الجزيرة تحت السلاح: بين الدفاع عن النفس وخطر الفوضى
تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT
تجددت الدعوات إلى تسليح المدنيين، على لسان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان خلال مراسم عزاء قائد منطقة البطانة، العميد أحمد شاع الدين. في حديثه هناك، دعا البرهان بشكل واضح إلى تسليح كل من يستطيع حمل السلاح
التغيير: كمبالا: تقرير
مع اشتداد الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة وسط السودان، يجد المدنيون أنفسهم عالقين في خضم معركة لم يختاروها، الدعوات إلى تسليح السكان المحليين وتصاعد الانتهاكات في المنطقة خلقت مشهداً معقداً، حيث بات المواطنون يحملون السلاح للدفاع عن حياتهم وأراضيهم، بينما تتزايد التحذيرات من الخبراء والمحللين من التداعيات الكارثية لهذا القرار على المدى القريب والبعيد.
لم يكن أمام سيف الدين علي، أحد سكان قرى شرق الجزيرة، خيارا سوى حمل السلاح بعد أن اجتاحت قوات الدعم السريع قريته، يروي سيف قائلا لـ”التغيير”: “هاجمونا دون أي سبب، لم تكن هناك قوات مسلحة أو مظاهر عسكرية في قريتنا، طلبنا من القوات المسلحة توفير الأسلحة، ولم يتأخروا في الاستجابة.
وأضاف: “نحمل السلاح اليوم لنحمي أرواحنا وممتلكاتنا، ليس بدافع قبلي أو سياسي، بل دفاعاً عن حياتنا.” في مواجهة خطر الدعم السريع.
قصة سيف ليست سوى جزء من واقع أشمل يعيشه سكان ولاية الجزيرة على الأرض، حيث تتواصل المعاناة الإنسانية في شرق الولاية، بعد تعرض منطقة تمبول في 22 أكتوبر لحملة انتهاكات عنيفة بعد سيطرة الدعم السريع عليها، مما أسفر عن سقوط أكثر من 300 قتيل، بينهم نساء وأطفال، وبحسب شهادات الناجين فقد تكدست الجثث على الطرقات، فيما نزح معظم سكان المدينة بحثاً عن الأمان.
في ظل هذا الواقع تجددت الدعوات إلى تسليح المدنيين، على لسان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان خلال مراسم عزاء قائد منطقة البطانة، العميد أحمد شاع الدين. في حديثه هناك، دعا البرهان بشكل واضح إلى تسليح كل من يستطيع حمل السلاح، مشيراً إلى أنه قد سبق أن استجاب لطلبات بعض القبائل بتسليحها، وأن قبيلة الشكرية ستتلقى الأسلحة المطلوبة وفقاً لطلبها.
وسبقت دعوة البرهان الاخيرة، حديث قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في 10 أكتوبر، بان الحرب تدخل مرحلة جديدة، متوعداً بحشد مليون مقاتل.
هذه الخطوة دفعت بمزيد من المدنيين إلى الانخراط في القتال، مع تسليحهم بأسلحة خفيفة مثل الكلاشينكوف وفقا لحديث سيف الدين علي، مع “التغيير”.
تبادل الاتهامات بين الأطراف يزيد من تعقيد المشهد بشكل كبير، عضو المكتب الاستشاري لقائد الدعم السريع، إبراهيم مخير، اتهم القوات المسلحة والحركة الإسلامية بالتخطيط لإشعال حرب أهلية في ولاية الجزيرة.
وذكر في مقابلة مع “التغيير” أن كتائب الحركة الإسلامية تسلحت القرى في مناطق الشرق والوسط بمساعدة الاستخبارات. وأضاف أن البرهان لم يقتصر دوره على التحريض، بل أمر بفتح مخازن الأسلحة وتوزيعها على المدنيين تحت اسم “المستنفرين”.
خبراء ومحللون تحدثوا إلى “التغيير” حذروا من أن قرار تسليح المدنيين في السودان يحمل في طياته مخاطر جسيمة قد تخرج الأوضاع عن السيطرة، واعتبروا ان إشراك المدنيين في الحرب الحالية هو “جريمة” ستترك آثاراً مدمرة، وأن انتشار السلاح سيخلق فوضى طويلة الأمد، تهدد استقرار السودان حتى بعد انتهاء الصراع.
الخبير العسكري عمر أرباب، اعتبر ان تسليح المواطنين في قرى الجزيرة بأسلحة خفيفة دون تدريب كافٍ، يُعرّض حياتهم للخطر، خاصةً في ظل التفوق التسليحي لقوات الدعم السريع.
وقال لـ”التغيير”: عمليات التجنيد والتسليح يجب أن تتم في معسكرات منفصلة وبطريقة احترافية، معتبرًا أن الأسلوب الحالي في تسليح المدنيين غير موفق وقد يضر بهم، مما يجعلهم عرضة للانتهاكات والجرائم من قبل الدعم السريع.
بالمقابل وصف المحلل السياسي خالد محمد الحسن، تسليح المدنيين، خلال الحرب الحالية بالـ “الجريمة”، واوضح في حديثه لـ”التغيير” أن طرفي النزاع أدخلا المدنيين في أتون الصراع لأسباب غير موضوعية، لافتا الى أن آثار تسليح المدنيين ستكون وخيمة على المدى القصير والبعيد.
وبيّن الحسن أن حمل المواطنين للسلاح دون تدريب كافٍ يجعلهم عرضة لخطر الموت الفوري، لأنهم غير مؤهلين للمشاركة في القتال بشكل فعال. وحذر من انتشار السلاح بصورة كبيرة عقب انتهاء الحرب، حيث سيصبح من الصعب السيطرة عليه، مما سيؤدي إلى استخدامه لأغراض شخصية، وهو ما يهدد استقرار البلاد.
وفي ختام حديثه، دعا كلا الطرفين إلى إبعاد المدنيين عن الصراع وعدم الزج بهم في المعارك مهما كانت الأسباب. وأضاف محذراً: “إذا استمرت الأوضاع على هذا النحو، فقد تتحول الحرب من صراع عسكري إلى حرب أهلية شاملة، ما سيكون كارثياً على البلاد.”
يبقى القلق قائماً حول مستقبل المدنيين العالقين في قلب الصراع الدائر بولاية الجزيرة. تسليح السكان، دون تأهيل أو تنظيم، ينذر بمخاطر جسيمة قد تمتد تأثيراتها لسنوات قادمة.
الوسومالدعم السريع المستفرين ولاية الجزيرة
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الدعم السريع ولاية الجزيرة
إقرأ أيضاً:
هل تنجح الفاشر في التصدي لتكتيكات الدعم السريع؟
الفاشرـ يستعد أحمد سليمان وعائلته، المكوّنة من 6 أفراد، لاحتمال هجوم جديد من قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر غربي السودان، في ظل معاناة السكان من نقص حاد في الغذاء وفقدان المأوى الآمن، وسط تصاعد الهجمات على المدينة المكتظة بالمدنيين.
فقبل نحو شهرين، اضطر 8 من أقارب سليمان إلى الفرار إلى قرية قرب مدينة دار السلام المجاورة، لكن القرية نفسها تعرّضت لاحقًا لهجوم من قوات الدعم السريع وتحولت إلى أنقاض.
وقال سليمان (34 عامًا) في حديث للجزيرة نت "لا يمكننا الذهاب إلى أي مكان، ولن نغادر الفاشر، سنبقى صامدين في هذه المدينة، مضيفا "عشنا نحو 200 هجوم من المليشيا، فقدنا خلالها العديد من الأحبة الأبرياء، لم يتبق لنا شيء في هذه الدنيا".
وتابع "كل ليلة ننام على أصوات القصف والانفجارات، لقد اعتدنا هذا الرعب، وأطفالنا يعيشون في قلق دائم، نريد لهم أن يشعروا بالأمان، لكننا لا نملك القدرة على تحقيق ذلك، ورغم التحديات، سنبقى هنا".
تهديدات متزايدة
في الأيام الأخيرة، أطلقت قيادة قوات الدعم السريع تهديدات جديدة بشن هجمات على مدينة الفاشر المحاصرة، وجاء ذلك بالتزامن مع دعوات من بعض الفصائل المسلحة المنضوية تحت تحالف "تأسيس" تحثّ المدنيين على مغادرة المدينة والتوجه نحو مناطق تعدّها أكثر أمانا.
إعلانوفي 5 أبريل/نيسان الجاري، دعت كل من حركة تحرير السودان -المجلس الانتقالي، وتجمع قوى تحرير السودان بقيادة الهادي إدريس والطاهر حجر، المواطنين إلى الخروج من الفاشر نحو المناطق الخاضعة لسيطرتهم، مؤكدين استعدادهم لتأمين ممرات آمنة تسهّل مغادرة المدنيين من المدينة ومخيمي زمزم وأبو شوك.
لكن المتحدث باسم "القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح"، العقيد أحمد حسين مصطفى، اعتبر تلك الدعوات محاولة للتغطية على الهزائم المتتالية التي منيت بها قوات الدعم السريع في الخرطوم والمناطق المجاورة.
وقال للجزيرة نت إن "القوة المشتركة حققت انتصارات مهمة، وتمكّنت من هزيمة قوات الدعم السريع في نحو 200 مواجهة، مما أضعف قدرتهم على التقدم نحو الفاشر"، مؤكدا مقتل عدد من قادة المليشيا خلال هذه المعارك.
وأشار إلى استمرار قوات الدعم السريع في ارتكاب "جرائم بشعة"، شملت قصف المدنيين، وحرق القرى، وتهجير السكان قسرا، مؤكدا أن "إرادة القوة المشتركة، مدعومة بالمقاومة الشعبية، ستبقى صامدة حتى القضاء على المليشيات واستعادة حقوق الشعب".
مشهد متناقضوفي مشهد متناقض، أظهرت صور ومقاطع فيديو تداولها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي عناصر من حركتي الهادي إدريس والطاهر حجر وهم يستقبلون مدنيين نازحين من الفاشر في مناطق نائية، ضمن عمليات إجلاء من المدينة ومخيمات زمزم وأبو شوك، التي تواجه تهديدات بالقصف.
لكن الناشط السياسي محمد الحاج اعتبر، في تصريح للجزيرة نت، أن هذه المشاهد "ليست سوى دعاية إعلامية"، مشددًا على أن "الوضع الإنساني في الفاشر مقلق للغاية بفعل الحصار المفروض من قوات الدعم السريع، مما أدى إلى نقص حاد في الغذاء والدواء".
وأضاف "دورنا كناشطين هو تسليط الضوء على معاناة المدنيين والمطالبة بدعم إنساني عاجل لهم".
وفي السياق ذاته، كشف مصدر من منطقة كورما غربي الفاشر -فضل عدم الكشف عن هويته- أن قافلة تابعة لقوات محايدة من تحالف "تأسيس" كانت في طريقها لاستقبال مدنيين وتوفير المياه لهم تعرّضت لكمين مسلح في قرية كويم غرب الفاشر من قبل مجموعة موالية لقوات الدعم السريع.
إعلانوأوضح المصدر أن الكمين أسفر عن مقتل جنديين وإصابة آخرين، مشيرا إلى أن التوتر يتصاعد بين الأطراف، في حين يبدي المدنيون قلقًا متزايدًا حيال نوايا الجهات التي تدعو إلى إجلائهم.
تحركات عسكريةوتفيد التقارير الميدانية بأن قوات الدعم السريع عززت وجودها في ولايتي جنوب ووسط دارفور، مع رصد عمليات تجنيد جديدة وتحركات عسكرية في محيط مدينتي نيالا وزالنجي. كذلك تنشط مجموعات مسلحة محدودة داخل الأحياء الشرقية والجنوبية من مدينة الفاشر، في حين يتواصل القصف المدفعي على المدينة من الخارج.
وفي المقابل، أعلنت قيادة الفرقة السادسة مشاة تنفيذ عمليات نوعية خلال اليومين الماضيين داخل مدينة الفاشر، أسفرت عن إسقاط 7 طائرات مسيّرة، وتدمير عدد من المركبات القتالية، ومقتل عناصر من الدعم السريع، بحسب بيان صحفي صدر عن القيادة.
كارثة إنسانية في الأفق
وقال المتحدث الرسمي باسم حكومة ولاية شمال دارفور، خالد يوسف أبو ورقة، في تصريح للجزيرة نت، إن قوات الدعم السريع تستخدم "سلاح التجويع" لتركيع سكان مدينة الفاشر، مشيرا إلى أن الوضع الإنساني المتدهور يزداد سوءا منذ أكثر من عام.
وأضاف "الحصار المفروض على المدينة يتعارض مع الأعراف والمواثيق الدولية ويشكّل جريمة ضد الإنسانية مكتملة الأركان، وذلك ما يستدعي تدخلا عاجلا من المجتمع الدولي للضغط على هذه المليشيات لفك الحصار".
وأكد أبو ورقة أن حكومة الولاية تبذل جهودا لتخفيف المعاناة من خلال دعم مباشر للأسر وتقديم المساعدات عبر التكايا، لكنه شدد على أن هذه الجهود لا تكفي لمواجهة حجم التحديات، مطالبا بتكثيف الدعم المحلي والدولي لتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان المحاصرين.