طبول الحرب حول تايوان فهل تستعد الصين فعلا للحرب؟
تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT
في وقت سابق من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، تعمدت الصحف الرسمية الصينية إبراز تصريحات للرئيس شي جين بينغ، دعا فيها بلاده إلى الاستعداد للحرب، قائلا إن على الجيش الصيني "تعزيز قدراته الإستراتيجية على الردع والقتال"، وأن "يحمي بقوة الأمن الإستراتيجي للبلاد ومصالحها الأساسية".
تزامنت هذه التصريحات مع قيام بكين بنشر مقاتلات ومسيّرات وسفن حربية وقوارب لخفر السواحل في سياق تدريبات واسعة ومناورة تحاكي تطويق جزيرة تايوان.
أطلقت الصين على المناورة اسم "السيف المشترك 2024-B"، وهي رابع تدريبات واسعة النطاق تجريها بكين في محيط تايوان خلال فترة تزيد قليلا على عامين. من جانبها قالت وزارة الدفاع التايوانية في بيان إنها نشرت "القوات المناسبة في الوقت المناسب للرد على حشود بكين العسكرية"، ولم يفت الولايات المتحدة الأميركية أن تدين المناورة الصينية، حيث قال المتحدث باسم وزارة خارجيتها، ماثيو ميلر، إن "واشنطن تشعر بقلق بالغ إزاء المناورات العسكرية المشتركة لجيش التحرير الشعبي (الصيني) حول جزيرة ومضيق تايوان".
بالتأكيد ليست هذه المرة الأولى التي تتصاعد فيها حدة الخطاب حول قضية تايوان، بيد أن ثمة سياقات خاصة تكتنف التصعيد الصيني هذه المرة، يجب أن تؤخذ في الاعتبار حال تقييم مدى جدية نُذُر الحرب في تايوان.
منها أولا ما يتعلق بالانتخابات الأميركية التي ستحمل رئيسا جديدا للبيت الأبيض خلال أسابيع قليلة، والسياسات المنتظرة لكلا الرئيسين المحتملين، دونالد ترامب وكامالا هاريس، بشأن الصين وتايوان على وجه الخصوص، وثانيها ما يتعلق بتايوان نفسها، التي بدأ رئيسها الجديد، لاي تشينغ تي، فترته الرئاسية الأولى في 20 مايو/أيار الماضي، وتتهمه الصين بأن لديه "نيات انفصالية".
وأخيرا ما يتعلق باستعداد الصين المتزايد للدخول في مواجهة عسكرية بعد عقود تبنت خلالها سياسة الصعود السلمي وتجنب الاشتباك العسكري. ولكن قبل أن نذهب لتحليل هذه السياقات نتساءل أولا: لماذا تحوز جزيرة تايوان كل هذه الأهمية؟
عقدة تايوان: كيف تشكلت؟قبل أكثر من سبعة عقود، رفضت الولايات المتحدة الاعتراف بالنظام الذي أسسه الزعيم الصيني، ماو تسي تونغ، أول رئيس لجمهورية الصين الشعبية بعد الثورة الشيوعية في 1949، وبدلًا من ذلك اعترفت بنظام شيانغ كاي شي، ممثلا شرعيا للشعب الصيني، وهو زعيم الحزب القومي (كومنتانغ) الذي اندلعت ضده الثورة وفرّ هاربا نحو جزيرة تايوان، التي كانت جزءا من جمهورية الصين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
استمر رفض الولايات المتحدة الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية نحو ثلاثين عامًا، تمسكت خلالها بمنح مقعد الصين بالأمم المتحدة ومجلس الأمن للحكومة المتمركزة في تايوان.
وفي عام 1978 اعترفت الولايات المتحدة بحكومة بكين، وتعهدت بتبني "سياسة الصين الواحدة" (One China Policy)، التي تعني الاعتراف بوحدة الأراضي الصينية في البر الرئيسي (عاصمته بكين) وتايوان (عاصمتها تايبيه) ولكن مع بقاء الوضع الحالي قائما في إطار ما يعرف "بأرض واحدة ونظامين".
إلا أن الكونغرس أقر في 1979 قانون العلاقات مع تايوان، الذي منح الجزيرة مرتبة شبيهة بالدول المستقلة، وسمح بمواصلة بيع الأسلحة الأميركية لتايوان للدفاع عن نفسها ضد الصين في المقام الأول، وبديلا عن السفارة الأميركية في تايبيه، تأسس المعهد الأميركي بتايوان (AIT) لمواصلة خدمة المصالح الأميركية في الجزيرة.
وخلال العقود الأربعة الماضية، حافظت الولايات المتحدة على علاقات متطورة مع تايوان، حتى أصبحت من أهم ركائزها الأمنية والاقتصادية في منطقة الإندو-باسيفيك. فمن الناحية الجيوستراتيجية، تعتبر واشنطن تايبيه جزءا من السلسلة الأولى في "إستراتيجية الجزر" التي تطوق بها النفوذ الصيني، وتبدأ من اليابان حتى الفلبين، وتعتقد الولايات المتحدة أن وجودها الأمني والعسكري في هذه المنطقة سيحرم الصين من أن تصبح قوة مهيمنة في محيطها الإقليمي، ومن ثم لن تستطيع تحدي هيمنة الولايات المتحدة عالميا.
ومن الناحية الاقتصادية، دائما ما كانت تايوان واحدة من أول 10 شركاء تجاريين للولايات المتحدة، والأهم أنها تعتمد على تايوان في توريد أشباه الموصلات المتقدمة، حيث تعد الجزيرة المنتج العالمي الأول لهذه الرقائق، التي تدخل في إنتاج كافة الأجهزة تقريبا من الهواتف المحمولة إلى الصناعات العسكرية وتكنولوجيا الفضاء.
تفترض الولايات المتحدة أن الوضع القائم في تايوان هو أفضل السيناريوهات بالنسبة لمصالحها، وهو ما يعطيها الفرصة للاستفادة من علاقاتها بالصين وتجنب تصعيد التوترات معها، وفي نفس الوقت الحفاظ على مصالحها في تايوان أمنيا وإستراتيجيا. لذلك انتهجت واشنطن سياسة براغماتية يميزها "الغموض الإستراتيجي" في موقفها من أي تحركات لاستقلال تايوان، فلا تستطيع الصين ولا تايوان، بناء تقدير مؤكد عن موقف الولايات المتحدة في حال سعت أي منهما لحسم وضع الجزيرة، وهو ما أطلق عليه سياسة "الردع المزدوج".
نتيجة ذلك، تحجم بكين عن غزو تايبيه لأنه من المحتمل أن واشنطن ستتدخل بأقصى قوة ممكنة، وعلى العكس إذا كانت تايبيه تفكر في إعلان الاستقلال الرسمي، فمن المحتمل أن تحسب أن رد واشنطن سيكون ضعيفًا، وبالتالي تمتنع عن اتخاذ هذه الخطوة.
لكنّ الصين لم تستسلم لفكرة استقلال تايوان، فرغم إعطائها الأولوية خلال العقود الماضية للصعود الاقتصادي، فإنها لا تزال تعتقد أن استعادة السيطرة على تايوان تمثل ضرورة حيوية بالنسبة لها، لكسر الطوق الأميركي، وإثبات حضورها الإقليمي، وخطوة أولى في طريق توكيد قوتها الجيوسياسية جنبا إلى جنب مع مكانتها الاقتصادية الصاعدة. ولا يخفي المسؤولون الصينيون نياتهم بشأن تايوان باعتبارها جزءا من الأراضي الصينية مصيره أن يتّحد معها سلما أو قسرا، لدرجة أن القانون يلزم القادة الصينيين باستعادة تايوان، لكنه يترك لهم اختيار الزمن والطريقة المناسبة لفعل ذلك.
هذا المسار المعقد؛ جعل من تايوان، الجزيرة التي لا تزيد مساحتها على 36 ألف كيلومتر مربع، إحدى أهم عقد الصراع في العالم؛ فسيطرة بكين عليها قد تعني -حسب بعض التقديرات- تدشين البداية الفعلية لانهيار الهيمنة الأميركية المطلقة وبداية صعود الصين كقطب شريك في قيادة العالم.
وبالعكس؛ فإن استمرار إحجام الصين عن استعادة تايوان هو الرمزية الأكثر وضوحا لقدرة الولايات المتحدة على تحجيم طموحات بكين، ومن باب أولى تحجيم أي طرف آخر قد يفكر في تحدي الهيمنة الأميركية.
ليس دونالد ترامب ولا كامالا هاريس بشخصين جديدين على ممارسة السياسة في الولايات المتحدة الأميركية، فثمة سجل سياسي طويل لكل منهما يمكن بواسطته تحليل توجهاته المتوقعة بشأن إدارة العلاقات الأميركية الصينية.
ترامب رجل الأعمال و"صانع الصفقات" كما يصفه المؤيدون له، دائما ما تغلب عليه عقليته التجارية في تقييم كافة القرارات السياسية، بما فيها التحالفات الأمنية والعسكرية الطويلة المدى للولايات المتحدة، التي تعتبر من وجهة نظر آخرين إرثا إستراتيجيا لبلاده لا يُحسب بالأموال.
في ضوء ذلك، من المتوقع أن يصبغ رؤية ترامب للصين وقضية تايوان عاملان أساسيان، أولهما نظرة ترامب إلى الصين باعتبارها منافسا شديد الخطورة للولايات المتحدة، وتؤكد هذه النظرة أوراق الإستراتيجية الوطنية للأمن القومي لعام 2017 والإستراتيجية الدفاعية الوطنية لعام 2018، اللتين جرت صياغتهما في ولاية ترامب الأولى، وبُنيتا على استنتاجات مفادها أن سياسة واشنطن السابقة اتجاه الصين قد فشلت، وصوّرتا الصين بمصطلحات عدائية صريحة.
وثانيهما، اعتقاد ترامب أن الصين بسبب عدم شفافيتها في التعامل مع جائحة كورونا ألقت بكارثة اقتصادية في عمق الولايات المتحدة تسببت في هزيمته شخصيا وإخراجه من البيت الأبيض. ففي الشهور الأخيرة من 2020، آخر أعوام فترته الرئاسية، كان ترامب أكثر عدائية اتجاه الصين مقارنة بالأعوام السابقة، وفي مايو/أيار من العام نفسه، على سبيل المثال، قال عن الرئيس الصيني "لا أريد التحدث معه"، موجهًا اللوم إلى بكين على عدم وقف انتشار الجائحة خارج حدودها، ولوّح بأن الولايات المتحدة يمكن أن "تقطع العلاقة مع الصين بالكامل".
ويرجح تقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية، في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2024، بشأن تحليل توجهات الرئيسين المتحملين للولايات المتحدة، أن ترامب سيتوسع في إجراءات الحرب التجارية ضد الصين بغية إجبارها على تنازلات حيوية، فترامب أصبح مقتنعا إلى حد بعيد بعد تداعيات أزمة كورونا وارتدادات أزمة سلاسل التوريد بأن تقليل الاعتمادية التجارية المتبادلة بين بلاده والصين ضرورة إستراتيجية، وربما يذهب ترامب، بحسب التقرير، إلى ما أصبح يعرف بسياسة "فك الارتباط".
وتشمل مثلًا إلغاء الوضع التجاري للصين المسمى بالعلاقات التجارية الدائمة الطبيعية (PNTR) المطبق منذ 24 عاما بين البلدين، وهو ما يعني التسارع في فرض الرسوم الجمركية على الواردات الصينية.
وقد أكد ترامب، بالفعل، أنه سيفرض رسمًا جمركيًّا بنسبة لا تقل عن 60 في المئة على الصادرات الصينية إذا عاد إلى البيت الأبيض (وللمقارنة فقد وصل متوسط معدل الرسوم الجمركية الأميركية على صادرات الصين في فترة إدارة ترامب الأولى ذروته عند نسبة 21%). لذا توقعت "بلومبرغ إيكونوميكس" أنه في حال تنفيذ هذه السياسات ستتوقف الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة نهائيا.
لا تختلف نظرة ترامب إلى تايوان كثيرا عن نظرته إلى الصين، فهي ملف تجاري أولا وأخيرا. في يوليو/تموز عام 2023، على سبيل المثال، صرح ترامب بشأن صناعة الرقائق وأشباه الموصلات في تايوان قائلا: "تايوان استولت على أعمالنا، كان ينبغي لنا أن نوقفهم، كان ينبغي لنا أن نفرض عليهم ضرائب، كان ينبغي لنا أن نرفع عليهم الرسوم". وفي مقابلة صحفية في يوليو/تموز من عام 2024، قال: "أعتقد أنه يجب على تايوان أن تدفع لنا من أجل الدفاع عنها، تايوان لا تعطينا شيئًا".
والحقيقة أن سجل ترامب الحافل بالتناقضات يجعل من الصعب التنبؤ بمسار واضح لسلوكه السياسي مع الصين، إلا أن هذا المزيج سيكون حده الأدنى تصعيد الضغط التجاري على الصين بصورة بالغة. وبالتأكيد سيكون هدف ترامب من هذا الضغط هو الوصول إلى تنازلات من طرف الصين، لكن ليس من المتوقع أيضا أن يكون رد الصين صامتا، مع الأخذ في الاعتبار أن بكين زادت مؤخرا، بمعدلات غير مسبوقة، من شراء المعادن والسلع الإستراتيجية، وخاصة الذهب، وهو ما يفسره خبراء بأنه إجراءات تحوط اتجاه احتمالات "الحرب التجارية" ضدها أو التعرض لعقوبات أميركية وغربية نتيجة خطط عسكرية موجودة لديها.
وعلى قدر ما سيمارسه ترامب من ضغوط على بكين ليصل إلى عقد صفقة تعوض للولايات المتحدة الضرر الذي يعتقد أن الصين سببته لها؛ فإن أحد السيناريوهات المحتملة هو أن هذه الضغوط سوف تدفع الصين إلى التفكير في خطوات تصعيدية من جانبها ربما تشمل تايوان، خاصة إذا قدرت بكين أن ترامب سيحسب موقفه من تايبيه ماليا في المقام الأول وليس إستراتيجيا، بما قد يمنعه من التورط في حرب دفاعًا عنها.
أمّا كامالا هاريس، ناشطة الحقوق المدنية والمدعية العامة السابقة المهتمة بالقانون، فمن المرجح أن تختلف معاييرها لتقييم العلاقات الأميركية الصينية عن المعايير التجارية لترامب، فأثناء فترة عضويتها في مجلس الشيوخ، اهتمت هاريس بممارسة الضغوط الحقوقية على الصين، فشاركت بفاعلية في صياغة قانون حقوق الإنسان والديمقراطية في هونغ كونغ 2019 وقانون سياسة حقوق الإنسان في مناطق الإيغور 2020، كما شاركت هاريس بوصفها نائبة للرئيس جو بايدن في بناء إستراتيجيته اتجاه الصين، التي تتبنى ثلاثة ارتكازات رئيسة، أولها تقوية البنية الداخلية الأميركية اقتصاديا وسياسيا، وثانيها تعزير التحالفات مع شركاء الولايات المتحدة في آسيا باعتبارها أداة رئيسية لاحتواء الصعود الصيني، وآخرها إدارة التنافس مع الصين بطريقة تجعله آمنا.
لذا يرجح تقرير مجموعة الأزمات الدولية -المشار إليه سابقا- أن تستمر كامالا هاريس في نفس الخط الإستراتيجي لإدارة بايدن الذي يشارك ترامب تقييم بكين باعتبارها المنافس الرئيس لواشنطن، إلا أنها ستكون أكثر عقلانية من ترامب، وأكثر انفتاحا لتفهم حدود القيادة الأميركية للعالم وتقبل وجود منافسين. كما ستكون أكثر تمسكا من ترامب بالشراكات والتحالفات التي أسستها الولايات المتحدة في المحيط الإقليمي للصين.
وبشأن تايوان فمن المرجح أن يكون مسار هاريس الرئيس لردع بكين، هو زيادة الالتزام بأمن أوكرانيا بما قد يردع الصين عن محاولة تكرار تجربة روسيا، ومع ذلك فإن رؤية هاريس وفريقها وخاصة مستشارها للأمن القومي فيليب غوردون، الذي يعتقد العديد من المراقبين أنه سيستمر في هذا الدور إذا تم انتخابها، ونائبة مستشار الأمن القومي ريبيكا ليسنر، اللذين يبديان، علنا، تفهما لتراجع القوة الأميركية الأحادية وعدم قدرتها على صياغة وتشكيل العالم منفردة، قد تعطي حافزا للصين للاستثمار في علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، لكنها بالقدر نفسه قد تمثل دافعا للمغامرة في تايوان، إذا قرئ الموقف الأميركي باعتباره إحجاما عن المواجهة.
في خضم الأزمة: رئيس جديد لتايوان يزيد الاشتعال"أراضي تايوان وأراضي جمهورية الصين الشعبية لا يتبع بعضهما لبعض".
بهذا القدر من الوضوح والحسم تحدث الرئيس التايواني الجديد، لاي تشينغ تي، أثناء خطاب تنصيبه في 20 مايو/أيار الماضي. لم يعتد الرؤساء في تايوان هذا النوع من الخطاب، ولا استفزاز الصين إلى هذه الدرجة، لكن لاي كانت له آراء حادة اتجاه الصين منذ سنوات قبل أن يصبح رئيسا، وأثناء حملته الانتخابية صرح قائلا: "موقف تايوان الأساسي هو أن سيادة تايوان واستقلالها ملك لشعبها، وليس لجمهورية الصين الشعبية". ولذا جاء خطابه الأول مفعما بـ"الرمزيات الانفصالية"، واتهمته الصين بأن لديه خططا لانفصال تايوان قبل أن تنتهي فترته الرئاسية الحالية.
لم تكد تمر ثلاثة أيام على الخطاب المذكور حتـى حركت الصين عشرات المقاتلات الحربية وعشرات السفن والقاذفات الإستراتيجية لتفرض طوقا حول تايوان، في مناورات أطلقت عليها اسم "السيف المشترك 2024" على مدى يومَي 23 و24 مايو/أيار، ورغم أن المناورات الصينية حول تايوان تكررت أكثر من مرة منذ 2022 فإنها هذه المرة كانت مختلفة، حيث أجرى الجيش الصيني محاكاة باستخدام قوات جوية وبرية وبحرية لعملية اقتحام العاصمة التايوانية، تايبيه، والسيطرة على مقرات الحكم فيها، وكذلك التعامل مع أي قوات أجنبية تقترب من الجزيرة.
وليس ثمة طريق لترجيح ما إذا كان لاي سيغامر بالإقدام على إعلان الانفصال بالفعل أم لا، لكن في سيناريو لا يمكن استبعاده قد يراهن الرئيس التايواني على أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن مصالحها الحيوية في تايوان، ولن تترك الصين تفتتح طريق هيمنتها في جنوب شرق آسيا وبحر الصين، كما لن تتركها تهيمن على مصانع أشباه الموصلات؛ مما قد يغريه في لحظة جرأة بأن يستبق الصين والولايات المتحدة كلتيهما ويقفز بالجميع إلى الأمام.
هل تستعد الصين فعلا للحرب؟"ستتحطم رؤوس قوى استقلال تايوان، وستسيل دماؤهم، عندما يصطدمون بمهمة الصين العظيمة لتحقيق التوحيد الكامل".
هكذا صرح الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الصينية في مايو/أيار الماضي لتنطلق شرارة الخطاب الصيني البالغ الحزم في تهديد تايوان وقرع طبول الحرب، حيث صرح وزير الخارجية في نفس الشهر قائلا: "أمثال لاي تشينغ خانوا أمتهم وأجدادهم. كل الانفصاليين، الذين يطالبون باستقلال تايوان، سيرون أسماءهم مكتوبة على جدران العار"، وصولا إلى تصريحات الرئيس الصيني منذ أيام مطالبا الجيش بالاستعداد للحرب، فكيف يمكن قراءة هذه التصريحات وهل تعبر فعلا عن حقيقة توجه الصين؟
في مقابلة صحفية مع شبكة "سي بي إس" الأميركية، بثت في فبراير/شباط 2023، قال ويليم بيرنز، مدير المخابرات المركزية الأميركية: "نحن نعلم أن الرئيس شي وجّه قيادة الجيش الصيني لأن تكون مستعدة بحلول 2027 لغزو تايوان، لكن هذا لا يعني أنه قرر الغزو في 2027 أو عام آخر محدد". حسب تقدير بيرنز، فإن الرئيس الصيني، بسبب فشل روسيا في إنجاز أهداف الحرب في أوكرانيا وتعرضها لعقوبات قاسية، لا يزال يحجم عن تحديد توقيت للحرب لكنه في كل الأحوال يستعد لها.
لكنّ ثمة من يجادل، من جهة أخرى، بأن الصين لن تغامر بالحرب، لأن الوضع الحالي أفضل لها من المغامرة غير المحسوبة. لم تخض الصين حربا منذ أربعة عقود، منذ حاربت للمرة الأخيرة في فيتنام عام 1979، أربعة عقود من السلام أسست الصين خلالها لنهضة اقتصادية قياسية، وقدمت نموذجا للصعود للسلمي روجت له باعتباره اختلافا عن النموذج الغربي الاستعماري؛ مما يجعلها مترددة في المغامرة بكل منجزات هذه العقود.
بينما ثمة فرضيةً أخرى تقول إن الصين توقفت عن الحرب، لا لشيء إلا لأنها لم تكن تستطيع الحرب. لقد كانت مغامرة الإبحار نحو تايوان محكوما عليها بالفشل بالنسبة للصين، ويمكن للقوات الأميركية خلال ساعة واحدة سحقها تماما.
لكن الصين الآن ضاعفت إنفاقها العسكري أكثر من عشرة أضعاف خلال هذه المدة، وأصبحت تمتلك أكبر ترسانة بحرية وأضخم مخزون صواريخ باليستية في العالم بتفوق كمّي "وليس نوعيا" عن الولايات المتحدة، وبحلول نهاية العقد الجاري قد تنافس قوتها الجوية قوة واشنطن، بحسب تقديرات البنتاغون. ومع امتلاك بكين لهذه الترسانة التي أصبحت قادرة، بحسب خبراء، على ضرب القواعد الأميركية في أوكيناوا (أقرب قاعدة أميركية على بعد 500 ميل من تايوان) لم يعد من المؤكد ما إذا كان البنتاغون قادرا على الاستجابة على الفور لهجوم صيني على تايوان، فضلا عن هزيمته.
غالبا ما يستبعد البعض السيناريوهات السيئة لمجرد أنها سيئة، فلا يتوقع أن تذهب إليها الأطراف المعنية لتجنب كلفتها الباهظة، لكن تاريخ العالم الحديث مليء بالحروب التي كانت دوما أسوأ السيناريوهات ثم حدثت في النهاية. لذلك، فمع أنه لا يمكن بحال ترجيح أن سيناريو الحرب في تايوان أصبح وشيكا، فإنه في كل الأحوال ليس مستبعدا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات أبعاد للولایات المتحدة الولایات المتحدة الصین الشعبیة على تایوان مایو أیار فی تایوان أن الصین وهو ما
إقرأ أيضاً:
الهند تستعد للحرب.. ماذا يحدث في كشمير المسلمة؟
في الأسبوع الماضي، قُتل ستة وعشرون شخصًا في هجوم وقع في باهالغام، في كشمير المحتلّة من قبل الهند. وباستثناء رجل كشميري واحد، كان جميع الضحايا من السائحين الهنود الذكور. وعلى الفور تقريبًا، زعمت الحكومة الهندية أن الهجوم نفّذته جماعة مسلحة مدعومة من باكستان تعمل في كشمير.
وقد وُجهت أصابع الاتهام على وجه الخصوص إلى جماعة تُدعى "جبهة المقاومة"، التي تأسست في عام 2019 في كشمير كرد فعل على قرار الهند بإلغاء الوضع شبه الذاتي لكشمير، بأنها هي التي نفّذت الهجوم.
غير أنّ هذه الجماعة نفت ذلك في بيان صدر عنها بعد عدّة أيام، موضحة أن حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي، قد تعرّضت للاختراق السيبراني.
ومن جانبها، نفت الحكومة الباكستانية بشدة أي دور لها في هذا الهجوم، وادّعت أنه مجرد "عملية خداع" (عملية زائفة تُدبرها الحكومات لإلصاق التهمة بجهة أخرى) دبّرتها الحكومة الهندية لتشويه حركة تحرير كشمير.
في منطقة محتلة مثقلة بالتوترات السياسية ككشمير، غالبًا ما تكون الحقيقة أولى ضحايا النزاع. وقد لا نعرف أبدًا من يقف وراء هجوم باهالغام. ولكن ما نعرفه يقينًا هو أن سكان كشمير، كعادتهم، هم من سيتحمّلون تبعات هذه الكارثة.
إعلانخلال الأسبوع الماضي، شنّت الحكومة الهندية حملة قمعية اعتقلت خلالها نحو 1900 كشميري. وفي بلدة كوبوارا، قُتل رجل كشميري خلال مداهمة منزله.
وفي حادثة أخرى، قُتل شقيق أحد المسلحين في مواجهة مفبركة. كما تم تدمير ما يقرب من عشرة منازل، بزعم أن أصحابها من المسلحين. وبذلك، فقدت عائلات بأكملها كل شيء، وانهار عالمهم بالكامل.
وإلى جانب ذلك، تصاعدت أعمال العنف ضد الكشميريين المقيمين في الهند. وتواترت التقارير عن تعرّضهم للضرب والمضايقات والانتقام الجماعي.
وقد اضطر كثير من الكشميريين المقيمين في الهند لأغراض العمل أو الدراسة إلى العودة لوطنهم. وعلى وسائل التواصل الاجتماعي الهندية، ظهرت دعوات لتطبيق "حل إسرائيلي" في كشمير، كما تصاعد الخطاب الإبادي ضد السكان، مع مطالبات بأن تُعامل كشمير كما تُعامل غزة. ولم تقتصر التهديدات على ذلك، بل تعدّتها إلى تهديدات بالعنف الجنسيّ ضد النّساء الكشميريات.
ولم يكن هذا مستغربًا، إذ لطالما اعتبرت الحكومة الهندية إسرائيل نموذجًا يُحتذى به. فالهند تعدّ أكبر مشترٍ للأسلحة الإسرائيلية، كما أن الحكومتين: الهندية والإسرائيلية تتعاونان تعاونًا وثيقًا في مجموعة واسعة من السياسات الدفاعية، ومكافحة التمرد، والتي تُستخدم بالأساس ضد الفلسطينيين والكشميريين.
وفي مثل هذه اللحظات، تملأ أخبار الهند وباكستان عناوين الصحف العالمية، بينما يتم تجاهل معاناة شعب كشمير وحركته الطويلة من أجل تقرير المصير، إضافةً إلى القمع الهائل الذي يتعرّض له يوميًا.
منذ عام 2019، تعيش المنطقة تحت حصار خانق. فمن خلال إلغاء الحكم الذاتي لكشمير، سعت الهند إلى تغيير جوهري في طبيعة النزاع الكشميري. وتسعى حاليًا إلى تنفيذ تغيير ديمغرافي في الإقليم ذي الغالبية المسلمة لصالح الهندوس؛ بهدف القضاء على حركة تقرير المصير المستمرّة التي تنادي بإنهاء الحكم الاستعماريّ الهندي.
إعلانوتتم هذه المحاولة عبر وسيلتين رئيسيتين: أولاهما الاستيلاء على الأراضي، مما يؤدي إلى تجريد الكشميريين من أراضيهم ومعاشهم وممتلكاتهم.
أما الوسيلة الثانية، فهي الهندسة الديمغرافية؛ إذ تم إصدار أكثر من 83 ألف شهادة "إقامة" لغير الكشميريين (مواطنين هنود) منذ عام 2022، مما منحهم حقوق الإقامة التي كانت حكرًا على مواطني كشمير الأصليين.
وهذا يعني أن هؤلاء الحاصلين على الإقامة الجديدة بات بإمكانهم التصويت، وشراء الممتلكات، والعمل في كشمير. ومع مرور الوقت، سيزداد عدد الهنود الذين يحملون شهادة الإقامة، مما سيحوّل الكشميريين إلى أقلية في أرضهم.
وإلى جانب هذه التحولات الجذرية ذات التبعات طويلة الأمد، شهدت مرحلة ما بعد 2019 أيضًا قمعًا تامًا للمجتمع المدني في كشمير. إذ لا يزال المدافعان عن حقوق الإنسان، خُرّام برويز وإرفان مهراج، من "ائتلاف المجتمع المدني في جامو وكشمير"، يقبعان في السجون الهندية بتهم زائفة تتعلق بدعم الإرهاب.
وتشمل قائمة السجناء السياسيين أيضًا ياسين مالك، وآسية أندرابي (ناشطة كشميرية تعاني من تدهور في حالتها الصحية في سجن تيهار سيئ السمعة في نيودلهي). وقد طال النسيان معاناة سجناء كشمير.
وعلاوة على ذلك، أصبح من الصعب جدًا على الكشميريين التعبير عن أنفسهم. إذ يتعرض الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والأوساط الأكاديمية والمنظمات الأخرى لقمع شديد.
يمكن لأي شخص أن يُتهم بموجب قانون مكافحة الأنشطة غير المشروعة (UAPA) – وهو قانون مكافحة الإرهاب سيئ الصيت في الهند، الذي يسمح بتصنيف الأفراد كإرهابيين دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة – لمجرد كتابة مقال أو التظاهر ضد فظائع الدولة.
كما تم تقييد حركة آخرين من خلال تعليق جوازات السفر، أو إدراج أسمائهم في قوائم حظر السفر. يعيش الناس في خوف دائم، حتى من بعضهم البعض، مما دفع الكثيرين إلى ممارسة الرقابة الذاتية. والواقع أن معظم الكشميريين كانوا يعيشون في وضعية "البقاء على قيد الحياة" حتى قبل وقوع هذا الهجوم.
إعلانلقد شجّعت الإبادة الجماعية في غزة دولًا مثل الهند، التي رأت ما استطاعت إسرائيل الإفلات به خلال العام ونصف العام الماضيين. وبذريعة هجوم باهالغام، تستطيع الهند أن تفعل أي شيء بالكشميريين، وتزيد من قمعهم وتصعيد العنف ضدهم.
غير أن هذا العنف لن يحظى بعناوين رئيسية في وسائل الإعلام الدولية، ولن يتلقى إدانة من "المجتمع الدولي". وحتى يتم التركيز على شعب كشمير وتطلعاته عند الحديث عن التوترات بين الهند وباكستان، لن يكون هناك أمل في تحقيق أي استقرار في هذه المنطقة الأوسع.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline