جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-02@12:21:20 GMT

من ذكريات نوفمبر

تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT

من ذكريات نوفمبر

 

علي بن سالم كفيتان

قرية هادئة في ريف ظفار الحالم.. الصباح كالعادة يبدأ قبل شروق الشمس بتوقيت الريفيين لتدب الحياة في المكان، مع تصاعد الأدخنة من أفنية الحظائر؛ لتطرد الحشرات والأرواح الشريرة- كما يعتقد الرعاة الأوائل- وتخرج القطعان من بيوت الحجر والطين وجذوع الأشجار وتعزف ثُغاء الأمهات الصباحي، وترد عليها العجول المتشوقة لحليب الضرع الدافئ.

هناك نساء من ذلك الزمن يتحسسن كل شيء، ابتداءً من مهمة تجهيز العلف وأواني الحلب وحبل توثيق أرجل الأبقار (محزيج) قبل نزول سيد المكان؛ للبدء في طقوس الإنتاج اليومي للسلعة الرئيسية للأسرة الريفية (الحليب)، بينما يفوج ذلك الطفل الصغير العجول الواحد تلو الآخر للساحة، ليندفع مسرعًا إلى حضن أمه، ويرشف على عجل ما استطاع من حليبها، وبعد استدرار عاطفتها وامتلاء ضرعها، تأتي يد تجر ذلك المسكين إلى حيث كان مع لقمة من الطحين المخلوط بالعلف، تعويضًا عن الحرمان، بينما تنطلق البقرة إلى حظيرة الإنتاج ليمسدها ذلك الرجل المعضل إلى سطل، وهو يعزف سيمفونية السطل المتلقي لزخات الحليب وصوتاً يصدره من فمه يتناغم مع العملية، بينما البقرة يغوص رأسها في الحوض ملتهمة بشراهة العلف؛ فالوقت من ذهب في هذه اللحظات للعجل والبقرة والراعي.

بعدها يبسط رداء الشمس ضياءه تدريجيا على القرية وتتصاعد الأصوات من بيوتها وحظائرها، وفي غضون ساعة ترى النساء وهن يقفلن عائدات إلى المنازل، وقدور الحليب الممتلئة على رؤوسهن، والرجال يتوجهون إلى خزان الماء (تانكي) لغسل وجوههم وأيديهم وأرجلهم؛ لتأتي البنت حاملة معها ملابس نظيفة للأب المتحفز للذهاب إلى الفرقة (مراكز الفرق الوطنية في جبال ظفار) مبكرا، وتوصيل الطلبة للمدرسة. يتم إشعال محرك السيارة وتترك لتحتر حسب الطقس اليومي، بينما يرتشف الراعي كوب حليب ساخن بجوارها ويتهادى الطلبة والطالبات إلى الصندوق الخلفي للسيارة المغطى بطربال كاكي.

في نوفمبر، تحرص الأمهات على أن يبدو أبناؤهن الذاهبون للمدرسة في أبهى حلة، فهناك احتفال قادم بعد أيام تتجهز له كل القرى في هذه الجبال. يصعد الجميع إلى السيارة ويختفي أزيزها رويدا رويدا بين بيوت الحجر والوهاد البعيدة،  لتسكن القرية مجددًا وتعود النساء إلى أعمالهن المعتادة في رعاية الصغار وإدارة الحظائر وسقي العجول، بينما يتولى شيبان القرية اصطحاب القطعان إلى المراعي ومورد الماء، مرددين معزوفة "يا يا يا" وهي صيحات تحفز الأبقار على الذهاب إلى المرعى. بعده تخلو القرية من معظم ساكنيها؛ لتبدأ الريح الشمالية إطلاق نسماتها الباردة، معلنة قدوم بوادر الشتاء والعيد الوطني.

تصطف سيارات نقل الطلبة أمام المدرسة الرابضة في المركز الإداري إلى جوار المسجد الجامع والمركز الصحي ومكتب ممثل الوالي، ويتوسط المكان السوق التجاري الذي يفد إليه الجميع متحلقين، وهم يتناولون أطراف الحديث عن أخبارهم اليومية وأحوال مراعيهم وما يستجد من أمور حياتهم. وفي خضم المشهد يتصاعد النشيد الوطني من عُمق المدرسة (يا عمان نحن من عهد النبي.. أوفياء من كرام العربِ)؛ ليتوافد الناس بعدها إلى سبلة ممثل الوالي لتناول القهوة والتمر والتباحث في شؤونهم العامة مع المسؤول الأول عن المكان، وزواره من أعضاء لجان الخدمات الحكومية والخاصة. وعندما تنطلق الفسحة يتراكض الطلبة إلى الدكاكين ويحتلون ردهات السوق التجاري للقرية وأشجار الظل الممتدة حوله، ويذهب الكبار لاستكمال حديثهم في مركز الفرقة الوطنية وتناول وجبة الغداء. كل ذلك كان يشكل المشهد اليومي لهؤلاء القرويين القادمين من أتون الثورة وتجلياتها الصانعين لمشهد السلام والاستقرار، بقيادة رجل عظيم عرف كيف يسوس المرحلة ويبنى وطنًا للجميع.

في صبيحة العيد الوطني الموافق 18 من نوفمبر، تتوشح الأرض برداء الحب والولاء للسلطان، ويتوافد الجميع في أبهى حلة إلى المركز الإداري، بمن فيهم النساء والأطفال. يصطف ممثل الوالي وكبار الشيوخ والأعيان في خيمة بساحة الاحتفال، وتدخل جموع الهبايب (مفردها هبوت؛ وهو فن رجالي يؤدى في الاحتفالات الوطنية والمناسبات العامة) إلى المكان، وبعدها ينتظم الطلبة والطالبات مع معلميهم في أرتال ترفع صورة القائد وعلم عمان وصيحات "بالروح بالدم نفديك يا قابوس"، إلى ميدان الاحتفال؛ لتتصاعد زغاريد الفرح من جموع النساء مع الهبايب وصيحات الولاء للسلطان من أبنائه الطلبة والطالبات.

ويتخيل لي اليوم بعد مرور 54 عامًا، أن السفوح والهضاب المجاورة للمكان ما تزال تردد النشيد الخالد لروح القائد العظيم، عليه رحمة الله، بعد أن هجر الناس المراكز الإدارية، واستوطنت الاحتفالات قاعات المدارس.

حفظ الله بلادي.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

«التربية» تعلن موعد امتحانات طلبة الــ12 في التعليم المستمر المتكامل

دبي - محمد نعمان
أعلنت وزارة التربية والتعليم الجدول الزمني لامتحانات نهاية الفصل الدراسي (الفترة الأولى) لطلاب التعليم المستمر المتكامل بمختلف مساراته «الدراسة الأكاديمية والمنزلية» للصف الثاني عشر للعام الأكاديمي 2024-2025 حيث ستبدأ في 21 من إبريل القادم وتنتهي في 30 من الشهر نفسه.
وبحسب الجدول المعلن الذي اطلعت عليه «الخليج»، فسوف يستهل الطلبة أول أيام الامتحانات بمادة الفيزياء تليها التربية الإسلامية ثم مادة اللغة العربية في الــ23 من الشهر نفسه ثم مادة اللغة الإنجليزية في 24 إبريل ثم مادة الرياضيات في 28 إبريل ثم مادة الدراسات الاجتماعية الثلاثاء الموافق 29 إبريل، ويختتمون الامتحانات الأربعاء الموافق 30 إبريل بمادتي الأحياء والكيمياء، ويستغرق زمن الإجابة حوالي 120 دقيقة لكل مادة تمتحن من الساعة 6:30 مساء حتى الساعة 8:30 مساء.
وحددت الإجراءات مجموعة من الضوابط والتعليمات التي لا بد للدارسين أن يلتزموا بها وهي إلزامية حضور الطلبة إلى قاعة الامتحان بفترة زمنية كافية، بالإضافة إلى الالتزام بالزمن المحدد للإجابة كما يحق للطالب تسليم ورقة الإجابة والانصراف بعد مرور ساعة على الأقل منذ بدء سريان زمن الإجابة.

مقالات مشابهة

  • تقرير برلماني: مخرجات مؤسسات التعليم العالي لا تواكب سوق العمل
  • عاجل | رئيس بلدية دوما للجزيرة: أكثر من 300 مستوطن هاجموا القرية وأطلقوا الرصاص الحي وأحرقوا مركبات ومنازل
  • الإمارات: إعدام 3 متهمين بقتل حاخام إسرائيلي في أبوظبي
  • النجمة الصاعدة نهلة جمال تنضم لفريق فيلم القرية المسكونة
  • «التربية» تعلن موعد امتحانات طلبة الــ12 في التعليم المستمر المتكامل
  • الزعاق يسترجع ذكريات الاحتفال بعيد الفطر في منزل والده.. فيديو
  • الطلبة يعلق نشاطاته الكروية وأي تعاون مع اتحاد الكرة (وثائق)
  • عاجل.. شهداء وجرحى في عدوان أمريكي جديد استهدف هذا المكان في العاصمة صنعاء
  • إحصائيات : المغرب يجني 415 مليون يورو من الطلبة الأجانب
  • مواطن يحيي ذكريات عيد الفطر بحقبة الثمانينات .. فيديو