تجددت الدعوات إلى تسليح المدنيين، على لسان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان خلال مراسم عزاء قائد منطقة البطانة، العميد أحمد شاع الدين. في حديثه هناك، دعا البرهان بشكل واضح إلى تسليح كل من يستطيع حمل السلاح

التغيير: كمبالا: تقرير

مع اشتداد الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة وسط السودان، يجد المدنيون أنفسهم عالقين في خضم معركة لم يختاروها، الدعوات إلى تسليح السكان المحليين وتصاعد الانتهاكات في المنطقة خلقت مشهداً معقداً، حيث بات المواطنون يحملون السلاح للدفاع عن حياتهم وأراضيهم، بينما تتزايد التحذيرات من الخبراء والمحللين من التداعيات الكارثية لهذا القرار على المدى القريب والبعيد.

لم يكن أمام سيف الدين علي، أحد سكان قرى شرق الجزيرة، خيارا سوى حمل السلاح بعد أن اجتاحت قوات الدعم السريع قريته، يروي سيف قائلا لـ”التغيير”: “هاجمونا دون أي سبب، لم تكن هناك قوات مسلحة أو مظاهر عسكرية في قريتنا، طلبنا من القوات المسلحة توفير الأسلحة، ولم يتأخروا في الاستجابة.

وأضاف: “نحمل السلاح اليوم لنحمي أرواحنا وممتلكاتنا، ليس بدافع قبلي أو سياسي، بل دفاعاً عن حياتنا.” في مواجهة خطر الدعم السريع.

قصة سيف ليست سوى جزء من واقع أشمل يعيشه سكان ولاية الجزيرة على الأرض، حيث تتواصل المعاناة الإنسانية في شرق الولاية، بعد تعرض منطقة تمبول في 22 أكتوبر لحملة انتهاكات عنيفة بعد سيطرة الدعم السريع عليها، مما أسفر عن سقوط أكثر من 300 قتيل، بينهم نساء وأطفال، وبحسب شهادات الناجين فقد تكدست الجثث على الطرقات، فيما نزح معظم سكان المدينة بحثاً عن الأمان.

في ظل هذا الواقع تجددت الدعوات إلى تسليح المدنيين، على لسان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان خلال مراسم عزاء قائد منطقة البطانة، العميد أحمد شاع الدين. في حديثه هناك، دعا البرهان بشكل واضح إلى تسليح كل من يستطيع حمل السلاح، مشيراً إلى أنه قد سبق أن استجاب لطلبات بعض القبائل بتسليحها، وأن قبيلة الشكرية ستتلقى الأسلحة المطلوبة وفقاً لطلبها.

وسبقت دعوة البرهان الاخيرة، حديث قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في 10 أكتوبر، بان الحرب تدخل مرحلة جديدة، متوعداً بحشد مليون مقاتل.

هذه الخطوة دفعت بمزيد من المدنيين إلى الانخراط في القتال، مع تسليحهم بأسلحة خفيفة مثل الكلاشينكوف وفقا لحديث سيف الدين علي، مع “التغيير”.

تبادل الاتهامات بين الأطراف يزيد من تعقيد المشهد بشكل كبير، عضو المكتب الاستشاري لقائد الدعم السريع، إبراهيم مخير، اتهم القوات المسلحة والحركة الإسلامية بالتخطيط لإشعال حرب أهلية في ولاية الجزيرة.

وذكر في مقابلة مع “التغيير” أن كتائب الحركة الإسلامية تسلحت القرى في مناطق الشرق والوسط بمساعدة الاستخبارات. وأضاف أن البرهان لم يقتصر دوره على التحريض، بل أمر بفتح مخازن الأسلحة وتوزيعها على المدنيين تحت اسم “المستنفرين”.

خبراء ومحللون  تحدثوا إلى “التغيير” حذروا من أن قرار تسليح المدنيين في السودان يحمل في طياته مخاطر جسيمة قد تخرج الأوضاع عن السيطرة، واعتبروا ان إشراك المدنيين في الحرب الحالية هو “جريمة” ستترك آثاراً مدمرة، وأن انتشار السلاح سيخلق فوضى طويلة الأمد، تهدد استقرار السودان حتى بعد انتهاء الصراع.

الخبير العسكري عمر أرباب، اعتبر ان تسليح المواطنين في قرى الجزيرة بأسلحة خفيفة دون تدريب كافٍ، يُعرّض حياتهم للخطر، خاصةً في ظل التفوق التسليحي لقوات الدعم السريع.

وقال لـ”التغيير”: عمليات التجنيد والتسليح يجب أن تتم في معسكرات منفصلة وبطريقة احترافية، معتبرًا أن الأسلوب الحالي في تسليح المدنيين غير موفق وقد يضر بهم، مما يجعلهم عرضة للانتهاكات والجرائم من قبل  الدعم السريع.

بالمقابل وصف المحلل السياسي خالد محمد الحسن،  تسليح المدنيين، خلال الحرب الحالية بالـ “الجريمة”، واوضح في حديثه لـ”التغيير” أن طرفي النزاع أدخلا المدنيين في أتون الصراع لأسباب غير موضوعية، لافتا الى أن آثار تسليح المدنيين ستكون وخيمة على المدى القصير والبعيد.

وبيّن الحسن أن حمل المواطنين للسلاح دون تدريب كافٍ يجعلهم عرضة لخطر الموت الفوري، لأنهم غير مؤهلين للمشاركة في القتال بشكل فعال. وحذر من انتشار السلاح بصورة كبيرة عقب انتهاء الحرب، حيث سيصبح من الصعب السيطرة عليه، مما سيؤدي إلى استخدامه لأغراض شخصية، وهو ما يهدد استقرار البلاد.

وفي ختام حديثه، دعا كلا الطرفين إلى إبعاد المدنيين عن الصراع وعدم الزج بهم في المعارك مهما كانت الأسباب. وأضاف محذراً: “إذا استمرت الأوضاع على هذا النحو، فقد تتحول الحرب من صراع عسكري إلى حرب أهلية شاملة، ما سيكون كارثياً على البلاد.”

يبقى القلق قائماً حول مستقبل المدنيين العالقين في قلب الصراع الدائر بولاية الجزيرة. تسليح السكان، دون تأهيل أو تنظيم، ينذر بمخاطر جسيمة قد تمتد تأثيراتها لسنوات قادمة.

 

الوسومالدعم السريع المستفرين ولاية الجزيرة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الدعم السريع ولاية الجزيرة

إقرأ أيضاً:

الدعم السريع ترقص في احتفال على الجماجم والأشلاء

تحصد آلة القتل الفتاكة لمليشيا الدعم السريع أرواح الأبرياء من المدنيين والأهالي البسطاء في قرى ولاية النيل الأبيض بوسط السودان وتُسيل دماءَهم بالرصاص والقذائف المضادة للدروع التي يطلقها عليهم بصورة عشوائية جنودُ مليشيا الدعم السريع بلا رحمة وبلا تفريق بين كبار السنّ والنساء والأطفال والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة.

ويقول بيانٌ صادرٌ من وزارة الخارجية السودانية الثلاثاء 18 فبراير/ شباط، إن 433 مدنيًا، بينهم أطفال رضّع لقوا مصرعهم في هجمات لمليشيا الدعم السريع على قرى بولاية النيل الأبيض، فيما وصفته (بأسلوب المليشيا المعتاد في الانتقام من المدنيين العزّل في القرى والبلدات الصغيرة).

بينما تحدث هذه المشاهد المأساوية الموغلة في القتامة والبشاعة والفظاعة والفظاظة والغلظة والقسوة، يبدو مشهد سوداني آخر نقيضًا لذاك المشهد المأساوي، تدور أحداثه على خشبة مسرح آخر خارج حدود الدولة السودانية المثخنة بجراح حرب ضروس، أوقعت عشرات الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من المصابين والمفقودين، وملايين النازحين داخل السودان، ومثلهم من اللاجئين خارج السودان.

المشهد الآخر الذي تتزامن أحداثه مع تلك الأحداث الدرامية الدامية في ولاية النيل الأبيض، هو مشهد ثُلة من السياسيين وزعماء أحزاب سودانية في منافيهم الاختيارية خارج البلاد من الموالين لمليشيا الدعم السريع والمناصرين لها سياسيًا بزعامة (حمدوك)، وهم يرقصون داخل إحدى قاعات المؤتمرات الأنيقة في كينيا، وهم مبتهجون ويهتفون فرحين بشعارات وأهازيج تمجد قائد مليشيا الدعم السريع المعروف بحميدتي الذي ارتكبت قواته تلك المجازر البشعة، وتسببت في أسوأ حرب شهدها السودان في تاريخه الحديث، من أجل الوصول إلى السلطة.

إعلان

يرقص هؤلاء ويتمايلون على أنغام وألحان وأغانٍ تنبعث من بين أركان القاعة الأنيقة فرحًا واحتفاءً بما يرونه إنجازًا تحقق تتويجًا لثلاثة وعشرين شهرًا من القتل وسفك الدماء وانتهاك الأعراض والتهجير القسري وتدمير البنى التحتية، التي ارتكبت بحق مواطنيهم وأهليهم بيد حليفهم العسكري؛ الدعم السريع.

إنه (الميثاق السياسي) المحتفى به والإنجاز الذي كان مهرُه عشراتِ آلاف الجماجم والأشلاء وأنهارًا من الدم المسفوح ظلمًا بغير حق، وأحزانًا متراكبة بعضها فوق بعض تئن بها صدور ذوي الضحايا من الثكالى والأرامل واليتامى والحرائر اللاتي فقدن أغلى ما يملكن على أيدي وحوش وذئاب في ثياب بشر أتوا كما قالوا كذبًا وزورًا من أجل جلب الديمقراطية والحكم المدني بزعمهم.

الميثاق السياسي المحتفى به والذي تأجلت مراسم التوقيع عليه، سيصبح أساسًا ومرجعية لتشكيل حكومة موازية للحكومة القائمة التي عجزوا عن إزاحتها ونزع الشرعية عنها بقوة السلاح طوال أشهر الحرب، وهذا هو مبعث فرحهم وابتهاجه.

فبعد أن كان الهدف حكم السودان كله من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، انكمش هذا الهدف وتقلص ليصير مجرد حكومة افتراضية كل وزرائها خارج حدود السودان، حكومة (جوالة) بلا أرض وبلا جماهير، حكومة وزراؤها بلا أعباء حقيقية، أيديهم ملطخة بدماء الضحايا، ولا تستطيع أقدامهم أن تطأ أرض السودان خوفًا وخشية ورهبة من مصير معلوم.

حكومة موازية بلا مقاعد في المحافل الإقليمية والدولية ولا تحمل هوية ولا تاريخًا ولا ثقافة، حكومة مصنوعة وسياساتها معلّبة تخدم مصالح صانعيها ولا شأن لها بمصالح السودان وشعب السودان.

إنها متلازمة حبّ السلطة حتى وإن أتت على الجماجم والأشلاء وأنين الضحايا، لا يهم ما دامت أنها تأتي، حتى وإن جاءت محمولة على أكف أيادٍ أجنبية مردت وتمرّست على نشر الخراب والدمار والموت حيثما حلّت، فأصبح ذاك شغلها الشاغل ومهنتها التي تدفع في سبيل مزاولتها أموالًا طائلة كان يمكن أن توجّه نحو الإعمار والتنمية والبناء والازدهار، فتقوى بها صلات القربى وتوثّق عُرى الأخوّة وروابط حسن الجوار .

إعلان

إن أكثر الأسئلة إلحاحًا وإلحافًا والتي تدور في أذهان السودانيين الذين تلاحقت عليهم الأرزاء، وتكالبت عليهم المصائب والمحن جراء هذه الحرب المصنوعة القادمة من وراء الحدود، ولا يجدون لها جوابًا، هي: لماذا كل ذلك؟ .. ولا جواب.

ما هي الجناية التي اقترفتها أيديهم في حق أولئك الذين يصدرون لهم الموت والدمار والخراب؟

هل من المعقول أن يكون كل ذلك من أجل التسلية؟

هل من المعقول أن يكون كل ذلك من أجل (لا شيء)؟!

ولا جواب..

ولربما الفاعل نفسه لا يعرف الجواب.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • لجان مقاومة الديوم الشرقية: قوات الدعـم السـريع تنهب وتعتدي على السكان
  • الجيش السوداني يستعيد مدينة القطينة من مليشيا الدعم السريع
  • البرهان يرسل تهديدات جديدة لقوات الدعم السريع من مصفاة الجيلي للبترول
  • لقاء عبد الرحيم دقلو هو اكبر دليل على هزيمة الدعم السريع
  • بقيادة ماسك..البنتاغون يخفض عدد الموظفين المدنيين بـ 5%
  • «تسليح القابضة» تكرّم عيسى المهيري
  • إسحاق البلوشي يزور جناح «تسليح»
  • الدعم السريع ترقص في احتفال على الجماجم والأشلاء
  • تبرئة آيساب روكي من تهم الاعتداء.. واحتفال مؤثر مع ريهانا
  • حكومة الجنجويد ( الجزيرة نموذجا )