برلماني أردني سابق لـعربي21: دول كبرى سترسم مستقبل المنطقة قريبا (فيديو)
تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT
قال رئيس لجنة فلسطين في مجلس النواب الأردني سابقا، فراس العجارمة، إن "الدول الكبرى سترسم مستقبل المنطقة في القريب العاجل، وخاصة في مرحلة ما بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان".
وفي مقابلة خاصة مع "عربي21"، أضاف العجارمة أن "الوضع يتجه نحو مزيد من التأزم، ونحو كارثة على المنطقة كاملة؛ فاتساع رقعة الصراع ينذر بنشوب حرب إقليمية شاملة".
وأكد العجارمة أن "هناك سعي حثيث من نواب كُثر في البرلمان الأردني لإسقاط اتفاقية وادي عربة الموقعة بين الأردن وإسرائيل عام 1994، وهذا سيتضح للجميع خلال نهاية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري حينما ينعقد البرلمان"، متابعا: "لو كنت تحت قبة البرلمان في الوقت الراهن لكنت سأصوّت جزما ضد هذه الاتفاقية".
وهاجم وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، الذي طالب بالاستيلاء على شرق الأردن، قائلا: "هذا وزير مهووس في حكومة متطرفة تأخذ إسرائيل والمنطقة إلى مستقبل مجهول؛ فهم يطلقون تصريحات مجنونة وغير قابلة للتطبيق، لكن الأردن يستطيع حماية نفسه والدفاع بقوة عن حدوده، وهذا الحلم الذي يراود الإسرائيليين هو محض خيال وهراء".
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
كيف تقيمون الوضع الراهن في فلسطين في ظل الأحداث الأخيرة؟
الوضع في فلسطين الآن يدخل في عقدة التأزم، واتساع رقعة الصراع في المنطقة ينذر بنشوب حرب إقليمية شاملة، وخاصة في ظل الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، كل هذا ينعكس على الواقع الفلسطيني في الداخل.
فكما نرى في غزة الآن هناك تنكيل بأهلنا في غزة، وتدمير كامل لكل شيء يتحرك في غزة، وهناك انقضاض على الشمال وخصوصا في منطقة جباليا، ومنع وصول المساعدات سواء كانت غذائية أو طبية أو مستلزمات الحياة.
وهناك تصعيد كبير في لبنان، وقصف متواصل على كافة المناطق اللبنانية، سواء كان في الضاحية الجنوبية أو حتى في الشمال اللبناني.
وهناك ضرب لمواقع، واغتيال شخصيات في سوريا.. كل هذا يزيد الوضع تعقيدا في فلسطين، وبخاصة في غزة.
وأيضا تنامي الاعتداءات في الضفة الغربية، واقتحامات المسجد الأقصى، كل هذا يجعلنا نعتقد جازمين بأن الوضع يتجه نحو مزيد من التأزم، ونحو كارثة على المنطقة كاملة.
كيف تقارن بين موقف الأردن وموقف الدول العربية والإسلامية من العدوان على غزة؟
موقف الأردن واضح من اللحظة الأولى: نحن ضد العدوان بشكل قاطع، ونحن نستنهض همم المجتمع الدولي لوقف هذا العدوان الجائر الوحشي على أهلنا في غزة والضفة الغربية وفي لبنان، وكان الأردن من السبّاقين لمد يد العون لأهلنا في غزة من خلال الإنزالات الجوية، ومن خلال المستشفيات الميدانية التي تعمل في قطاع غزة منذ سنوات.
كيف تنظرون للعمليات التي تحدث ضد إسرائيل من الجبهة الأردنية والتي كان آخرها "عملية البحر الميت"؟
عملية البحر الميت هي رد فعل فردي من شباب أردني نتيجة لما يتعرض له أهلهم في غزة، ونحن كدولة لا نقبل بأن يكون هناك أي أفراد أو قوات غير قانونية أو ما شابه على الأرض الأردنية؛ فهناك جيش واحد، وهناك قوى أمنية واحدة، والمحافظة على الجبهة الداخلية في هذه الظروف التي تمر بها المنطقة هو أحد أسس الاستقرار سواء للأردن أو للمنطقة.
كيف ترى تعمد إسرائيل تغيير واقع المسجد الأقصى؟
المسجد الأقصى ومدينة القدس هما محور الصراع، وهم (الإسرائيليون) يعتقدون أن باستطاعتهم تغيير الواقع الزماني والمكاني للمسجد الأقصى.
وما يحدث هو استفزاز واضح لمليار مسلم، وللعرب عموما، وللدولة الأردنية خاصةً؛ نظرا لوقوع المسجد الأقصى تحت اتفاقية الوصاية الهاشمية التي تدير كافة الأوقاف الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة.
وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، طالب بالاستيلاء على شرق الأردن.. ما ردكم على تلك التصريحات؟
هذا وزير "مهووس" كبعض الوزراء في الحكومة اليمينية المتطرفة التي تأخذ إسرائيل والمنطقة إلى مستقبل مجهول؛ فهؤلاء الوزراء يطلقون تصريحات مجنونة وغير قابلة للتطبيق على الإطلاق، لكن الأردن يستطيع حماية نفسه والدفاع بقوة عن حدوده، وهذا الحلم الذي يراود الإسرائيليين هو محض خيال وهراء.
هناك مطالبات بإسقاط اتفاقية السلام الموقعة بين الأردن وإسرائيل "وادي عربة" عام 1994 لكن وزير الخارجية أيمن الصفدي صرّح مؤخرا بأن بلاده لا تعتقد أن إلغاء تلك الاتفاقية "يخدم فلسطين والأردن".. فما موقفكم من مطالبات بإسقاط "وادي عربة"؟
اتفاقية وادي عربة هي اتفاقية وقعت في وجود برلمان أردني، وتم الموافقة عليها والتصويت عليها في البرلمان الأردني آنذاك (برلمان 1993)، ونحن نعيش أجواء ديمقراطية، وهناك برلمان جديد، وهناك صعود لنجم الإسلاميين في البرلمان بواقع 35 نائبا إسلاميا من أصل 138 نائبا، وهناك مطالبات من نواب آخرين بإسقاط كافة الاتفاقيات مع العدو الصهيوني، ولكن هذا أمر سيادي ويتطلب تصويت عليه في البرلمان عندما ينعقد البرلمان في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري.
وما توقعاتكم بشأن احتمالية إسقاط اتفاقية «وادي عربة» في البرلمان؟
هناك سعي حثيث من نواب كُثر لطرح هذا الموضوع للتصويت تحت قبة البرلمان، ولو كنت تحت قبة البرلمان في الوقت الراهن لكنت سأصوّت جزما ضد هذه الاتفاقية.
كيف تنظرون للخطط المتداولة بشأن اليوم التالي بغزة بعد انتهاء الحرب؟
الوضع مُعقّد وشائك في قطاع غزة، ولم تستطع إسرائيل بعد عام ونيف من إنهاء المقاومة، وتراهم يتحدثون عن اليوم التالي في غزة.
لا يستطيع أحد أن يتصور كيف سيكون اليوم التالي؛ لأن الحرب لم تنته بعد، والرهائن لم يعودوا، ولم تستطع إسرائيل القضاء على المقاومة في غزة، وما زالت تتلقى ضربات من المقاومة، وما زال هناك صواريخ تُطلق من غزة، وما زالت حرب المساندة والتي توسعت في جنوب لبنان قائمة.
لا أحد يستطيع أن يتخيل اليوم التالي؛ لأن اليوم السابق لم ينتهِ حتى الآن، و"حماس" موجودة على الأرض تقاوم في قطاع غزة، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ باليوم التالي حتى لو كان هناك تصورات لوجود قوى أممية مُشكّلة من بعض الدول العربية، أو يكون هناك تواجد للسلطة الفلسطينية في غزة؛ فكلها تخيلات لا يستطيع أحد أن يجزم بها لأن موضوع الحرب لم يُحسم حتى الآن في غزة.
هل يمكن اللجوء إلى فرض الأحكام العرفية وحل البرلمان في الأردن؟
لم نصل إلى أي نوع من الصدامات الحقيقية والمؤثرة مع الشارع المؤيد لحركة المقاومة الإسلامية، وأعتقد أن ما تشير إليه خيار بعيد؛ لأن القوى السياسية المؤثرة في البرلمان الأردني متوازنة، ولن نلجأ إلى مسألة "تكسير عظام" في قضايا التصويت في البرلمان.
هل تتوقع فشل المشروع الملكي للإصلاح السياسي في الأردن؟
لا، هذا أمر مستبعد، لأنه مشروع بضمانات ملكية يمر بثلاث مراحل، تكون آخرها عام 2032 بحيث يكون 65% من أعضاء البرلمان مُحزبين وعلى القائمة الحزبية، ونجاح المرحلة الأولى رغم الظروف المحيطة بنا يعكس واقع الشارع الأردني، وصناديق الاقتراع تعكس واقع الشارع.
أيضا وجود برلمان قوي يقوي موقف الحكومة في أي صفقات، أو أي تعاملات مع الدول الكبرى التي سترسم مستقبل المنطقة في القريب العاجل، وخاصة في مرحلة ما بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان.
وفي نهاية الحروب تكون هناك نتائج على المدى القصير وأخرى على المدى البعيد، ومثال ذلك بعد حرب الخليج كان هناك ما يُعرف بـ "قطار السلام" بعد توقيع اتفاقية "كامب ديفيد"، وأثناء حرب الخليج (آب/ أغسطس 1990 – شباط/ فبراير 1991) كان الموقف الرسمي الأردني متناغما مع موقف الشارع والبرلمان حتى لو لم يعجب ذلك الدول الكبرى، ولكن كان الحراك الشعبي يعطي مبررا للموقف الرسمي، والآن بعد أن تنتهي الحرب الحالية سيكون هناك استحقاقات على الأرض ويجب أن يكون هناك موقف موحد للدول التي تجلس إلى الطاولة سواء الإيرانيين بصفتهم داعمين للأذرع الإيرانية بالمنطقة أو الأمريكان ودولة الاحتلال وبالطبع مصر والأردن ولبنان.
كيف ترى التحريض الذي تعرضت له الحركة الإسلامية في الأردن خلال الأيام السابقة؟
العالم بأسره وخصوصا المسلمين والعرب منقسمون في قضية غزة، هناك تأييد لما حدث في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وهذا تيار عريض جدا، وهناك تيار آخر يدعي أنها كانت مغامرة غير محسوبة النتائج قامت بها حركة حماس دون مشاورة أحد من العرب، أو حتى من الأطراف الداعمة لها في المنطقة.
هذا الانقسام في الأفكار تراه أيضا في الشارع، بين مؤيد لهذه الفكرة، ومؤيد لتلك.. قد يحدث انقسام ولكن لا يصل إلى درجة الصدام، ولا إلى درجة تهدد الوحدة الوطنية، والنسيج الوطني في الأردن.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية مقابلات الإسرائيلي غزة البرلمان الأردني وادي عربة الاردن إسرائيل غزة وادي عربة البرلمان الأردني المزيد في سياسة مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المسجد الأقصى الیوم التالی فی البرلمان البرلمان فی وادی عربة یکون هناک فی الأردن فی غزة
إقرأ أيضاً:
رايةٌ في الرمال.. مستقبل تنظيم الدولة في سوريا الجديدة
أعلنت القيادة المركزية الأميركية (سانتكوم) بتاريخ 21/12/2024، مقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) المدعو "أبو يوسف" في محافظة دير الزور شرق سوريا، قبل أن تُعدل الخبر الذي نشر على حساب القيادة على منصة x (توتير سابقاً) وتدعي أن المستهدف أحد قادة التنظيم ويدعى محمود "أبو يوسف" واثنين من مرافقيه.
يأتي هذا الإعلان بعد يومين من تاريخ تنفيذ هذه الضربة، مما يدلل على أن الخطأ لم يكن من استعجال في إيراد المعلومة، بل يعكس تخبطا في الإستراتيجية المتبعة في قتال التنظيم، ورغم الإعلانات المتكررة من التحالف الدولي ضد الإرهاب عن تقدم في تحييد قادة وعناصر التنظيم إلا أن وتيرة حركة التنظيم في سوريا لم تتغير إلا بعد سقوط النظام السوري السابق، ولذلك مسببات نحاول تفنيدها في هذه المقالة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2شتم نتنياهو وأعاد ترامب نشر كلامه.. من هو الاقتصادي جيفري ساكس؟list 2 of 2بعد سقوط الدولة المتوحشة .. أعين فرنسا مسمّرة على مسيحيي سورياend of list واقع التنظيم في سورياينتشر التنظيم في سوريا في منطقتين منفصلتين، الأولى في الجزيرة السورية (شمال شرقي سوريا)، وتسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي، حيث يتحرك التنظيم في البادية الجنوبية لمحافظة الحسكة، والتي تتصل هي الأخرى بالجهة الشمالية الشرقية من مدينة البوكمال الحدودية وتحديداً عن بلدة الباغوز آخر معاقل التنظيم الحضرية، هذه المنطقة تتصل جغرافياً ببادية الحضر في محافظة نينوى العراقية، ورغم وجود الكتل الإسمنتية الفاصلة بين البلدين إلا أن التنظيم لا يزال يتنقل عبر الحدود، هذا ما أكده لنا أحد سكان ريف محافظة الحسكة.
إعلانأما المِنطقة الثانية المعروفة باسم البادية الشامية، وتقع في محيط مدينة تدمر شرق محافظة حمص، وتتصف بأنها واسعة وتنتهي بأطراف معظم المحافظات السورية وتتصل أيضاً ببادية الأنبار العراقية التي تُعد معقلا أساسيا للتنظيم، استفاد التنظيم سابقاً من تقاسم النفوذ على طول الشريط الحدودي بين القوات الأميركية الموجودة في قاعدة التنف العسكرية والمليشيات الإيرانية التي كانت مسيطرة على مدينة البوكمال، وإضافة إلى خبرته الطويلة -نسبياً- في قتال الصحراء والتكيف معها، تمكن التنظيم من إبقاء حركته بين البلدين في هذه المنطقة.
تعدد الأطراف التي تقاتل التنظيم وحالة العداء أو الندية بينها خلق حالة مرتبكة ظهرت جلياً في الفترة الأخيرة (خلال عامي 2024-2023)، وساهم هذا الأمر في جعل المعلومات عن أعداد التنظيم وتحركاته غير دقيقة ومتفاوتة تفاوتا كبيرا، فحتى هذا الوقت لا يوجد رقم دقيق لأعداد عناصر التنظيم في سوريا، إلا أن بعض المصادر الميدانية رجحت أن تعداد عناصر تنظيم الدولة النشطين في سوريا يتراوح بين 900-1100 عنصر، الجزء الأكبر منهم في البادية الشامية بينما ينتشر الجزء الأقل في الجزيرة السورية (شمال شرق سوريا).
لماذا خفت وتيرة هجمات التنظيم في سورياخلال السنوات الأخيرة، بعد خسارة التنظيم آخر معاقله الحضرية، نفذت مجموعات التنظيم مئات العمليات العسكرية والأمنية في سوريا، معظمها كان على شكل هجمات سريعة تستهدف نقاط تمركز المليشيات الإيرانية وعناصر جيش النظام السوري السابق، إضافة إلى هجمات متتالية على صهاريج (خزانات) نقل النفط التي تحمل شحناتها من حقول الجزيرة السورية إلى مصفاتي حمص وبانياس.
وسجل عام 2024 أكثر عدد لهجمات التنظيم في سوريا، وارتفاع هذه الوتيرة تدريجياً يعود إلى الاعتيادية التي تطورت لدى قادة التنظيم في فهم تحركات المليشيات الإيرانية وطبيعة انتشارها وتمركزها، ويعزز هذا السبب أيضاً عدم وجود خطط هجومية من هذه المليشيات وجيش النظام السابق الذي اكتفى بوضعية الدفاع والتصدي وتحركات وقائية فقط، بينما التنظيم كان المبادر في أغلب المراحل نظرا لخبرته العالية في قتال الصحراء ضمن إستراتيجية حرب العصابات السريعة التي تعجز أمامها العقلية التقليدية للجيوش النظامية أو شبه النظامية، وتُعد هذه نقطة ضعف المليشيات الإيرانية، فرغم أن الطابع المؤسس لهذه المليشيات ذو حركية فاعلة إلا أن ارتباطها بجيش النظام السابق والتنسيق مع الطيران الروسي أضعف لديها المرونة المطلوبة لمجابهة التنظيم.
إعلانومنذ إعلان سقوط النظام السوري المخلوع، خفت هجمات التنظيم باستثناء الاعتيادية منها في منطقة الجزيرة السورية، وهجومين في البادية الشامية أحدهما استهدف حقل شاعر للغاز وأدى إلى مقتل مدير الحقل، هذا الاختفاء -النسبي- ليس بالضرورة أن يكون دائما، فعلى الأرجح مؤقت ويعود لأسباب عديدة، أهمها:
انتهاء وجود نقاط التمركز والإسناد التي كانت تشغلها المليشيات الإيرانية وعناصر جيش النظام السابق في البادية الشامية، فكان معظم هذه المليشيات أهدافا في متناول التنظيم، يُضاف إليها حركة الأرتال العسكرية بين محافظتي دير الزور والعاصمة دمشق مروراً بمدينة تدمر. تقدم مجموعات من جيش سوريا الحرة المدعوم من قاعدة التنف العسكرية إلى نقاط متقدمة في البادية الشامية، خاصة في شرق مدينة تدمر ومحطة نقل النفط T2 في بادية محافظة دير الزور. انتشار مجموعات عسكرية تتبع إدارة العمليات العسكرية والتي انتظمت حالياً في فرقة عسكرية (البادية) تتبع وزارة الدفاع في سوريا، كان لها الدور الأبرز في سد الفراغ في المنطقة وسيطرتها على مواقع إستراتيجية في البادية خاصة على الطريق الوحيد الذي يربط محافظتي دير الزور ودمشق.من المؤكد أن سقوط النظام السوري السابق ووصول هيئة تحرير الشام إلى دمشق لم يكن خبراً ساراً للتنظيم على الإطلاق، عبّر عن ذلك التنظيم بإصدار مرئي نشرته منصات مقربة من التنظيم بتاريخ 24/1/2025، هدد فيه الإدارة السورية الجديدة في حال طبقت قوانين وميثاق الأمم المتحدة في السلم والحرب، ويُعد هذا الإصدار هو الأول من نوعه بعد انقطاع طويل ويُعبر عن التخوفات من وصول القيادة الجديدة لدمشق ويعطي مبررات مسبقة لتصرفاته اللاحقة.
القيادات الجديدة في دمشق خاصة في وزارة الدفاع والأمن العام التابع لوزارة الداخلية وجهاز الاستخبارات معظمها من القيادات السابقة لهيئة تحرير الشام، والتي خبرت جيداً تنظيم الدولة من خلال سنوات من المعارك ضده في المنطقة الشرقية ودرعا ووسط سوريا وآخرها في إدلب، وتمكنت هذه القيادات من الإيقاع بخلايا التنظيم وحلقاته القيادية ومفارزه الأمنية، وتمتلك القيادة الجديدة مجموعات عسكرية متقدمة من ناحية التأهيل العسكري والأمني تمكنها من مجابهة التنظيم، ويبدو أن النهج الذي تتبعه القيادة الجديدة لن يكون متساهلا مع التنظيم، ويظهر ذلك في إقرار تشكيل أو فرقة في وزارة الدفاع وإسناد مهمة البادية لها وهو مؤشر لتوجهاتها في منع التنظيم من تحقيق أي تقدم له، ويمكن اختصار الإستراتيجية في أنها ستكون مواجهة وفق سياقاتها التالية:
إعلان الاستعداد العسكري الميداني والدخول في مواجهة مفتوحة ضد مجموعات التنظيم في البادية الشامية، مستفيدين من مزايا مجموعات فرقة البادية الذين في غالبهم يمتلكون مقومات قتال الصحراء ومحاكاة الطريقة التي يقاتل بها تنظيم الدولة. جهاز الاستخبارات سيكون له الدور الفاعل في متابعة التنظيم أمنياً، سابقاً تمكن جهاز الأمن العام التابع لحكومة الإنقاذ من اصطياد عشرات القادة وعناصر التنظيم. منع التنظيم من الحصول على مستلزماته العسكرية واللوجستية بتشديد التموضع لفرقة البادية على الطرقات الرئيسية وسط الصحراء، وينتظر أيضاً وضع خطة لضبط الحدود بين سوريا والعراق. السطوة المطلقة على مواقع انتشار التنظيم من وزارة الدفاع السورية ستكون مهمة لصالح القيادة من أجل سحب ذرائع وجود التحالف الدولي ضد الإرهاب في سوريا، لذلك ستركز دمشق في خططها في المستقبل القريب لدحر التنظيم. دور التحالف الدوليفي منطقة البادية الشامية اقتصر دور التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية على تنفيذ ضربات جوية محدودة على مواقع التنظيم، دون أن تكون هناك أيُ عمليات برية متقدمة، إلا في حالات تمشيط في محيط منطقة 55 الملاصقة لقاعدة التنف العسكرية، وقد يكون مغزى هذه الإستراتيجية أمران، الأول: إبقاء انشغال التنظيم في مهاجمة المليشيات الإيرانية التي كانت تنتشر نقاطها بالعشرات في البادية، والثاني: عدم خلق مواجهة مفتوحة تضطر إليها القوات الأميركية لتغيير تموضعها القتالي في قاعدة التنف العسكرية التي ستكرن وقتها -حتماً- هدفاً للتنظيم، بينما في منطقة الجزيرة السورية فشاركت القوات الأميركية قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بعشرات الحملات الأمنية وعمليات التوغل في البوادي (جنوب الحسكة).
(الفرنسية)
لكن فاعلية هذه العمليات لم تكن بالمستوى الحرفي، نظرا لشح المعلومات أو الاعتماد على قوات الآسايش في جمع المعلومات التي في غالبها تكون غير دقيقة وكيدية ضد بعض مكونات المنطقة، ففشل بذلك عدد من عمليات الإنزال الجوي التي نفذها التحالف الدولي في ريف محافظة دير الزور، ورغم تكرار الإعلان من قيادة التحالف عن إنجازات كبيرة تحققت في قتال التنظيم في المنطقة إلا أن الوقائع على الأرض تشير إلى خلاف ذلك، ويبقى المحدد الأساسي في تبيان دور التحالف الدولي ميدانياً هو في تمكن التنظيم من إعادة السيطرة على المناطق الحضرية (بلدات ومدن) وهذا لم يحدث، بينما مسارات الحضور الأمني والظهور المتكرر لمجموعات التنظيم وخطره بقي حاضراً ويُشكل هاجساً قوياً للسكان المحليين.
إعلانالتصريحات الأميركية المتعلقة بالانسحاب من سوريا، والتزامها بضمان إنهاء تنظيم الدولة في المنطقة يقعان على طرفي نقيض نظرياً، وهذا ما يجعل التفاهم بين واشنطن ودمشق على خطط الحماية محتملة، يعترض هذا الاحتمال عدم وجود تعاون قائم بين الطرفين وتركيز واشنطن على مشاركة قسد في حربها ضد التنظيم، وهذا مغاير للمثال العراقي حيث دربت ودعمت واشنطن الجيش العراقي وفق برامج مشتركة لقتال التنظيم.
مستقبل تنظيم الدولة في سورياالعتبة التي لم يستطع تنظيم الدولة التغلب عليها خاصة في سوريا هي الخطاب العام المتراجع، وتوقف مفردات هذا الخطاب عند مستوى غير جاذب على أقل تقدير في الأوساط المتماهية معه، وتزداد صعوبة هذا المشهد بالنسبة للتنظيم في تأمين حواضن آمنة له وجذب منتسبين جدد إليه، وأصبح اعتماد التنظيم على العناصر السابقة لديه وحالات تجنيد فردية غير مجدية أو فاعلة، يضاف إلى ذلك ضعف شديد ويكاد يكون معدوما كلياً في استقدام العناصر الأجنبية (من غير السوريين) التي يعد وجودها عاملاً أساسياً في بلورة خطاب التنظيم ودعم قطاعاته القتالية والتنظيمية.
ويُشكل الانتصار الذي حققته إدارة العمليات العسكرية بمعركة ردع العدوان التي قادتها هيئة تحرير الشام ووصولهم لدمشق ضربة قاسية للتنظيم لن يتمكن في الغالب من صياغة خطاب ملائم يبرر فيه فشله وانتصار (عدوه) في تحقيق النصر، وهذا يجعل الباب مفتوحاً لانشقاقات محتملة داخل صفوف التنظيم حالياً وانفضاض المروجين له لصالح المنتصر في دمشق، وأمام هذا المشهد قد يذهب التنظيم نحو استعداء مفضوح ضد القيادة السورية الجديدة وهذا الذي عبر عنه في الإصدار المرئي الأخير، والاعتماد على السياق الأمني لإثبات الحضور والوجود، دون أن يغير ذلك في المعادلة الأمنية والعسكرية للمنطقة.
السردية التي بنى عليها التنظيم خطابه العام عانت من تصدعات كبيرة، وجعلت مجمل تحركاته في حالة تراجع، انعكس ذلك جليا على عملية التجنيد أو بقاء الفاعلية قائمة في صفوفه، ويعاني التنظيم من تأمين الموارد المالية واللوجستية، وكل هذه الظروف تدفع باتجاه إضعاف النقطة التي يتفوق بها وهي حرب الصحراء، خاصة من وجود مقاتلين يتبعون لوزارة الدفاع السورية خبروا جيداً هذه المنطقة واعتادوا على أساليب القتال التي ينتهجها التنظيم، أي بات التنظيم يواجه طرفاً يحاربه بذات الأدوات التي يتفوق بها ذاته.
إعلانيدرك التنظيم أنه لا مجال -مطلقاً- لأي مهادنة مع القيادة السورية الجديدة، وأن المستقبل في البادية الشامية لن يكون جيداً له، خاصة مع ورود أنباء عن تمركز مستقبلي للجيش التركي في قواعد عسكرية في المنطقة (مطار تدمر العسكري، مطار T4) وهذا يؤمن تغطية جوية ومسوحات استخبارية للبادية التي تمكن وزارة الدفاع في سوريا من إحراز تقدم واسع في تأمين البادية وانهاء أو إبعاد على أقل تقدير مخاطر التنظيم.
من جهة أخرى فإن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن مساعي حكومته لانسحاب قواته من سوريا قد يدفع بعض الجهات إلى تسهيل حركة التنظيم في المنطقة وخاصة في الجزيرة السورية من أجل إجبار القوات الأميركية على إعادة التفكير في خطط الانسحاب إما بإلغائها أو تأجيلها، وحتماً التنظيم سيستجيب لأي تسهيلات يراها دون قراءة نتائج هذا التحرك.
على المدى القريب والمتوسط وبحسب القراءة الميدانية لوقائع التنظيم فإن التأثير الأمني المحدود سيبقى حاضراً أما التوسع أو التأثير المباشر في المعادلات الأمنية والعسكرية، فمن غير المتوقع أن تتمكن قيادات التنظيم من التأثير بها، ولعل البقاء بهذا المستوى تعتبره اللجنة المفوضة في التنظيم إنجازاً جيداً ومقبولاً تحاول الحفاظ عليه بغية انتظار تغيُر في الظروف تسمح له بإعادة السيطرة والانتشار من جديد.