محمية أكاجيرا في رواندا.. تجربة فريدة لعشاق السفاري
تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT
كيغالي- بسرعة لا تتجاوز 40 كيلومترا تأخذنا سيارة دفع رباعي سوداء اللون في رحلة سفاري داخل حديقة أكاجيرا شرقي رواندا، لنكتشف تفاصيل حياة برية متنوعة في أكبر منطقة محمية للأراضي الرطبة وسط أفريقيا.
في بداية الرحلة تطالعك أعداد قليلة من الخنازير البرية على مسافة 200 إلى 300 متر تقتات على مهل ما دامت في مأمن من أعين الأسود والنمور حتى هذه اللحظة.
وكلما توغلنا داخل الحديقة جادت علينا الطبيعة بمزيد من الحيوانات البرية، قطعان جاموس هنا، وجماعات من الحمير الوحشية هناك، والجميع تعيش في حالة حذر من مباغتة الحيوانات المفترسة.
ولكن اللحظة التي كنا جميعا نرقبها قد حانت، هناك على مسافة ليس بالقريبة كانت بعض الأسود تستظل تحت الأشجار وهي تطلق نظراتها صوبنا، توقفنا قليلا لالتقاط بعض الصور والفيديوهات قبل أن نكمل الرحلة، وحسب المسؤولين عن المحمية الطبيعية فإن هناك نحو 60 أسدا في الوقت الحالي.
وعلى مدار ساعتين من الزمن تقريبا، تطل عليك الزرافات بأعناقها الطويلة بينما يمشي وحيد القرن بتؤدة، وتسبح أفراس النهر والتماسيح في مياه البحيرات الصغيرة والكبيرة، وتقف مئات الطيور النادرة على أغصان الأشجار عند جنبات الأنهار، وغير بعيد عنها تتحرك القردة الصغيرة جنبا إلى جنب مع الغزلان.
لم يحالفنا الحظ لرؤية الفيلة وحيوانات أخرى تزخر بها الحديقة، رغم خوضنا تجربة أخرى على متن القارب في مياه النهر، فالمهمة ليس سهلة وتحتاج مزيدا من الوقت وربما رحلة ليلية أخرى، لكن الرحلة حتما ستكون ممتعة لمن يرغب في زيارة محمية طبيعية، أبت إلا أن تصمد أمام الصعاب والتحديات بدعم وجهود رسمية ومجتمعية، وتحتضن المحمية نحو 150 من الفيلة، و100 زرافة.
قصة مقاومةعلى مساحة 1122 كيلومتر مربع، تروي حديقة أكاجيرا تفاصيل قصة قاومت فيها الطبيعة أصنافا عديدة من التحديات عبر السنين، لتقدم لعشاق رحلات السفاري في وقتنا نموذجاً أفريقياً لبيئة امتزجت فيها المناظر الخلابة بعفوية الحياة البرية المتنوعة.
لم تسلم المحمية -التي سميت على اسم نهر كاجيرا- من تداعيات حرب الإبادة الجماعية عام 199، فاقتطعت أجزاء كبيرة منها إلى جانب عمليات الصيد الجائر التي أضرت بها، ولكنها اليوم وبفضل الشراكات بين مجلس التنمية الرواندي (RDB) وهيئة المتنزهات الأفريقية (APN) نجحت هذه المحمية في استعادة عنفوانها وتنوعها البيولوجي واستقرارها البيئي، لتصبح واحدة من أفضل الوجهات السياحية في البلاد.
وبحسب حديث المسؤولين هناك، استقبلت المحمية 54.4 ألف زائر في العام 2023، نصفهم تقريبا من السياح الأجانب، والنصف الآخر من داخل رواندا، وحققت هذا الفضاء الطبيعي دخلا فاق 5.3 ملايين دولار، وهو ما يمثل نحو 92% من تكاليف إدارة المحيمة.
في هذه المحمية -التي تأسست في العام 1934 وشهدت انطلاقة جديدة في العام 2010- يعيش أكثر من 15 ألف حيوان بري ومئات الطيور، مما استلزم وجود جهة ترعى هذا التنوع البيئي، وتحافظ عليه. وكانت مساحة المحمية تقارب 2500 كيلومتر قبل تقليصها.
ولتحقيق هذه الرعاية، تولت شركة أكاجيرا للإدارة (AMC) قبل 14 عاما مهمة إدارة المحمية بموجب اتفاقية مدتها 20 عاما بهدف إعادة تأهيل التنوع البيئي والحفاظ على الطبيعة وتنمية السياحة بهذه المنطقة. والشركة عبارة عن شراكة بين مجلس التنمية الرواندي وهيئة المتنزهات الأفريقية.
ونفذت الشركة مشاريع واستثمارات كبيرة لتطوير البنية الأساسية لحديقة السافانا، إلى جانب مهام تدريب الموظفين والعاملين وبناء وحدات مراقبة وشراء أسطول من المركبات والدراجات النارية وقوارب ووسائل أخرى، لضمان تطوير أداء هذا المرفق وحمايته من التعديات.
ووظفت الشركة أكثر من 120 حارسا لحماية المحمية من الصيد الجائر وأنواع أخرى من الأنشطة غير القانونية، ويساعد هؤلاء الحراس على أداء مهمتهم كلاب تعقب مدربة وأجهزة اتصالات واستشعار لتفاصيل الحياة بهذا المكان، كما تم بناء سياج على الحدود الغربية بطول 126 كيلومتر، يشرف على مراقبتها نحو 30 موظفا.
ولا تشكل الحديقة متنفسا طبيعيا للزوار فقط، بل هي مصدر دخل للمجتمعات المحيطة بها، حيث يعمل أكثر من 320 شخصا في الأنشطة السياحية والبناء والحفاظ على البيئة داخل هذه المحمية في إطار رؤية مستدامة تهدف إلى تقاسم الإيرادات بين جميع الشركاء، وتكريس مبدأ دعم أفراد المجتمع لرحلة بقاء الحديقة على المدى البعيد.
ويقول جانفيي تويزييمانا وهو دليل سياحي رواندي إن "الحديقة تلعب دورا اقتصاديا واجتماعيا مهما بالنظر إلى الإيرادات التي نحصل عليها من زيارات السياح، والتي تعود بالنفع على الدولة وعلى المجتمعات القريبة من هنا، وتوفر الأموال لمواصلة الحفاظ وحماية الحياة البرية هنا".
ويضيف الدليل للجزيرة نت أن قرابة 10% من الإيرادات تذهب لدعم السكان الذين يقطنون قرب المحمية ومساعدتهم على مواجهة تكاليف الحياة، فضلا عن أن مئات السكان يعملون في أنشطة متعددة في المحمية.
أنشطة وخياراتوخلال رحلة عودتنا، كان لابد من استراحة قصيرة لتناول وجبة الغذاء في مطعم جميل على ضفاف البحيرة، وغير بعيد توجد مجموعة من الخيام يستأجرها الزوار للاستراحة والتخييم للاستمتاع بمزيد الوقت بين أحضان الحياة البرية المتنوعة.
وتقدم الحديقة أنشطة متنوعة بينها التخييم، وصيد الأسماك، والرحلات الليلية، ورحلات القوارب في بحيرة إيهيما، ورحلات السفاري بقيادة دليل سياحي، ورحلات السفاري على الأقدام، علاوة على تجارب أخرى للتعرف على نماذج ثقافية واجتماعية واقتصادية للمجمعات المحيطة.
كما تقدم المحمية خيارات متعددة للإقامة لوقت أطول، سواء في مخيمات أكاجيرا، أو في نزل (فنادق) صممت لتناسب طبيعة المكان البرية.
وفي أحد هذه النزل كان مبيتنا حتى الصباح، لننطلق في تجربة أخرى مع رحلة على متن القارب لاستمتاع برؤية الحيوانات من زاوية أخرى في محمية تمثل إلى جانب غابة "نوينغوي"، ومنطقة "البراكين" (وهي موطن الغوريلا) أهم إيرادات رواندا السياحية التي بلغت نحو 640 مليون دولار في 2023 بعدما استقبلت البلاد زهاء 1.5 مليون سائح.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
بلجيكا ترد بسرعة على قرار رواندا بقطع العلاقات الدبلوماسية
أعربت بلجيكا عن أسفها لقرار رواندا قطع العلاقات الدبلوماسية مع بروكسل وإعلان الدبلوماسيين البلجيكيين أشخاصا غير مرغوب فيهم.
قطع العلاقات الدبلوماسيةجاء ذلك على لسان نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية والشئون الأوروبية والتعاون الإنمائي في بلجيكا ماكسيم بيرفوت، الذي أوضح أن "هذا أمر غير متناسب ويظهر أنه عندما نختلف مع رواندا فإنهم يفضلون عدم الدخول في حوار".
وقال وزير الخارجية البلجيكي عبر حسابه الرسمي بمنصة "إكس" إن بلجيكا ستتخذ تدابير مماثلةمنها استدعاء القائم بالأعمال الرواندي، وإعلان الدبلوماسيين الروانديين أشخاصا غير مرغوب فيهم، وإدانة اتفاقيات التعاون الحكومي بيننا.
وحسب بيان صحفي صدر عن كيجالي، فإن بلجيكا "عملت على تقويض" البلاد بشكل مستمر، "قبل وأثناء الصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية".
أزمة بين بلجيكا وروانداوتتهم كيجالي بلجيكا، التي يُنظر إليها على أنها القوة الدافعة وراء العقوبات، وخاصة داخل الاتحاد الأوروبي، بنشر "الأكاذيب والتلاعب لخلق رأي عدائي غير مبرر ضد البلاد".
وأمهلت البعثة الدبلوماسية التي يرأسها قائم بالأعمال منذ رحيل السفير الأخير في يوليو الماضي دون تعيين بديل، 48 ساعة لمغادرة رواندا.
اعتمد الاتحاد الأوروبي، تحت ضغط من بلجيكا على وجه الخصوص، يوم الاثنين عقوبات ضد شخصيات رواندية بسبب دعم كيجالي لهجوم جماعة إم23 المتمردة في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وفي فبراير الماضي، علقت رواندا بالفعل تعاونها التنموي مع بلجيكا، منددة بحملة شنتها بروكسل ووصفتها بأنها عدوانية ضد البلاد.