"يوم العلم".. أحد أيام الهوية الإماراتية
تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT
"يوم العلم" هو يوم المواطنة الصالحة، ويوم الالتفاف حول القيادة الملهمة
ما أجمل أن يكون لك وطنٌ تحميه ويحميك، وتصونه ويصونك؛ فالمواطنة مفهوم ثقافي وأخلاقي وسلوكي، والمواطنة الصالحة هي شراكة بين المواطن والدولة، وهي غاية يمكن بلوغها تدريجيًّا، والوطن هو الحبل السُّري الذي يمدنا بالديمومة والحياة، والشعور بالدفء والكرامة والأمن الوجودي.
وهنا تتجلَّى قيمة الاحتفال بــــ "يوم العلم"، ذلك اليوم الذي يمثل يوم التلاحم الوطني الذي سيوافق الاحتفال بالعيد الوطني الخمسين؛ من أجل تنمية المشاعر الإيجابية نحو " البيت الموحَّد"، والتواصل والتفاعل مع الهوية الوطنية، بوصفها ارتباطًا عاطفيًّا بالأرض، لتعزيز الانتماء وترسيخ الولاء، والتفاني لإكمال المسيرة التي حققها المؤسِّسون الكبار، والاستحقاقات الكاملة التي حصدها المواطن، إلى أن أصبحت الهوية الإماراتية من الطراز الأول من الهويات المؤثرة في المنطقة؛ لارتباط معانيها بقيم عليا لا تفنى، ومعانٍ ساميةٍ لا تبلى، وأتت ثمارها الطيبة على شكل نهضة كبرى تشمل مناشط الحياة كلّها.
كما أن "يوم العلم" هو يوم المواطنة الصالحة، ويوم الالتفاف حول القيادة الملهمة، حيث لا تسمو الأوطان إلا بتقدير أبنائها، وإرجاع الشكر والفضل والعرفان لأهله، أنه يوم يرتدي فيه المواطن ثوب الشموخ والعزة.
الإمارات هي ذلك الوطن الذي جعل المواطن يحيا برفاهية ورغد فقط؛ سعيًا إلى بناء جيل يؤمن بقدراته وبمجتمعه ودولته، فإن المواطنة تتأثر ولا شكّ بالنضج السياسي والرقي الحضاري؛ فقد جعل قادتنا الأولوية الرئيسة والهدف الأسمى أن يصبح "أسعد شعب"، بما يمتلكه من حِزَم قيميَّة تتجلَّى في السلوك المجتمعي، والإجراءات التي تؤهل الوطن للانفتاح المتزن، واكتساب التدين المعتدل، والتشبُّث بالقيم الثقافية الأصيلة.
كما يمثِّل "يوم العلم" ذكرى المنجز الحضاري الذي يحمله "المواطن الإماراتي" والمسؤولية الحضارية والوطنية الملقاة على كاهله، والإرث الذي خلَّفه الأجداد للأبناء، وقد نالت دولتنا بفعلها الوطني العريق مكانة دولية مرموقة، واستحقَّت أن تكون من أوائل الدول المؤثرة في إقليمنا العربي، بما عزز نهوض الإمارات كقوة فاعلة في العالم أجمع.
وبكل جدية تسعى القيادة الرشيدة إلى خلق المناسبات المهمة، بل تثمِّن المبادرات الوطنية والاجتماعية والعلمية؛ لتعجِّل بتنفيذ البرامج والمشاريع التنموية لبلوغ المستقبل، فعلى سبيل المثال: "يوم العلم" و "اليوم الوطني" و "يوم الشهيد" و " يوم المرأة الإماراتية".. وغيرها من أيامنا العظيمة.
وتُنظِّم الحكومة هذه الفعالية بكل كفاءة، لتؤكد عددًا من المعاني المهمة، ولإرساء معاني المواطنة وتشكيل قيم الولاء والانتماء في شخصية المواطن، والتي يمنحها خصائص تميزه عن غيره، من ترسيخ حب الوطن فيه، والتمسك بمقدساته، وهي عبارة عن مسرعات قيمية ووطنية بحتة؛ لتحقيق الطموح نحو الريادة العالمية.
ولهذا فإن "يوم العلم" هو مناسبة وطنية لتجديد الولاء والعهد للوطن ولقيادتنا الرشيدة، ولغرس قيم المواطنة في الفكر والوجدان، فهناك قوة روحية ومعنوية من خلال ما تجسده الدولة من أفكار ومبادئ وأخلاق؛ فمثل هذه الأيام الوطنية تمثِّل روابط وطنية توحِّد الوطن تحت راية واحدة، ومن أهم ثمارها الطيبة هي الإبقاء على العلاقات الوثيقة بين الوطن وأبنائه؛ من أجل الحفاظ على هذه السمعة الطيبة التي تشكِّل أحد أبرز أوجه القوة الناعمة للدولة، بخلاف دعمها في مجالات حقوق الإنسان والبنية التحتية والثقافة والفن، لتكون بهذه الإنجازات مصدر إلهام لدول العالم كله.
كل عام والوطن شعبًا وقادة وحكومة بكل خير ورقي وريادة وازدهار.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله السنوار الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الإمارات یوم العلم
إقرأ أيضاً:
القتل على أساس الهوية في السودان
د. الشفيع خضر سعيد
كل الشواهد تقول إن السودان اليوم يسير سيرا حثيثا على خطى مثلث الرعب الرواندي قبل أن تستعيد رواندا عافيتها. فالحرب الدائرة الآن فيه، تتجه لتسودها جرائم القتل على أساس الهوية الإثنية، كما شهدنا في مدينة الجنينة والعديد من مناطق ولايات دارفور وكردفان، ونشهد اليوم في مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة والمناطق التي يسكنها العمال الزراعيون في الولاية وتسمى «الكنابي».
ومع الإشارة، بدون تعليق مؤقتا، إلى أن سيطرة قوات الدعم السريع على عاصمة ولاية الجزيرة ومدن وقرى الولاية الأخرى تمت بدون مقاومة تذكر مما أثار غبارا كثيفا من الشكوك لم ينجل حتى اللحظة، فإن سكان الولاية، ولما يقرب من العام، ظلوا يذوقون الأمرين من هذه القوات تنكيلا وقتلا ونهبا واغتصابا. لذلك، كان طبيعيا أن يتنفس سكان الولاية الصعداء ويعم الفرح أهل السودان بعد أن استعاد الجيش السوداني سيطرته على مدينة ود مدني. لكن الفرحة أفسدتها الانتهاكات البشعة وذات الطابع العنصري التي حدثت في المدينة ووسط سكان «الكنابي» بعد إحكام الجيش سيطرته على المنطقة. وإذا كان السودانيون لا يتوقعون ولا ينتظرون سوى الانتهاكات الجسيمة التي تطال أمنهم وكرامتهم مع سيطرة قوات الدعم السريع على مناطقهم، فإنهم ظلوا يرومون التخلص من هذا الكابوس المرعب، وينشدون الأمن والأمان مع استعادة سيطرة القوات المسلحة السودانية على هذه المناطق، لا أن تتواصل الانتهكات على مرأى ومسمع من قيادات هذه القوات، مهما كانت التهم الموجهة إلى من تم ذبحهم ذبح الشاة أو ألقي بهم في النهر لتلتهمهم التماسيح. فأخذ القانون باليد هو جريمة أيضا، وعامل يعمق الشروخ في مجتمع يحتاج بشدة إلى الوحدة والتماسك. والانتهاكات التي تطال المدنيين وترتكب خارج قواعد الاشتباك، هي جرائم يجب ألا تمر دون عقاب. والتغاضي عنها والإفلات من العقاب سيزيد من اشتعال نيران الحرب ويخدم مصالح الجهات التي تسعى إلى دفع الحرب نحو صراعات جهوية وإثنية من شأنها تمزيق البلاد.
وإذا كان معروفا أن أحاديث قيادات الدعم السريع حول أن الجرائم المنسوبة إلى قواتهم هي من فعل مجموعات متفلتة، وأنهم شكلوا لجانا لمحاسبة هولاء المتفلتين، هي مجرد فقاعات هوائية، فإن الانتهاكات التي تمت بعد استعادة القوات المسلحة السودانية سيطرتها على مدينة ود مدني هي جرائم لا يمكن السكوت عليها، وتستوجب أن تتحمل قيادة القوات المسلحة السودانية المسؤولية القانونية والأخلاقية حيالها. صحيح أن هذه القيادة أصدرت بيانا استنكرت فيه هذه الجرائم وشكلت لجنة تحقيق حولها، ومع ذلك يظل المطلب الرئيسي هو المحاسبة العاجلة والعادلة، وبشكل شفاف ومعلن، لكل المتورطين فيها. وفي نفس الوقت نرى ضرورة الإسراع في نشر أفراد الشرطة والأجهزة المدنية لإنفاذ القانون في كافة المناطق التي يستعيد الجيش سيطرته عليها، وضمان الفصل بين العناصر العسكرية النظامية ومجموعات المستنفرين وبين التعامل المباشر مع المواطنين، وأن يكون هذا التعامل وفق ما يضمن سيادة القانون وإنفاذه بفعالية وعدالة. وعموما، نحن لن نتوقف عن القول بأن الحرب المشتعلة اليوم في السودان، هي جريمة تستوجب المساءلة والعقاب. وأن من ينفخ في كيرها ويزكي نيرانها ويوجه دفتها، هم من أعمى الحقد بصرهم وبصيرتهم بعد أن أطاحت بهم ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 بقوة حراكها السلمي وطردتهم شر طردة تصحبهم اللعنات، فتمكنت منهم الرغبة في الانتقام من الشعب والوطن، فصموا آذانهم عن صوت العقل، وظلوا مستمسكين بمطامعهم الأنانية ومسترخصين حياة المواطن، وصمموا أن يعودوا إلى كراسي الحكم ولو على حساب دم الشعب المسفوح وفوق جماجم الوطن. هي حرب لن ينتصر فيها طرف، وإن هُزم الطرف الآخر، ولكن قطعا الخاسر فيها والضحية هو الشعب السوداني وبلاده.
إن تحقيق السلام المستدام وإعادة رتق النسيج الاجتماعي وإصلاح الشروخ التي خلفتها صراعات الموارد والسلطة، يتطلب صياغة وإنجاز مشروع وطني يحارب التهميش ويحقق التنمية المتوازنة ويعيد بناء مؤسسات الدولة السودانية
صحيح أن استعادة الجيش السوداني سيطرته على مدينة ود مدني تمثل تحولا نوعيا من الزاوية الاستراتيجية العسكرية. لكن التحولات العسكرية، مهما كانت حاسمة، لن تكون وحدها كافية لإنهاء الحرب التي أنهكت البلاد ومزقت نسيجها الاجتماعي. فهذه الحرب أعمق من مجرد صراع عسكري بين أطراف تتنازع حول السلطة، وهي تستغل أزمة وطنية تتغذى جذورها بالتهميش الناتج من التنمية غير المتوازنة والتوزيع غير العادل للموارد والسلطة. وأن وقف الحرب بشكل نهائي في السودان لا يمكن أن يتحقق بمجرد انتصارات عسكرية أو معارك على الأرض، بل يتطلب في المقام الأول مخاطبة هذه الجذور، مثلما يشترط التوقف عن استثمار الانقسامات العرقية والجهوية التي أضرت بالبلاد والكف عن تغذيتها لصالح مشاريع سياسية منتهية الصلاحية. إن تحقيق السلام المستدام وإعادة رتق النسيج الاجتماعي وإصلاح الشروخ التي خلفتها صراعات الموارد والسلطة، يتطلب صياغة وإنجاز مشروع وطني يحارب التهميش ويحقق التنمية المتوازنة ويعيد بناء مؤسسات الدولة السودانية، المدنية والعسكرية، على أسس جديدة تضمن العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية والاعتراف بالتنوع الثقافي والعرقي، بما يحقق إعادة صياغة الهوية السودانية على أساس المصالح المشتركة. وهذا هو الحلم الكبير الذي حملته ثورة ديسمبر/كانون الأول المجيدة بكل ألقها وعنفوانها، حين هتف الثوار حرية سلام وعدالة، وكل البلد دارفور، وأن مستقبل السودان يتطلب تجاوز أي نظرة ضيقة أو السعي نحو المصالح الذاتية إلى الانطلاق نحو هذا المشروع الوطني الجامع. هذه الثورة العظيمة تمثل نقطة تحول فارقة في تاريخ السودان الحديث، وهي البوصلة التي ينبغي أن يهتدي بها حراكنا اليوم.
السودانيون، بكل أطيافهم ومشاربهم، يستحقون وطنًا يُحترم فيه الإنسان وتُصان فيه كرامته، وتعلو فيه قيمة المواطنة. لكن هذا لن يتحقق إلا بقيادة واعية تدرك أن المستقبل لا يمكن أن يُبنى على عداءات الماضي، بل على أساس المصالحة الوطنية ووحدة البلاد، وتؤمن بأن هذا الهدف ليس مجرد ضرورة سياسية، بل هو أيضًا واجب أخلاقي تجاه شعب ظل يعانى طويلًا.
نقلا عن االقدس العربي