في العلاقة الملتبسة بين القاضي والمحامي
تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT
6 – تبادل الاتهام بالتلاعب بالوقت
يقال (العدالة البطيئة ظلم)، وإعادة تقييم العلاقة الملتبسة بين القاضي والمحامي المتمثلة في تبادل الاتهام بتعمد التسويف والإعاقة مسألة مهمة لمعرفة أين يكمن الخلل في عدم البت في القضايا في المدة المثالية، والمقصود هنا حالات النزاعات التي لم يتحول فيها المتنازعون إلى مدمني نزاعات إما لملء فراغهم أو لإشباع نزعاتهم الشريرة التي كثيرا ما يتوارثونها، ويضرب المثل ببعض المناطق والمحافظات في لجج الخصومة (اللوك) وشراء ذمم من يبيعها من القضاة وفي هذه البيئة تحولت مهنة المحاماة عند بعض البعض إلى سمسرة ، والمسؤولية الأولى بالتأكيد تقع على من بيده السلطة وهم القضاة ورؤساء المحاكم لأن لهم دوراً مفترضاً في دعم المحامين الذين يحترمون شرف المهنة ومكانتها كمهنة علمية حرة لها تأثيرها المباشر وغير المباشر على جميع المهن ومختلف نواحي التنمية.
إن التعاون بين القاضي والمحامي مسألة جوهرية في تيسير الوصول إلى إصدار الحكم الذي يفترض أنه (عنوان الحقيقة )، وما أحلى هذه النتيجة عند طرف وما أمرها عند الطرف الآخر وهذه طبيعي لأن المتنازعين ليسوا ملائكة ، ومن المحزن أن بلادنا كثرت فيها النزاعات وما زال حال المعالجة كما هو بل ينطبق عليها المثل الشعبي (الدهر لا يأتي بأحسن) أي عكس العالم الذي يبتكر ويبدع كل يوم حلولاً لجميع المعضلات التي يعاني منها ومنها كيفية حل مشكلات الحكم والقضاء على أسس علمية باعتبار العدالة أجلاً وأهم خدمة تعبّر عن وجود الدولة القديمة والحديثة، في المجتمع القديم كثيرا ما كان المتنازعون يخلعون أسباب النزاع عند خروجهم من باب المحكمة ويذهبون معاً إما للغداء أو لأي هدف وكأنهم جاءوا إلى القاضي يستشيرونه في المسألة ، وكان القضاة بدوافع دينية وأخلاقية يمارسون دور المصلح الاجتماعي إلى جانب وظيفتهم القضائية وكذلك المحامون وقبلهم وكلاء الشريعة يمارسون نفس الدور سواء في ما بينهم أو بالتعاون بينهم وبين القضاة، أي أن بيئة العدالة كانت إلى حد كبير بيئة نظيفة وكانوا يؤمنون بأن الأرزاق ليست بالحيلة ولا بالتنمر أو الافتئات والظلم وقلة الخير.
ومن أسباب كثرة الدعاوى الكيدية عدم تطبيق قانون المرافعات الذي يوجب على رئيس القلم عدم قبول الدعوى إدارياً في حال عدم توفر شروط قبولها شكلاً وفي حال الخلاف يفصل القاضي في مسألة كيدية الدعوى من عدمه في أسرع وقت لأن قبول الدعاوى واضحة الكيدية إضرار بالمحكمة وبالأطراف وكل ضرر يجب أن يزال ويستوجب التعويض.
لقد تحولت ساحة العدالة إلى سوق فيه أسوأ ما في الأسواق وأحطها، وللخروج من هذا الحال لا بد من القبول أولاً بالنقد البنَّاء كوسيلة للإصلاح، وأن يكون القضاة وكل من يمارس عملاً عاماً أو خاصاً قابلين بالمبدأ بل وداعين إليه عملاً بالحكمة المنسوبة إلى الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز(رحم الله امرأً أهدى إليَّ عيوبي) ، ولا نعني بالنقد البنَّاء الذي يرضي الجميع وإلا لما كان بنَّاءً فإرضاء كل الناس مهمة لا يتقنها غير المنافقين.
غاية النقد الإصلاح ولا يتم الإصلاح دون الإشارة إلى مواطن الفساد وأوجه القصور في أي عمل أو إنتاج مادي أو أدبي وإلا فكيف يكون تعرض هذه الأوجه ؟؟!:
لا يوجد وصفة سحرية يمكن إلزام الناس بها وخاصة من يتعرضون للظلم فدرجات وعيهم وثقافتهم تختلف باختلاف طرق التعبير ومستوى الأنين وارتفاع الأصوات ومن المظلومين من يرفع السلاح في وجه الظلمة، ولا أعتقد أن من واجب أو حق الجهات المعنية بتلقي المظالم وإنصاف أصحابها أن تقول لهم لا تصرخوا أو ترفعوا السلاح ، أو أن عليكم أن تصرخوا بأناقة وأدب!، عليها سرعة تتبع أسباب انتشار المظالم وتعثر القضايا والعمل بكل هِمَّة وجديّة على سرعة الإنصاف وتتبع أسباب الانتشار والتعثر والبحث عن آلية جادة لمعالجة أي قصور باعتبار العدالة من الخدمات الأساسية وملاحظة كيفية أداء القضاة والمحامين وكل الأدوات المساعدة في تحقيق العدالة ومن ذلك تصحيح أوضاع أمناء السر لإنصاف الناس منهم وإنصافهم ممن يتجنى على الشرفاء منهم ففي كل عمل يوجد الصالح والطالح ،الوقت له قيمة في كل بلدان العالم وللعدالة السريعة وغير المتسرعة أثرها على الحياة والتنمية، ومن أبجديات الحلول ضرورة تناسب عدد القضاة والإداريين في المحاكم مع عدد القضايا وتناسب الكم مع كيفية الأداء وضمن هذه الأولوية لا بد من إنصافهم لأن فاقد الإنصاف أنَّى له أن يعطيه؟.
الأنين يمزق أوردة الصخر
يهز الجبال!
فهل تسمعون وهل تبصرون أو تعقلون؟!
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
فلسطين قضية عادلة
بقناعة راسخة وبإيمان حقيقى بالعدالة كقيمة عظيمة للبشرية، درست القانون واخترت مهنة المُحاماة، وبذلت فى سبيلها الوقت والجهد والكد.
وكُنت وما زلت أرى أن أعظم قيمة يُمكن للشعوب والأمم العظيمة أن تكافح فى سبيلها، هى قيمة العدالة، بمعنى منح صاحب الحق حقه ولو بعد حين، وإزالة الظُلم بعد التبرؤ منه، وانصاف مَن يستحق الانصاف.
وهذا فى ظنى هو سبب صلابة وحيوية القضية الفلسطينية وأحد مبررات بقائها نابضة بالحياة رغم مرور أكثر من قرن على بدايات الاستيطان الصهيونى، ونحو ثمانية عقود على شرعنة الاحتلال الإسرائيلى وتحوله إلى كيان رسمى بإعلان قيام دولة إسرائيل.
فقضية فلسطين هى قضية عدالة فى المقام الأول، بمعنى أن التمسك بالدولة الفلسطينية، والتصدى للجرائم الإسرائيلية، ومكافحة طمس الحقيقة، وتزوير الواقع هو سعى حثيث من أجل العدالة بغض النظر عن الانتماء العرقى أو الدينى.
وما حدث فى فلسطين، هو مُسلسل من الجرائم المتتالية فى حق الإنسان فى العيش على أرضه، وبين أهله، ووفق ما ورثه عن أجداده من تقاليد وأعراف وثقافة. فالخلاف ليس على حدود ومكاسب مادية وعينية بقدر ما هو على حق مسلوب ينافح أصحاب الضمائر لإعادته إلى أصحابه.
وهذا ما يغيب عن السيد دونالد ترامب، الرئيس الأمريكى، الذى يُحكّم معايير التجارة والمنافع المتبادلة والمصالح دون أى اعتبار لعدل وظلم، أو حق وباطل، أو صواب وخطأ. يجهل الرجل المُمثل لرأسمالية متوحشة، ومادية صماء لا تعترف بقيم أو تراعى مبادئ، أن قضية فلسطين ليست سوى قضية عدالة منشودة، وأنه لا يُمكن محو القضية أو طمسها بجرة قلم أو قرار سلطوى أو حتى حرب إبادة، لأنها تحيى فى نفوس ملايين البشر، ليس فقط المنتمين للشعب الفلسطينى العظيم، وإنما الشعوب العربية كلها وكافة أصحاب الضمائر الحية، والمقاومين للظلم والطغيان فى كل مكان.
وانطلاقا من العدل المنشود، فإن موقف مصر استند مُنذ البدايات على هذا المعنى أولا، فالشعب الفلسطينى كان وما زال هو الضحية، والمجنى عليه، وهو الذى تعرّض للعدوان والاستيلاء على حقوقه. ومن أجل هذا الحق خاضت مصر حروبًا قاسية، وقدمت شهداء من خيرة بنيها، ومنحت تضحيات عظيمة عن طيب خاطر.
لذا، أتفهم بشكل واضح عبارة السيد رئيس الجمهورية فى إطار رده على دعوات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بتهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن، والتى يقول فيها «إن مصر لن تشارك فى ظُلم الشعب الفلسطيني». فمصر منذ فجر التاريخ لم تقف إلى جوار طغيان، ولم تشارك فى إبادة شعب، ولم تساند ظلمًا أو عدوانًا ضد أبرياء، واتسقت كل مواقفها مع قيمها العظيمة وقيم شعبها فى صون العدالة وتحرى الإنصاف.
إن العدل يتحقق ولو بعد حين، ولا يضيح حق وراء مُطالب، فكل سعى حثيث وحقيقى ومخلص من أجل الحق لا يضيع هباءً، وكافة الحقوق تصل لمستحقيها بالمثابرة والاصرار والتكتل والسعى الدائم، واكتساب التعاطف. وهذا ما يجعلنى متفائلًا بمستقبل القضية الفلسطينية، مؤمنًا أنه لن يتحقق السلام إلا بحل الدولتين، وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. وهذا هو الموقف المصرى الواضح كالشمس.
وسلامٌ على الأمة المصرية