جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-26@21:08:35 GMT

الخليج.. و"اليوم التالي" في غزة

تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT

الخليج.. و'اليوم التالي' في غزة

 

د. عبدالله باحجاج

"اليوم التالي" هي فكرة صهيونية- أمريكية لمرحلة ما بعد توقف حرب الإبادة الجماعية على غزة، وهي تعني غزة الخراب، بعد إنهاء سيطرة حركة حماس عليها، وإخلاء حزب الله اللبناني من حدود الكيان المحتل، وإتمام صفقات تطبيع مع دول خليجية بإغراءات أمريكية في امتلاك تكنولوجيا مدنية وعسكرية مُتقدِّمة تُحدِث الفارق في التفوُّق الإقليمي في المنطقة، هكذا يُخطِّطون، ويقول الله تعالي: "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" (الأنفال: 30).

هذه الآية الكريمة بقدر ما تمنحنا الثقة، تُحمِّلُنا مسؤولية استشراف خُطط مكرهم داخل منطقتنا الخليجية، حتى نضعها فوق الطاولات السياسية، رغم علمنا بأنَّ بعض دولها قد وصلت إلى مرحلة اللاعودة في التطبيع مع الصهاينة، والهاجس الأول والمُلِح الذي يشغلنا في اليوم التالي؛ بل وحتى لو لم يأتِ هذا اليوم، يدور حول التساؤل التالي: هل تعتقد الحكومات وشعوبها التي وقفت ضد الحرب على غزة منذ اندلاعها وحتى الآن أنها ستكون في منأى عن استهدافها؟ لماذا؟ لأنها قد رفعت منظومة القيم والأخلاق الى قِممها العُليا بصورة مشتركة في مثاليةٍ غير متوقعة، ولأنها شكَّلت مجموعة عُقَد سيكولوجية للصهاينة، ولأنها عرَّت المُتصهْيِنِين في وضح النهار، ولأنها عزَّزت من صمود أهل غزة من خلال رفع معنوياتهم، ولأنها تمنحهم قوة اليقين بأنَّه مهما خذلهم الشقيق، فليس كُلُهم سواء؛ فهناك- مهما بعُدت المسافات- إخوة مخلصون صادقون في الأفعال والأقوال، ولأن من أرحام الإبادات الجماعية في غزة يُولد جيل جديد مُؤطَّر بفكرة الجهاد، وتأصيل فكرة العدو المستدام، وبيقينيات الرفض المُطلق للتطبيع وإعادة رسم مستقبل الشرق العربي تحت غطاء تحقيق السلام في الشرق الأوسط.

وقد أصبح في وعي هذه الشعوب أنَّ السلام في اليوم التالي سيكون استسلامًا وقفزًا فوق حقوق الشعب الفلسطيني، ومن أبرزها حق العودة وحدود 1967، ووعيهم هذا يُرشدهم إلى عدم مشاركتهم في شرعية اغتصاب الصهاينة للحقوق الفلسطينية مهما كانت الإكراهات عليهم؛ لذلك سيستهدفونهم ليس من قبل الصهاينة فحسب، وكذلك المُتصهينيين؛ حيث سيشتركون في استهداف القوى الناعمة المُناصِرة لغزة، وهذه القوى الناعمة لا تنحصر في نُخب فكرية وإعلامية وثقافية واجتماعية فقط؛ بل وفي مؤسسات دينية وصحفية، وغيرها، وربما تكون هناك قوائم مُعدَّة الآن، وتنتظر التنفيذ، إن لم يكن قد بدأ التنفيذ!

هُنا لا نخشى على حكومات هذه القوى من أي استهدافات؛ سواء تحت حكم دونالد ترامب أو كامالا هاريس؛ لأن أي رئاسة أمريكية مُقبِلة- جمهورية أم ديمقراطية- ستكون مُنشغِلة بالتحدي الأول عالميًا وهو الصين، واختراقاتها الاقتصادية والجيوسياسية في العالم، وتحديدًا في منطقة المحيطين الهندي والهادي، بإجماع الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وبالتالي لن يترك ظهر قواته وأساطيل بلاده مكشوفة. وهنا تظهر الدول الشاطئية لبحر العرب والمحيط الهندي ذات أهمية استراتيجية مُستدامة للغرب عامةً ولواشنطن خاصةً؛ إذ إنَّ مياهها ضامنةً لخلفية الوجود الأمريكي الغربي في المحيطين الهندي والهادي، ولن تكشف خلفياتها.

الخطر الذي نخشاه هنا يتمثل في تآمر الصهاينة مع المُتصهيِنين في استهداف القوى الناعمة عبر عدة وسائل، لن نستبعد أي وسيلة، لكننا يُمكن أن نحدد بعضها في اختراقات النخب بالإغراءات المالية والضغوط القهرية المُتعددة الأشكال، وشغل أمنها واستقرارها بجماعات إرهابية، ومحاولة المساس بمناعتها الاجتماعية. ولا شك أن تداخل المُتصهينين مع الصهاينة سيُعطي لقضية الاستهداف خطورةً أكبر مما يُتصوَّر؛ حيث ستتداخل معها أبعاد تاريخية وأطماع إقليمية جيوسياسية حديثة، وسيكون المُتصهينون أكثر حماسًا من الصهاينة، في استهداف هذه الدول؛ للأسباب سالفة الذكر.

وحتى الدول المُطَّبِعة وتلك التي تُفكِّر في التطبيع، نُنبِهُها من خطر اليوم التالي أنها الآن غارقة إلى ما فوق مرحلة اللاعودة، بعد أن سمحت بتغلغل صهيوني بنيوي، وأبرز مؤشراته إقامة بنيات تحتية لاستدامة وجوده في المنطقة الخليجية، مثل إقامة أحياء يهودية ومؤسسات تعبُّدية، وتشكيل رابطة المجتمعات اليهودية الخليجية لرعاية شؤون الجاليات اليهودية في دول الخليج الست، رغم أنه لا يوجد يهود من أصول خليجية، ما عدا دولة واحدة جاءوا إليها من دول مجاورة لها.

لكن الرابطة هي خطوة تكشف لنا خُططهم المستقبلية في التهويد في الخليج، وكل الأبواب مفتوحة لها في هذه الدول بعد أن فكَّكت التحوُّلات الداخلية فيها التي تؤثر على سيكولوجية وطموحات الشباب على وجه الخصوص، وتُشكِّل الدول المُطبِّعة على دول القوى الناعمة الحيَّة أكبر التحديات كذلك، لأنه عن طريق الاتفاقيات الجماعية معها يُمكن أن يمتد التغلغل الصهيوني بسهولة، ويمارسوا اختراقاتهم لقواها الناعمة بسهولة؛ حيث إن الظرفيات الداخلية كلها لدول القوى الناعمة الحية مُهيَّأة لنجاح اختراقات الصهاينة والمتصهينين وأكبر مما يُتصوَّر.

وليس مُستبعدًا تمامًا أن تفتح الرابطة ملف الحقوق التاريخية لليهود في الخليج، كما يحدث الآن في دولة مغاربية بقوة القانون المحلي، بحيث رصدنا عودة يهودية إليها تُثير القلق وتُحدِث فتنة داخلية، وهل هناك دولة في المنطقة لا يزعم اليهود الصهاينة أن لهم حقوقًا فيها؟! فلماذا نفتح لهم الأبواب في ضوء اختلالات سُكانية خطيرة، وتراجع نسبة المواطنين مقارنة بالوافدين؟

إنَّنا نضعُ هذا الملف بكل حثياته سالفة الذكر فوق الطاولات السياسية الخليجية كلها- دون استثناء- وعاجلًا من أجل إدارة الإكراهات المُقبِلة بوعي هذه الاستشرافات الحتمية في حالة نجاح اليوم التالي، والمحتملة في حالة فشله، ونسأل الله له الفشل الذريع.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

انخفاض الدولار واقتصاديات الخليج

 

 

 

علي الرئيسي **

 

ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن فرض الرسوم الجمركية كان من المفترض أن يُقوِّي من سعر صرف الدولار الأمريكي، ولكن ما حصل هو العكس تمامًا؛ فمُنذُ منتصف يناير الماضي وحتى الآن فقدت العملة الأمريكية حوالي 9% من قيمتها، مقابل سلة من أهم العملات.

وقد حدث خُمسا هذا الانخفاض منذ الأول من أبريل، حتى مع ارتفاع عائد سندات الخزانة الأمريكية لعشر سنوات تدريجيًا بمقدار 0.2 نقطة مئوية. هذا المزيج من ارتفاع العائدات وانخفاض قيمة العملة يُنذر بالخطر؛ إذ إن المستثمرين يهربون رغم ارتفاع العوائد، ولا بُد أن ذلك عائد إلى اعتقادهم بأنَّ أمريكا أصبحت أكثر خطورة. وتنتشر شائعات بأنَّ كبار مديري الأصول الأجنبية يتخلصون من الدولار الأمريكي.

وتقول مجلة "ذي إيكونيميست" البريطانية، إنه لعقودٍ من الزمن، اعتمد المستثمرون على استقرار الأصول الأمريكية، جاعلين منها ركائز للتمويل العالمي. ويساهم عُمق سوقٍ بقيمة 27 تريليون دولار في جعل سندات الخزانة الأمريكية ملاذًا آمنًا؛ إذ يُهيمن الدولار على تداول كل شيء، من السلع والبضائع إلى المشتقات المالية. ويدعم هذا النظامَ، بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي أطلق وعودًا بالوصول إلى مستويات مُنخفضة من التضخم، وبالحوكمة الأمريكية المتينة، التي تُرحّب بالأجانب وأموالهم وتُؤمِّن لهم الأمان. وفي غضون أسابيع قليلة، استبدل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذه الافتراضات الراسخة بشكوكٍ مُقلقة.

وبات دخول الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود- حسب معظم المراقبين- أمرًا واردًا؛ نتيجةً لفرض الرسوم الجمركية؛ مما سيدفع ببنك الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة (مع العلم أن ترامب هدَّد رئيس الفيدرالي بإعفائه من منصبه). وخفض أسعار الفائدة سيكون أمرًا ضروريًا، خاصةً إذا ساءت إحصائيات سوق العمل؛ مما سيؤدي إلى زيادة في انخفاض الدولار أمام العملات الأخرى.

وفي سياق متصل، أعلن صندوق النقد الدولي خلال اجتماعات الربيع المُنعقدة في واشنطن حاليًا، خفض توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي من 3% إلى 2.8%، كما حذر من المخاطر المتزايدة والمحتملة على النظام المالي والمصرفي العالمي.

ولا شك أن انخفاض الدولار الأمريكي سيكون له تداعيات مهمة على اقتصادات دول الخليج، التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأسواق المالية العالمية، كما إن عملاتها مربوطة بسعر صرف الدولار.

وفيما يلي أبرز القنوات التي سيتجلَّى فيها تأثير هذا الانخفاض:

الإيرادات النفطية: إذ إن الدول الخليجية تعتمد بشكل كبير على الإيرادات النفطية، وبما أن النفط مُسعَّر بالدولار، فإن تراجع الدولار قد يُخفِّض إيرادات هذه الدول مقابل العملات الأخرى. ورغم احتمال ارتفاع سعر النفط، نتيجة لانخفاض الدولار، إلّا أن ما شهدناه خلال الأسابيع الماضية هو انخفاض كبير في أسعار النفط. لذلك؛ هناك انخفاض في قيمة الدولار، كما إن الأسعار انخفضت نتيجة للزيادة في الإنتاج التي قررتها مجموعة "أوبك بلس". وانخفاض أسعار النفط إضافة إلى هبوط سعر الدولار وبالتالي تراجع أسعار صرف عملات دول الخليج مقابل العملات الأخرى، كل ذلك من شأنه أن يُعقِّد من وضع الموازنات العامة في دول الخليج، وقد يتسبب في تسجيل عجوزات مالية في هذه الموازنات.

وانخفاض قيمة الدولار سيجعل من الصعب الحصول على قروض مُقوَّمة بالدولار، وخاصة بأسعار تنافسية؛ مما سيؤثر على خدمة الدين العام. ورغم أن معظم دول الخليج لا تزال تتمتع بملاءة جيدة للاقتراض، غير أن ذلك لن يستمر طويلًا إذا واصل الدولار نزوله.

المسألة الأخرى، هي موضوع إدارة الاحتياطيات الأجنبية؛ حيث إن دول الخليج تحتفظ بجزء كبير من احتياطاتها بالدولار الأمريكي، وسيؤدي انخفاض سعر صرف الدولار إلى تراجع قيمة هذه الاحتياطيات؛ مما سيؤثر على الاستقرار المالي في هذه الدول، وستضطر هذه الدول إلى البحث عن استراتيجيات جديدة في مجال الصرف الأجنبي. وتحتفظ معظم الصناديق السيادية بأصول بالدولار، وقد يُسبِّب لها هذا الانخفاض، هبوطًا في أرباحها، وربما خسائر في حالة إعادة تقييمها.

والواضح جدًا أن انخفاض سعر الدولار وبالتالي تراجع أسعار صرف عملات دول الخليج، سيرفع من قيمة الواردات، وخاصة أن هذه الدول تستورد تقريبًا معظم السلع والخدمات من الخارج، ونتيجة لذلك سترتفع أسعار هذه السلع وخاصة السلع الغذائية. وارتفاع أسعار السلع وبالذات السلع الغذائية، سيكون له تأثير كبير على الفئات الفقيرة والمتوسطة. وهذا الارتفاع في أسعار السلع والخدمات سيرفع من معدلات التضخم في هذه الدول.

صحيحٌ أن انخفاض الدولار سيؤدِّي إلى ان تكون صادرات دول الخليج أكثر تنافسية في السوق العالمية، وبالتالي ستستفيد هذه الصادرات من هذا الانخفاض، لكن معظم الصناعات الخليجية تعتمد على المُدخلات المُستورَدة، وقيمة هذه المدخلات سترتفع أسعارها نتيجة لانخفاض سعر الدولار.

في المقابل، ستستفيد السياحة من انخفاض الدولار ومن انخفاض قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأخرى، وقد يؤدي ذلك إلى زيادة في عدد السُيَّاح؛ نظرًا لانخفاض قيمة العملة. لكن انخفاض قيمة العملة أيضًا سيؤثر سلبًا على السياح الخليجيين؛ حيث إن الأسعار ستكون مرتفعة بالنسبة لهم في البلدان التي سيقومون بزيارتها.

أما بالنسبة للعمالة الوافدة، فإن عددًا كبيرًا من العمالة الوافدة تقوم بتحويل جزء كبير من دخلها إلى بلدانها، والانخفاض في قيمة العملة سيؤدي إلى انخفاض في قيمة الأموال المُحوَّلة، مما سيرفع من رواتب العمالة الأجنبية لتعويض هذا الانخفاض.

ارتباط العملات بالدولار: عملات دول الخليج مرتبطة بالدولار الأمريكي (عدا الكويت إلى حد ما، تربط عملتها بسلة من العملات يُهيمن عليها الدولار)، وانخفاض الدولار يُمكن أن يؤدي إلى تغيير في السياسات؛ بما في ذلك تغيير في أسعار الفائدة أو إعادة تقييم لربط العملة.

وأخيرًا.. إنَّ ارتباط سياسة سعر صرف عملات دول الخليج بالعملة الأمريكية، وإن كان لفترة طويلة كان مناسبًا واستفادت دول الخليج من استقرار الدولار، إلا أن دخول الاقتصاد الأمريكي في مرحلة عدم اليقين- وخاصة إذا أدركنا أن الدين العام وصل إلى مرحلة خطرة، بما يُهدد استقرار هذ العملة- فقد يكون من المناسب أن تبحث دول الخليج عن خيارات ربط عملاتها بسلة من العملات أو تعويم عملاتها أو البحث في خيارات أخرى، لا سيما بعد أن توقف قطار توحيد وتقريب عملات دول المجلس.

** باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • باكستان تتهم الصهاينة بتأجيج التوتر مع الهند وتلوح باستخدام السلاح النووي
  • عائلات الأسرى الصهاينة تؤكد: الضغط العسكري بغزة يقتل أبناءنا!
  • انخفاض الدولار واقتصاديات الخليج
  • معلمات في الدورات الصيفية لـ”الأسرة” :السلاح أمام حرب العدو الناعمة هو التربية الإيمانية والرجوع إلى الثقافة القرآنية
  • كيف تبدو خريطة إسرائيل لـاليوم التالي في غزة؟
  • في اليوم العالمي للملاريا.. ما أعراض المرض وطرق الوقاية منه؟
  • السيد القائد: المجرمون الصهاينة مستمرون في ارتكاب جرائم وحشية بحق أبناء غزة وإحراق خيام النازحين بالقنابل الأمريكية
  • الأحلام الإمبراطورية: كيف تُشجّع أميركا القوى العظمى على مزيد من الاندفاع؟
  • الأمم المتحدة تحيي اليوم الدولي للتعددية والدبلوماسية من أجل السلام
  • ملخص مباراة الخليج 1 – 1 القادسية – دوري روشن