هل نرى ربنا يوم القيامة؟.. أحد علماء الأزهر يجيب
تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT
أكد الدكتور يسري جبر، من علماء الأزهر الشريف، أن الحديث المروي في صحيح البخاري عن رؤية الله يوم القيامة يحمل معاني عميقة ومهمة للمؤمنين، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هل تمارون في القمر ليلة البدر، ليس دونه سحاب؟"، مشيرًا إلى وضوح الرؤية التي لا يختلف عليها أحد.
وأشار الدكتور يسري جبر، خلال أحد البرامج الدينية، إلى أن النبي تطرق إلى تفاصيل هذا الحديث، موضحًا أن المماراة تعني الاختلاف في الرأي، وأنه كما لا يوجد خلاف حول رؤية القمر في ليلة البدر، فلا يوجد أيضًا خلاف حول رؤية الله يوم القيامة للمؤمنين، قائلًا: "هل تضارون في الشمس، ليس دونها سحاب؟"، مؤكدًا على أن رؤية الله ستكون واضحة تمامًا مثل رؤية الشمس، التي يشعر بحرارتها حتى الأعمى.
ولفت إلى أن التشبيه هنا ليس في الجهة أو الاستدارة، بل في وضوح الرؤية، فكما يرى الإنسان القمر والشمس بوضوح، سيراهم الله بوضوح أيضًا يوم القيامة، موضحا أن هذا التشبيه يأتي لتأكيد أن الله ليس كالأجسام المخلوقة، فهو قاهر لا يتغير.
وفي سياق حديثه، ذكر أهمية التمييز بين المؤمنين والكافرين في هذا الأمر، حيث قال:"إن المؤمنين سيرون ربهم، بينما الكافرين محجوبون عنه"، موضحا أن الحجاب هو عقوبة الكافر، حيث يشعر بعذاب النار، ويكون الحجاب هو ما يمنعه من رؤية الله.
هل نرى الله يوم القيامة كما قال النبي في الحديث إنكم سترون ربكم عيانا
أجابت دار الإفتاء المصرية عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"هل حديث النبي عليه السلام: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا» يفيد رؤية المؤمنين لله يوم القيامة؟ وكيف تكون هذه الرؤية؟".
لترد دار الإفتاء موضحة: أنه ورد عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا» رواه البخاري في "صحيحه"، وعنه أيضًا قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنظر إلى القمر ليلة، يعني البدر، فقال: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تَضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا» ثُمَّ قَرَأَ: «﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾ [ق: 39]» متفق عليه.
ووجه الدلالة من الحديثين واضح في إثبات رؤية المؤمنين لله تعالى في الآخرة وهو معتقد أهل السنة والجماعة؛ قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (9/ 619-620، ط. دار الفكر): [قال النووي: اعلم أن مذهب أهل السنة قاطبة أن رؤية الله تعالى ممكنة غير مستحيلة عقلًا، وأجمعوا أيضًا على وقوعها في الآخرة؛ أي: نقلًا، وأن المؤمنين يرون الله تعالى دون الكافرين.. وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، فمن بعدهم من سلف الأمة على إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين، ورواها نحو عشرين صحابيًا رضي الله تعالى عنهم عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وآيات القرآن فيها مشهورة] اهـ.
وقال العلامة ابن القيم في "حادي الأرواح" (ص: 205، ط. دار الكتب العلمية): [وأما الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الدالة على الرؤية فمتواترة] اهـ.
ومعنى رؤية الله تعالى في الآخرة: انكشافه لعباده المؤمنين في الآخرة انكشافًا تامًا، ولا يلزم من رؤيته تعالى إثبات جهة -تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا- بل يراه المؤمنون لا في جهة كما يعلمون أنه لا في جهة؛ يقول الدكتور محمد البوطي في "كبرى اليقينيات الكونية" (ص: 171، ط. دار الفكر المعاصر): [على الرغم من أن الله تعالى ليس جسمًا ولا هو متحيز في جهة من الجهات، فإن من الممكن أن ينكشف لعباده انكشاف القمر ليلة البدر كما ورد في الأحاديث الصحيحة، وأن يروا ذاته رؤية حقيقية لا شبهة فيها، وستحصل هذه الرؤية إن شاء الله بدون الشرائط التي لا بد منها للرؤية] اهـ.
والذي عليه أهل السنة والجماعة أنها: قوة يجعلها الله تعالى في خلقه، لا يشترط فيها اتصال الأشعة، ولا مقابلة المرئي ولا غير ذلك، فإن الرؤية نوع من الإدراك يخلقه الله تعالى متى شاء ولأي شيء شاء.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: رؤية الله النبی صلى الله علیه علیه وآله وسلم یوم القیامة الله تعالى رؤیة الله فی الآخرة تعالى فی
إقرأ أيضاً:
تأملات قرآنية
#تأملات_قرآنية
د. #هاشم_غرايبه
يقول تعالى في الآية 44 من سورة الأنعام: “فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ”.
يبين الله تعالى بعض سننه في تقدير إنعاماته على الناس، وهي أن عطاء الله لبعض خلقه ليس بالضرورة مكافأة على حسن عملهم، بل قد يكون للكافرين امدادا فيوغلوا بالضلالة، وهكذا يصبح عقوبة لأنه أعشى عيونهم عن الهدى، فيحق عليهم العذاب.
لقد أنبأنا بأنه لعدالته، فعطاؤه عام لكل خلقه ابتداء، بغض النظر عن طاعة المخلوق أو عصيانه: “كُلًّا نُمِدّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاء رَبّك وَمَا كَانَ عَطَاء رَبّك مَحْظُورًا” [الإسراء:20]، ثم يتفضل على من يشاء من الشاكرين منهم بفضله زيادة أو انقاصا، بقصد الإبتلاء والتمحيص، وأما الجاحدون المنكرون لفضله، فعقوبته لهم أنه يحرمهم من فرصة التوبة، التي تؤهلهم لنوال مغفرته وثوابه في الآخرة.
من خلال التفكر في هذه الآية، يمكننا الإلمام بشيء من الحكمة في تصريف الأمور التي تتم في الحياة الدنيا، وكيف أن هنالك ارتباط لها بالحياة الآخرة ومنها:-
1 – إن عطاء الله لعباده أصلا منتج ابتدائي لكرم الخالق، فهو ليس مثوبة ولا عقوبة.
2 – هذا العطاء يكون على وجهين أساسي: وهو شامل للنعم المعطاة للجميع كالحياة والعقل وكمال الوظائف الجسدية، والإنتفاع بالجوارح والحواس ..الخ، والوجه الثاني تخصيصي لبعض دون آخرين وبدرجات متعددة، مثل الإمداد بالمال والبنين والجاه والعلم والمواهب ..الخ.
3 – في العطاء الأساسي الشمولي، لا يشترط التساوي، وهذا التمايز الظاهري من أجل إظهار قيمة النعم الممنوحة لكن ذلك لا ينتقص من العدالة الإلهية المطلقة، فقد يتم التعويض في الفوارق في أمور أخرى، إنما كان التباين للتنبيه، فلا يحس المرء بمدى نفع النعمة إلا حين نقصها.
4 – في العطاء التخصيصي، قد لا يمكن الالمام بكل الحكمة العميقة حتى لأولي الألباب، بل ببعضها والظاهر منها، ويكون على أبواب كثيرة منها:
أ- عطاء دنيوي جزاء الإخلاص في العمل وبذل الجهد، مثل المجد والمردود المادي الذي يناله العالِم والمخترع والحاكم العادل والمصلح الإجتماعي، حتى لو كان غير مؤمن، وهذه مكافأة لمن نفع الناس أو أزال عنهم ضررا، لكن أثرها يبقى في الدنيا ولا ينفعه في الآخرة: “وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ” [الشورى:20]
ب – وهنالك جزاء في الآخرة فوق جزاء الدنيا لمن يفعل كل ذلك وهو مؤمن ويبتغي به وجه الله “وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ۚ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ” [آل عمران:145].
ج – عطاء الدنيا قد يكون جزاء من جنس العمل، مثل البركة في المال أو زيادة الدخل لمن ينفق على عياله أويتصدق على غيره، وقد يكون في غير جنسه، مما قد يكون المرء بحاجة إليه ولا يحل المال مشكلته، كالشفاء من العلل “داوو مرضاكم بالصدقة” [حديث شريف]، أو بالنجاة من حادث، أو بمخرج من ضيق، أو التوفيق في العمل، أو صلاح الذرية، أو الذكر الحسن.
د – ليس شرطا تلازم العطاء مع الفعل الحسن، فالتوقيت يقدره الحكيم الخبير، ولأنه علام الغيوب فتقديره فيه الخير للعبد أكثر من تقدير العبد ذاته.
5 – كل ما سبق ذكره من عطاء الله خير ومثوبة، أمّا ما جاء ذكره في هذه الآية الكريمة فهو العطاء الخطير، وهو أن يمد الله للعاصين والظالمين والطغاة، حتى يتمادوا في غيهم ويظنوا أن الله غافل عما يفعلون، فيصلوا الى نقطة لا يمكنهم فيها العودة عن ضلالهم، فيكونوا قد استحقوا العقاب.
إن الله لا يكره أحدا من خلقه، بل يكره التوجه الى الضلال بعد تبين الهدى، لذلك يمقت أفعال الضالين وليس أشخاصهم، ولو علم في أحدهم خيرا لهداه ولفرح باهتدائه، لكنه يعلم أن دخاءلهم فاسدة، ولو تاب عليهم لعادوا لما نهوا عنه، هؤلاء يكره اختلاطهم بالصالحين، فلا يهديهم ولا يصلح بالهم، مثلما كره انبعاث المنافقين في غزوة العسرة فثبطهم، فخسروا فرصة التوبة وانكشف زيفهم للمؤمنين.
لذلك فالخاسر الأكبر هو المنافق الذي يعتقد أنه بنجاحه بإخفاءه عداءه لمنهج الله عن الناس قد نجى، فالله قد يكون مد له ليتمادى، ليستحق عقابه الأليم.