"الأوقاف الفلسطينية": 23 اقتحاما للمسجد الأقصى ومنع رفع الأذان 95 مرة في "الإبراهيمي" خلال أكتوبر الماضي
تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ذكرت وزارة الأوقاف والشؤون الدّينية الفلسطينية، أن الاحتلال والمستوطنين صعَّدوا من اعتداءاتهم على المسجد الأقصى المبارك، خلال شهر أكتوبر الماضي، سواءً بعدد الاقتحامات الّتي تجاوزت 23 اقتحامًا، أو بأعداد المقتحمين.
وأضافت "الأوقاف" - في تقرير شهري أصدرته الوزارة اليوم /الأحد/ وأوردته وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" - أن المسجد الأقصى تعرض لأكثر من 23 اقتحاما من قبل المستعمرين، بحماية مشددة من قوات الاحتلال، بالتزامن مع الأعياد اليهودية، حيث بلغ عدد المستعمرين المقتحمين للمسجد 9721 مستعمرا، بينهم حاخامات وأطفال وشبان، كما شهدت منطقة المسجد الشرقية أداء طقوس دينية وانبطاح جماعي، بمناسبة "رأس السنة العبرية".
وأشار التقرير إلى أن المستعمرين أطلقوا دعوات مكثفة لتنظيم اقتحامات جماعية خلال الأعياد، مع توفير مواصلات مجانية لنقلهم إلى المسجد الأقصى، فيما حوّلت قوات الاحتلال مدينة القدس والبلدة القديمة إلى ثكنة عسكرية ورفعت حالة التأهب.. لافتا إلى أن الوزير المتطرف إيتمار بن غفير اقتحم المسجد الأقصى، في أول أيام عيد العرش بتاريخ السابع عشر من أكتوبر الماضي، حيث قام بإطلاق تصريحات من داخل المسجد تهدف إلى فرض واقع جديد في القدس وتغيير الوضع القائم في الأقصى، وذلك بحضور مجموعة من الحاخامات والمستوطنين.
وفيما يتعلق بالحرم الإبراهيمي.. أفاد التقرير بأن قوات الاحتلال منعت رفع الأذان 95 مرة خلال أكتوبر، ضمن محاولات فرض التقسيم الزماني والمكاني، كما أغلقت الحرم لمدة 7 أيام.
ورصد التقرير قيام الاحتلال بجولات استفزازية داخل الحرم ونصب الأعلام الإسرائيلية، ووضع تجهيزات دينية تشمل "استاندات" للتوراة، قواطع خشبية، كراسي بلاستيكية، خيام، مكبرات صوت، وأجهزة موسيقية.
كما أشار إلى أن قوات الاحتلال سمحت برفع أذان الفجر صباح الثالث عشر من الشهر بعد منعه لمدة 31 يومًا متتاليًا، في خطوة تعكس التضييق المتواصل على الحرم الإبراهيمي.
ووثق التقرير كذلك اعتداءات أخرى على المقدسات، من ضمنها اقتحام قوات الاحتلال مسجد مردة القديم في سلفيت، حيث عبثت بمحتويات المسجد، وأطلقت النار وقنابل الغاز داخله، واحتجزت المصلين لمدة 8 ساعات.
وأكدت "الأوقاف الفلسطينية" أن هذه الممارسات تعتبر اعتداءً صارخًا على صلاحياتها وتعديًا خطيرًا على قدسية الأماكن الدينية الإسلامية.. داعيةً المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لوقف هذه الانتهاكات التي تمثل استفزازًا لمشاعر المسلمين ومحاولةً لتغيير هوية القدس والمقدسات الإسلامية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: وزارة الأوقاف الاحتلال المسجد الأقصى الاقتحامات المسجد الأقصى قوات الاحتلال
إقرأ أيضاً:
طوفان الأقصى ومستقبل المنطقة ووضع الفصائل الفلسطينية: متغيرات جيو-استراتيجية
تمتلئ الصحافة بتساؤلاتٍ كثيرةٍ عقب الحدث الجيو-استراتيجي السوري حول مسار طوفان الأقصى، وعن مستقبل المنطقة ووضع فصائل المقاومة الفلسطينية في غمرة هذه التطورات، لا سيما حركة المقاومة الإسلامية حماس، وعن وضع غزة واحتمالات التوصل لاتفاقٍ لوقف إطلاق النار، وما ينتظر الضفَّة وسلطة التنسيق الأمني. وسيحاول هذا المقال الإجابة على هذه التساؤلات بالقدر والإيجاز الممكنَيْن.
الحدث السوري
استنادا لرؤية العالم كوحدةٍ تحليليةٍ واحدةٍ، حينما يرتبط الأمر بانزياح موازين القوى، تلك الرؤية التي يكون مِن الأَولى إعمالها حين يتعلق الأمر بساحاتٍ إقليميةٍ مترابطةٍ عضويا، يصير من غير الممكن فصل ما جرى في سوريا عن سياقه المباشر المتعلّق بارتدادات زلزال طوفان الأقصى.
رغم وجود شبه إقرارٍ بهذا الرأي، إلا أن هناك مقاربتين متعرضتين بالنظر إلى ذاك الحدث الإقليمي الفارق:
- يرى البعض أن سقوط دمشق كان امتدادا للطوفان، على قاعدة أن الطوفان قد أعاد الحياة لحراكٍ شعبيٍ ساعٍ لإسقاط الظلم والدكتاتورية.
- بينما يرى قسمٌ آخرٌ أن ما حصل في سوريا كان انقلابا على الطوفان ذاته، وإجهاضا لمفاعيله التي حاول ترسيخها في المنطقة، وأنه جاء كحصيلةٍ للحرب الدائرة منذ 14 شهرا على قوى التحرر العربي-الإسلامي، وتداعيات تلك الحرب على التوازنات الحاكمة في المنطقة.
لكن بالنظر إلى الرأي الأول، يتضح افتقاره إلى ربطٍ منطقيٍ بين التغير في التوازنات الإقليمية التي أحدثها طوفان الأقصى وفتح جبهات الإسناد، والتحرك العسكري المنظم الذي جاء من خارج المناطق التي كانت تسيطر عليها الدولة السورية، إذ ما جرى لم يكن هبّة من قلب مناطق سيطرة الدولة؛ ذلك إلا إذا كان المقصود بالرأي الأول، أن الهجوم العسكري من المناطق التي كانت تسيطر عليها المجموعات المسلَّحة يحاكي هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وهنا يصير القائلون بهذا القول يتبنون ضمنا الرأي الثاني من حيث لا يشعرون، إذ إن ما جرى صبيحة الطوفان كان ترجمة لاختلال في توازنات المنطقة السابقة بالأساس.
رغم تحقيق العدو الصهيو-أمريكي إنجازاتٍ تكتيكيةٍ ضد قوى التحرر العربي-الإسلامي خلال حرب طوفان الأقصى، إلا أنه ظل عاجزا عن تحويلها إلى مكاسب إستراتيجيةٍ حتى إسقاط دمشق، الذي جاء ليقلب توازنات المنطقة رأسا على عقبٍ ويتيح لنتنياهو التفاخر بتحقيق الخطوة الأولى نحو خلق "شرق أوسطٍ جديدٍ"، تلك العبارة التي يستخدمها كناية عن تحقيق حلم "إسرائيل الكبرى"
فالدولة السورية كانت جزءا من تحالفٍ، ذلك بمعزل عن تقييم الأطراف لمدى انخراطها بذاك التحالف، ولا جدال بأن دعم حلفاء سوريا لها قد لعب دورا محوريا في عدم سقوط الدولة خلال دورة العنف الأولى. لكن، نتيجة للظروف المستجدة، بسبب انشغال محور المقاومة بحربٍ مصيريةٍ تخوضها نيابة عن الأمة الخاملة والمتواطئة، وتوجيه العدو ضرباتٍ تكتيكيةٍ للمحور في غزة ولبنان، تهيأت الأرضية لفتح جبهةٍ جديدةٍ ضد الدولة السورية من الشمال. وقد أدى هذا التحرك لتحقيق إنجازٍ نوعي للعدو بإسقاط النظام الذي كان حلقة الوصل بين قوى المقاومة.
لذلك، فإن الرأي الثاني، الذي يرى بأن التحوّل الجيو-استراتيجي السوري يُعَدّ انعكاسا لاختلالٍ في توازنات المنطقة الحاكمة، في خضمّ حربٍ طاحنةٍ تدور بين محورين، يبدو أكثر منطقية وأقرب للواقع ولحقائق الميدان.
رغم تحقيق العدو الصهيو-أمريكي إنجازاتٍ تكتيكيةٍ ضد قوى التحرر العربي-الإسلامي خلال حرب طوفان الأقصى، إلا أنه ظل عاجزا عن تحويلها إلى مكاسب إستراتيجيةٍ حتى إسقاط دمشق، الذي جاء ليقلب توازنات المنطقة رأسا على عقبٍ ويتيح لنتنياهو التفاخر بتحقيق الخطوة الأولى نحو خلق "شرق أوسطٍ جديدٍ"، تلك العبارة التي يستخدمها كناية عن تحقيق حلم "إسرائيل الكبرى".
لقد عبّر نتنياهو عن مضمون تلك الفكرة بوضوحٍ من على حدود الجولان المحتل، وذلك عقب سقوط دمشق، ذاك التصريح الذي تبعه بتوغّلٍ بريٍ داخل سوريا، بلغ حتى اللحظة مئات الكيلومترات المربّعة من قرى ومدنٍ سوريةٍ ومناطق ومرتفعاتٍ حاكمةٍ، مما جعل نتنياهو يُصرِّح بأن الجولان المحتل قد بات اليوم جزءا من "إسرائيل" للأبد، وذلك في ظلّ ما بات يصدُر تباعا عن الجولاني من تصريحاتٍ قال فيها تارة بأنه لا حجّة للكيان بالتوغّل في الأراضي السورية، كون "هيئة تحرير الشام" قد أبعدت خطر حرس الثورة الإسلامية الإيرانية ومجاهدي حزب الله عن حدود الجولان المحتل، وتارة بالتأكيد على أن "سوريا الجديدة" لن تكون منطلقا لأي عمَلٍ مسلَّحٍ ضد الكيان الغاصب، هذا ناهيك عن تصرّف مقاتلي "هيئة تحرير الشام" على الأرض الذين لم يحاولوا التصدي للتوغّل الصهيوني المستمر في الأرض السورية، إضافة إلى إغلاق "هيئة تحرير الشام" لمعسكرات تدريب الفصائل الفلسطينية، وسحب سلاحها عدا الفردي منه.
إذن، استنادا للرأي الثاني، الذي يأخذ بعين الاعتبار نتائج سقوط دمشق المباشرة على سوريا، يمكن القول بأن ما جرى قد وجّه ضربة كبيرة لطوفان الأقصى ومفاعيله، وتبقى النتائج التي ستظهر في غزة قريبا حكما على صحة هذه الرؤية من عدمها.
وقف إطلاق النار في غزة
تشي الحركة الدبلوماسية الحثيثة الراهنة، التي يلفها التكتّم الشديد، بقرب التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار على جبهة غزة، وقد كان هذا الأمر متوقعا عقب ما جرى في سوريا، إذ إن خيارات المقاومة الفلسطينية قد باتت اليوم محدودة بعد الإنجاز الاستراتيجي الذي حقّقه الحلف الصهيو-أمريكي على عموم محور قوى التحرر العربي-الإسلامي، مما يمكن أن يدفع المقاومة الفلسطينية، بقيادة كتائب القسام، إلى تقديم تنازلاتٍ مؤلمةٍ للعدو كاستجابةٍ للواقع الإقليمي المستجد، بعدما اصبح حزب الله محاصرا من المجموعات المسلَّحة المسيطرة على سوريا، وفي ظلّ إرباك الجمهورية الإسلامية في إيران، وفقدانها لنقطة ارتكازٍ رئيسةٍ في مواجهة الحلف الصهيو-أمريكي.
لقد باتت أولوية فصائل المقاومة الفلسطينية في هذه المرحلة الحفاظ على وجودها، وذلك في ظلّ انقلاب موازين القوى في المنطقة لمصلحة العدو، لذلك لا يمكن بحالٍ توجيه أي لومٍ للمقاومة الفلسطينية وكتائب القسام إذا ما وافقت على اتفاقٍ لوقف النار في غزة بسقوفٍ أقل مما كان متوقعا سابقا، أو بشروطٍ أكثر قسوة على الفلسطينيين مما كان مأمولا، فالضربة شبه القاتلة التي تمكّن العدو من توجيهها لطوفان الأقصى، بالتعاون مع قوى إقليميةٍ، تفرض على قوى التحرر العربي-الإسلامي محاولة التكيّف مع الواقع الجديد الذي فرضه العدو على الأمّة.
مستقبل المنطقة
إجماعٌ على أن نتيجة طوفان الأقصى النهائية سترسم شكل المنطقة لسنين قادمةٍ، إذ إن الطوفان لم يحصل في الفراغ، بل إنه قد جاء كنتيجةٍ طبيعيةٍ للتغيّر الذي اعترى موازين القوى خلال العقدين المنصرمين، ناهيك عن مرور العالم في مرحلة تحولاتٍ عميقةٍ على مستوى شكل النظام العالمي الجديد، لذلك من المستبعد أن يتوقف المسار الذي افتتحه الطوفان قبل ترصيد توازنات المنطقة الجديدة بصورةٍ شبه نهائيةٍ لصالح أي من الأحلاف المتقابلة
هناك إجماعٌ على أن نتيجة طوفان الأقصى النهائية سترسم شكل المنطقة لسنين قادمةٍ، إذ إن الطوفان لم يحصل في الفراغ، بل إنه قد جاء كنتيجةٍ طبيعيةٍ للتغيّر الذي اعترى موازين القوى خلال العقدين المنصرمين، ناهيك عن مرور العالم في مرحلة تحولاتٍ عميقةٍ على مستوى شكل النظام العالمي الجديد، لذلك من المستبعد أن يتوقف المسار الذي افتتحه الطوفان قبل ترصيد توازنات المنطقة الجديدة بصورةٍ شبه نهائيةٍ لصالح أي من الأحلاف المتقابلة.
رغم ميل موازين القوى بعد الأحداث الأخيرة لصالح العدو، إلا أنه لن يتمكّن مِن ترصيد اختلال موازين القوى الإقليمية بصورةٍ نهائيةٍ دون إحداث تغييرٍ ديموغرافيٍ جذريٍ في الضفّة، وبقدرٍ أقل في غزة، والقضاء التام على قوى المقاومة الإقليمية دولا وأحزابا، أو فرض الاستسلام عليهم، لا سيما في فلسطين ولبنان والجمهورية الإسلامية.
لذلك، من المرجّح أن يواصل العدو تطوير هجماته على قوى محور المقاومة، مستغلا الوضع الحرج الذي يعيشه المحور، بمعزلٍ عن وقفٍ إطلاق النار على بعض الجبهات.
لكن، في ظل كثرة المتغيرات الإقليمية والدولية، يصعب التنبؤ بمسار الأحداث بدقّةٍ، ويبقى أن أمام الكيان الغاصب عقباتٍ كبرى وألغاما قد تنفجر في أي لحظة، مما يعيق تحقيق حلم "إسرائيل الكبرى". ففي نهاية المطاف، لم ينجح العدو في إنهاء ظاهرة المقاومة في المنطقة، وإن مِن مزايا حركات المقاومة، في حال عدم القضاء عليها تماما، أنها تزداد تجذّرا وتمسّكا بالثوابت حينما تضيق أمامها الخيارات، ذلك طالما كان الممسكين بزمام أمرها مِن المخلصين والأوفياء لعقيدتهم ولدماء شهدائهم وللثوابت الوطنية، إذ لا تندثر حركات المقاومة إلا إذا عبثت بالثوابت لحساب المصالح الآنية، وآن ذاك ينتهي بها الأمر بتضييع الاثنين كما حصل مع تجارب ثوريةٍ أخرى، ولدينا مثالٌ شاخصٌ في تجربة منظمة التحرير الفلسطينية، والدرك الأسفل الذي انتهت إليه سلطة التنسيق الأمني.
الضفَّة وسلطة التنسيق الأمني
لقد باشر الاحتلال فعليا بخطواتٍ لضم أراضي الضفَّة من خلال بعض التشريعات، ناهيك عن تصريحات مسؤولي العدو التي باتت تُجاهر بنيّة تنفيذ مخطط الضم، ولعل هذه الخطوات ستزداد وتيرتها خلال المرحلة القريبة القادمة، إذ يشعر الاحتلال بنشوة التغيير الجيو-استراتيجي الذي رعته قوى غربيةٍ وإقليميةٍ، مما يجعل تصعيد المقاومة في الضفّة ضرورة وجودية. ورغم الصعوبات، يبقى الردع الوحيد للاحتلال هو المقاومة، كما أثبتت غزة، حيث حال صمود المقاومة والحاضنة الشعبية دون تهجير سكان القطاع وسط صمت المجتمع الدولي!
إن خطر تهجير سكان الضفَّة لا يطال الفلسطينيين وحسب، بل إن آثاره ستمتد بالضرورة لباقي الوطن العربي، لا سيما الأردن، وفي ذلك تهديدٌ حقيقيٌ للأمن القومي الأردني، فهل ستتخذ الحكومة الأردنية موقفا جادا يتناسب مع حجم التهديد الداهم؟ أم أن النظام الرسمي العربي سيستمر في سياسة دفن الرؤوس في الرمال حتى تقع الواقعة؟
أما سلطة التنسيق الأمني، فإن الخطر الوجودي الذي يهدّدها ليس أقل من غيرها، إذ إن الاحتلال يريد أرضا بدون شعبٍ فلسطيني، يكون عليه عبئا ديموغرافيا إضافيا، وتماهي سلطة رام الله الكامل مع خطوات العدو، وطلباته بإجهاض أي حراكٍ مقاومٍ في ساحة الضفَّة، لن يحميها من السياسة العميقة للكيان الرامية للقضاء على كل وجودٍ فلسطينيٍ على أرضه.
حركة حماس
ليس ثمّة خيارٌ جديٌ أمام الفلسطينيين ومقاومته سوى استمرار مسار طوفان الأقصى، الذي رغم تعرضه لضربةٍ شبه قاتلةٍ بسبب عاملٍ غير متوقعٍ، وخارجٍ عن سيطرتهم، إلا أن المعركة لم يتم حسمها بعد، ولا يبدو أن العدو سيوقف مِن هجمته المرتدة عقب الضربة القاسية التي تلقاها صبيحة الطوفان، مما يفتح الباب على احتمالاتٍ كثيرةٍ، ليس آخرها عودة المنطقة للاشتعال مجدّدا في وقتٍ قريبٍ
تمر حركة حماس بمرحلةٍ فارقةٍ من عمرها، فهي تتعرض لضغوطٍ هائلةٍ في هذه المرحلة، لكن لعل أخطر ما يهدّدها الخيارات التي عليها اتخاذها في هذه اللحظة، فالآراء القائلة بأن السبيل الأمثل لمتابعة مسير الحركة، يكون بالرهانات غير الواقعية على قوى ثبت عدم جديتها بتبني خيار المقاومة المسلَّحة، يُعَدّ بداية الانزلاق لمساراتٍ تشبه مسار "أوسلو" بالضرورة، مع الفارق بأن تداعي هكذا مسار سيكون في وقتٍ أسرع بكثيرٍ من مسار منظمة التحرير الفلسطينية، ناهيك عن أن أضراره ستكون أكثر كارثية على الفلسطينيين ومستقبل قضيتهم، إذ أننا اليوم أمام خطةٍ صهيونيةٍ لاستكمال نكبة 1948، ولسنا في صدد مرحلة التخدير السياسي التي مارستها قوى الاستعمار على المنطقة إبان مرحلة "أوسلو".
لذلك، ليس ثمّة خيارٌ جديٌ أمام الفلسطينيين ومقاومته سوى استمرار مسار طوفان الأقصى، الذي رغم تعرضه لضربةٍ شبه قاتلةٍ بسبب عاملٍ غير متوقعٍ، وخارجٍ عن سيطرتهم، إلا أن المعركة لم يتم حسمها بعد، ولا يبدو أن العدو سيوقف مِن هجمته المرتدة عقب الضربة القاسية التي تلقاها صبيحة الطوفان، مما يفتح الباب على احتمالاتٍ كثيرةٍ، ليس آخرها عودة المنطقة للاشتعال مجدّدا في وقتٍ قريبٍ. فكما ذَكَر المقال سابقا، معركة الطوفان لن تضع أوزارها فعليا إلا بعد ترصيد موازين القوى من خلال تغييرٍ ديموغرافيٍ على أرض الواقع، وهذه العملية لا يمكن للعدو إتمامها إلا إذا رفعت قوى المقاومة في الإقليم، لا سيما المقاومة الفلسطينية، الراية البيضاء فعليا، أما ما دون ذلك، فإن العدو سيدخل في دوامةٍ طويلةٍ لن يكون له قبلٌ بها على المدى القصير.
خاتمة
لا تُهزَم أمةٌ إلا إذا فقدت الثقة بالنصر، ولا تندثر حركات المقاومة إلا إذا بدأت بالعبث بالثوابت، والهرولة وراء مشاريع لا تعلن العداء الواضح والصريح والعملي للعدو تحت مسمياتٍ عدةٍ، بمعزلٍ عن الراية التي ترفعها تلك المشاريع، لا سيما إذا كانت الأفعال تتعارض مع الشعارات بصورةٍ فجّةٍ.
إن الحفاظ على استقامة المسار يتطلب من القواعد الشعبية، قبل القيادات، الصمود في وجه المتغيرات، والتمسك بالثوابت التي لا تقبل التبديل، وأن تكون رقيبا نزيها على قياداتها.
ما كان مسار الطوفان ليكون معبّدا بالورود، فالهدف عظيمٌ، ولم يكن يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إلا شرارة انطلاق ثورةٍ فلسطينيةٍ متجدّدةٍ، ورغم العثرات، ومحاولات الانقلاب عليها تحت مسمياتٍ خادعةٍ، ومِن أطرافٍ عدةٍ، إلا أن المسيرة لم تنته بعد، ولا زالت أمّتنا في قلب الحدث، والعالم في مرحلة سيولةٍ لم تحسم حتى اللحظة، والعدو مستمرٌ في عدوانه، وما حصل ويحصل سيكشف الغث من السمين، وسيجعل الخيارات أكثر وضوحا، ولن يكمل المسير إلا مَن يستحق نيل شرف دخول القدس فاتحا.