قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن تلكؤ المنظومة الدولية عن اتخاذ قرارات حاسمة تجاه مجازر إسرائيل في قطاع غزة -خاصة في شماله- يجعلها شريكة في تلك الجرائم ويمثل ضوءا أخضر لإسرائيل للمضي قدما في تصعيد جريمة الإبادة الجماعية، كما يعكس تجاهلا صادما لحياة الفلسطينيين وكرامتهم.

وأشار المرصد الأورومتوسطي في بيان إلى أن المنظومة الدولية -بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية والاتحاد الأوروبي ومنظمات الأمم المتحدة المختلفة- جميعها عجزت عن تحقيق الأهداف والمبادئ الأساسية التي قامت عليها، وأظهرت فشلا مشينا على مدار 13 شهرا في الالتزام بحماية المدنيين ووقف جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة، وهو ما يفترض أن يكون في صميم عملها وسبب وجودها.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الهدم الذاتي سيف مسلط على رقاب المقدسيينlist 2 of 2ملاحقة الاحتلال لأسرى القدس تطال أموال ذويهم العجَزةend of list

وأضاف الأورومتوسطي أن استمرار الجرائم الإسرائيلية في عموم الأرض الفلسطينية المحتلة -خاصة في قطاع غزة- يشير إلى خلل بنيوي في منظومة الأمن الجماعي التي أنشئت لمنع الجرائم الخطيرة وفرض سيادة القانون على المستوى العالمي، وهو ما يُفقد المنظومة الدولية مصداقيتها ويكشف عن هشاشتها وهزليتها أمام حسابات السياسة ونفوذ الدول الكبرى الشريكة في الإبادة ويفتح المجال لتكريس ثقافة الإفلات من العقاب.

وأكد المرصد الأورومتوسطي أن المجتمع الدولي وآليات العدالة الدولية لم تتعامل بجدية مع الجرائم المرتكبة رغم خطورتها وفظاعتها، بل تجاهلتها بشكل كبير، في حين اقتصرت بعض الجهات في أفضل الحالات على بيانات خجولة لم تسمِّ الأمور بمسمياتها الصحيحة، مما شجع إسرائيل على توسيع تلك الجرائم بدعم وتسليح من الولايات المتحدة الأميركية وعدد من الدول الأوروبية.

ويتعرض شمال قطاع غزة منذ قرابة شهر -وعلى مرأى ومسمع من العالم- إلى استباحة شاملة بهدف القضاء على الفلسطينيين هناك وتهجير سكانه قسرا بالترويع والقوة القهرية لإفراغه، حيث ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي مجازر متكررة وشن الغارات والأحزمة النارية، ليقتل أكثر من 1300 شخص ويصيب نحو ألفين آخرين، بالتزامن مع فرض حصار خانق ومنع إدخال أي مساعدات، ومنع طواقم الدفاع المدني والإسعاف من العمل، وإخراج المستشفيات عن العمل، وإصدار العديد من أوامر الإخلاء القسري غير القانونية.

وأشار إلى أنه لا تزال نحو 100 ضحية فلسطينية تحت أنقاض منزل عائلة أبو نصر في بيت لاهيا الذي قصفته الطائرات الإسرائيلية صباح الثلاثاء الماضي، وانتشل منه 117 شهيدا فلسطينيا.

وكررت إسرائيل الجريمة بقصف منزل عائلة الغندور المكون من 4 طوابق في مخيم جباليا عصر الخميس الماضي لتدمره على نحو 120 فلسطينيا من سكانه باتوا جميعا تحت الأنقاض، دون أن تتوفر طواقم إسعاف أو دفاع مدني للمساعدة في انتشالهم.

كما فُقد نحو 50 بعد قصف الطائرات الإسرائيلية أول أمس الجمعة منزلا لعائلة شلايل شمالي قطاع غزة، في حين لا يزال العشرات تحت أنقاض المنازل الأخرى التي تعرضت للاستهداف.

وتمنع قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ 10 أيام متتالية طواقم الإسعاف والدفاع المدني من العمل شمال قطاع غزة، مما ترك عشرات آلاف السكان دون خدمات إسعافية وإنقاذية، في انتهاك صارخ لاتفاقيات جنيف التي تلزم بتأمين حركة الطواقم الطبية وإنقاذ الجرحى.

وعبّر المرصد الأورومتوسطي عن أسفه أن كل ذلك يجري -بما فيه قتل المرضى والجرحى وقصف المستشفيات، والتي كان آخرها مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمالي قطاع غزة- دون أن تصدر حتى مواقف من منظمات مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تخلت عن مسؤولياتها المنوطة بها في النزاعات المسلحة.

تفريغ الشمال

وحذر الأورومتوسطي من أن إسرائيل في الوقت الذي تنكر فيه رسميا أنها تنفذ خطة تفريغ شمال غزة أو ما تعرف بـ"خطة الجنرالات" فإنها تعمل على تطبيقها على أرض الواقع بلا هوادة وبسرعة، وفي هذا الصدد ألقت منشورات أول أمس الجمعة تطالب بإخلاء مراكز الإيواء في جباليا وبيت حانون وتوجه من فيها إلى الجنوب.

وأكد المرصد الأورومتوسطي أن إسرائيل تعمل على تنفيذ خطة التفريغ واقتلاع الفلسطينيين بالقوة من مربع إلى آخر، مستخدمة في ذلك المجازر وقتل المدنيين في منازلهم ومراكز الإيواء، فضلا عن التجويع، وتستمر في منع إدخال أي مساعدات أو بضائع لشمال قطاع غزة منذ شهر كامل.

وأوضح أن هذا الصمت والتعاجز مستمران رغم التحذيرات الصارخة من أن "كامل السكان الفلسطينيين في شمال غزة على شفا الموت بسبب الأمراض والجوع والعنف"، وأن الوضع في شمال القطاع بات كارثيا، حيث يعيش الناس أهوالا كأهوال القيامة، وفقا لوصف كبار مسؤولي الأمم المتحدة، بمن فيهم القائم بأعمال رئيس المساعدات الأممية ورؤساء وكالات أممية أخرى مثل اليونيسف وبرنامج الغذاء العالمي.

وشدد على أن تكرار استخدام الأسلحة الأميركية والأوروبية في قتل المدنيين الفلسطينيين جماعيا وتدمير منازلهم يجعل هذه الدول شريكة في الجرائم التي ارتكبتها إسرائيلي في حربها على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بحسب القانون الدولي، خاصة اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.

وشدد المرصد الأورومتوسطي على أن القانون الدولي الإنساني يحمي حق المدنيين خلال النزاعات المسلحة في حال قرروا البقاء بمنازلهم أو مناطقهم، ولا سيما أنهم لا يشكلون أي خطر أو تهديد على حياة القوات المحتلة، إذ تؤكد التحقيقات التي أجراها الأورومتوسطي أن عمليات القتل والتدمير لا تجري لأي ضرورة حربية إنما بهدف تدمير الفلسطينيين والقضاء عليهم بالقتل والتهجير القسري.

ودعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان المحكمة الجنائية الدولية إلى الاضطلاع بمسؤولياتها، والتحرك من دائرة الصمت إلى مرحلة إصدار أوامر بالقبض والمساءلة والمحاسبة، وذلك بشأن الجرائم الإسرائيلية التي تدخل جميعها ضمن اختصاصها، آملا أن يسهم هذا التحرك في توفير بعض الحماية للمدنيين الفلسطينيين في مواجهة مخطط الإهلاك الإسرائيلي الشامل الذي يمارس بحقهم.

وطالب المرصد الأورومتوسطي الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالتدخل الفوري لإنقاذ مئات الآلاف من سكان شمالي غزة، ووقف جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل للعام الثاني على التوالي، وفرض حظر أسلحة شامل عليها، ومساءلتها ومعاقبتها على كافة جرائمها، واتخاذ كافة التدابير الفعلية لحماية الفلسطينيين المدنيين هناك.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الجامعات حريات جریمة الإبادة الجماعیة المرصد الأورومتوسطی المنظومة الدولیة الأورومتوسطی أن قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

لماذا فشلت خطة ترامب؟

اجتمعت القمة العربية في القاهرة في الرابع من هذا الشهر للرد على مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإجبار الفلسطينيين على مغادرة غزة.

انتهت القمة -التي دعا إليها حلفاء الولايات المتحدة العرب في المنطقة- باستصدار رفض كامل لرؤية ترامب للاستيلاء على غزة وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".

لقد صيغت رؤية ترامب بعقلية استعلائية، حيث تهدف إلى تفريغ جميع سكان غزة من القطاع، وهو أمر فشلت في تحقيقه حرب الإبادة الإسرائيلية التي دامت خمسة عشر شهرًا، شنتها آلتها الحربية التدميرية.

علاوة على ذلك، فإن مثل هذه الخطط العنصرية تظل غير قابلة للتحقيق دون تعاون الدول العربية المجاورة، والتي ترى في عملية الطرد الجماعي للفلسطينيين تهديدًا مباشرًا لأمنها واستقرارها.

باختصار، بعد أقل من شهر من ولايته الثانية، شكلت تصريحات ترامب الصادمة بخصوص غزة تصعيدًا كبيرًا يمكن تفسيره بقراءات متعددة.

قد تكون إحدى هذه القراءات أن ترامب جاد في موقفه، حيث يظن أن الفلسطينيين قد هُزموا من الكيان الصهيوني، وأن الدول العربية تمر الآن بحالة من الضعف والتفكك والتبعية لا تمكّنها من وقف هذا الاستخفاف الفاضح بحقوقها وسيادتها وإرادتها.

إعلان

كما يمكن أيضًا أن تُقرأ كمحاولة علنية من ترامب لمكافأة بعض أكبر المتبرعين لحملته الانتخابية الرئاسية. فرغم أن لدى ترامب جدول أعمال طويلًا ومعقدًا على المستويين؛ الداخلي والدولي، يجعله لا يرغب في وراثة حرب عدمية ذات قيمة إستراتيجية ضئيلة، فإنه خلال حملته الرئاسية تلقى مئات الملايين من الدولارات من غلاة الصهاينة، بمن في ذلك رجل الأعمال الملياردير بيل آكمان ومالكة كازينوهات القمار ميريام أديلسون، التي منحت ترامب 100 مليون دولار في حملته الأخيرة مقابل دعمه أشد السياسات الإسرائيلية تطرفًا، تمامًا كما حدث عام 2017 عندما اعترف ترامب بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل السفارة الأميركية إليها بعد تبرعها هي وزوجها عام 2016 بأكثر من أربعين مليون دولار.

ومع ذلك، لا يزال العديد من المراقبين غير متأكدين من جدوى أخذ هذا الاقتراح على محمل الجد، لأن التصريحات الصادمة والمتكررة لترامب منذ فوزه بالانتخابات تكررت كثيرًا، وهي في مجملها تنتهك القوانين الدولية والأعراف الدبلوماسية.

فعلى سبيل المثال، طالب ترامب الدنمارك بأن تسلم غرينلاند للولايات المتحدة، ودعا كندا لأن تصبح الولاية الـ51، كما أنه حاول الضغط على بنما للتخلي عن ملكيتها لقناة بنما في أميركا الوسطى.

تعتبر مثل هذه الخطابات المناقضة للأعراف والتقاليد بين الدول في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية غير لائقة بخطاب رئيس دولة، ناهيك عن كونه رئيس أكبر قوة في العالم. ومع ذلك، لم يقتصر الأمر على أنه قد أدلى بمثل هذا التصريح المستهتر بحقوق الفلسطينيين في غزة قبل أسابيع، بل أكد عليه بعد ذلك في مناسبات عدة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض المحللين يعتقدون أن إعلان ترامب – الذي جاء خلال زيارة بنيامين نتنياهو إلى واشنطن – قد يكون محاولة لإفشال جهود رئيس وزراء الكيان الصهيوني، وهو الملاحق من المحكمة الجنائية الدولية كمجرم حرب، للحصول على الضوء الأخضر لاستئناف حرب الإبادة في غزة.

إعلان

في الواقع، فاجأت مواقف ترامب العديد داخل الإدارة الأميركية، حيث لم تتم مناقشتها قبل إعلانها. في هذه القراءة، اعتبر ترامب أن الهدف من استئناف الحرب هو إزاحة حماس من غزة، لذا فإن اقتراحه لم يقتصر فقط على طرد حماس، بل شمل أيضًا طرد جميع الفلسطينيين من غزة، فقطع بذلك على نتنياهو مبرراته للعودة للحرب.

فطوال حملته الرئاسية، كان ترامب يدعو نتنياهو إلى "الانتهاء من المهمة" في غزة. ومع ذلك، فشل الكيان الصهيوني في تحقيق ذلك وفق أهدافه المعلنة، رغم حرب إبادة وحشية ضد المقاومة والشعب الفلسطيني الأعزل استمرت 471 يومًا.

هناك أيضًا قراءة أخرى تتمحور حول إستراتيجية ترامب التفاوضية. فترامب، رجل صفقات العقارات الكبرى، يتبع إستراتيجيته الخاصة التي بينها في كتابه الشهير فن الصفقات (The Art of the Deal).

يقول ترامب في كتابه إن المفاوض الناجح يجب أن يبدأ بعرض أكثر المواقف تشددًا وتطرفًا ليستثير الطرف الآخر حتى يقوم بتقديم تنازلات كبيرة، ويقترب من موقفه حتى قبل أن تبدأ المفاوضات.

في هذه الحالة، يسعى ترامب لتحقيق سياسيًا ما عجز الكيان الصهيوني عن تحقيقه عسكريًا طوال خمسة عشر شهرًا من حرب دموية تدميرية.

لقد كان لحرب الكيان الصهيوني ثلاثة أهداف رئيسة:

إطلاق سراح الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس والفصائل الأخرى دون الحاجة إلى إطلاق سراح آلاف السجناء الفلسطينيين. القضاء على حماس وفصائل المقاومة الأخرى ككيانات عسكرية. إزالة حماس من السلطة في غزة.

وبما أنه لم يستطع تحقيق أي من هذه الأهداف ميدانيًا، بل استطاعت المقاومة أن تستنزفه لشهور، مما كلفه آلاف القتلى والجرحى في أعنف حرب استنزاف خاضها الكيان منذ نشأته، فقد اضطر في النهاية إلى قبول خطة شملت تحقيق كل أهداف حماس والمقاومة الفلسطينية.

الاتفاقية التي وقعها الطرفان كانت على الطاولة منذ شهر مايو/ أيار على الأقل، حيث قبلتها حماس، ولكنها رُفضت مرارًا من قبل الطرف الإسرائيلي، إلى أن اضطر إلى التوقيع عليها في يناير/ كانون الثاني تحت ضغط من ترامب قبل توليه الرئاسة.

إعلان

نصَّت الاتفاقية على عملية من ثلاث مراحل، كل مرحلة منها تستغرق 42 يومًا، تنتهي بإطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين، سواء كانوا أحياء أو أمواتًا، مقابل إطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين، بمن في ذلك حوالي 600 فلسطيني محكوم عليهم بالسجن المؤبد.

بالإضافة إلى ذلك، دعت الاتفاقية، التي دخلت حيز التنفيذ في 19 يناير/ كانون الثاني، إلى وقف إطلاق النار الدائم بعد المرحلة الثانية، والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من غزة، وتقديم مساعدات إنسانية ضخمة، بما في ذلك الطعام والمياه والوقود والخيام والإمدادات الطبية. كما تضمنت خطة لإعادة إعمار غزة خلال خمس سنوات.

في نفس الوقت، كان نتنياهو يتعرض إلى ضغط هائل من إدارة ترامب التي تسعى على الأقل إلى وقف مؤقت لاستعادة الرهائن، وكذلك من شركائه اليمينيين المتطرفين الذين يطالبونه بمواصلة الحرب. إيتمار بن غفير، الذي شغل منصب وزير الأمن القومي في إسرائيل، كان قد استقال من الحكومة، مما قلّص أغلبية نتنياهو في الكنيست، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بالانسحاب من الائتلاف إذا مضت إسرائيل قدمًا في المرحلة الثانية من خطة وقف إطلاق النار، مما قد يؤدي إلى سقوط حكومة نتنياهو.

في ظل هذه الظروف المعقدة، سعى ترامب إلى الإبقاء على حكومة نتنياهو، بينما وجّه إنذارًا للأنظمة العربية، وخاصة الأردن ومصر، داعيًا إياهم لقبول التهجير القسري لفلسطينيي غزة. ولكن إذا رفضوا خطته، فعليهم أن يقترحوا خطة بديلة تتماشى مع أهدافه الحقيقية، وهي نزع سلاح حماس وإزالة حكمها من غزة. مثل هذا الاقتراح قد يهدد بتقويض استقرار هذه الدول والنظام الإقليمي بأسره.

فمصر، على سبيل المثال، لديها اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني بشروط محددة ومعقدة حول الوضع في غزة. قد يخفف نقل مليون فلسطيني من غزة إلى سيناء على الكيان الصهيوني من التزاماته كقوة احتلال، لكن ذلك سيخلق تحديات أمنية واجتماعية خطيرة للنظام المصري.

إعلان

كما أن الجيش المصري، وهو المؤسسة الأهم في البلاد، غير مستعد لإدارة هذه الأزمة، حيث سيقاوم الفلسطينيون عملية التهجير القسري بقوة، مما يتسبب في حدوث توتر دائم.

وبالمثل، فإن الأردن يدرك أن قبوله بتهجير فلسطينيي غزة سيسجل سابقة خطيرة، ويجعل نقل غالبية الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى الأردن مسألة وقت قد يفرضها الكيان الصهيوني متى يشاء.

ولذا فإن مقترح ترامب يشكل تهديدًا وجوديًا للنظام الأردني، ويعرض توازنه الديمغرافي الدقيق للخطر. ولذلك يعارض الأردن بشدة هذا المقترح، لأنه يهدد بقاءَه، وسيؤدّي إلى زعزعة الاستقرار في المملكة نفسها.

لذلك، عقد حلفاء الولايات المتحدة العرب اجتماعًا طارئًا في الرياض في أواخر فبراير/ شباط لمواجهة اقتراح ترامب الخطير، واتفقوا على خطة مفصلة لمستقبل غزة.

بعد ذلك، تلا هذا الاجتماع غير الرسمي جلسة رسمية لجامعة الدول العربية في القاهرة في 4 مارس/ آذار، حيث تم إصدار بيان رسمي يرفض بشكل قاطع مقترح ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة. بدلًا من ذلك، قدمت القمة خارطة طريق لإعادة تأهيل غزة وإعادة إعمارها.

لقد دعا البيان الختامي للقمة إلى تنفيذ فوري للمرحلتين؛ الثانية والثالثة من اتفاق وقف إطلاق النار، بما في ذلك الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من غزة، واستئناف المساعدات الإنسانية على نطاق واسع لسكانها الذين يعانون بشدة. كما طالب برفع الحصار عن غزة، وأكد الحاجة إلى حل سياسي ضمن إطار حل الدولتين.

أما بالنسبة لمطلب الكيان الصهيوني والولايات المتحدة بإزالة حكم حماس من السلطة في غزة، فقد اعتمدت الخطة العربية الاقتراح المصري بإنشاء لجنة من الخبراء لإدارة غزة لمدة ستة أشهر تحت رعاية السلطة الفلسطينية، حيث كان المصريون قد توصلوا قبل عدة أسابيع إلى اتفاق مع العديد من الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك حماس وفتح.

إعلان

ولأن حكومة نتنياهو رفضت عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، فقد اقترحت الخطة المصرية فترة من التأهيل والإصلاحات التي ستتبناها السلطة الفلسطينية، بما في ذلك تدريب قواتها من قبل مصر والأردن، وبعد ذلك ستتولى السلطة مسؤولية الأمن في غزة.

أما بالنسبة إلى مسألة نزع سلاح حماس – وهي فكرة ترفض حماس والجهاد الإسلامي والفصائل الأخرى مناقشتها – فقد تم تناولها بشكل غامض في البيان الختامي.

اقترحت الوثيقة وضع جميع الأسلحة، بما في ذلك سلاح المقاومة، تحت سلطة واحدة، أي السلطة الفلسطينية، مما يؤدي فعليًا إلى إنهاء المقاومة، حيث إن منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية كانتا قد أعلنتا عن تخليهما عن النضال المسلح بموجب اتفاقيات أوسلو لعام 1993.

كما دعا البيان إلى استصدار قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتفويض قوة حفظ سلام دولية في غزة، وهو اقتراح رفضته حماس وفصائل المقاومة الأخرى بشكل قاطع، حيث صرّح المتحدثون باسم حماس والجهاد الإسلامي بأن أي قوات أجنبية في غزة ستكون بمثابة قوة احتلال، وسيتم التعامل معها على هذا النحو.

ومع ذلك، فإنه بالنسبة للعديد من المحللين، كان أحد الجوانب اللافتة للنظر في اقتراح جامعة الدول العربية هو نشر خطة إعادة إعمار غزة المؤلفة من 91 صفحة.

لقد قدمت الوثيقة مستوى ملحوظًا من التفاصيل حول كيفية إعادة بناء غزة وإعادة تأهيلها، مع تحديد خطة من ثلاث مراحل على مدار خمس سنوات، حيث ستركز المرحلة الأولى، التي ستستمر ستة أشهر، على إسكان الفلسطينيين النازحين في مساكن مؤقتة مثل الخيام والكرفانات في سبع مناطق محدّدة.

أما المرحلتان الثانية والثالثة، اللتان ستستمران ثلاث سنوات وسنتين ونصف السنة على التوالي، فستركزان على تطوير البنية التحتية بشكل كامل، بما في ذلك المدارس والجامعات والمستشفيات والطرق ومحطات الكهرباء ومنشآت التحلية والإسكان بمختلف كثافاتها في القطاع.

إعلان

كما شملت الخطة بناء الأسواق والمباني الحكومية والحدائق والفنادق والمواقع السياحية والمناطق الصناعية والزراعية.

لقد كان هذا المستوى من الخرائط المفصلة بمثابة دحض مباشر لادعاء ترامب بأن التهجير ضروري لإعادة إعمار غزة. وقد قدّرت خطة إعادة الإعمار التكلفة الإجمالية بـ 53 مليار دولار، مع تخصيص 3 مليارات دولار للمرحلة الأولى، و30 مليارًا للمرحلة الثانية، و20 مليارًا للمرحلة الثالثة. كما دعت الوثيقة إلى عقد مؤتمر دولي للمانحين قريبًا في القاهرة.

في لعب الورق، يحاول اللاعبون إخفاء كروتهم على أمل التفوق على خصومهم وكسب اللعبة. ولكن في هذه اللعبة الجيوسياسية، فقد رأى اللاعبون مصلحة في أن يضعوا أوراقهم مكشوفة على الطاولة.

يسعى الإسرائيليون وحلفاؤهم الأميركيون إلى طرد الفلسطينيين من غزة، وهو هدف بعيد المنال فشلوا في تحقيقه رغم 15 شهرًا من حرب الإبادة التي شنها الكيان الصهيوني. فكيف يعتزم ترامب تحقيق ذلك في حين أنه استبعد استخدام القوة العسكرية؟

على الجانب الآخر، فإن الدول العربية لا ترغب في مواجهة مباشرة مع ترامب، رغم تجاهلها تهديداته المغلفة، إذ ترى أن مطالبه تشكل تهديدًا لبقائها. ولكنها تأمل في استثارة اهتمامه من خلال صفقات أسلحة أو استثمارات تجارية وتقديم مبادرات سياسية، مثل اتفاقيات على غرار اتفاقيات أبراهام لعام 2020.

ولقد أشار البيان الختامي للقمة إلى إمكانية الاعتراف والتطبيع مع الكيان الصهيوني، شريطة وجود خارطة طريق قابلة للتطبيق – وليس بالضرورة تنفيذًا فوريًا – نحو تسوية سياسية تقوم على فكرة حل الدولتين.

على النقيض من ذلك، فإن التركيبة الحالية للكيان الصهيوني، من خلال تحالفها مع إدارة ترامب، وهي الأكثر صهيونية ودينية (أي مسيانية توراتية) في تاريخ الصراع، تظن أنها قادرة على تحقيق أهدافها السياسية القصوى.

إعلان

وتشمل هذه الأهداف القضاء على حركات المقاومة في المنطقة، وطرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين لحل المشكلة الديمغرافية، وتكوين أغلبية يهودية؛ حتى يمكن الادعاء بأنها "بلد ديمقراطي" مع الاحتفاظ بكل الأرض من النهر إلى البحر.

كما يسعى هذا التحالف الإسرائيلي- الأميركي إلى تفكيك برنامج إيران النووي، وفرض اتفاقيات تطبيع على دول عربية ومسلمة كبرى، واستعادة قوة الردع الإسرائيلي المفقود؛ لتعزيز هيمنته الإقليمية. هذه بالطبع قائمة مذهلة من الأهداف صعبة التحقيق.

ولذلك، فإن نتنياهو وحلفاءه في اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، إذا أصروا على تحقيق هذه الأهداف، فإنهم يحتاجون إلى إقناع ترامب بأن يعطي الأولوية لتحقيق أهدافهم، والتي بالضرورة ستعيقه عن العمل على أولوياته الأخرى في ولايته الثانية والأخيرة، حيث إن لديه برنامجًا كبيرًا ومعقدًا يسعى من خلاله إلى تفكيك ما يعتبره "الدولة العميقة" الأميركية، وإعادة بسط نفوذها العالمي تحت برنامجه الطموح.

باختصار، إن تهديدات ترامب وتصريحاته وخطابه المبهرج لن تجبر الآخرين على الخضوع لرغباته وطلباته.

وإذا لجأ إلى القوة العسكرية في غزة لتحقيق أهدافه العدوانية، فإنه سيواجه مقاومة عنيفة، ليس فقط من المعارضين التقليديين للسياسة الأميركية في المنطقة، ولكن أيضًا من الأنظمة المتحالفة مع أميركا، والتي ترى أن تصريحاته تشكل تهديدًا خطيرًا لاستقرارها.

مثل هذه العلاقات المتشابكة والأهداف المتناقضة ستؤدي حتمًا، في نهاية المطاف، إلى إحباط طموحات ترامب الواسعة، سواء في محاولته إعادة صياغة المجتمع الأميركي وفق أجندته الداخلية، أو إعادة تشكيل النظام الدولي تحت برنامجه "أميركا أولًا".

وكما أخبرنا كتابه فن الصفقة، فإن ترامب لا يكره شيئًا أكثر من مرارة الفشل وطعم الهزيمة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • مجازر تونس والشجرة التي أخفت الجرائم
  • حماس: إسرائيل تنقلب على وقف إطلاق النار وتستأنف الإبادة الجماعية بغزة
  • العدوان الأمريكي على اليمن.. حربٌ بالوكالة عن الكيان الصهيوني ودفاع عن جرائم الإبادة
  • وزارة الإعلام : نؤكّد أنّ هذا الاعتداء يُعد انتهاكاً صارخاً للقوانين والأعراف الدولية التي تكفل حماية الصحفيين خلال أداء مهامهم، وندعو الدولة اللبنانية إلى تحمل مسؤولياتها في محاسبة الجناة
  • مخلفات الإبادة الإسرائيلية.. قنابل موقوتة تهدد حياة الفلسطينيين
  • «الخارجية» الفلسطينية: إسرائيل تتعمد إطالة أمد الحرب عبر سلاح التجويع
  • عودة الحرب "على مراحل".. خيار إسرائيل البديل إن فشلت المفاوضات
  • لماذا فشلت خطة ترامب؟
  • واشنطن بوست: إسرائيل تطبق قواعد صارمة على منظمات إغاثة الفلسطينيين
  • عاجل | واشنطن بوست عن مصادر: إسرائيل تطبق قواعد جديدة صارمة على منظمات الإغاثة التي تساعد الفلسطينيين