جريدة الرؤية العمانية:
2024-12-18@01:52:50 GMT

الخليج.. و"اليوم التالي" في غزة

تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT

الخليج.. و'اليوم التالي' في غزة

 

د. عبدالله باحجاج

"اليوم التالي" هي فكرة صهيونية- أمريكية لمرحلة ما بعد توقف حرب الإبادة الجماعية على غزة، وهي تعني غزة الخراب، بعد إنهاء سيطرة حركة حماس عليها، وإخلاء حزب الله اللبناني من حدود الكيان المحتل، وإتمام صفقات تطبيع مع دول خليجية بإغراءات أمريكية في امتلاك تكنولوجيا مدنية وعسكرية مُتقدِّمة تُحدِث الفارق في التفوُّق الإقليمي في المنطقة، هكذا يُخطِّطون، ويقول الله تعالي: "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" (الأنفال: 30).

هذه الآية الكريمة بقدر ما تمنحنا الثقة، تُحمِّلُنا مسؤولية استشراف خُطط مكرهم داخل منطقتنا الخليجية، حتى نضعها فوق الطاولات السياسية، رغم علمنا بأنَّ بعض دولها قد وصلت إلى مرحلة اللاعودة في التطبيع مع الصهاينة، والهاجس الأول والمُلِح الذي يشغلنا في اليوم التالي؛ بل وحتى لو لم يأتِ هذا اليوم، يدور حول التساؤل التالي: هل تعتقد الحكومات وشعوبها التي وقفت ضد الحرب على غزة منذ اندلاعها وحتى الآن أنها ستكون في منأى عن استهدافها؟ لماذا؟ لأنها قد رفعت منظومة القيم والأخلاق الى قِممها العُليا بصورة مشتركة في مثاليةٍ غير متوقعة، ولأنها شكَّلت مجموعة عُقَد سيكولوجية للصهاينة، ولأنها عرَّت المُتصهْيِنِين في وضح النهار، ولأنها عزَّزت من صمود أهل غزة من خلال رفع معنوياتهم، ولأنها تمنحهم قوة اليقين بأنَّه مهما خذلهم الشقيق، فليس كُلُهم سواء؛ فهناك- مهما بعُدت المسافات- إخوة مخلصون صادقون في الأفعال والأقوال، ولأن من أرحام الإبادات الجماعية في غزة يُولد جيل جديد مُؤطَّر بفكرة الجهاد، وتأصيل فكرة العدو المستدام، وبيقينيات الرفض المُطلق للتطبيع وإعادة رسم مستقبل الشرق العربي تحت غطاء تحقيق السلام في الشرق الأوسط.

وقد أصبح في وعي هذه الشعوب أنَّ السلام في اليوم التالي سيكون استسلامًا وقفزًا فوق حقوق الشعب الفلسطيني، ومن أبرزها حق العودة وحدود 1967، ووعيهم هذا يُرشدهم إلى عدم مشاركتهم في شرعية اغتصاب الصهاينة للحقوق الفلسطينية مهما كانت الإكراهات عليهم؛ لذلك سيستهدفونهم ليس من قبل الصهاينة فحسب، وكذلك المُتصهينيين؛ حيث سيشتركون في استهداف القوى الناعمة المُناصِرة لغزة، وهذه القوى الناعمة لا تنحصر في نُخب فكرية وإعلامية وثقافية واجتماعية فقط؛ بل وفي مؤسسات دينية وصحفية، وغيرها، وربما تكون هناك قوائم مُعدَّة الآن، وتنتظر التنفيذ، إن لم يكن قد بدأ التنفيذ!

هُنا لا نخشى على حكومات هذه القوى من أي استهدافات؛ سواء تحت حكم دونالد ترامب أو كامالا هاريس؛ لأن أي رئاسة أمريكية مُقبِلة- جمهورية أم ديمقراطية- ستكون مُنشغِلة بالتحدي الأول عالميًا وهو الصين، واختراقاتها الاقتصادية والجيوسياسية في العالم، وتحديدًا في منطقة المحيطين الهندي والهادي، بإجماع الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وبالتالي لن يترك ظهر قواته وأساطيل بلاده مكشوفة. وهنا تظهر الدول الشاطئية لبحر العرب والمحيط الهندي ذات أهمية استراتيجية مُستدامة للغرب عامةً ولواشنطن خاصةً؛ إذ إنَّ مياهها ضامنةً لخلفية الوجود الأمريكي الغربي في المحيطين الهندي والهادي، ولن تكشف خلفياتها.

الخطر الذي نخشاه هنا يتمثل في تآمر الصهاينة مع المُتصهيِنين في استهداف القوى الناعمة عبر عدة وسائل، لن نستبعد أي وسيلة، لكننا يُمكن أن نحدد بعضها في اختراقات النخب بالإغراءات المالية والضغوط القهرية المُتعددة الأشكال، وشغل أمنها واستقرارها بجماعات إرهابية، ومحاولة المساس بمناعتها الاجتماعية. ولا شك أن تداخل المُتصهينين مع الصهاينة سيُعطي لقضية الاستهداف خطورةً أكبر مما يُتصوَّر؛ حيث ستتداخل معها أبعاد تاريخية وأطماع إقليمية جيوسياسية حديثة، وسيكون المُتصهينون أكثر حماسًا من الصهاينة، في استهداف هذه الدول؛ للأسباب سالفة الذكر.

وحتى الدول المُطَّبِعة وتلك التي تُفكِّر في التطبيع، نُنبِهُها من خطر اليوم التالي أنها الآن غارقة إلى ما فوق مرحلة اللاعودة، بعد أن سمحت بتغلغل صهيوني بنيوي، وأبرز مؤشراته إقامة بنيات تحتية لاستدامة وجوده في المنطقة الخليجية، مثل إقامة أحياء يهودية ومؤسسات تعبُّدية، وتشكيل رابطة المجتمعات اليهودية الخليجية لرعاية شؤون الجاليات اليهودية في دول الخليج الست، رغم أنه لا يوجد يهود من أصول خليجية، ما عدا دولة واحدة جاءوا إليها من دول مجاورة لها.

لكن الرابطة هي خطوة تكشف لنا خُططهم المستقبلية في التهويد في الخليج، وكل الأبواب مفتوحة لها في هذه الدول بعد أن فكَّكت التحوُّلات الداخلية فيها التي تؤثر على سيكولوجية وطموحات الشباب على وجه الخصوص، وتُشكِّل الدول المُطبِّعة على دول القوى الناعمة الحيَّة أكبر التحديات كذلك، لأنه عن طريق الاتفاقيات الجماعية معها يُمكن أن يمتد التغلغل الصهيوني بسهولة، ويمارسوا اختراقاتهم لقواها الناعمة بسهولة؛ حيث إن الظرفيات الداخلية كلها لدول القوى الناعمة الحية مُهيَّأة لنجاح اختراقات الصهاينة والمتصهينين وأكبر مما يُتصوَّر.

وليس مُستبعدًا تمامًا أن تفتح الرابطة ملف الحقوق التاريخية لليهود في الخليج، كما يحدث الآن في دولة مغاربية بقوة القانون المحلي، بحيث رصدنا عودة يهودية إليها تُثير القلق وتُحدِث فتنة داخلية، وهل هناك دولة في المنطقة لا يزعم اليهود الصهاينة أن لهم حقوقًا فيها؟! فلماذا نفتح لهم الأبواب في ضوء اختلالات سُكانية خطيرة، وتراجع نسبة المواطنين مقارنة بالوافدين؟

إنَّنا نضعُ هذا الملف بكل حثياته سالفة الذكر فوق الطاولات السياسية الخليجية كلها- دون استثناء- وعاجلًا من أجل إدارة الإكراهات المُقبِلة بوعي هذه الاستشرافات الحتمية في حالة نجاح اليوم التالي، والمحتملة في حالة فشله، ونسأل الله له الفشل الذريع.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

قرار جديد من قوى الأمن

عُلم أنَّ هيئة الأركان والعديد في قوى الأمن الداخلي أصدرت مذكرة جديدة لتطويع دركيين متمرنين من بين المدنيين والعسكريين ذكوراً وإناثاً.   وتأتي هذه الخطوة عطفاً على مجلس الوزراء يوم 4/12/2024 القاضي بتطويع دركيين متمرنين لصالح قوى الأمن الداخلي ومن عناصر الخدمة الفعلية في القوى المسلحة.   ووفقاً للمصادر، فإن القوى الأمنية بحاجة إلى 800 عنصر عبر هذه دورة التطويع هذه كحدّ أقصى. المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • شاهد | الصهاينة.. قلق من اليمن وحيرة في طريقة الرد
  • ارتفاع عدد الجنود الصهاينة الخاضعين للتأهيل والعلاج إلى75 ألف جندي
  • الصهاينة يعانون صدمة جماعية متواصلة بسبب أن الأسرى في يد حماس
  • مدارس أمانة العاصمة تشهد فعاليات ثقافية بذكرى ميلاد الزهراء عليها السلام
  • صحيفة إيرانية.. الحوثيون الهدف التالي بعد بشار الأسد
  • القوة الناعمة والقوة الذكية
  • قطعان المستوطنين الصهاينة يجددون اقتحام الأقصى المبارك
  • كيف تختارين لون ظلال الجفون المناسب لعيونك؟
  • نتنياهو يجري مشاورات بشأن «اليوم التالي» للحرب على غزة
  • قرار جديد من قوى الأمن