قد يظن البعض أنني أرّوج لمنتج ما، وقد يتخطى البعض الآخر هذا العنوان ظنًا منهم أنه لربات البيوت اللواتي يعتبرن العملاق الأخضر بطلًا لهن، لكنني أعتذر لكل من فهم العنوان بشكلٍ خاطئ. إنني أتحدث عن عملاق مختلف تمامًا. عملاق ما زال مستمرًا في النمو، و العملقة حتى يهزم كل من حوله لقوته. عملاق أسطوري الظهور؛ يفرض هيبته وسطوته على كل من يرافقه.
إنه النادي الأهلي السعودي، قلعة الكؤوس أو الملكي، والراقي- إن شئتم. فالمسميات كثيرة والروعة والفرادة ذاتها، ولأن كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، كانت قائمة أسمائه عديدة، وقد اُشتهر هذا النادي بمحبيه، الذين لا يتخلون عنه في حِلٍ أو سفرٍ، ولا يبغون عنه بدلًا؛ الذين يُعرفون أنفسهم على أنهم مجانين؛ لشدة الهيام به، ولا يكفون عن التغني بأهازيجه في فصول إنعاشه وانتعاشه فلا فرق، فقد سجل الأهلي ظهورًا تاريخيًا بعد عودته من الغياب، و افتتاحية أقل ما يقال عنها: إنها أسطورية لكيان غير قابل للزعزعة؛ ومهما تهاوى يأبى السقوط، ولأن كل فرد من محبيه كان حاضرًا حضورًا صاخبًا وملفتًا، سيكون حديثًا للعديد من الأوساط الرياضية لوقت ليس بقصير، لقد قاموا بصنع الفارق ببهجتهم وحماسهم، وشجعوه تشجيع فريق لم يهبط قط، ولعل سر نجاح المباراة هو مستوى الانسجام بين الجمهور واللاعبين، وطاقة الحب الفائض التي وصلت للجالسين خلف الشاشات، والمهتمين بالشأن الرياضي، وحرضتهم للكتابة عن هذا المشهد الخلاَّب؛ الذي لا يقل روعة عن ما يحدث في أوروبا، حيث الجماهير هي الأروع على الإطلاق. درس عظيم في الانتماء والحب تقدمه لنا الجماهير الأهلاوية؛ الجماهير التي ترافق النادي في جميع حالاته، أثناء توعكه وضعفه، لحين نهوضه وقوته وبريقه. من صمت الحداد على الغياب إلى صخب الاحتفاء بالعودة كانت- وستظل- الجماهير الأهلاوية مضربًا للمثل في الوفاء والحب، الذي تُكنه للكيان. هذا الكيان الجدير بالولاء ولو كان الأهلي رجلًا مُسنًا لاجتمعت الحشود لتقبيل رأسه إجلالًا، و مهابة.
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
عبد الله عمران.. شموخ الصرح الإعلامي رغم الغياب
تحلّ علينا اليوم الذكرى ال11 لرحيل د. عبد الله عمران تريم، الذي رحل عن عالمنا صبيحة يوم 30 يناير عام 2014 وخيّم الحزن على كل من عرفه من أبناء دولة الإمارات والوطن العربي، وتحديداً الوسط الإعلامي الذي ينتمي إليه قامة كبيرة لها جذورها، حيث كان الراحل صرحاً صحفياً راسخاً، وقامةً سياسيةً رفيعةً، ونموذجاً إنسانياً ومهنياً مبهراً في الالتزام سلوكاً، والإخلاص عطاءً، والأمانة أداءً، والصدق قولاً وفعلاً، والوطنية انتماءً وهُويةً.
رغم مرور أحد عشر عاماً على رحيله، فجأة من دون سابق مرض، أو علّة، أو شكوى، بما أصاب الجميع بحزن بالغ، وبصدمة كان يصعب استيعابها، لم يذهبه طول أيام غيابه من الذاكرة، لما كان عليه من تواضع جمّ، ولسان طيّب، وأصالة تعامل، ولم يبهت حضوره الذي كان مشعّاً بالحراك، وبالعمل الدؤوب دونما كلل أو ملل، وما يزال أثره باقياً في إرثه الذي يشهد على ما كان يتمتع به من حكمة رأي، وصواب رؤى، وسعة أفق، واستنارة بصيرة، وجميل صنائع.
حين الاحتفاء بذكرى الراحل الكبير، لا بدّ من تذكر دوره مع شقيقه تريم عمران تريم، رحمهما الله، في مراحل تأسيس الدولة وقيام الاتحاد، حيث كانا ضمن الوفد الرسمي لإمارة الشارقة في المفاوضات التي سبقت الاتحاد السباعي، وطالبا بتوحيد الإمارات، عقب خروج الاحتلال البريطاني.
ويذكر التاريخ للشقيقين الراحلين رحمهما الله، تأسيسهما جريدة «الخليج» عام 1970، بما في ذلك من مجابهتهما واجهتهما، بالإصرار، والإرادة، والإيمان بهدفهما، والسعي لتحقيقه، وتجاوز الصعاب على اختلافها.
وبالوقوف على السيرة الخالدة للراحل الدكتور عبد الله عمران، فهو مثال للإخلاص والأمانة والصدق قولاً وفعلاً، ولد عام 1948، وتلقّى تعليمه الابتدائي في مدارس الشارقة، ومن ثمّ الإعدادي والثانوي في مدارس الكويت، وبعد حصوله على الشهادة الثانوية توجه إلى القاهرة لدراسة التاريخ في كلية الآداب في جامعة القاهرة، وتخرج فيها عام 1966، وبعد ذلك حصل على الدكتوراه في تاريخ قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، والتاريخ الحديث، من جامعة إكستر البريطانية عام 1986.
بعد ذلك عمل الدكتور عبد الله عمران، مدرّساً في ثانوية العروبة لمدة عامين، ثم مديراً للمعارف في الشارقة، من (1968-1971)، ومن ثم عيّن أول وزير للعدل في الدولة بين عامي (1971-1972)، ثم وزيراً للتربية والتعليم (1972-1979)، وكان له دور مشهود في الاهتمام بتعليم النشء الجديد، وتعليم الكبار، ومحو الأمية، ومحاربة الدروس الخصوصية، وتعزيز الهُوية الوطنية، وتكريس تاريخ المؤسسين الأوائل وتراث الإمارات، وغير ذلك.
بعد ذلك كلفه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، بتأسيس جامعة الإمارات وكان أول رئيس أعلى لها، كما عمل مستشاراً للشيخ زايد، ومن ثمّ في عام 1990 عاد ثانية ليشغل حقيبة وزارة العدل حتى عام 1997، ويشهد له وقتذاك بتسهيل إجراءات التقاضي، وصياغة الكثير من التشريعات المهمة، التي أثرت البنية التشريعية للدولة.
وتتمثل القفزة الكبرى في مسيرة الراحل الكبير د. عبد الله عمران في إصداره مع شقيقه تريم عمران، رحمهما الله، جريدة «الخليج» عام 1970، وحينذاك واجها الكثير من التحديات، التي كان يمكن أن تعيقهما عن مجرد التفكير في إصدارها، إلا أنهما أصرّا، وكان وراء حلمهما بذلك، قصة تتمثل في أنهما عقب عودتهما من القاهرة عام 1968، وكانا ضمن الوفد الرسمي لإمارة الشارقة في المفاوضات التي سبقت قيام الاتحاد، فكّرا في العمل الصحفي، بإصدار أول جريدة سياسية لكشف المشهد الذي كان غامضاً على مواطني المنطقة.
وواجهت «الخليج»، كذلك، صعوبات متعددة بسبب الكلفة المادية الكبيرة، وإصرار تريم وعبد الله عمران، على تجنب تمويلهما من جهات تحيطها الشبهات، وجاء التوقف والدولة تشهد بداية محورية في تاريخها، وهي بداية الاتحاد، لتعود للصدور عقب عشر سنوات من ذلك.
اختير د. عبد الله عمران، رحمه الله، شخصية العام الإعلامية، لعطاءاته وخدمته للصحافة الإماراتية خاصة، والصحافة العربية عموماً، على مدى نحو أربعين عاماً. وتسلم جائزته خلال حفل ختام منتدى الإعلام العربي وجائزة الصحافة العربية في دورتهما التاسعة، من صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، راعي الحفل.