ليست المرّة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي تنسف فيها إسرائيل كل مساعي التهدئة التي تقوم بها الولايات المتحدة الأميركية على جبهتي لبنان وقطاع غزة. هي حقيقة لم تعد خافية على أحد إلاّ على بعض المصابين بـ "عمى الألوان". فهؤلاء ولكثرة غبار معارك الميدان لم يعودوا قادرين على التمييز بين ما هو صح وما هو خطأ.

فالأسود بالنسبة إليهم هو كالأبيض؛ والعكس صحيح أيضًا. أمّا الذين لا يزالون قادرين على تمييز الفرق في الألوان فلا يختلف اثنان منهم على أن إسرائيل أرادت أن تصل إلى ما وصلت إليه في حربيها ضد القطاع ولبنان، وقد استغّلت عملية "طوفان الأقصى" وحرب "الاسناد والمشاغلة" لضرب حركة "حماس" الغزاوية و"حزب الله" اللبناني. وهذا ما يمكن استنتاجه أولًا من خلال تتبّع ما تقوم به من اعتداءات موصوفة ضد الغزاويين وضد اللبنانيين، وثانيًا من خلال اجهاض كل المساعي الدولية لوقف النار، سواء في غزة أو في لبنان، من دون أن يعني ذلك ربط الجبهتين والساحتين بعدما أقرتّ قيادة "حزب الله" عبر ممثليها في مجلس الوزراء، ولو متأخرًا، بالقرار اللبناني بفصل المسارين عن بعضهما البعض.   قبل أن ينطلق المفاوض الأميركي آموس هوكشتاين من واشنطن متوجهًا إلى تل أبيب كان يأمل في أن يلاقي لدى المسؤولين فيها، وبالتحديد لدى رئيس حكومة الحرب بنيامين نتنياهو بعض التجاوب مع الأفكار الأميركية التي من شأنها أن ترسي هدوءًا نسبيًا، ولو لفترة تمهيدية لهدوء مستدام تكون قاعدته الأساسية والمتينة الزام كل من إسرائيل و"حزب الله" بتطبيق القرار الأممي الرقم 1701، والذي سبق أن أُوقفت حرب تموز في العام 2006 بموجبه. لكن حسابات حقل هوكشتاين لم يتطابق مع حسابات البيدر الإسرائيلي.
ولم يكد يصل هوكشتاين، ومعه هذه المرّة موفد رديف هو بريت ماكغورك، إلى تل أبيب حتى فوجئ بمسودة إسرائيلية مسرّبة تتناقض كليًا مع الأفكار والاقتراحات، التي كان يحملها في جعبته، وتيقّن منذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها قدماها أرض مطار بن غوريون في تل أبيب أن مهمته آيلة إلى الفشل، ولم يكن ينتظر تبيان هذا الواقع في خلال لقاءاته مع المسؤولين المعنيين في تل أبيب. وعلى رغم شعوره المسبق بفشل مهمته قبل أن تبدأ كان لا يزال يأمل في إحداث خرق ما في جدار الرفض الإسرائيلي. إلاّ أن اصطدامه بالواقع المرّ أعاده على التو إلى حيث أتى خالي الوفاض؛ وهو بالتأكيد لن يعود مرّة جديدة إلى حيث عاش على فترات طويلة مسلسلًا من خيبات الأمل باستثناء ما كان توصّل إليه من نتائج في عملية التفاوض بالنسبة إلى الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وذلك في انتظار ما ستسفر عنه الانتخابات الأميركية في 5 الجاري من نتائج يراهن عليها جميع المعنيين في المنطقة، وبالأخص في إسرائيل، خصوصًا أن الحرب الدائرة في لبنان وغزة هي بند مشترك في ملف الحملات الانتخابية لكل من كاملا هاريس الديمقراطية ودونالد ترامب الجمهوري.   فمع سقوط المبادرة الأميركية لوقف النار في لبنان قبيل أيام قليلة من موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية توالى سقوط الشهداء والجرحى في لبنان في مجازر لم يشهد تاريخ الحروب مثيلًا لها، وهي المتفلتة من كل الضوابط والروادع، حتى أن نتنياهو يقفل خطه الهاتفي حتى لا يضطّر إلى الردّ المباشر على الذين يتصلون به ليطلبوا منه وقف النار. وهذا يعني أن الحرب التدميرية والتهجيرية ستستمر بوتيرة عالية حتى ليل يوم الثلثاء المقبل.  وهذا ما أكده الرئيس نبيه بري، الذي نعى المبادرة الأميركية الأخيرة لوقف النار في لبنان، معلناً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي "رفض خارطة الطريق اللبنانية التي توافقنا عليها مع آموس هوكشتاين"، واكد أن الحراك السياسي لحل الأزمة "تم ترحيله إلى ما بعد الانتخابات الأميركية". ورفض إطلاق توقعات لمسار الأزمة في ضوء نتائج الانتخابات الأميركية، معتبراً "أن الثابت الوحيد هو أن الحراك تم ترحيله إلى ما بعد هذه الانتخابات". واشار إلى أن هذا يترك الأمور في لبنان "رهناً بتطورات الميدان"، مبدياً تخوفه من "تحويل لبنان إلى غزة ثانية".
وبغض النظر عمّا يُحكى بأن نتنياهو لا يريد أن يسلّف المرشحة الديمقراطية كاملا هاريس ورقة ثمينة و"ربيّحة" يمكن أن يلعبها الحزب الديمقراطي في الانتخابات، التي ستفرق نتيجتها النهائية على بضعة أصوات، فهو مصرّ على الذهاب في خياراته العسكرية إلى آخر المطاف بعدما أصبح تدمير المنازل والقرى بمن وما فيها من "خبزه" اليومي. المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: فی لبنان تل أبیب

إقرأ أيضاً:

مناطق لبنانية تُخيف إسرائيل.. من تل أبيب يتحدثون عنها!

قال قائد سلاح البر السّابق في الجيش الإسرائيلي اللواء المُتقاعد غاي تسور إنه على إسرائيل أن تلجأ إلى تصعيدٍ كبير ضد "حزب الله" في لبنان وذلك بعد الهجمات المكثفة التي شنها الأخير ضد العديد من المناطق الإسرائيلية.   وفي حديثٍ عبر إذاعة "103FM" الإسرائيليّة وترجمهُ "لبنان24"، قال تسور إنّه "يجب على الجيش الإسرائيليّ تدمير مبانٍ في لبنان يكون عددها موازياً لعدد الصواريخ التي يُطلقها حزب الله يومياً باتجاه إسرائيل، وذلك رداً على الهجمات التي يمارسها التنظيم اللبناني".   وشدّد تسور على أن "الوضع الحالي للجبهة بين إسرائيل وحزب الله يتطلّب تغييراً جذرياً"، داعياً إلى "تحرك عسكري أكبر ضد لبنان بسبب الضعف الذي يواجهه حزب الله حالياً"، على حدّ تعبيره.   واعتبر تسور أن "دروس هجمات 7 تشرين الأول 2023 تتطلب خطوتين فوريتين يجب على إسرائيل اتخاذهما، الأول وهو إنشاء منطقة أمنية تحت إشراف الجيش الإسرائيليّ على الحدود الشمالية ومنع تعزيزات حزب الله مع تفعيل رقابة حقيقية".   مُعضلة مركزية   في المقابل، يتحدث البروفيسور والمحلل الإسرائيلي إميتسيا برعام عن "مُعضلة مركزية" تتصلُ بإمكانية السماح لسكان قرى جنوب لبنان بالعودة إلى جنوب لبنان بعد وقف إطلاق النار، وأضاف: "كل القرى في جنوب لبنان هي في الواقع جزءٌ من البنية التحتية لحزب الله. الحل الأمثل هو عدم عودة السكان إلى منازلهم ولكن يكاد يكون من المستحيل التوصل لإتفاق وقف إطلاق النار إذا حصل هذا المنع".   وتابع: "إذا أصرت إسرائيل على منع عودة سكان القرى، فإن الضغط اللبناني على حزب الله من أجل وقف إطلاق النار سوف ينخفض. من ناحية أخرى، إذا سمحنا بعودتهم، فإن عناصر حزب الله - الآباء والأبناء – سوف يعيدون وسيتجدد التهديد الأمني ضد إسرائيل".   وأكمل: "ينبغي النظر في إنشاء آلية رقابية لمنع إعادة التسلح وبناء الأنفاق واستعادة البنية التحتية لحزب الله. إذا فشلت المراقبة، فإن إسرائيل ستضطر إلى التحرك عسكريا لإزالة التهديد. هذه مهمة صعبة، لكن البديل المتمثل في عدم الموافقة على وقف إطلاق النار أكثر خطورة".   وأضاف: "إسرائيل تتعامل مع الحرب في لبنان مثل جرّاح يحاول القضاء على السرطان دون قتل المريض. حزب الله هو السرطان، ودولة لبنان هي المريض، وعلينا أن نجد وسيلة لإيذاء حزب الله دون تدمير لبنان بالكامل".   وأردف: "إذا لم تسفر الحلول القائمة عن نتائج، فقد تضطر إسرائيل إلى مهاجمة منشآت الدولة اللبنانية نفسها. هذه مرحلة لا أرغب في الوصول إليها، لكنها قد تصبح ضرورية إذا استمر التهديد".   ويخلص برعام إلى أن "استراتيجية إسرائيل الحالية هي زيادة الضغط على حزب الله من خلال الهجمات المستهدفة"، وأضاف: "مع ذلك، يجب أن نفهم أن هذه الحرب هي سباق مع الزمن، وأن القرارات الحاسمة تنتظرنا في المستقبل. أي قرار يتم اتخاذه سوف ينطوي على تكلفة باهظة، ولكن سيكون له أيضاً تأثير حاسم على مستقبل المنطقة".   تحدّ مُستمر   إلى ذلك، تقول صحيفة "معاريف" الإسرائيلية إنه "من أجل الضغط على حزب الله للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، تعمل إسرائيل الآن على زيادة هجماتها في جنوب لبنان، وهذه استراتيجية تهدف إلى توضيح الثمن الذي سيتعين على حزب الله أن يدفعه إذا اختار مواصلة القتال".   وأضاف: "مع هذا، إذا تم التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار، فسوف يكون لزاماً على إسرائيل أن تواجه التحدي المستمر المتمثل في منع حزب الله من إعادة تسليح نفسه، مع الحفاظ على حقه في الرد في حالة حدوث انتهاكات".   بدوره، يتحدث رافائيل سلاف، من سكان مستوطنة كريات شمونة القريبة من لبنان والتي تم إفراغها من سكانها قبل نحو عام بسبب الحرب، ويقول إنه يخشى اليوم الذي سيعودُ فيه سكان قرى جنوب لبنان إلى منازلهم، ويُضيف: "لا يمكننا النوم مع العدو. عندما يعود سكان كفركلا والعديسة إلى ديارهم، سنتأكد على وجه اليقين أن حزب الله على قيد الحياة وبصحة جيدة".   وأكمل: "إن التخلي عن كل الإنجازات التي حققناها بتكلفة باهظة من دماء جنودنا، والأشخاص الذين تم إجلاؤهم خارج منازلهم، وسكان خط الصراع الذين تعرضوا لإطلاق النار لمدة عام وشهرين، سيكون بمثابة وصمة عار هائلة".
من ناحيته، يقول رئيس مجلس مستوطنة ماروم هجليل، عمير سوفر: "يجب تحديد منطقة عازلة لضمان سلامة السكان. المستوطنون لن يعودوا إلى منازلهم إذا عادت القرى اللبنانية التي تبعد مئات الأمتار عنهم إلى بؤر لحزب الله". المصدر: ترجمة "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • مناطق لبنانية تُخيف إسرائيل.. من تل أبيب يتحدثون عنها!
  • لبنان ينتظر بحذر ورقة الملاحظاتمن هوكشتاين.. ميقاتي: رسالة دمويّة اسرائيلية برفض المساعي والاتصالات
  • وسائل إعلام: هوكشتاين هدد إسرائيل بانهاء جهود الوساطة
  • بعد قصف حزب الله لتل أبيب.. نتنياهو يعقد إجتماعاً عاجلاً
  • لا تسوية من دون أثمان وتنازلات...هذا ما استنتجه هوكشتاين من زيارته تل أبيب
  • شاهد | هوكشتاين اليهودي.. مجند لخدمة إسرائيل بصفة وسيط مع لبنان
  • لماذا كثفت إسرائيل هجماتها على لبنان بعد زيارة هوكشتاين؟
  • هوكشتاين إلى واشنطن...نتنياهو لا يريد وقف الحرب إلا بشروطه
  • هوكشتاين عاد الى واشنطن وتواصل مع بري مجددا.. إسرائيل ترفض اي دور لفرنسا في لجنة المراقبة
  • مصدر مقرب من نبيه بري : هوكشتاين نقل أجواء إيجابية حول مقترح وقف إطلاق النار بعد زيارته إسرائيل