رفضت غناءها وأصبحت سبب شهرتها.. حكاية أغنية البوسطاجية للمطربة رجاء عبده
تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT
ملامح قوية وابتسامة ساحرة وصوت طروب تميزت به الفنانة رجاء عبده، التي قال عنها الفنان محمد عبد الوهاب إن صوتها يشبه تربة مصر الخصبة، حتى سنح لها بأن تغني «البوسطاجية اشتكوا» التي زادت من شهرتها إلى اليوم، وظلت تتردد الكلمات على المسامع إلى أن أحبها الجميع، واشتهرت بأدوارها الفنية التي شكلت ملامح مختلفة للفن المصري لسنوات عديدة، فكيف بدأت؟، وما حكاية الأغنية؟، وهو ما نلقي الضوء عليه اليوم تزامنًا مع ذكرى ميلادها التي توافق 3 نوفمبر.
وُلدت الفنانة رجاء عبده عام 1919، واسمها الحقيقي اعتدال، وسماها والدها ذلك للاستقرار الذي كان في ذلك الوقت بعد الثورة، وتميزت منذ الصغر بصوتها الغنائي، حتى الإعلان عن فيلم الوردة البيضة وبدأت أولى خطواتها، بحسب حديث لها سابق في برنامج نجوم زمان وألحان زمان مع الإعلامية سهير شلبي: «كان المخرج محمد كريم ناشر إعلان عن شركة الفنان محمد عبد الوهاب إن هما عاوزين مطربة لفيلم الوردة البيضا، زمان للعادات والتقاليد البنات قليلة اللي كانت بتغني، لكن جيراني قالوا لي وأنا لسه في المدرسة وقالوا نجرب بس كنت خايفة أقف أدامه».
إلى أن أخذها جارها إسماعيل ابن حسين باشا كمال الذي كان يهوى عزف الكمانجا: «رحت وغنيت حسدوني وباين في عيونهم شكروني أوي وقالوا لي بس أنتِ لسه مكبرتيش وفضلت أعيط ليلة بحالها وقالي ثقة في يوم هنشتغل مع بعض ده وعد مني»، إلى أن مثلت الفيلم الفنانة سميرة خلوصي التي قامت بالدور وكان اسمها رجاء، ومن هنا قررت اختيار اسم رجاء ليكون اسما فنيا لها,
أول دور لهاوبعد ذلك غنيت في محطة صافو ومحطة مصر الملكية وكانت تغني لأم كلثوم وعبد الوهاب: «كنت باخد شيكولاتة وخمسين قرش كتشجيع، وكنت صغيرة لدرجة بقعد أقول لماما متاكليش قبل ما أجي»، إلى أن سنحت لها الفرصة في التمثيل عام 1936 في فيلم وراء الستار: «في ناس كلموا ماما قالوا لها عاوزين بنتك تعملنا فيلم وحسيت بالسعادة والفرح وخدت 150 جنيها وبعد كده الشركة كافئتني بـ200 جنيه».
سبب شهرة الفنانة رجاء عبدهاشتهرت جماهيريًا في فيلم ممنوع الحب، واشتهرت أكثر في فيلم الحب الأول لأغنية البوسطاجية اشتكوا، لكنها كانت معترضة بشدة على كلماتها؛ معللة أن الأغنية شعبية ولا تتناسب مع قصة الفيلم: «مكنتش هغنيها عشان كنت هعمل حركات إيقاعية وقولت له لا أنا مشتغلش بوسطاجية، بس سمعت بنت من بنات الاستعراض بتغني الغنوة واتجننت عليها، وقولت له عندك حق أنا كنت غلطانة مكانش راضي بس أداني أغنيها وغنيتها وكانت شبب شهرتي».
فكانت الأغنية من أكثر الأغاني التي اشتهرت في منتصف الأربعينات، ولحنها الفنان عبد الوهاب، بعد أن طلبها من أبو السعود الأبياري بأغنية تدور حول مشهد الفيلم، إلى أن جاءت فكرتها مستوحاه من الفنانة بديعة مصابني التي كان يأتي إليها رسائل يومية على البريد من المعجبين والمعجبات، من حبهم في فنها، إلى أن ضجر الساعي من كثرة الخطابات التي لا تنتهي، وجلس ليشتكى لأحد الجالسين على المقهى من كثرة الخطابات.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: فيلم الحب الأول وراء الستار إلى أن
إقرأ أيضاً:
الشاعر السوري فواز قادري: دير الزور حكاية حب لا تنتهي.. والكتابة لا تهادن الواقع
الشاعر السوري فواز قادري، الذي حمل معاناته وهويته بين دير الزور وميونيخ، يكتب قصيدته بلغة لا تعرف القيود، ومن خلال تجربته في المهجر، يسعى إلى كشف الحقيقة التي تخفيها الحروب والمآسي، مُحولا الألم إلى كلمات مقاومة حية، في هذا الحوار، نغوص في رؤيته للشعر كأداة للتحرر، وكيف تصبح القصيدة لديه فعلا يكشف عن التحديات والآمال في آنٍ، وتلمس قلوبنا بعنفوانها الصادق.
- بين دير الزور وميونخ، كيف تنظر إلى تأثير المنفى على هويتك الشعرية؟.. أترى في الاغتراب حافزا للإبداع أم جرحا يتسع مع الزمن؟
للأمكنة تأثير كبير على الشعر والإبداع بشكل عام، وكذلك على المبدع نفسه، وعلى صعيدي الشخصي، تعمق مفهومي وتجربتي في كتابة «قصيدة العيش»، حيث أرى أن العيش هو أن تملأ حيزك الزماني والمكاني بمعناك.
مع «قصيدة العيش»، تكتسب الأشياء ماهية مختلفة، وتتحول الحياة إلى نبع رقراق يصير نهرا صغيرا يرافقك في أغلب الأوقات، يأكل ويشرب معك، ويستثير حساسيتك، حتى تصبح أنت نفسك أقرب إلى قصيدة تسكنك وتدعوك إلى كتابتها.
أما المنفى، أي المكان الآخر «وأنا هنا أعني ميونيخ»، فيدفعك إلى إعادة النظر في جميع مكونات حياتك، ويضيف إليها بعض العناصر الجديدة، تماما كما يجعلك أكثر يقينا بما تعتقد، إنه يبرز كل ما هو إنساني ومشترك مع الآخرين، مما يعمّق فهمك لذاتك وللعالم من حولك.
- في ديوانك «قيامة الدم السوري» رصدتَ مأساة الإنسان السوري بأسلوب شعري مكثف.. كيف تمكنت من الموازنة بين الشعر كفن والواقع القاسي دون الوقوع في فخ التوثيق المباشر؟
الواقع مثلما هو مرجعيتي الأساسية، أنظر إليه كفخ للمبدع والقصيدة، وأحذره، تجلى هذا بشكل خاص في الكتابة عن ثورة الشعب السوري على الطاغية وإرثه، هناك الكثير من الألم في ما حدث، ألمٌ يشبه القيامة، يجعلك لا تتوقف عن الصراخ.
كنتُ أعي تماما أن في كل نص تكتبه، قد تخرج عن أسلوبك المعتاد إلى نوع من المباشرة التي تدعوك إلى كتابة مختلفة عن مفهومك الجمالي، خاصة وأنت تؤثث بالشعر قيامة هذا الشعب الذي وصل إلى حافة الموات، في مثل هذه اللحظات، تصبح القصيدة ملحمية، قادرة على تناول التجربة، بل وأكثر مما تمنحها الصرخات.
- ديوان «أناشيد ميونخ المؤجلة» يحمل بين طياته حنينا ممزوجا بالغربة.. أفقدت القدرة على الانتماء؟ أم أن الشعر ذاته يصبح وطنا بديلا؟
ديوان أناشيد ميونيخ، صحوة شعرية حاولت أن أرد فيه دَين الحب إلى مدينة احتضنتني وشكلت وأعادت التوازن إلى روح الغريب، أثثت بالأصدقاء من أهل البلد، والغرباء الذين شاركوني دفء المدينة.
إلى درجة التماهي بين مدينتين «دير الزور» الذاكرة، مسقط الرأس والقلب، الطفولة التي لم تبارحني، المراهقة وأحلامها الكثيرة، الكدح المبكر الذي جعلني أنحاز إلى عرق الناس ومعاناتهم التي لا تنتهي، القصيدة المبكرة الخارجة من رحم الحارات، بعيدا عن المدرسة.
معاناة التقاط الأحرف من لافتات الشارع، ومن مهنة إصلاح الأجهزة الإلكترونية في محل صاحبه فنان ورسام، المسرح، الألوان، خيالات الصغير وشغفه بالأحلام، كل ذلك قاده لاحقا إلى العمل بالسياسة، واكتشاف الشعر الذي أصبح كل حياته.
«ميونيخ» الكدح اليومي من جديد، قصائد التجربة في مكان جديد، ثورة الأهل في سوريا، الحلم العتيق بالتغيير الذي لم يفارقني رغم البعد الجسدي، أوجاع الناس وأنا بعيد عنهم بجسدي، طوفان شعري لم يتوقف، الكتابة اليومية المشغولة بهدوء الفن، الصرخات المكتومة أعادت النظر في «قصيدة العيش»، بأدواتها، بلغتها المرافقة للوجع اليومي ومعاناة الناس هناك.
«ميونيخ.. النأي بلا عزلة»، طوفان لهاث وكتابة، دموع تتحول إلى كلمات، ورموز، وأساطير حية، قصائد تعيش معي، تتجدد، وتصبح أكثر رهافة وإنسانية، رغم الألم اللحظي الجارح.
- تلعب الذاكرة دورا محوريا في نصوصك.. أترى أن العودة إلى المكان في القصيدة محاولة للشفاء أم استعادة غير مكتملة؟
دير الزور.. المدينة، الذاكرة، النهر الذي لا يبرح يرافقني، دون أن يتدخل في تشكيل حياتي، فيها من العذوبة ما يجعلني أتيقن أنني أعيش زمني الحاضر، ولا أسترجع الماضي كي أعيش فيه، فأنا لست مريضا لأحتاج إلى الشفاء منه. ومن هذا النهر أنا فقط أحاول أن أطيل إقامتي في الأشياء التي أحبها، أطيل النظر فيها، أتدارك نقصانها بالمزيد من الحب.
- في ديوانك «صهيل في غرفة ضيقة» استخدمت رمزية الصهيل والغرفة الضيقة.. ما الدلالات التي أردت إيصالها من خلال هذه الرموز؟
ديوان الصهيل في غرفة ضيقة، باختصار، هو فعل الحرية وممارستها في أصعب الأوقات، «الصهيل» ذلك المدى الممتد في أعتى وأضيق الأمكنة، في الزنازين وكل أشكال الأسر، وكيفية تحول حالات الاختناق إلى غناء طليق.
- في ديوانك «نهر بضفة واحدة» كيف استخدمت النهر كرمز؟ وما الرسائل التي أردت إيصالها من خلال هذا العنوان؟
«نهر بضفة واحدة» لا إجابة محددة أو شارحة عندي، على القارئ أن يتخيل الحالة مع الشاعر والقصيدة، فالشرح التعليمي يخرج القصيدة من ماهيتها وطبيعتها.
- كيف ترى العلاقة بين الشعر والسياسة في أعمالك؟ وهل تعتقد أن الشاعر يجب أن يكون له دور في القضايا السياسية والاجتماعية؟
هناك دائما علاقة ما بين الشعر والسياسة، لكنها علاقة غير بوقية، فالشعر الحقيقي لا يمكن أن يكون إلا صدى نفسه، دور الشعر والشاعر هو الكشف، وليس ترديد ما يُطلب منه، فالمعاني، كما قال المعلم، ملقاة على قارعة الطريق، لكن الشعر والفن يكمنان في كيفية القول، وليس في المعنى الذي يُقال.
- ما دور الموسيقى والإيقاع في قصائدك خاصة بعد انتقالك إلى قصيدة النثر؟.. وكيف تحافظ على الجمالية الصوتية في نصوصك؟
هجرت موسيقى القصيدة الخارجية، تركت الوزن وتخليت عنه، لأنه يعيق الشاعر في الكتابة، ولأن الأوزان هي تعبير عن زمنها، وهي -بمعنى ما- قيد على حرية الشاعر.لقد قيل الكثير عن هذا الموضوع، ولستُ أول من تخلى عن الوزن، ولن أكون الأخير الذي يفعل ذلك، ببساطة، لكل وقت إيقاعه وموسيقاه. ولكل قصيدة رمزيتها ووضوحها، فالشعر برق، أحيانا يضيء في النفس ثم ينسحب، لكنه يترك أثرا لا يمحى بسهولة.
- كيف ترى موقعك في مشهد الشعر العربي المعاصر، خاصة في ظل التحولات السياسية والاجتماعية الكبرى التي تمر بها المنطقة؟
لم أفكر في هذا الأمر ولا أبحث عنه، أنا فقط أكتب قصائد العيش، ولا أهتم بموقعي أو موقع غيري، بالمحصلة سيأتي هذا الوقت، للتذكير صدر لي من أيام كتاب «هذا الوقت ليس وقتي» فيه إجابة على هذا السؤال.