خالد عمر يوسف

أثارت فكرة إنشاء مناطق آمنة ومحمية داخل السودان نقاشاً مثمراً، إذ إن حال بلادنا المؤسف، الذي لا يرضي عدواً أو صديقاً، يتطلب تفكيراً جاداً وعملًا حثيثاً لتحديد الأولويات. ولا توجد أولوية أهم في هذا الوقت من توفير الحماية للملايين من المدنيين الذين دمرت حياتهم هذه الحرب وأجبرتهم على اللجوء والنزوح.

الحقيقة الواضحة هي أنه لا توجد منطقة آمنة في السودان، على عكس ما يروج له البعض زوراً. بدأت الحرب منذ عام ونصف في ولاية الخرطوم وحدها، مما دفع ملايين الأشخاص لمغادرة الخرطوم بحثاً عن الأمان في ولايات أخرى. وانتقلت الحرب تدريجياً إلى ولايات أخرى، بدءاً من دارفور، مروراً بكردفان ووصولاً إلى الجزيرة وسنار وتخوم ولايات نهر النيل والنيل الأبيض والنيل الأزرق والقضارف.

على سبيل المثال، كانت ولاية الجزيرة آمنة حتى اجتاحتها قوات الدعم السريع، لتصبح مسرحاً لانتهاكات واسعة النطاق وجرائم ضد المدنيين. هناك ولايات مستقرة نسبياً، مثل جنوب وشرق دارفور، لكن الطلعات الجوية المستمرة للقوات المسلحة تزعزع حياة المدنيين هناك، إضافة إلى إغلاق معابر المساعدات الإنسانية الذي يهدد السكان بالجوع والمرض وانعدام مقومات الحياة.

ولايات أخرى، مثل نهر النيل والقضارف، انتقلت الحرب لتخومها، وقد تتوسع في أي لحظة. مناطق كانت آمنة نسبياً مثل شرق الجزيرة شهدت انتهاكات واسعة عقب حادثة أبو عاقلة كيكل حيث شنت قوات الدعم السريع حملة انتقامية ضد مناطق فيها بذريعة تعاونهم مع القوات المسلحة. كما دخلت القوات المسلحة مناطق كانت تحت سيطرة الدعم السريع، مثل الدندر والحلفايا، وارتكبت جرائم تصفية للمدنيين العزل بدعوى أنهم “متعاونون”.

إذًا، ما هو الحل الذي سيضمن بالفعل حماية المدنيين العزل من الموت والدمار الذي يزداد يومًا بعد يوم؟

يطرح معسكر الحرب ودعاته استمرار القتال لفرض الأمان بالقوة، إلا أن نتائج هذا الخيار واضحة، فهي تتلخص في توسيع دائرة الحرب يوماً بعد يوم دون تحقيق هذه الغاية، ويتفاقم الوضع أكثر بدعوات تسليح المدنيين، مما يؤدي عملياً إلى تحلل وتفتيت البلاد وتفاقم أزمة النزاعات المسلحة وتعدد الجيوش، ناهيك عن خطل فكرة دفع مدنيين قليلي التدريب وضعيفي التسليح لخوض حرب ضد جيوش مدججة بالسلاح والعتاد.

نحن، في معسكر السلام، طرحنا منذ بداية الحرب ضرورة الوقف الفوري للعدائيات والجلوس إلى طاولة الحوار بحثاً عن حل عادل ومنصف يقود إلى سلام مستدام في البلاد. عملنا على ذلك عبر دعم المنابر والوساطات الدولية الساعية لاحتواء النزاع في السودان، وتقديم مبادرات محلية لتحقيق نفس الهدف، وأهمها مبادرة تقدم في يناير الماضي، التي استجابت لها قوات الدعم السريع، وأسفرت عن إعلان أديس أبابا، لكن القوات المسلحة تراجعت عن قبولها بعد أن وافقت على الجلوس أول الأمر، مما أجهض هذه المحاولة وحدّ من قدرتها على وقف الحرب.

الآن، وبعد عام ونصف من دمار هائل حل ببلادنا وأهلها، سنواصل السعي لوقف هذه الحرب بشتى الوسائل. لكن قرار وقف الحرب ليس بيد المدنيين، بل بيد حاملي السلاح أولاً، وهذا يبدو غير قريب المنال نظراً للإرادة المتواصلة في خوض الحرب لدى الأطراف المتصارعة. بناءً على ذلك، ينبغي البحث عن بدائل تحفظ أرواح المدنيين إلى حين عودة العقل لأهل السودان وتوقف هذه الحرب الإجرامية.

تطرح فكرة المناطق الآمنة منزوعة السلاح تحت آليات مراقبة دولية حلاً عملياً، إذ تتيح للمدنيين العيش بأمان، وتوفر لهم احتياجاتهم الأساسية من غذاء ودواء، وتمنع تهديدهم من قبل أي من الأطراف المتقاتلة.

إن الجرائم المرتكبة بحق شعبنا يجب ألا تُستغل لتحقيق مكاسب سياسية لأي طرف كان. للأسف، هناك من يتلذذ بانتهاكات الأبرياء سعياً لتحقيق مكاسب سياسية ضد جهة ما، وهناك من يؤجج النزاع، ويتكسب منه مادياً وسياسياً، وليس له مصلحة في إنهائه. هؤلاء لا يكترثون لمعاناة المدنيين، ولا يعيرونها أدنى اهتمام، بل يدعون لاستمرار هذا الجنون الإجرامي، وهذا ما لن نسمح به، وسنتصدى له بحزم.

الوسومخالد عمر يوسف

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: خالد عمر يوسف الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

«الأمم المتحدة» تدين تصاعد العنف في جنين وتدعو لحماية المدنيين

عبر مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة اليوم، الجمعة، عن قلقه الشديد إزاء تصاعد العنف في منطقة جنين بالضفة الغربية المحتلة، مُدينًا استخدام "القوة القاتلة غير المشروعة" من قبل قوات الأمن الإسرائيلية.

وقال المتحدث باسم المكتب، ثمين الخيطان - في بيان اليوم - إن "العملية العسكرية" الإسرائيلية في مخيم جنين للاجئين وحوله شهدت استخدامًا "مفرطًا" للقوة، بما في ذلك الغارات الجوية والاشتباكات التي استهدفت بحسب التقارير سكانًا عزل.

وأضاف أن "العمليات الإسرائيلية القاتلة خلال الأيام الأخيرة، تثير مخاوف جدية بشأن استخدام القوة بشكل غير ضروري أو مفرط، بما في ذلك الأساليب ووسائل القتال الحربي، في انتهاك للقانون الدولي لحقوق الإنسان والمعايير والمبادئ المعمول بها في عمليات إنفاذ القانون".

وأكد مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن ما لا يقل عن 12 فلسطينيًا - معظمهم يُعتقد أنهم كانوا غير مسلحين - قُتلوا منذ يوم الثلاثاء، وأصيب 40 آخرون، بينهم طبيب وممرضتان، وفقًا للهلال الأحمر الفلسطيني.

وأعاد التأكيد على أن إسرائيل، باعتبارها القوة المحتلة، تتحمل مسئولية بموجب القانون الدولي في حماية المدنيين الذين يعيشون تحت الاحتلال.

وشدد على ضرورة إجراء تحقيقات في عمليات القتل غير المشروعة المزعومة، محذرًا من أن غياب المساءلة قد يؤدي إلى استمرار العنف.

وأضاف: "من خلال فشلها المستمر على مر السنين في محاسبة أفراد قواتها الأمنية على القتل غير المشروع، فإن إسرائيل لا تنتهك التزاماتها بموجب القانون الدولي فحسب، بل تخاطر أيضًا بتشجيع تكرار هذه العمليات القاتلة".

وعبر الخيطان عن قلقه من التصريحات المتكررة لبعض المسئولين الإسرائيليين بشأن خطط توسيع المستوطنات، مما يعد انتهاكًا للقانون الدولي.

ودعا إلى إنهاء فوري للعنف في الضفة الغربية، مناشدا "جميع الأطراف"، بما في ذلك الدول الثالثة المؤثرة، أن تبذل كل ما في وسعها لضمان تحقيق السلام في المنطقة.

وأعاد التأكيد على دعوة المفوض السامي فولكر تورك لإسرائيل بوقف توسيع المستوطنات وإخلاء جميع المستوطنات كما يقتضي القانون الدولي.

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة تدين تصاعد العنف في جنين وتدعو لحماية المدنيين
  • «الأمم المتحدة» تدين تصاعد العنف في جنين وتدعو لحماية المدنيين
  • بشرى .. الدولار يهبط 50 قرشا أمام الجنيه المصري لهذه الأسباب
  • ترامب يتجه لإغلاق مكتب البنتاغون لحماية المدنيين
  • (خاص) يسرا اللوزي: كنت سأعتذر عن مسلسل "سراب" لهذه الأسباب
  • أبرزها مصر والإمارات.. كيف تستغل القوى الإقليمية الحرب السودانية لتحقيق مكاسبها؟
  • أستاذ جهاز الهضمى يحذر من تناول المسبكات لهذه الأسباب
  • الآلية الوطنية لحماية المدنيين تناقش إعادة تشكيل الآلية بما يواكب المستجدات التي فرضتها الحرب
  • لهذه الأسباب…محافظ اسوان يلتقي برئيس مجلس إدارة شركة غاز مصر
  • هل معلوماتك آمنة؟.. خطوات تفصيلية لحماية البيانات عند التصفح أو التسوق الإلكتروني