صناديق الثروة السيادية.. خزائن الدول من الفوائض المالية واستثمارات عابرة للجغرافيات
تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT
◄ استراتيجيات متعددة للصناديق للاستثمار في مختلف القطاعات
◄ إجراءات ناجعة لمديري الصناديق لضمان الحد من تقلبات الأسواق
◄ 200 صندوق سيادي حول العالم تستحوذ على تريليونات الدولارات
◄ 10.76 تريليون دولار قيمة أصول أكبر 20 صندوقًا سياديًا في العالم
◄ 4.4 تريليون دولار حجم صناديق الثروة السيادية الخليجية
الرؤية- سارة العبرية
استطاعت صناديق الثروة السيادية حول العالم في تغيير المشهد الاستثماري، بفضل ما تتبناه من استراتيجيات استثمارية وخطط لضخ رؤوس الأموال في عدد من المشروعات ومجالات الاستثمار، حسب عوامل عدة، تُحددها معدلات العائد على الاستثمار والقدرة على ضمان سلامة المشاريع واستدامتها.
ومع استضافة سلطنة عُمان ممثلة في جهاز الاستثمار العُماني، للاجتماع السنوي لصناديق الثروة السيادية، غدًا الإثنين، تحت رعاية صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب، تبدأ مرحلة جديدة من جهود لفت أنظار العالم إلى الاقتصاد العُماني، والمقومات التي يزخر بها وتسهم في جذب الاستثمارات.
الاجتماع الذي ينعقد لأول مرة في مسقط، يعدُّ أكبر اجتماع في تاريخ المنتدى العالمي لصناديق الثروة السيادية منذ تأسيسه في عام 2009، وسيضم رؤساء وأعضاء أكثر من 50 صندوقًا سياديًا تُدير أصولًا بنحو 8 تريليونات دولار من 46 دولة حول العالم. وقد فاز الجهاز بالاستضافة بأغلبية أصوات أعضاء المنتدى وبنسبة بلغت 63.64% في مرحلة تنافسية جرت في نوفمبر من عام 2022، بعد الارتكاز على مجموعة من الممكنات؛ من أهمها: الموقع الاستراتيجي لسلطنة عُمان الذي يبعُد أقل من 7 ساعات عن نصف سكان العالم، وتمركُزها في منطقة محورية ذات تاريخ وحاضر في صناديق الثروة السيادية، إلى جانب المقومات الطبيعية والتاريخية التي تؤهلها لتقديم تجربة سياحية فريدة، وكذلك وجود البنية الأساسية والمرافق المطلوبة ذات المعايير العالمية فيها.
النشأة والتاريخ
وتشير بعض المصادر إلى أن أول صندوق يمكن وصفه بأنه صندوق ثروة سيادي، كان "صندوق التقاعد الحكومي" الكويتي الذي تأسس في عام 1953؛ حيث بدأ عمله بهدف استثمار عائدات النفط لتوفير احتياطي مالي للأجيال القادمة.
وشهدت صناديق الثروة السيادية انتشارًا متزايدًا خلال العقود الأخيرة، خاصة مع تنامي الثروات النفطية واستثمارها في اقتصادات الدول ذات الإيرادات العالية من الطاقة، وبحلول التسعينيات تبنت العديد من الدول هذا النموذج، مع تخصيص أصول في مختلف أنواع الاستثمارات مثل الأسهم، والسندات، والعقارات، والأصول البديلة.
وبمرور الوقت، تنوعت استراتيجيات صناديق الثروة السيادية، وأصبحت هذه الصناديق تستثمر في القطاعات غير النفطية للحماية من تقلبات الأسواق، وعلى سبيل المثال صندوق الثروة السيادي النرويجي، اُستثمر في العقارات العالمية وشركات التكنولوجيا، مما جعله نموذجًا يُحتذى به في إدارة صناديق الثروة.
المنتدى العالمي لصناديق الثروة السيادية
وتأسس المنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية (IFSWF) في عام 2009 بهدف تعزيز التفاهم والتعاون بين صناديق الثروة السيادية حول العالم، ويُعتبر هذا المنتدى بمثابة شبكة تجمع بين هذه الصناديق، ويتيح منصة لتبادل الخبرات وأفضل الممارسات في مجالات الحوكمة وإدارة المخاطر والاستثمار طويل الأجل.
ومنذ إنشائه، يُعد المنتدى إطارًا مشتركًا لتطبيق مبادئ سانتياغو التي تضمن الشفافية والمسؤولية في إدارة الصناديق السيادية، خصوصًا تلك التي تعمل على تحقيق أهداف تنموية واستقرار اقتصادي مستدام.
يوجد حاليًا حوالي 200 صندوق ثروة سيادي في العالم، تُدار من قبل مؤسسات استثمارية حكومية تمثل ما يقرب من 50 دولة، وتغطي هذه الصناديق العديد من الأصول، مثل الاحتياطيات النفطية والمعادن، إلى جانب صناديق تستثمر في القطاعات غير الأساسية مثل الابتكار والاقتصاد الرقمي.
وبحسب موقع "ستاتيستا" للإحصاءات، أجرت "الرؤية" حسابًا لإجمالي قيمة أصول 20 صندوقًا حول العالم، بقيمة تتجاوز 10.76 تريليون دولار.
وتؤكد تصريحات رسمية أن حجم أصول صناديق الثروة السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي تبلغ نحو 4.4 تريليون دولار؛ بما يعادل 34 في المائة من إجمالي أصول أكبر 100 صندوق ثروة سيادي في العالم.
وتعد منطقة الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا من أكبر المناطق التي تملك هذه الصناديق، وتضم أبرز الأمثلة على صناديق الثروة السيادية القوية في العالم "صندوق الاستثمار العام" السعودي (PIF) و"شركة مبادلة" الإماراتية، التي تسعى لتحقيق معايير عالية من الشفافية والاستدامة ضمن استثماراتها، حسبما ما نشر Global SWF حول قائمة الصناديق ونطاق استثماراتها.
جهاز الاستثمار العُماني
ويعمل جهاز الاستثمار العُماني- الذي يمثل صندوق الثروة السيادي في سلطنة عُمان- منذ انضمامه عضوًا مراقبًا في المنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية، ثم حصوله على العضوية الكاملة في عام 2015، على تجسيد الدبلوماسية الاقتصادية العُمانية، وتعزيز دوره بين جميع الصناديق الاستثمارية العالمية، والالتزام بمبادئ سنتياغو المنبثقة عن المنتدى والتي تختص بتعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة الأصول، إلى جانب اهتمام الجهاز بالمشاركة في الاجتماعات الدورية للمنتدى الهادفة إلى تعزيز التعاون الدولي، وتبادل المعرفة والخبرة، وتسهيل وتبادل النقاشات حول التحديات والفرص التي تواجه الصناديق، وتبادل أفضل الممارسات في مجالات الاستثمار والإدارة.
وسيشارك في المؤتمر المصاحب للاجتماع نخبةٌ من أبرز المتحدثين على المستويين العالمي والإقليمي ومنهم إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركتي "سبيس إكس" و"تسلا" والذي سيشارك بصورة افتراضية "عن بُعد"، ومعالي المهندس سالم العوفي وزير الطاقة والمعادن، ومعالي عبدالسلام المرشدي رئيس جهاز الاستثمار العُماني، إلى جانب روبرت سميث أثرى أمريكي من أصول أفريقية، وأنطونيو كراسيس الرئيس التنفيذي لشركة "فالور"، إلى جانب يان يُو المستشارة القانونية لدى صندوق النقد الدولي.
وفي تصريحات سابقة، قال الشيخ ناصر بن سليمان الحارثي نائب رئيس جهاز الاستثمار العُماني للعمليات إن "الاستضافة تُجسِّد سعي سلطنة عُمان إلى فتح آفاق جديدة من التكامل الاقتصادي مع صناديق الثروة السيادية العالمية، وتعزيز الاستثمارات معها، خصوصًا وأن الاجتماع سيحضره مسؤولو أكبر الصناديق السيادية على مستوى العالم الذين يديرون أصولًا يتجاوز إجمالي قيمتها 8 تريليونات دولار أمريكي، وهو ما يُمثّل فرصةً لتعريفهم بالمقومات الاستثمارية التي تحظى بها السلطنة، وإيجاد شراكات معهم للاستثمار في القطاعات المستهدفة، وفتح آفاقٍ لبناء علاقات استثمارية طويلة المدى ستُسهم إيجابًا في جهود التنويع الاقتصادي وتنمية الاقتصاد الوطني".
وفي تصريخ خاص لـ"الرؤية"، قال بدر الهنائي رئيس مديرية التواصل والإعلام في جهاز الاستثمار العُماني: "إن المنتدى تستضيفه الدول الأعضاء، والسلطنة عضو فيه ممثلة بجهاز الاستثمار العُماني، وقد فازت بأغلبية الأصوات في المنتدى الذي أقيم قبل سنتين، ومنذ ذلك الحين سعينا إلى العمل على كل تفاصيل هذه الاستضافة". وأضاف الهنائي أن سلطنة عُمان تحظى بمكانة مرموقة عالميًا، وأن الجهاز يعمل على تكوين "انطباع إيجابي" يدعم جذب صناديق الثروة السيادية للاستثمار في السلطنة.
آليات الاستثمار
وبحسب تقارير منصة Global SWF وبيانات SWFI، فإن استراتيجيات التوزيع الرئيسية تشمل، الأسهم والسندات التي تستثمر فيها الصناديق السيادية لتحقيق عوائد ثابتة وطويلة الأجل. فمثلًا، صندوق الثروة السيادي النرويجي يركز بشكل كبير على الاستثمار في أسواق الأسهم العالمية ويشكل هذا النوع من الاستثمار جزءًا كبيرًا من محفظته الاستثمارية.
وتستثمر العديد من الصناديق في قطاع العقارات خصوصًا في المدن الكبرى، بهدف تحقيق عوائد ثابتة وتنويع الاستثمارات، وتعتبر العقارات جذابة للصناديق؛ لأنها توفر أصولًا مادية مستقرة وقابلة للنمو.
أما الأصول البديلة، فتشمل هذه الفئة الأصول غير التقليدية مثل البنية التحتية، والاستثمارات المباشرة في الشركات، والمشاريع التكنولوجية.
وتُوجِّه بعض الصناديق جزءًا من استثماراتها نحو الأسواق الناشئة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، بهدف الاستفادة من النمو الاقتصادي السريع في هذه المناطق. وفي السنوات الأخيرة، أصبح هناك تركيز متزايد على الاستثمار في القطاعات المستدامة مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الخضراء، وهو جزء من التوجه نحو الاستثمار المسؤول اجتماعيًا وبيئيًا.
وتُظهر بيانات Global SWF أن الاستثمارات تتوزع بين القطاعات والأسواق بما يحقق أهداف النمو والحفاظ على رأس المال على المدى الطويل، مما يضمن استقرارًا ماليًا لدولهم.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
من هو الجدير بالمنصب؟!
د. محمد بن عوض المشيخي **
"الحرس القديم" مصطلح كثُر استخدامه في السنوات الأخيرة في الوطن العربي من جيل الشباب، ويُشير هذا المفهوم إلى كبار المسؤولين في أي دولة والذين يحتفظون بمناصبهم لعقود طويلة، على الرغم من إخفاقاتهم الكثيرة، ولكن هناك إصرار يتمثل في حبهم الشديد وتمسكهم بالكرسي أو المنصب إلى ما لا نهاية.
هؤلاء المسؤولون يعتقدون؛ بل يجزمون بأحقيتهم بأن يُخلَّدوا في أماكنهم، فلا يُوجد شخص في هذا الكون يستطيع أن يقوم بالواجبات اليومية لتلك الشخوص "الطرزانية" من وجهة نظر الجهات العُليا التي سمحت لهم وعينتهم؛ باعتبارهم أفرادًا جاءوا من عالم آخر، وبأنَّ الوظيفة هنا تشريف وليست تكليفًا. والأهم من ذلك كله، أن هناك شعورٌ بأنَّ حياتهم لا يُمكن أن تستمر بتركهم المنصب؛ بل هم مثل السمك الذي يموت بخروجه من محيط الوظيفة الحكومية. من هنا تأتي المعضلة الكبيرة في معارضتهم للإصلاحات الجديدة التي يفرضها واقع المُتغيرات الجديدة وبالدرجة الأولى مصلحة الوطن والمواطن، وذلك انطلاقًا من القاعدة الصحيحة التي تقول "لكل زمن دولة ورجال"، ذلك لكون أن الإنسان له سنوات معينة في الإنتاج والعطاء؛ بل وحتى في الإبداع يمكن أن يمتد لعقد من الزمن كحد أقصى.
صحيحٌ أن مفهوم "الحرس القديم" يعود لقرون مضت وتحديدًا عصر الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت الذي كانت له مقاييس ومواصفات في حرسه القديم من القادة والشخصيات السياسية في بلاطه الإمبراطوري، إلّا أن الوجود الحقيقي لهم في معظم بلداننا العربية ودول العالم الثالث مزروع من دول أجنبية بهدف المحافظة على مصالح الدول الاستعمارية، التي خرجت من الأبواب بسبب الثورات الوطنية، ثم عادت من النوافذ الخلفية من خلال هؤلاء. كلٌّ من في منظومة الحرس القديم يحارب الأفكار الجديدة وينغلق على نفسه؛ فالخطر الأكبر الذي لا يُمكن تحمله وقبوله هو الدماء الجديدة من الجيل الصاعد الذين يفترض بهم أن يحملوا الراية نحو الغد المشرق وهذه سنة الحياة، انطلاقًا من المبدأ المُتعارَف عليه في الدول التي تُحارب الفساد وتُحقق العدالة الاجتماعية بتخصيص سنوات معينة للمسؤول الحكومي لا تتجاوز الخمس سنوات، ثم يخضع للتقييم الذي يحدد مدى استمراريته في المنصب من عدمه.
في كل مرحلة يحتاج الوطن إلى أصحاب الابتكارات والمشاريع الإصلاحية، فهناك تجارب عالمية ناجحة كان لها الدور الأكبر في انتشال تلك المجتمعات الفقيرة من شظف العيش والانطلاق بأوطانها نحو حجز مكان بارز في مصاف الدول المتقدمة، على الرغم من قلة الموارد الطبيعية واستبدال ذلك بما يعرف بـ"الاقتصاد المعرفي"، الذي يعتمد بالدرجة الأولى على عقول الأبناء الذين يحولون إبداعاتهم العلمية والبحثية إلى مشاريع إنتاجية واعدة تصدر إلى مختلف دول العالم.
هنا أتذكر تجارب آسيوية وأفريقية من دول مثل ماليزيا التي نجح فيها مهاتير محمد في عقد الثمانينيات لتُصبح ماليزيا دُرة التاج لدول شرق آسيا من حيث التنمية الاجتماعية والاقتصادية، بينما يقود مُؤسس سنغافورة (لي كوان يو) تلك الجزيرة التي تفتقر إلى النفط والغاز والمعادن لتصبح واحدة من أفضل اقتصاديات العالم قاطبة، معتمدًا في بداية عمله على تطوير التعليم ومحاربة الفساد من الأعلى، أو ما أصبح يعرف بـ"تكنيس الدرج من الأعلى" أي التخلص من فساد الحرس القديم ومحاسبتهم وطردهم من مفاصل الدولة.
أما التجربة الثالثة، فأتت من قلب القارة السمراء التي ينخر فيها الفساد؛ إذ كانت جمهورية رواندا لا تملك ثروات طبيعية، ولا منفذًا على البحر، لكن تهيأ لها قائدٌ أمين عمل جاهدًا على اجتثاث الفساد والمُفسدين، ويُدعَى (بول كاغامه) الذي تولى الرئاسة في مطلع هذه الألفية، فقد أصدر قانونًا إجباريًّا يتم تطبيقه ميدانيًّا على خمسة آلاف مسؤول رواندي وعائلاتهم؛ بما فيهم رئيس الجمهورية نفسه؛ وذلك بهدف الكشف عن حساباتهم البنكية وأملاكهم في الداخل والخارج، وتطبيق مبدأ "من أين لك هذا؟". وبالفعل ذهب إلى حبل المشنقة بعض المسؤولين الذين نهبوا المال العام.
ومن المُفارقات العجيبة أن رواندا خرجت من أسوأ حرب أهلية في التاريخ؛ قُتِل فيها مليون مواطن رواندي في تسعينيات القرن الماضي، لكنها نهضت من مُستنقع الإبادة الجماعية لتتحول إلى أفضل سوق مفتوح في أفريقيا، وبنموٍّ سنوي تجاوز أفضل الاقتصاديات في العالم.
وفي الختام.. من المؤسف حقًا أنَّ دولنا العربية التي تملك الثروات المعدنية والنفط والغاز والزراعة والثروات السمكية الطائلة لم تنجح في انتشال مواطنيها من الفقر والجهل والأُمِّية، إذ نجد الكثير من الدول العربية دولًا فاشلة بسبب نهب الأموال وتحويلها للخارج في البنوك الغربية، وقد لا ترجع يومًا ما للذين أودعوها، فقد أعلن الرئيس الأمريكي عن نيته مصادرة المليارات التي أودعها رموز الفساد في العراق إبان الاحتلال الأمريكي وسقوط بغداد في العقد الأول من الألفية الثالثة.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري
رابط مختصر