علي جمعة: صححوا البدايات تصلح معكم النهايات
تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إنه قد انتهى ربيع الآخر، وقد كان مشايخنا -رحمهم الله- يحتفلون بمولد النبي المصطفى والحبيب المجتبى ﷺ في الربيعين، ونريد أن نستفيد من ميلاد المصطفى ﷺ ، وهو الذي أرسله ربه رحمةً للعالمين وهدىً للمتقين وإمامًا للمرسلين وخاتمًا للنبيين ﷺ ، وأن يكون لنا عبرة وعظة، نعيش حياته في حياتنا، ونعيش هَدْيه في أنفسنا.
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أن أهل الله الذين أحبوا الله فذكروه كثيرا، وأحبوا رسوله فاتبعوا هَدْيه وقاموا بسنته: "تصحيح البدايات تصحيح للنهايات"، وإذا ما تأملنا مشكلاتنا فإننا نراها قد كثرت علينا وأحاطت بنا من كل جانب، وإذا أردنا أن نغير من أنفسنا فيجب علينا أن نبدأ البدايات الصحيحة، وأن نجعل البداية من الآن ... هذه اللحظة .. وفي كل لحظة.
يستهين كثير من الناس بما ألِفناه من شرع الله تعالى؛ من كثرة تكراره في حياتنا، أو التزامنا به دون أن نعرف الحكمة منه، أو أننا قد استهنا به لأننا قد حوَّلناه من عبادةٍ إلى عادة .. فتفلِتُ منا البدايات فتضيع منا النهايات، والله - سبحانه وتعالى - يأبى ذلك ورسوله والمؤمنون.
صححوا البدايات، فيجب علينا أن نُصحح الوضوء ، وكثير من الناس يتعجب ما بال الوضوء وما بال مشكلاتنا التي نعيش فيها ليل نهار! ونُجيبه بكل بساطة: تصحيح البدايات تصحيح للنهايات؛ فالتفت إلى ذلك المعنى الكريم والنبي ﷺ يقول: (ابدأْ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ يَلِيكَ) ، (كلُّكم راعٍ، وَكلكم مَسؤولٌ عن رَعيَّتِهِ) ، (وابدأْ بِمَنْ تَعولُ).
صححوا البدايات؛ ولذلك نرى السيدة نفيسة رضي الله تعالى عنها- وكانت من كبار العلماء المتصدرين- يرجع إليها الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه- وهو إمام مجتهد متبوع- فلما انتقل الشافعي قالت وهي تمدحه غاية المدح: "رحم الله الشافعي كان يُحسن الوضوء" ظن بعض القاصرين أنها تتعالى بعلمها عليه وحاشاها؛ فهي من العِترة الطاهرة .. وهي من العلماء العاملين .. وهي من الأتقياء الأصفياء الذين شهد لها الناس وألقى الله حبها في قلوبهم .. حاشاها أن تتعالى على إمام الأمة ومجتهدها، ولكنها كانت تشير إلى هذا المعنى : "كان رحمه الله تعالى يُحسن الوضوء"؛ وإذا كان يُحسن الوضوء فإنه تقبل صلاته فيصح عمله، فيرقى عند الله فيُقْبَلُ دعاؤه، فيخلص لله فيقبل إخلاصه ؛ وحينئذٍ رأينا كيف كان الإمام الشافعي بعد مماته نبراسًا للأمة.
صححوا البدايات فأحسنوا الوضوء؛ فإن إحسان الوضوء إنما هو من إحسان العمل، وإذا تعوَّد الإنسان إحسان العمل وعرف معانيه فإنه لن يتهرب ولن يتراخى في عمله ووظيفته، والنبي ﷺ كان يُعلمنا شيئًا يعرفه العالم والجاهل، الحضري والبدوي، وإذ به ينظم حياته كلها؛ والوضوء أمره سهل يسير كشأن الشريعة كلها، لم يفرضه الله حرجًا على المؤمنين ولا عَنَتًا عليهم، وإنما فرضه من أجل أن يطهرنا في الظاهر كما أمرنا أن نُطهر أنفسنا في الباطن؛ فنهانا - سبحانه وتعالى - عن الفحشاء والمنكر. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}، (اغسلوا وجوهكم) أمر حتم لابد منه في الوضوء ولا تصح الصلاة إلا بالوضوء ولا يصح الوضوء إلا بغسل الوجه، ولكن فيه إشارة : أن تُقابل الناس بوجهٍ طلق ، بوجهٍ نظيف ، بوجهٍ لا يُخفي حقدًا ولا حسدًا ولا غلاًّ ولا قصورًا ولا تقصيرًا، والنبي ﷺ في مراقي العمل الصالح يقول: (وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ) ، ويقول: (تَبَسُّمُكَ في وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ). انظر إلى المعاني.
بداية الصلاة غسل الوجه {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} أي: واغسلوا أرجلكم { إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ } أي: فافهموا بدايتكم الصحيحة، وصححوا البدايات؛ فالأمر ليس أمر تطهر ظاهري، ولذلك جعل البدل من الماء التراب- الذي هو ضد الماء- أو من الصعيد الطيب- على ما اختلف فيه الفقهاء في تفسيرها لغةً- أي: كل ما صعد على الأرض من طيبٍ كما يقول الإمام مالك .
إذن {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: علي جمعة الوضوء السيدة نفيسة إحسان العمل الله تعالى ن الوضوء إ ل ى ال
إقرأ أيضاً:
«رمضان» شهر التقوى والمغفرة
شرع الله الصيام مغفرة للسيئات، وزيادة في الحسنات، ورفعة في الدرجات، ولله الحمد على أن جعلنا من عباده الصائمين، إذ إن الصيام عبادة راقية، كتبها الله تعالى على جميع المكلفين، فقال سبحانه: ﴿يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾، وفرضه عز وجل في شهر رمضان، قال تعالى: ﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾.
للصيام فضائل جمة، وفوائد مهمة: أولاً: «الصيام طاعة لله تعالى»، وسبب لمرضاته، ونيل جزيل ثوابه، قال رسول الله ﷺ: «كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فيه -أي: رائحة فم الصائم- أطيب عند الله من ريح المسك».
الأمر الثاني «الصيام يشفع لصاحبه» يوم القيامة، «يقول الصيام: أي رب، إني منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه». كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. والأمر الثالث أن «الصيام منجاة من النار»، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من صام يوماً في سبيل الله، باعد الله بينه وبين النار مسيرة سبعين خريفاً»، والأمر الرابع الصيام سبيل إلى دخول الجنة من باب الريان، لقوله صلى الله عليه وسلم: «ومن كان من أهل الصيام، دعي من باب الريان»، والأمر الخامس أن للصيام فوائد صحية عظيمة، فهو يساعد على إزالة السموم من الجسم، وتقوية جهاز المناعة، وتحسين وظائف القلب والأوعية الدموية، إضافة إلى دوره في ضبط مستويات السكر في الدم، والمساعدة في فقدان الوزن بشكل صحي.
وينبغي للأبوين أن يعودا أولادهما على الصيام منذ صغرهم، حسب قدرتهم وطاقتهم، ليكون الصيام رفيقاً لهم طوال حياتهم، ويفوزوا جميعاً برضا ربهم، وثواب صيامهم.
فقد فرض الله علينا الصوم، وجعل له حكماً بالغة، ومقاصد سامية، قال جل في علاه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، ولذا فإن معرفة المقاصد في العبادة لها دورٌ كبير في تحسين أداء العبادات، فهي تزيد الإيمان، ولها أثر واضح على النفوس والأبدان. وإنَّ من أبرز مقاصد الصيام، التحقق بمقام التقوى بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، كما أشارت الآية في قوله تعالى: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
تقوى الصائم
تقوى الصائم تعني: ضبط نفسه عن الشهوات، وتزكيتها من الرذائل، قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ»، فحري بالصائم أن يحرص على ضبط جوارحه عموماً، فلا تمتد يده إلى شبهة، ولا تخطو رجله إلى باطل، ولا يُجري على لسانه كذباً ولا نميمة ولا غيبة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَ شَرَابَه».
حديث
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا النبي صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة، فنكس فجعل ينكت بمخصرته، ثم قال: ما منكم من أحد، ما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كتب شقية أو سعيدة فقال رجل: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، وأما من كان منا من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة، قال: أما أهل السعادة فيسيرون لعمل السعادة، وأما أهل الشقاوة فيسيرون لعمل الشقاوة ثم قرأ: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى} [الليل: 6] الآية.