لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية أن تقنع أحدا بأن استراتيجيتها تجاه دور جماعة الحوثي في اليمن قد تغيرت على نحو من شأنه أن يضر بالمشروع السياسي والعسكري للحوثيين في المدى المنظور، على الرغم من استعراض القوة غير المتناسبة التي أظهرتها الولايات المتحدة بالإعلان عن استخدام طائرات "بي2" الشبحية في مهمة لاستهداف تحصينات وأسلحة تابعة للحوثيين منتصف الشهر الماضي.



لم تتوفر أدلة على أن الضربات الأمريكية بلغت أهدافا تستوجب استخدام هذا النوع المتقدم والضخم من الطائرات، وقطع مسافة طويلة والاستعانة بالقوات الجوية الأسترالية لتزويد الطائرات الشبحية بالوقود. ثم ما فائدة اللجوء إلى هذا السلاح في ساحة مكشوفة وليس لديها أي غطاء من الدفاعات الجوية المتناسبة، في وقت يصعب معه توقع ما إذا كانت الضربات الجوية الأمريكية الاستثنائية هي مقدمة لتحول قد يضع الحوثيين هدفا عسكريا مستباحا؟

في الواقع كان إدخال هذه الطائرات في مهمة ضرب أهداف لم تحدد ولم يكشف عنها بشكل دقيق حتى الآن؛ جزءا من استعراض القوة والردع، ليس للحوثيين بل لمن يدعمهم، وفي الوقت نفسه إظهار مدى التزام الولايات المتحدة بتأكيد سطوتها ومنح المزيد من الثقة لحلفائها لينخرطوا بشكل أقوى في مرحلة ما بعد الحرب العدوانية على غزة.

قد تستمر الولايات المتحدة في المناورة السياسية والدبلوماسية على الساحة اليمنية، مرتكزة على ذات القناعة فيما يتعلق بالحاجة إلى بقاء جماعة الحوثي كفاعل سياسي وعسكري وأمني، يشكل امتدادا لاستراتيجيتها لاحتواء الساحة اليمنية التي صُنفت ذات مرة بأنها ثاني أكبر ساحة لنشاط تنظيم القاعدة بعد أفغانستان
لذلك قد تستمر الولايات المتحدة في المناورة السياسية والدبلوماسية على الساحة اليمنية، مرتكزة على ذات القناعة فيما يتعلق بالحاجة إلى بقاء جماعة الحوثي كفاعل سياسي وعسكري وأمني، يشكل امتدادا لاستراتيجيتها لاحتواء الساحة اليمنية التي صُنفت ذات مرة بأنها ثاني أكبر ساحة لنشاط تنظيم القاعدة بعد أفغانستان، وهي قناعة تشاطرتها للأسف مع الحكومة السعودية، التي كانت في أمسّ الحاجة إلى تحرير بلادها من تأثير النشاط الإرهابي المميت في منبعه الحقيقي وإعادة تصديره إلى الساحة اليمنية، ومن ثم الاستفادة القصوى من هذه الذريعة لمزيد من التحكم السلبي في المشهد اليمني.

لقد بُنيت الاستراتيجية الأمريكية على اختيار اليمن كأحد ساحات الاشتباك المميتة في إطار معركة بناء النفوذ الشيعي في منطقتنا، بناء على تصور جرى اعتماده في ثمانيات القرن الماضي، لذا تحتاج واشنطن إلى فترة زمنية ليست بالهينة للانسحاب من هذه الاستراتيجية المؤذية التي أخرجت اليمن من المسرح الدولي وعزلته، وألحقت الأذى بشعبه وحولته إلى ملايين من المنبوذين الذين سُدت أمامهم الموانئ والمطارات والدول والملاذات، وتضرر بسبها اقتصاد اليمن تضررا كبيرا.

لا أحاول هنا أن أتبنى تصورات جاهزة أو استدعاء المواقف الأمريكية ذات الصبغة الأيديولوجية الصريحة والمنحازة إلى خيار التمكين الشيعي، التي ربما طرأت عليها تغيرات متأثرة بالتطورات الميدانية، حيث تبدو واشنطن عمليا في حالة اشتباك عسكري مع الحوثيين ومع الحلف الإيراني إجمالا.

لكن مهلا، فالتحركات التي يقوم بها السفير الأمريكي لدى اليمن، ستيفن فاجن، في الأوساط السياسية اليمنية في اليمن وكل من الرياض والقاهرة وإسطنبول، قد كشفت عن استمرار الدبلوماسية الأمريكية في الحديث عن جماعة الحوثي كطرف سياسي، صحيح أنها ليست بالتصورات التي سادت إبان فترة التوتر السياسي بين الرياض وواشنطن والتي بلغت ذروتها بوصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/ يناير 2021، ولكن في سياق رؤية جديدة تهدف إلى إضعاف الحوثيين وليس القضاء عليهم.

السفير فاجن وفي إطار مهمته الاستكشافية يؤكد أن بلاده تبذل هذه المرة جهدا استقصائيا؛ ربما أرادت به بلوغ مرحلة التحول في الأزمة اليمنية، بدليل هذه اللقاءات الممنهجة التي يهتم جانبٌ منها بتتبع مواقف التجمع اليمني للإصلاح على وجه الخصوص، والبحث في مزاعم ربما طُبخت في بعض عواصم الإقليم، بشأن محادثات قد جرت بينه وبين الحوثيين في إسطنبول، وهما الطرفان اللذان تنحصر المواجهة العسكرية الميدانية الحقيقية والمكلفة بينهما.

ستتعين مراقبة الدور الأمريكي، لكن يتعين قبل ذلك تتبع المواقف السعودية حيال الأزمة اليمنية، بعد أن توفرت لها فرصة ثمينة للتحلل من الترتيبات التي دفعتها نحو اتخاذ خطوات لإبرام صفقة مع جماعة الحوثيين المدعومين من إيران، وُصفت بالانهزامية
الحرب الدائرة في غزة ولبنان من المؤكد أنها خلطت الأوراق بشأن التسوية في اليمن وعطلت مهمة الوساطة الأممية، وتكرست بسببها حالة الانسداد، بعد الإنجازات المتسارعة للوصول إلى تسوية كانت السعودية والحوثيون محورها الأساس.

ستتعين مراقبة الدور الأمريكي، لكن يتعين قبل ذلك تتبع المواقف السعودية حيال الأزمة اليمنية، بعد أن توفرت لها فرصة ثمينة للتحلل من الترتيبات التي دفعتها نحو اتخاذ خطوات لإبرام صفقة مع جماعة الحوثيين المدعومين من إيران، وُصفت بالانهزامية.

إن ما نطلبه من السعودية اليوم هو العودة بأسرع ما يمكن إلى الأساس الحقيقي للسلام وإلى المرجعيات التي تشكل اللبنات الأهم في هذا الأساس، والتفكير بجدية في خيار القوة، لتحقيق هذا الهدف، إذا تعثرت الجهود السياسية.

على أنه يتعين على السعودية قبل ذلك أن تُبدي حسن نية صادقة تجاه اليمن، وهذا يقتضي منها تخفيف القبضة الحديدية على السلطة الشرعية، وإعادة هيكلتها وإظهار الاحترام الكامل لمركزها السيادي، والمساهمة المكثفة في استعادة وحدة هذه السلطة وكفاءتها في النهوض باستحقاق استعادة الدولة ومواردها، وإعادة شق المسار الأمثل للوصول إلى سلام شامل ومستدام يحفظ الدولة ومؤسساتها ويوفر الكرامة للشعب اليمني.

x.com/yaseentamimi68

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اليمن الحوثيين السعودية امريكا السعودية اليمن الحوثيين مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات رياضة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الساحة الیمنیة جماعة الحوثی

إقرأ أيضاً:

عدوان أمريكي جديد على محافظة الحديدة غرب اليمن.. وترامب يهدد

أعلنت جماعة الحوثي اليمنية، مساء الاثنين، عن عدوان أمريكي جديد استهدف بغارتين محافظة الحديدة غربي البلاد.

وقالت قناة "المسيرة" التابعة للحوثيين، في بيان مقتضب: "العدوان الأمريكي استهدف بغارتين جزيرة كمران بمحافظة الحديدة بغارتين"، دون ذكر تفاصيل.

ويأتي ذلك، بينما تكثف الولايات المتحدة خلال الأسبوعين الماضيين، بشكل غير مسبوق، غاراتها على مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن، أسفرت عن قتلى وجرحى ودمار في البنية التحتية بحسب بيانات للجماعة.

بدوره، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إن بلاده قضت على عدد من مقاتلي وقادة جماعة "الحوثي" في اليمن، خلال غاراتها الجوية المتواصلة على مدار الأسبوعين الماضيين.

وكتب ترامب في منشور على منصة "تروث سوشال": "قُضي على الإرهابيين الحوثيين المدعومين من إيران جراء الضربات المتواصلة على مدار الأسبوعين الماضيين. رحل عنا عدد من مقاتليهم وقادتهم".



وأكد الرئيس الأمريكي أن جيش بلاده يضرب الحوثيين "ليلا ونهارا بضراوة متزايدة"، مضيفا أن "قدراتهم التي تهدد الملاحة والمنطقة تُدمر بسرعة".

وأمس الأحد، أعلنت جماعة أنصار الله "الحوثي" اليمنية، عن 17 غارة أمريكية طالت شمال العاصمة صنعاء.

وأكدت قناة "المسيرة" التابعة للجماعة، أن "عدوانا أمريكيا استهدف بأربع غارات منطقة جدر، بمديرية بني الحارث، شمال العاصمة صنعاء"، وذلك دون ذكر تفاصيل أخرى بشأن نتائج القصف.

وقبلها، أعلنت جماعة الحوثي عن "استشهاد شخص وإصابة خمسة آخرين بغارات أمريكية استهدفت شمال صنعاء".

وصباح الأحد، أعلنت جماعة أنصار الله أنها استهدفت مجددا بنجاح مطار بن غوريون وسط الأراضي المحتلة بصاروخ باليستي، وذلك نصرة للشعب الفلسطيني، بينما ادعت "إسرائيل" أنها اعترضت صاروخا أُطلق من اليمن قبل دخوله أجواءها، وذلك عقب دوي صفارات الإنذار في منطقة القدس و"تل أبيب" الكبرى.

مقالات مشابهة

  • الحكومة اليمنية: المشروع الحوثي اقترب من نهايته
  • تجدد الغارات الأمريكية على الحوثيين في اليمن
  • مباحثات أميركية إسرائيلية استمرت 10 ساعات بشأن الحوثيين وإيران
  • حصيلة طائرات MQ9 الأمريكية التي تمكنت الدفاعات الجوية اليمنية من اسقاطها
  • ترامب يكشف متى ستتوقف الغارات ضد الحوثيين في اليمن
  • الأسلحة اليمنية.. التحدي الأصعب للهيمنة الأمريكية
  • ترامب: قدرات الحوثيين التي يهددون بها السفن في البحر الأحمر يتم تدميرها
  • اشتباكات عنيفة بين قوات الحكومة اليمنية والحوثيين جنوب اليمن
  • عدوان أمريكي جديد على محافظة الحديدة غرب اليمن.. وترامب يهدد
  • الجالية اليمنية في برلين تندد بالعدوان الأمريكي على اليمن