواني الحلب وحبل توثيق أرجل الأبقار (محزيج) قبل نزول سيد المكان؛ للبدء في طقوس الإنتاج اليومي للسلعة الرئيسية للأسرة الريفية (الحليب)، بينما يفوج ذلك الطفل الصغير العجول الواحد تلو الآخر للساحة، ليندفع مسرعًا إلى حضن أمه، ويرشف على عجل ما استطاع من حليبها، وبعد استدرار عاطفتها وامتلاء ضرعها، تأتي يد تجر ذلك المسكين إلى حيث كان مع لقمة من الطحين المخلوط بالعلف، تعويضًا عن الحرمان، بينما تنطلق البقرة إلى حظيرة الإنتاج ليمسدها ذلك الرجل المعضل إلى سطل، وهو يعزف سيمفونية السطل المتلقي لزخات الحليب وصوتاً يصدره من فمه يتناغم مع العملية، بينما البقرة يغوص رأسها في الحوض ملتهمة بشراهة العلف؛ فالوقت من ذهب في هذه اللحظات للعجل والبقرة والراعي.
بعدها يبسط رداء الشمس ضياءه تدريجيا على القرية وتتصاعد الأصوات من بيوتها وحظائرها، وفي غضون ساعة ترى النساء وهن يقفلن عائدات إلى المنازل، وقدور الحليب الممتلئة على رؤوسهن، والرجال يتوجهون إلى خزان الماء (تانكي) لغسل وجوههم وأيديهم وأرجلهم؛ لتأتي البنت حاملة معها ملابس نظيفة للأب المتحفز للذهاب إلى الفرقة (مراكز الفرق الوطنية في جبال ظفار) مبكرا، وتوصيل الطلبة للمدرسة. يتم إشعال محرك السيارة وتترك لتحتر حسب الطقس اليومي، بينما يرتشف الراعي كوب حليب ساخن بجوارها ويتهادى الطلبة والطالبات إلى الصندوق الخلفي للسيارة المغطى بطربال كاكي.
في نوفمبر، تحرص الأمهات على أن يبدو أبناؤهن الذاهبون للمدرسة في أبهى حلة، فهناك احتفال قادم بعد أيام تتجهز له كل القرى في هذه الجبال. يصعد الجميع إلى السيارة ويختفي أزيزها رويدا رويدا بين بيوت الحجر والوهاد البعيدة، لتسكن القرية مجددًا وتعود النساء إلى أعمالهن المعتادة في رعاية الصغار وإدارة الحظائر وسقي العجول، بينما يتولى شيبان القرية اصطحاب القطعان إلى المراعي ومورد الماء، مرددين معزوفة "يا يا يا" وهي صيحات تحفز الأبقار على الذهاب إلى المرعى. بعده تخلو القرية من معظم ساكنيها؛ لتبدأ الريح الشمالية إطلاق نسماتها الباردة، معلنة قدوم بوادر الشتاء والعيد الوطني.
تصطف سيارات نقل الطلبة أمام المدرسة الرابضة في المركز الإداري إلى جوار المسجد الجامع والمركز الصحي ومكتب ممثل الوالي، ويتوسط المكان السوق التجاري الذي يفد إليه الجميع متحلقين، وهم يتناولون أطراف الحديث عن أخبارهم اليومية وأحوال مراعيهم وما يستجد من أمور حياتهم. وفي خضم المشهد يتصاعد النشيد الوطني من عُمق المدرسة (يا عمان نحن من عهد النبي.. أوفياء من كرام العربِ)؛ ليتوافد الناس بعدها إلى سبلة ممثل الوالي لتناول القهوة والتمر والتباحث في شؤونهم العامة مع المسؤول الأول عن المكان، وزواره من أعضاء لجان الخدمات الحكومية والخاصة. وعندما تنطلق الفسحة يتراكض الطلبة إلى الدكاكين ويحتلون ردهات السوق التجاري للقرية وأشجار الظل الممتدة حوله، ويذهب الكبار لاستكمال حديثهم في مركز الفرقة الوطنية وتناول وجبة الغداء. كل ذلك كان يشكل المشهد اليومي لهؤلاء القرويين القادمين من أتون الثورة وتجلياتها الصانعين لمشهد السلام والاستقرار، بقيادة رجل عظيم عرف كيف يسوس المرحلة ويبنى وطنًا للجميع.
في صبيحة العيد الوطني الموافق 18 من نوفمبر، تتوشح الأرض برداء الحب والولاء للسلطان، ويتوافد الجميع في أبهى حلة إلى المركز الإداري، بمن فيهم النساء والأطفال. يصطف ممثل الوالي وكبار الشيوخ والأعيان في خيمة بساحة الاحتفال، وتدخل جموع الهبايب (مفردها هبوت؛ وهو فن رجالي يؤدى في الاحتفالات الوطنية والمناسبات العامة) إلى المكان، وبعدها ينتظم الطلبة والطالبات مع معلميهم في أرتال ترفع صورة القائد وعلم عمان وصيحات "بالروح بالدم نفديك يا قابوس"، إلى ميدان الاحتفال؛ لتتصاعد زغاريد الفرح من جموع النساء مع الهبايب وصيحات الولاء للسلطان من أبنائه الطلبة والطالبات.
ويتخيل لي اليوم بعد مرور 54 عامًا، أن السفوح والهضاب المجاورة للمكان ما تزال تردد النشيد الخالد لروح القائد العظيم، عليه رحمة الله، بعد أن هجر الناس المراكز الإدارية، واستوطنت الاحتفالات قاعات المدارس.
حفظ الله بلادي.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
للسيدات.. طرق فعالة لكسر الروتين اليومي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
مع ضغوط الحياة اليومية وتكرار الروتين المعتاد، تشعر الكثير من النساء بالملل والتوتر، مما يؤثر سلبًا على مزاجهن وإنتاجيتهن، لكن هل تعلمين أن هناك العديد من الأنشطة الإبداعية التي يمكن أن تساعدك على كسر هذه الرتابة وتجديد طاقتك، ويمكن أن تكون الهوايات مثل الرسم أو الكتابة أو حتى ممارسة الرياضة طرقًا رائعة للهروب من الروتين القاتل، كما يُعتبر تخصيص وقت لممارسة التأمل أو اليوغا فعّالًا في تحسين المزاج وتقليل مستويات التوتر، وتقدم لكم "البوابة نيوز" طرق متنوعة لإضفاء البهجة على حياتك اليومية، وفقًا لخبراء التنمية البشرية الذين تحدثوا لموقع "Times of India".
1- الأنشطة الفنية:
يعتبر الرسم أو الحرف اليدوية من أفضل الطرق للتعبير عن الذات وتهدئة العقل، ويمكنكِ الانضمام إلى ورش عمل محلية أو حتى تخصيص وقت للرسم في المنزل. فالفن ليس مجرد هواية، بل وسيلة للتخلص من التوتر وتحفيز الإبداع.
2- ممارسة الرياضة:
تساعد الأنشطة البدنية مثل اليوغا أو المشي في الطبيعة على تحسين المزاج وزيادة مستوى الطاقة، ويمكنكِ الانضمام إلى فصول رياضية جماعية أو ممارسة التمارين في الهواء الطلق، مما يوفر لكِ الفرصة للتواصل مع الطبيعة والتخلص من الضغوط اليومية.
3- التعلم المستمر:
لا تترددي في استثمار وقتك في تعلم مهارات جديدة، سواء كانت لغة جديدة أو مهارة طهي مبتكرة، فالتعلم يُحفز العقل ويزيد من شعور الإنجاز، مما يساعدكِ على كسر الروتين.
4- التواصل الاجتماعي:
تخصيص وقت للقاء الأصدقاء أو العائلة يمكن أن يُضفي جوًا من المرح والتواصل، ويمكنكِ تنظيم حفلة شاي أو نزهة صغيرة في الحديقة، حيث يُعتبر التواصل الإنساني مفتاحًا لتعزيز الصحة النفسية.
5- التأمل والهدوء:
قد تكون لحظات التأمل أو الهدوء فرصة رائعة للاسترخاء وإعادة شحن الطاقة، خصصي بعض الوقت كل يوم لممارسة التنفس العميق أو التأمل، حيث يساعد ذلك في تحسين التركيز والتخلص من الأفكار السلبية.
6- كسر الروتين اليومي:
ليس مجرد فكرة جيدة، بل ضرورة لتحسين جودة الحياة، سواء كنتِ تبحثين عن النشاط البدني، أو الإبداع الفني، أو التواصل الاجتماعي، فهناك دائمًا طرق جديدة لاستعادة شغفكِ بالحياة، ولا تنسي أن تخصيص وقت لنفسك هو استثمار حقيقي في صحتك وسعادتك.